#سواليف

أتت إقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، أمس، لتُفرّق الشعب وتُضعف دولة إسرائيل في وقت الحرب. وفي الواقع بات الإيرانيون، الذين وعدوا، الأسبوع الماضي، بردّ حاسم على الهجوم الإسرائيلي، يرون ما يحدث في إسرائيل، ويفهمون أن أملهم لم يتبدد بعد.
ليس هذا فحسب، بل إن النتيجة الفورية والأهم لإقالة غالانت هي أن بنيامين نتنياهو لم يعد فقط رئيس الوزراء، بل أصبح هو أيضاً وزير الدفاع.

في الواقع، ومن الآن فصاعدا، سيكون نتنياهو صاحب الكلمة الفصل في مسائل الدفاع التكتيكية والنظامية والاستراتيجية. صحيح أن وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، الذي تم تعيينه وزيراً للدفاع، قد حلّ محل غالانت، لكنه لا يشكل سلطة أمنية أمام مَن هم فوقه، أي نتنياهو، ولا أمام مرؤوسيه، أي كبار ضباط الجيش الإسرائيلي والجيش بأكمله.

يمكن أن نفهم، من خلال ملاحظة سلوك كاتس السياسي، أن دوره لن يعدو كونه منفّذاً لأوامر نتنياهو، وأنه لن يؤدي أكثر من دور مشرف ينوب عنه في متابعة المنظومة الأمنية، وخاصة كبار ضباطها: رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، ورئيس “الشاباك”، رونين بار، ورئيس “الموساد”، ديفيد برنياع، الذين لا يتفقون دائماً مع نتنياهو، وخصوصاً في القضايا المتعلقة بالأسرى وإدارة الحرب في غزة.

تنتشر الشائعات في جهاز الأمن منذ عدة أيام، وخاصة التكهنات، بشأن إمكانية استقالة كلٍّ من رئيس هيئة الأركان ورئيس “الشاباك”، اللذين يخضعان مباشرة لإمرة نتنياهو، بسبب الخلاف بشأن ضرورة وقف القتال في غزة، من أجل إطلاق سراح الأسرى، لكنني أشك في حدوث ذلك. فهرتسي هليفي وبار، وكذلك برنياع، يعتقدون أنهم إذا استقالوا، الآن، فإنهم سيتسببون بمزيد من الضرر لإدارة الحرب وأمن إسرائيل، وأنهم بذلك لن يتمكنوا من خدمة الشعب. لذلك، وعلى الرغم من أن غالانت عمل إلى حد كبير كما لو كان بذلة واقية تحمي رئيس هيئة الأركان ورئيس “الشاباك” ورئيس “الموساد”، فهؤلاء سيتعلمون، ويعرفون كيف يتأقلمون مع الوضع الجديد، إذ إن جميع رؤساء المنظومة الأمنية، بمن فيهم هرتسي هليفي والجنرالات في رئاسة هيئة الأركان، يُدارون مباشرةً من نتنياهو.

مقالات ذات صلة أمستردام.. جنود إسرائيليون يهتفون لإبادة أطفال غزة والجيش يصدر أوامر بحظر سفرهم إلى هولندا (فيديو) 2024/11/08

من المتوقع ألّا يؤثر الأمر في الجيش مباشرةً، لكنه قد يؤدي إلى أن يجرب الضباط الكبار، ممن لديهم آراء تختلف عن تلك التي لدى رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، حظوظهم لدى رئيس الوزراء ووزرائه، وهو ما قد يقوّض الانضباط في الجيش الإسرائيلي. الجيش بطبيعته قادر على التكيف، ويعرف كيف يتلقى الأوامر، بشرط أن تكون قانونية. لذلك، إذا كان هناك زلزال متوقع، فسيصيب بشكل رئيسي طبقة رؤساء هيئة الأركان، أي رئيس هيئة الأركان، وربما بعض الرؤساء الضباط الذين يبدؤون الآن باتخاذ مواقف.

