مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي من المقرر أن تشهد منافضة محتدمة بين الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب ونظيرته الديمقراطية كامالا هاريس، يبقى مستقبل الذكاء الاصطناعي في البلاد غير واضح، خاصة في ظل استطلاعات الرأي التي تشير إلى نتائج متقاربة.

اعلان

يتباين المرشحان بشكل كبير في مقارباتهما لتنظيم التكنولوجيا والتعامل معها.

على عكس الاتحاد الأوروبي الذي وافق في وقت سابق من هذا العام على قانون الذكاء الاصطناعي بهدف الحد من أدوات التعلم الآلي ذات المخاطر العالية، لا تزال الولايات المتحدة تفتقر إلى قواعد شاملة على مستوى البلاد.

ومع ذلك، خلال ولاية الرئيس الديمقراطي المنتهية ولايته جو بايدن، أصدرت الحكومة الأمريكية أمرًا تنفيذيًا يسمح باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أوسع مع تعزيز الرقابة على الاستخدام التجاري لهذه التكنولوجيا.

ترامب يعد بإلغاء هذا الأمر إذا تم انتخابه

وفي بيان له خلال إحدى حملاته الانتخابية، صرح ترامب: "سنلغي الأمر التنفيذي الخطير لجو بايدن الذي يعيق ابتكار الذكاء الاصطناعي ويفرض أفكارًا يسارية متطرفة على تطوير هذه التكنولوجيا. بدلاً من ذلك، يدعم الجمهوريون تطوير الذكاء الاصطناعي الذي يتجذر في حرية التعبير والازدهار البشري".

مؤتمر النهوض بالتنمية المستدامة من خلال حدث الذكاء الاصطناعي الآمن والجدير بالثقة في نيويوركBryan R. Smith/AP شركات التكنولوجيا تعترض على تشديد التنظيم

من المحتمل أن تجد شركات التكنولوجيا الكبرى في تقليل التنظيم فرصةً لتوسيع أعمالها. ففي يوليو/تموز الماضي، أعربت شركة ميتا عن استيائها من القيود التنظيمية الصارمة في أوروبا، ما دفعها لعدم إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها هناك بسبب المخاوف المتعلقة بالمتطلبات التنظيمية.

بين الابتكار والتنظيم: كيف تؤثر القوانين الأوروبية على الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي؟

وقالرئيس الشؤون العالمية لشركة ميتا نيك كليغ في تشرين الأول/ أكتوبر: "آمل أن تنظر المفوضية الجديدة في هذه القضايا مرة أخرى، بما يتوافق مع هدف الرئيسة فون دير لاين المتمثل في استكمال السوق الرقمية الموحدة للاتحاد الأوروبي، حتى يتمكن الأوروبيون من الاستفادة من هذه الموجة الجديدة من التقنيات".

Relatedشركة ميتا: بدأنا بالتخلي عن خدمات موظفينا في بعض الفرق داخل الشركة بهدف إعادة تخصيص المواردميتا تحظر وسائل إعلام روسية على واتساب وفيسبوك وإنستغرام وموسكو تستنكر فضيحة كلمات المرور المكشوفة تكلف ميتا 91 مليون يورو في أيرلندا

ويزعمترامب أنه تحدث إلى تيم كوك رئيس شركة آبل (Apple) في وقت سابق من هذا الشهر للحديث عن مخاوفه المتعلقة بالاتحاد الأوروبي، الذي فرض غرامة على آبل بقيمة 13 مليار يورو لعدم دفع الضرائب في إيرلندا.

استثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي

تريد كامالا هاريس أن تبقى الولايات المتحدة رائدة في تطوير التقنيات الجديدة. وقالت في بيانهاإن ذلك من شأنه "أن يعزز الابتكار والقدرة التنافسية، وحماية العاملين والمستهلكين مع تقدم التكنولوجيا، وتطوير قوة عاملة ماهرة في مجال الذكاء الاصطناعي". وتتخذ هاريس نهجًا مختلفًا، ولكنها تستند إلى التعهدات الواردة في الأمر التنفيذي الذي فرضه بايدن.

