بين مؤيد ومعارض.. برلمان تركيا نحو إقرار قانون للحد من النفوذ الأجنبي
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
أنقرة- صادقت اللجنة القانونية في البرلمان التركي على مشروع قانون يُعرف باسم "التجسس التأثيري"، والذي طرحه حزب العدالة والتنمية الحاكم للمناقشة في مايو/أيار الماضي ضمن حزمة تاسعة من التعديلات القضائية، بهدف كبح أنشطة الاستخبارات الأجنبية داخل البلاد، وهي خطوة رفضتها المعارضة ومؤسسات مدنية، متهمة الحكومة بالسعي لاستخدام القانون الجديد لقمع الحريات.
ومن المقرر أن يُعرض مشروع القانون على البرلمان لمناقشته والمصادقة النهائية عليه خلال الأيام القليلة المقبلة.
وبحسب القانون الجديد، سيواجه من "يجري أبحاثا عن المواطنين الأتراك أو المؤسسات والمنظمات أو المقيمين الأجانب في تركيا لصالح جهات خارجية أو تنظيمات بناء على توجيهات أو مصالح إستراتيجية" عقوبة بالسجن تتراوح بين 3 و7 سنوات، تحت ما يُعرف بـ"التجسس غير المباشر" أو "التجسس التأثيري".
وفي حال ارتكاب هذه الجريمة أثناء فترة حرب أو تحضيرات الدولة لها، مما قد يُعرض القدرات الحربية أو التحركات العسكرية للخطر، ستتراوح العقوبات بين 8 و12 سنة سجن. وتضاعف العقوبات إذا تم ارتكاب جرائم أخرى إلى جانب التجسس.
وتشمل الحزمة القضائية الجديدة أيضا "مواد وقائية" تهدف إلى تعزيز قدرات التحقيق والملاحقة القضائية بشكل فعّال، بما يتماشى مع التحديات الأمنية الحديثة.
كما تتضمن مسودة القانون تنظيما حاسما يتعلق بالعاملين في الوحدات الإستراتيجية والمرافق الخاصة والعامة التي تتمتع بأهمية أمنية ووطنية، حيث سيتم مضاعفة العقوبة المفروضة على المتورطين في هذه القطاعات.
أثار مشروع القانون الجديد جدلا واسعا في الأوساط السياسية والاجتماعية، إذ واجه اعتراضات قوية من أحزاب المعارضة والمؤسسات المدنية. وتنظر له أحزاب المعارضة على أنه يشكل تهديدا خطيرا للحريات العامة وحقوق الأفراد، في حين يرى آخرون أنه ضروري لحماية الأمن القومي ومكافحة التهديدات المحتملة.
وخلال الجلسة التي عقدتها اللجنة القانونية للبرلمان التركي، انتقدت النائبة عن حزب السعادة سراب يازجي أوزبودون، مشروع القانون الجديد، مشيرة إلى أنه تم تقديمه بأسلوب "التشريع الشامل" ويفتقر للوضوح.
وذكرت أن بعض المواد تشير إلى قرارات المحكمة الدستورية دون تحديد الفقرات المرتبطة بها، مما يعوق فهم النصوص القانونية بشكل واضح.
من جهة أخرى، قدم النائب عن حزب الشعب الجمهوري، سليمان بلبل، اعتراضا آخر منتقدا مشروع القانون، حيث وصفه بأنه يسهم في خلق "مناخ من الخوف" ويزيد من رقابة الدولة.
وأوضح أن الجاسوس الذي يخون وطنه لا ينبغي أن يُحكم عليه بـ3 سنوات فقط، مشيرا إلى أن القانون الجديد يستغل لغة غامضة لتوسيع مفهوم التجسس ليشمل أفعالا قد لا تُعتبر جرائم خطيرة. واعتبر أن الهدف من ذلك هو فرض سيطرة على حرية التعبير والرأي.
وأضاف أن مشروع القانون سيؤدي إلى فرض عقوبات بالسجن بين 3 و7 سنوات على من يُعتبرون "عملاء تأثير"، محذرا من استخدامه لتقييد الحريات الأساسية وتطبيقه على كل من يُشتبه بمخالفته القوانين الأخرى، مثل قانون التظاهر، أو من ينتقد الحكومة.
عبارات غامضةوعبّر خبراء قانونيون وصحفيون عن مخاوفهم من الغموض والصياغة الفضفاضة للقانون، مشيرين إلى أن التغيرات المحتملة في المصالح السياسية لتركيا قد تُستغل من قبل الحكومة لقمع أي انتقادات تتعلق بأفعالها.