إلى جانب تأثير وجود غالانت في المنظومة الأمنية فإن وجوده في وزارة الدفاع بثّ أيضاً في نفوس الشعب إحساساً بالاستقرار والقيادة المهنية والخبيرة. عندما وافق غالانت، كوزير دفاع، على العمليات، أو كرر زيارة الجبهات المختلفة، كان لذلك تأثير في توفير طمأنينة أمنية للجمهور المدني، باستثناء القطاع اليميني المتطرف الذي عارض غالانت وكرهه. كما أن الاستطلاعات التي أُجريت بين الجمهور، بما في ذلك بين العرب في إسرائيل، منحت غالانت وأداءه درجات عالية جداً، تفوق كثيراً ما حققه الوزراء الآخرون، بمن فيهم نتنياهو. وربما يكون هذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت نتنياهو يرغب في التخلص من غالانت: لم يتحمل نتنياهو قط الأشخاص الذين تفوقوا عليه، أو كانوا خلفاء محتملين له. في الواقع، كان دائماً يطرد مثل هؤلاء الأشخاص، أو يرسلهم إلى مناصب مرموقة، لكن مناصب لا تسمح لهم بتهديد موقعه كرئيس حكومة.

أسباب الإقالة
هناك أربعة أسباب فورية وواضحة لإقالة غالانت: معارضته قانون تمويل التهرب من الخدمة العسكرية (قانون الحضانات)، والخلافات بينه وبين نتنياهو، والانتخابات الأميركية، والفضائح التي يواجهها مكتب رئيس الوزراء.

السبب الأول، حسبما أسلفنا، هو معارضة وزير الدفاع غالانت لقانون التهرب من التجنيد، وقانون الحضانات، الذي يُعد في الواقع محوراً بديلاً لتثبيت قانون استثناء الحريديم من التجنيد في الجيش الإسرائيلي. كان نتنياهو يخاف من أنه إذا لم يُمرر، على الأقل، أحد هذين القانونين، فإن حاخامات الحريديم، برئاسة الحاخام أدمور غور، سينفذون تهديداتهم، وينسحبون من الائتلاف، بما يسمح بإجراء انتخابات مبكرة. رأى نتنياهو أنه من الضروري إزالة هذا التهديد، وإزاحة غالانت من طريقه – وهكذا تعيّن على غالانت الرحيل. وفي هذا السياق، يجب أن نتذكر أن غالانت أعطى، اليوم، أمراً للجيش بتجنيد 7000 من طلاب المدارس الدينية من الحريديم، وهو ما زاد في غضب وخوف الحريديم. وأدرك نتنياهو أن عليه حسم الأمر، لذا، تمت إقالة غالانت في المقام الأول للحفاظ على الائتلاف والحكومة برئاسة نتنياهو، ولا علاقة لذلك بإدارة الحرب.

يتمثل السبب الثاني، من ناحية الأهمية، في الخلافات القائمة بين نتنياهو وغالانت وكبار مسؤولي المنظومة الأمنية الآخرين بشأن قضية الأسرى الإسرائيليين والقتال في غزة. فعلاً، خلال هذا العام، برزت خلافات عديدة بين الطرفين، لكنها حُلّت بصورة أو بأُخرى. فعندما قرر رئيس الوزراء، على سبيل المثال، عدم شن هجوم على لبنان، بينما اقترح غالانت وهرتسي هليفي ذلك في 11 تشرين الأول، بعد أيام قليلة من “مذبحة” 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم يعتقد أيّ شخص في جهاز الأمن أن هذا القرار غير شرعي، ونابع من دوافع غير مهنية.

جرى الأمر نفسه عندما أجّل نتنياهو بدء المناورة البرية في قطاع غزة، ثم فيما يتعلق بدخول رفح. لقد كانت هناك خلافات كبيرة بين الأطراف، لكنها كانت مسائل خلافية انبثقت من الوضعين، المحلي والدولي، المعقّدين اللذين تجري الحرب في ظلهما. لكن فيما يتعلق بمسألة الرهائن، ظهرت خلافات جوهرية بين غالانت ورؤساء المنظومة الأمنية ونتنياهو. أهمها: أن نتنياهو غير مستعد لوقف الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن، بينما يرى كلٌّ من غالانت، وهرتسي هليفي، ورئيس “الشاباك”، ورئيس “الموساد”، أنه في مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء، يمكن وقف الحرب وإنهاء ما يجب إنهاؤه في قطاع غزة في موعد لاحق.