تقترح هاريس وزميلها المرشح تيم والز "استثمارًا تاريخيًا لدعم أمننا الوطني والاقتصادي من خلال التأكد من أن الولايات المتحدة -لا الصين- تتصدر في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال توسيع نطاق الموارد الوطنية لأبحاث الذكاء الاصطناعي وجعلها موجودة بصفة دائمة، أي أن تكون هناك بنية تحتية بحثية مشتركة تهدف لمنح الشركات الناشئة والباحثين إمكانية الوصول إلى الحوسبة والبيانات والأدوات التحليلية على أعلى مستوى، لزيادة الاكتشافات والابتكارات ذات الأهمية والمسؤولية في مجال الذكاء الاصطناعي".

الرئيس جو بايدن يوقع على مذكرة تنفيذية بشأن الذكاء الاصطناعي في البيت الأبيض وبجانبه نائبته كامالا هاريسAP

قال دانيال شنور أستاذ التعلم الآلي في جامعة ريغنسبورغ بألمانيا لـيورونيوز إن هاريس "من المرجح أن تبقى على المسار الحالي". وأضاف: "أتوقع أن تكون إدارة هاريس أكثر نشاطًا فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي مقارنة بترامب، على الرغم من أن النهج سيكون على الأرجح أقل وطأة مما يتبعه الاتحاد الأوروبي على أي حال". وعلى النقيض من ذلك، سيؤدي فوز ترامب إلى المزيد من عدم اليقين بالنسبة لمقدمي خدمات الذكاء الاصطناعي.

يضع الاتحاد الأوروبي الكثير من الأموال للاستثمار في الذكاء الصناعي، ولكن بالرغم من أنه تم ضخ أموال تصل إلى 35 مليار دولار للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم في النصف الأول من عام 2024، إلا أن الاتحاد الأوروبي لم ينل إلا 6% من ذلك، حسبما وجدت دراسةمن مركز الأبحاث بريخل (Bruegel) الموجود في بروكسل.

فعلى الرغم من مبادرات المفوضية الأوروبية التي تسعى لتسريع استيعاب الذكاء الاصطناعي وتطويره من خلال إتاحة أجهزة الحواسيب العملاقة للذكاء الاصطناعي للشركات الناشئة، فإن الولايات المتحدة مستمرة في الاستثمار أكثر في الذكاء الاصطناعي.

وأضاف شنور أن نتيجة التصويت لن تغير على الأرجح وضع الولايات المتحدة بشكل كبير فيما يتعلق بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التجارية والخدمات الرقمية. وقال: "إن الفجوة التنافسية أكبر من أن تتغير بسرعة في فترة زمنية قصيرة، من حيث أكبر مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي".

الذكاء الاصطناعي في الحملة الانتخابية

تم استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، ما يشير إلى وجود مشاكل مع الأدوات غير المنظمة في الولايات المتحدة ومساهمة الذكاء الاصطناعي المحتملة في الأخبار المزيفة.

ونشرترامب الذي يقول إنه "سيعمل على "استعادة حرية التعبير" عند انتخابه، صورًا تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي للمغنية الأمريكية تايلور سويفت تظهر أنها تؤيده، أقرّ لاحقًا بأنها مزيفة. وفي نهاية المطاف، أيدت سويفت هاريس في أيلول/سبتمبر.

وشارك قطب التكنولوجيا المؤيد لترامب ومالك شركة X إيلون ماسك، وهو من مؤيدي ترامب، مقطع فيديو لهاريس على منصته، تم تجميعه بواسطة أداة استنساخ صوتي تعمل بالذكاء الاصطناعي، دون الإشارة في الأصل إلى أن المقصود منه كان محاكاة ساخرة. وجاء في الفيديو المزيف: "أنا، كامالا هاريس، مرشحتكم الديمقراطية للرئاسة لأن جو بايدن كشف أخيرًا عن خرفه في المناظرة".