وأكد محمد غونيس، عضو جمعية الصحفيين الأتراك، أن مشروع قانون التجسس التأثيري يمثل تهديدا خطيرا للحريات الأساسية في تركيا. وأوضح أن هذا القانون قد يُستخدم كأداة لتوجيه الاتهامات للصحفيين والعاملين في مجالات الصحافة والأبحاث بناء على رغبات الحكومة.
وأشار غونيس، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الباحثين اليوم مضطرون للتعاون مع جميع الجهات العالمية لتحقيق أبحاث ذات قيمة وإسهامات مهمة في مختلف المجالات، إلا أن القانون الجديد سيقوض قدرتهم على العمل بحرية، حيث يفتح المجال لتفسير عبارات غامضة قد تُستخدم لتجريمهم وتقييد حركتهم.
وختم بالقول إن هناك حاجة ملحة للحفاظ على حرية التعبير واستقلالية العمل الصحفي، مؤكدا ضرورة أن تتراجع الحكومة عن هذا القانون للحفاظ على القيم الديمقراطية في البلاد.
ويعتبر عدد من الباحثين والسياسيين، في مقدمتهم النائب البرلماني عن حزب الشعب الجمهوري المعارض سليمان بلبل، أن مشروع القانون الجاري مناقشته في تركيا يمثل امتدادا للسياسات التي اتبعتها كل من روسيا وجورجيا في هذا المجال.
واعتمدت روسيا قانونا ينظم عملاء الأجانب في عام 2012، والذي يتطلب من الأفراد الذين يحصلون على دعم من الخارج أو يتأثرون به تسجيل أنفسهم كعملاء أجانب. وبموجب هذا القانون، يخضع هؤلاء الأفراد لعمليات تفتيش إضافية ويجب عليهم وضع إخلاء مسؤولية على جميع منشوراتهم.
وفي السياق نفسه، أقر البرلمان الجورجي في 14 مايو/أيار الماضي مشروع قانون مشابه تحت عنوان "شفافية التأثير الأجنبي"، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات كبيرة في العاصمة تبليسي.
من جهته، أشار وزير العدل التركي يلماز تونتش إلى أن هناك العديد من المفاهيم الخاطئة المتعلقة بمسألة "التجسس التأثيري"، والتي تم تقديمها للمجتمع كأنها ستؤدي إلى معاقبة من يقومون بإجراء أبحاث في تركيا، قائلا "ليس هناك حكم في مقترح القانون يتحدث عن معاقبة الباحثين في تركيا".
وشدد تونتش على أن المقترح يتضمن حكما يقضي بمعاقبة الأشخاص الذين يرتكبون جرائم في تركيا لمصلحة دولة أو منظمة أجنبية، مشيرا إلى أنه إذا ارتكب شخص جريمة في تركيا بنية التجسس، فسوف يُعاقب على هذه الجريمة بالإضافة إلى عقوبة الجريمة التي ارتكبها.
وأكد أن الحكومة لا تسعى لقمع الحريات التي تؤمن بأهميتها، بل تهدف إلى حماية الأمن القومي ومصالح البلاد من التهديدات الخارجية.
بدوره، شدد غورسال توكماك أوغلو، الرئيس السابق للمخابرات الجوية التركية، على أهمية مشروع القانون المقترح للحفاظ على أمن تركيا الداخلي والخارجي.
وقال إن هذا المشروع سيسهم في تعزيز الحماية ضد تهديدات التجسس والتأثيرات الخارجية، التي قد تستغل الأفراد تحت غطاء "العملاء المؤثرين" لتنفيذ أجندات تخدم مصالح أجنبية.
وأوضح توكماك أوغلو في حديثه مع "الجزيرة نت أن "العاملين كعملاء مؤثرين قد لا يكونون دائما على وعي تام بموقعهم، رغم أنهم يمارسون أنشطتهم بشكل قانوني ويتواصلون مع الأجانب في سياقات مشروعة"، مشيرا إلى أن هؤلاء الأفراد يمكن أن يتبعوا توجيهات معينة تخدم مصالحهم الخاصة.