لقد ساد إجماع في المنظومة الأمنية على أن الانتصار على “حماس” سيتحقق، عاجلاً أم آجلاً، لكن نتنياهو لا يقبل هذا الرأي، ويريد الاستمرار حتى النصر الكامل، عندما تستسلم “حماس”، ثم تطلق سراح الرهائن.. لكن هذا الموقف أثار ضده حنق جزء كبير من الشعب الداعم لعائلات المختطفين، وهو لا يرغب في أن يواصل غالانت الضرب في غزة.

يتمثل السبب الثالث الكامن خلف توقيت الإقالة التي كانت تلوح في الأجواء منذ فترة طويلة، في أثناء الانتخابات الأميركية، حسبما أسلفنا. فالاهتمام الشعبي الإسرائيلي، بحسب افتراض نتنياهو، سيجعل الإقالة أسلس، من دون أن تشتعل احتجاجات شعبية هائلة، مثلما جرى في المرة السابقة. لا يتعلق الأمر بانشغال الجمهور بالانتخابات الأميركية فحسب، بل أيضاً لأن الجمهور الذي خرج ليحتج في الشوارع، تضاءل حجمه على مدار العام الماضي خلال الحرب، ولأن جزءاً كبيراً منه يخدم في سلاح الاحتياط الآن، ولعل هذا ما يفسّر التوقيت. لكن كما رأينا في الساعات الأخيرة، فإن آمال نتنياهو بمرور خطوته من دون احتجاج جماهيري هائل قد تلاشت، إذ خرجت الجماهير إلى الشوارع للاحتجاج.

أمّا السبب الرابع، فهو قضية الوثائق السرية والقضية الإضافية التي كُشفت تحقيقاتها، اليوم، والتي تقع في إطار صلاحيات ديوان رئيس الوزراء، ونتنياهو متورط فيها، وإن لم يكن بصورة مباشرة. وإقالة غالانت تتسبب الآن بتحويل اهتمام الجمهور عن هذه القضايا التي تصدرت العناوين في الأيام الأخيرة.

آثار الإقالة على الحرب
علينا أن نعترف، بصدق، أن غالانت كان صدامياً في تعامُله مع رئيس الوزراء. لقد وجّه إليه كثيراً من الانتقادات، وتسبّب بإحراجه كثيراً، وتمرد على سلطته عدة مرات، وأحياناً، جرى ذلك علناً، وأحياناً أُخرى، خلف الكواليس – لكن الرجل أدى دوره كوزير دفاع بأمانة أمام الشعب الإسرائيلي، لقد قام بذلك بصورة مهنية، وبكثير من الذكاء العاطفي، ولهذا، نحن مدينون له بالشكر. ومن الآن فصاعداً، سنحتاج إلى التعود على حقيقة أن نتنياهو لم يعد رئيس الوزراء القوي فحسب، بل هو أيضاً وزير الدفاع.

بالمناسبة، هذه ليست المرة الأولى التي يقبض فيها رؤساء حكومات إسرائيليون، بدءاً من بن غوريون، على حقيبة الدفاع، إمّا رسمياً، أو حتى شكلياً. في حالة بن غوريون، كان الأمر ناجحاً، كما أن الأمر كان مرتبطاً بما حدث خلال حرب 1948. لكن بن غوريون كان يتمتع بثقة شعبية شبه كاملة، حتى في صفوف معارضيه السياسيين. أمّا نتنياهو فليس سراً القول، إن نصف الشعب لا يثق بقدراته الإدارية ودوافعه، ولا يمنحه الثقة.