اعلان

واقترحتلجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية (FCC) أن تتحق جميع محطات البث الإذاعي والتلفزيوني التي تبث إعلانات سياسية مما إذا كانت تحتوي على محتوى تم إنتاجه باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأن يتم وضع إعلان على الهواء إذا كان الأمر كذلك،. ومع ذلك، فإن هذه القواعد لم يتم وضعها قبل مرحلة التصويت في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

المصادر الإضافية • Cynthia Kroet

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظار في لندن فنلندا.. شركة ناشئة تعتمد على السجناء لتدريب الذكاء الاصطناعي هكذا تُستخدم صور الأقمار الصناعية للتحقيق في جرائم الحرب بأوكرانيا السياسة الأوروبية الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 الذكاء الاصطناعي دونالد ترامب جو بايدن كامالا هاريس اعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. سجال بين نتنياهو وزعيم معارضته وحصار خانق لغزة والمشافي تناشد لتدخل عاجل وحزب الله يقصف أكثر من هدف يعرض الآن Next النرويج تبرم صفقة دفاعية مع واشنطن لشراء صواريخ "أمرام" بـ 335 مليون يورو يعرض الآن Next روته: وجود القوات الكورية الشمالية في كورسك "تصعيد كبير" للصراع في أوكرانيا يعرض الآن Next مقتل شخصين وإصابة ستة آخرين في أحدث وابل من الغارات الروسية على أوكرانيا يعرض الآن Next ورقة بحثية: واشنطن موّلت 70% من تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان اعلانالاكثر قراءة كوكاكولا تسحب ملايين الزجاجات في النمسا.. مخاوف من شظايا معدنية تهدد سلامة المستهلكين دراسة: ممارسة الجنس جزء أساسي في حياة من هم فوق 65 عاما حب وجنس في فيلم" لوف" اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما الحزب الحاكم في جورجيا يحقق فوزاً في الانتخابات وسط اتهامات بالتزوير ورفض من المعارضة اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024إسرائيلأوكرانياأوروبالبنانغزةانتخاباتإسبانياإيرانروسياكوريا الشماليةالاتحاد الأوروبي Themes My Europeالعالمالأعمالالسياسة الأوروبيةGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامج Services مباشرنشرة الأخبارالطقسجدول زمنيتابعوناAppsMessaging appsWidgets & ServicesAfricanews Job offers from Amply عرض المزيد About EuronewsCommercial Servicesتقارير أوروبيةTerms and ConditionsCookie Policyتعديل خيارات ملفات الارتباطسياسة الخصوصيةContactPress OfficeWork at Euronewsتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

المصدر: euronews

كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 إسرائيل أوكرانيا أوروبا لبنان غزة الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 إسرائيل أوكرانيا أوروبا لبنان غزة السياسة الأوروبية الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 الذكاء الاصطناعي دونالد ترامب جو بايدن كامالا هاريس الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 إسرائيل أوكرانيا أوروبا لبنان غزة انتخابات إسبانيا إيران روسيا كوريا الشمالية الاتحاد الأوروبي السياسة الأوروبية فی مجال الذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی فی الرئاسیة الأمریکیة الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة کامالا هاریس یعرض الآن Next جو بایدن من خلال

إقرأ أيضاً:

الجدل الاقتصادي في شأن الذكاء الاصطناعي (2/5)

عبيدلي العبيدلي

خبير إعلامي

إذا كانت مواقف المؤيدين والمعارضين تتركز على الوظائف أو الكفاءة أو الاحتكار، فإن الجدل الاقتصادي الأعمق يدور حول قضايا بنيوية تمس طبيعة النظام الاقتصادي ذاته، ومفاهيم أساسية كالتوزيع، والملكية، والعدالة، والدخل، والقيمة. في هذا القسم، نسلط الضوء على أبرز هذه الإشكاليات التي أصبحت مركزية في تقييم الذكاء الاصطناعي اقتصاديًا.