وأضاف أن "التنظيمات الإرهابية" والأجهزة الاستخباراتية الأجنبية تستغل الفجوات القانونية، مما يمكّنهم من تنفيذ أنشطة تهدف إلى زعزعة الاستقرار، مثل الحملات الإعلامية والهجمات الإلكترونية والدعاية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القانون الجدید مشروع القانون فی ترکیا إلى أن
إقرأ أيضاً:
تدخين عدد أقل من السجائر غير كاف للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين
يواصل انتشار الكم الكبير من المعلومات المضللة تأدية دور سلبي وآثار ضارة على المجتمع بشكل عام، سواء كان الأمر يتعلق بالمناخ أو الطب الحديث، أو غيرها من المواضيع. كما أن صعوبة تمييز هذه المعلومات تقود الأفراد غالباً إلى الكثير من التخبط والضرر على المستويين النفسي والجسدي نتيجة لاتخاذهم قرارات غير قائمة على معلومات صحيحة. وعندما يتعلق ذلك بعادة تدخين السجائر نجد العديد من الخرافات والمعلومات المضللة لا يزال يتم تداولها بكثرة بين الأشخاص.
ومن بين هذه الخرافات المضللة نجد تداول معلومة مفادها أن تقليص عدد السجائر التي يستهلكها المدخن يومياً يسهم في تخفيف الضرر الناجم عن التدخين. وفي الواقع، إن هذه الفرضية غير صحيحة نهائياً، حيث إنه ليس هناك مستوى آمن من تدخين السجائر، بل إن أقل معدل من التدخين يمكن أن يسبب أضراراً صحية كبيرة؛ لذلك فإن المدخنين الحريصين على حالتهم الصحية بحاجة إلى البحث عن الدعم والنصيحة ليتمكنوا من الإقلاع نهائياً عن التدخين واستهلاك النيكوتين دون رجعة. ونعلم جميعنا أن هذا هو الخيار الوحيد للتخلص من التعرض إلى المزيد من المخاطر الصحية التي يتسبب فيها التدخين.
ويحتوي دخان السجائر على أكثر من 6,000 مادة كيميائية، تم تصنيف حوالي 100 مادة منها من قبل هيئات الصحة العامة على أنها ضارة أو قد تكون ضارة. وينتشر اعتقاد خاطئ بين الكثيرين، مفاده أن النيكوتين يشكل الخطر الصحي الأكبر عندما يتعلق الأمر بالتدخين، لكن الحقيقة تشير إلى أن النيكوتين -وعلى الرغم من أنه يسبب الإدمان وغير خال من المخاطر- لا يعد السبب الرئيسي للأمراض المرتبطة بالتدخين، بل إن الخطر الصحي الحقيقي يكمن في المواد الكيميائية السامة الموجودة في الدخان الناجم عن عملية احتراق السيجارة.
اقرأ أيضاًالمجتمعجامعة طيبة تعلن تعليق الدراسة الحضورية بجميع فروعها
وبالنسبة للمدخنين البالغين الذي لا يقلعون عن التدخين فإنهم بأمسّ الحاجة لاستكشاف بدائل عن استمرارهم بالتدخين لتجنب استنشاق الدخان أثناء حرق التبغ. ويمكن للمنتجات الخالية من الدخان المثبتة علمياً بأنها لا تضم احتراقاً ولا تنتج الدخان أن تقلل مستويات المواد الكيميائية الضارة بشكل كبير ما يجعلها بديلاً أفضل للمدخنين البالغين من الاستمرار في التدخين، على الرغم من أنها غير خالية من المخاطر وتحتوي على النيكوتين الذي يسبب الإدمان.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على الرغم من أن النيكوتين لا يعد السبب الرئيسي للأمراض المرتبطة بالتدخين إلا أنه يتعين على بعض الفئات ممن لديهم حالات صحية خاصة الامتناع تماماً عن استهلاك المنتجات التي تحتوي عليه، بمن فيهم النساء الحوامل والمرضعات والأشخاص المصابون بأمراض القلب والأوعية الدموية، ومرضى الضغط والسكري. كما أنه يتوجب علينا جميعاً أن نعمل بحرص كبير على على فرض إجراءات صارمة، تمنع تماماً حصول الأطفال واليافعين على المنتجات المحتوية على النيكوتين.
وفي الختام لا بد من الإشارة إلى أن تسليط الضوء على الحقائق هو السبيل الوحيد للمساعدة في فصل الحقيقة عن الخيال، وتجنب المعلومات المضللة لنتمكن من اتخاذ قرارات مستنيرة في حياتنا. ويعتبر الابتعاد عن تدخين السجائر خطوة إيجابية مهما كان شكلها، مع أن الخيار الأفضل دائماً هو الإقلاع تماماً. ولكن بالنسبة لأولئك الذين لن يفعلوا ذلك فإن استكشاف الخيارات الخالية من الدخان يمكن أن يقدم بديلاً أفضل من الاستمرار في التدخين.