توزيع الثروة: هل الذكاء الاصطناعي يُعيد إنتاج اللامساواة؟

السؤال الجوهري الذي يطرحه النقاد هو: من المستفيد الحقيقي من القيمة الاقتصادية التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي؟ بينما تعد الشركات والمجتمعات بتحقيق مكاسب كبيرة من استخدام الذكاء الاصطناعي، فإن المؤشرات الواقعية تظهر أن هذه المكاسب تذهب أساسًا إلى فئة محدودة من ملاك رؤوس الأموال الرقمية، أي الذين يملكون الخوارزميات والبنى التحتية والبيانات.

تشير دراسة لمعهد ماكينزي (2022) إلى أن 90% من القيمة السوقية للذكاء الاصطناعي تتركز في 10% فقط من الشركات. وهذا يُعيد إنتاج نمط اقتصادي يقوم على التركز والاحتكار، ويُفاقم من فجوة الدخل داخل الدول وفيما بينها. في السياق ذاته، فإن الدول النامية التي لا تملك بنية تحتية رقمية متقدمة، ولا القدرة على تطوير نماذجها الخاصة، تجد نفسها خارج دائرة التراكم الرقمي.

 

 ملكية البيانات: من يملك "النفط الجديد"؟

البيانات، في عالم الذكاء الاصطناعي، هي المادة الخام الأساسية. فكل خوارزمية تحتاج إلى تغذية مستمرة بالبيانات لتعمل وتتعلّم. والسؤال الذي يُطرح هنا: من يمتلك هذه البيانات؟ هل هو الفرد الذي يُنتجها من خلال استخدامه اليومي للتكنولوجيا؟ أم الشركات التي تجمعها وتحللها وتُحولها إلى أدوات تجارية؟

يُطالب عدد متزايد من المفكرين بضرورة الاعتراف بـ "حقوق ملكية البيانات الشخصية"، بمعنى أن الأفراد يجب أن يملكوا حق تقرير المصير بشأن بياناتهم، وأن يحصلوا على مقابل مالي مقابل استخدام شركات الذكاء الاصطناعي لتلك البيانات. هذا الطرح يُعيد طرح سؤال العدالة في الاقتصاد الرقمي: لا يمكن السماح بأن تُبنى مليارات الدولارات من الأرباح على بيانات الناس دون موافقتهم أو عائد عادل لهم.

الضرائب على الذكاء الاصطناعي: هل يجب أن تُعوّض الآلة الإنسان؟

من أكثر الطروحات المثيرة للجدل ما طرحه بيل غيتس في عام 2017 حول فرض "ضريبة على الروبوتات". الفكرة تنطلق من فرضية أن الآلة التي تحل محل العامل البشري يجب أن تُعامل اقتصاديًا كما لو كانت موظفًا، وبالتالي يجب على الشركات التي تستخدمها أن تدفع مقابل ذلك لصندوق اجتماعي يُموّل برامج تدريب وإعادة تأهيل، أو يُستخدم لتوفير دخل أساسي للمواطنين المتضررين.

لكن معارضي هذه الفكرة يرون فيها عائقًا أمام الابتكار، ومحاولة لإبطاء التقدم التكنولوجي باسم العدالة. ويكمن التحدي في إيجاد معادلة ضريبية لا تُعيق الشركات الصغيرة عن استخدام التكنولوجيا، ولا تُشجع الاحتكار، بل تُعيد توزيع الأرباح المتولدة بطريقة عادلة.

  مستقبل سوق العمل: من الوظيفة إلى المهارة

في ظل انتشار الذكاء الاصطناعي، لم يعد سوق العمل قائمًا على الوظائف الثابتة، بل على تجزئة المهارات. المفهوم الكلاسيكي للوظيفة كعقد طويل الأمد بين العامل والمؤسسة يفقد أهميته تدريجيًا، ويحل محله مفهوم العمل حسب الطلب (Gig Economy)، والعمل الحر عبر المنصات، والعمل المعتمد على المهارة الرقمية القابلة للتداول.

هذا التحول يحمل فرصًا (مثل المرونة) لكنه في المقابل يُضعف الاستقرار الاقتصادي للفرد، ويخلق طبقة "عمال رقميين بلا حماية"، لا يتمتعون بتأمين اجتماعي أو حقوق نقابية. وهنا يُطرح السؤال: هل سيبقى الاقتصاد يعمل وفق منطق "من يعمل، يحصل"، أم أن التحولات التقنية تستدعي إعادة النظر في العلاقة بين العمل والدخل؟

العدالة الجيلية والانتقال الرقمي

أخيرًا، من أكبر التحديات التي تُطرح في سياق الذكاء الاصطناعي هي العدالة بين الأجيال. فبينما يُجبر الجيل الحالي من العمال على التكيّف السريع مع أدوات جديدة، فإن النظم التعليمية في كثير من الدول لا تزال عاجزة عن إعداد الجيل القادم للتعامل مع هذا الواقع. يُظهر تقرير لليونسكو (2023) أن أقل من 25% من المدارس في الدول منخفضة الدخل تُوفر تعليمًا رقميًا كافيًا.

هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي لا يهدد فقط التوازن الطبقي الحالي، بل ينذر بتعميق الفجوة بين جيل متمكن رقميًا وآخر مُهمش معرفيًا. وإذا لم يتم التعامل مع هذا التحدي بنظرة طويلة المدى، فقد نفقد أجيالًا كاملة من الفرص الاقتصادية المستقبلية.

الذكاء الاصطناعي في التطبيق الواقعي

النقاش النظري حول الذكاء الاصطناعي لا يكتمل دون العودة إلى الوقائع الفعلية التي تُجسد تأثيراته على الاقتصاد والمجتمع. في هذا القسم، نستعرض حالات واقعية من دول ومؤسسات وشركات دولية تُبيّن كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون قوة بناءة أو مدمّرة، حسب السياق السياسي والاجتماعي والتنظيمي الذي يُحيط به.

نماذج إيجابية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد

سنغافورة – استراتيجية وطنية لذكاء اصطناعي متمركز حول الإنسان

منذ عام 2018، أطلقت سنغافورة مبادرة “AI Singapore” لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحكومية والاقتصادية ذات الأولوية، مثل النقل، والصحة، والتعليم. تم تصميم الاستراتيجية لتكون شاملة ومراعية للجوانب الأخلاقية، حيث خضعت كل مبادرة لمراجعة مجتمعية قبل تنفيذها.

في قطاع النقل، ساعد الذكاء الاصطناعي في تخفيف الازدحام بنسبة 15% عبر إدارة ذكية لحركة المرور. وفي الرعاية الصحية، طورت الدولة نماذج تشخيص مبكر للسكري والسرطان باستخدام بيانات السكان، ما أسهم في تقليل كلفة العلاج طويل الأمد. النتيجة كانت زيادة الكفاءة وتحسين الخدمات دون التضحية بالعدالة الاجتماعية.

 الهند – الذكاء الاصطناعي لخدمة المزارعين الصغار

في شراكة بين شركة Microsoft ووزارة الزراعة الهندية، تم تطوير نظام يستخدم الذكاء الاصطناعي لتوجيه المزارعين حول موعد الزراعة والحصاد، بناءً على بيانات الطقس والتربة والتاريخ الزراعي. المشروع استهدف صغار المزارعين الذين لا يمتلكون أدوات تحليلية.

النتائج أظهرت زيادة في المحصول الزراعي بنسبة تراوحت بين 20% و25%، وتقليص الهدر بنسبة 40%. هذه التجربة تُجسد كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يخدم فئات مهمشة ويُسهم في تحقيق الأمن الغذائي.

كندا – تحسين الشمول المالي عبر خوارزميات تقييم ائتماني عادلة

شركة “Zest AI” في كندا طورت نموذجًا لتقييم الجدارة الائتمانية قائمًا على الذكاء الاصطناعي، يعتمد على بيانات متنوعة بدلًا من التركيز التقليدي على الراتب وسجل الائتمان فقط. هذا التغيير مكّن الآلاف من الأفراد ذوي الدخل غير المنتظم من الوصول إلى القروض لأول مرة.

النتيجة كانت زيادة معدلات الموافقة على القروض بنسبة 25% دون ارتفاع ملحوظ في حالات التعثر، مما أثبت أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُستخدم لإزالة الحواجز الاقتصادية بدلًا من ترسيخها.

نماذج سلبية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد

الولايات المتحدة – خوارزمية “COMPAS” في النظام القضائي والتمييز ضد السود

نظام “COMPAS” طُور لتقدير احتمال عودة السجين إلى الجريمة، واستخدمته محاكم أمريكية لتقرير منح السراح المشروط. لاحقًا، كشفت منظمة ProPublica أن النظام يُظهر انحيازًا واضحًا ضد المواطنين الأمريكيين من أصول إفريقية، حيث يُقيّمهم بخطورة أعلى من البيض حتى في الحالات المتشابهة.

هذا النموذج يُظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي، عند تدريبه على بيانات منحازة، أن يُعيد إنتاج العنصرية، ما يؤدي إلى إقصاء فئات كاملة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية.

الصين – نظام “الائتمان الاجتماعي” والتحكم الاقتصادي عبر الذكاء الاصطناعي

اعتمدت الصين نظامًا للائتمان الاجتماعي يُقيّم سلوك المواطنين رقميًا بناءً على مدى التزامهم بالقوانين والمعايير الاجتماعية. يتم ذلك عبر مراقبة البيانات السلوكية من كاميرات المراقبة، والإنفاق، والحياة الرقمية. الحاصلون على تقييمات متدنية يُحرمون من شراء تذاكر القطارات، أو الحصول على قروض، أو حتى التوظيف في بعض المؤسسات.

هذا النموذج يوضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحول إلى أداة لضبط المجتمعات وفرض السيطرة، وحرمان الأفراد من المشاركة الاقتصادية إذا لم يستوفوا معايير سياسية أو سلوكية.

أفريقيا جنوب الصحراء – الإقصاء بسبب الفجوة الرقمية

رغم ما يحمله الذكاء الاصطناعي من وعود تنموية، فإن واقع الكثير من الدول الإفريقية يُظهر صورة مقلقة. ففي تقرير للبنك الإفريقي للتنمية (2022)، تبين أن 70% من سكان القارة لا يمتلكون مهارات رقمية أساسية، وأن أغلب الدول لا تملك بنية تحتية تؤهلها لاستخدام الذكاء الاصطناعي.

نتيجة ذلك أن الشركات المحلية لا تستطيع المنافسة في السوق الرقمية، وأن الذكاء الاصطناعي يزيد من التبعية الاقتصادية للخارج بدلًا من أن يُقلصها.

 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • Nvidia تجمع بين الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية في سباق التكنولوجيا الكبرى
  • الجدل الاقتصادي في شأن الذكاء الاصطناعي (2/5)
  • بروك تايلور تدعي: أمريكا تبذل جهودًا مكثفة للتهدئة.. وحماس تتحمل مسؤولية شلال الدم بـ غزة
  • بدء تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي على نماذج الذكاء الاصطناعي
  • كامالا هاريس تكشف عن موقف لم تتوقعه في ولاية ترامب الثانية
  • شركات التكنولوجيا الكبرى تتجاوز التوقعات رغم ارتفاع الرسوم الجمركية وتكاليف الذكاء الاصطناعي
  • يوتيوب يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد المستخدمين القاصرين
  • البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة: ترامب يسعى لاتفاق سلام بشأن أوكرانيا بحلول 8 أغسطس
  • علام اتفق ترامب مع الاتحاد الأوروبي؟ وهل خرج رابحا؟
  • بعد تهديدات ترامب.. أمريكا تعلن التوصل لاتفاقات تجارية مع كمبوديا وتايلاند