أمّا فيما يتعلق بالتداعيات الدولية التي ستترتب على إقالة غالانت، فمن الواضح تماماً أن الأمر سيؤثر سلباً في الإدارة الأميركية، سواء تم انتخاب كامالا هاريس، أم دونالد ترامب، بشأن إدارة الحرب بالتنسيق مع الوصية علينا عسكرياً. السبب البسيط هو أن غالانت نجح في نسج علاقة وثيقة وجيدة مع “البنتاغون”، ومع القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم). وهذه الحقيقة، بالمناسبة، كانت واحدة من القضايا التي ضاعفت توتُّر العلاقات بين غالانت ونتنياهو. لقد كان رئيس الوزراء يعتقد، ببساطة، وعلى الأرجح هو محق، أن الأميركيين يتجاوزونه من خلال علاقتهم الوثيقة بغالانت وتواصلهم الحميم معه، ولذلك، على سبيل المثال، لم يسمح له بالسفر إلى الولايات المتحدة، كوسيلة لإجبار الرئيس جو بايدن على التواصل معه (مع نتنياهو)، حسبما يتذكر الجميع.

ستستمر إدارة بايدن في الحكم حتى 21 كانون الثاني، إلى أن يجري تنصيب الرئيس الجديد، من المرجح أن يؤثر ذلك سواء في المساعدات العسكرية التي سنتلقاها، أو في الجوانب السياسية لإدارة الحرب، بما في ذلك الخطة الخاصة باليوم التالي في غزة. وحتى لو تم انتخاب ترامب، فإن طريق نتنياهو لن تكون سهلة حقاً، لأن ترامب عبّر عن غضبه، علناً، عدة مرات، وربما حتى عن كراهيته لنتنياهو. لا شك في أن رئيس الوزراء يعتقد أنه يستطيع إصلاح علاقاته مع ترامب، وأنه يفضل، في كل الأحوال، حُكم ترامب المتقلب والذي يمكن التأثير فيه بسهولة، على حُكم كامالا هاريس رئيسة.

الخلاصة هي أن نتنياهو، كوزير دفاع، سيكون أقل قدرةً بكثير من غالانت على حماية مصالح دولة إسرائيل. وهذا ينطبق أيضاً على مصالح الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والأردن، ومصر، التي لا تخفي خلافاتها مع نتنياهو ومعارضتها له، وخاصة الخط السياسي الذي يقوده، والذي يعارض إقامة دولة فلسطينية. أمّا غالانت، من ناحية أُخرى، فقد يكون قد روّج نظاماً بديلاً من “حماس” في غزة – وهو أمر ضروري جداً لإنهاء الحرب. أمّا نتنياهو، فسيجلس على الجدار وينتظر من الأميركيين والإماراتيين والمصريين والأردنيين القيام بالعمل نيابةً عنه، حتى لو لم يدفع هذا قدماً بإنشاء دولة فلسطينية. وحتى إذا نجحت سياسة نتنياهو هذه، فإنها ستؤدي إلى إطالة أمد الحرب في غزة بشكل كبير، ومن المؤكد أنها لن تعزز فرص إطلاق سراح الرهائن.

أمّا بالنسبة إلى التخوف من قيام نتنياهو بإقالة رئيس هيئة الأركان ورئيس “الشاباك” فمن المحتمل ألاّ يقيلهما لأن الصدمة ستكون كبيرة جداً في هيكل إدارة الحرب، وفي ثقة الجمهور به. لن يجد وزير الدفاع نتنياهو، فعلياً، مصاعب في توجيه هذين الشخصين بناءً على إرادته، ومن المتوقع أن يستقيلا إذا ما افترضا أن فرص إعادة الرهائن تلاشت. لكن في نهاية المطاف، يمكن التقدير أن إقالة غالانت لن تساهم في تحقيق النصر الكامل في الحرب، لكنها ستؤدي إلى إطالتها.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف رئیس هیئة الأرکان المنظومة الأمنیة إقالة غالانت رئیس الوزراء وزیر الدفاع فی الواقع أن غالانت الحرب فی ا یتعلق فی غزة

إقرأ أيضاً:

تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط

بقدر ما أظهر استمرار حرب الإبادة تصاعُد الخلاف بين إسرائيل وبين الغرب الأوروبي، بقدر ما أظهرت تداعيات وقف الحرب خلافاً متنامياً مع آخر حليف لتل أبيب أي واشنطن، وكما قدرنا سابقاً ومنذ أكثر من شهرين مرا على البدء بتنفيذ خطة ترامب بشأن غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو، لم تلتزم تماماً بتلك الخطة، التي وافقت عليها على مضض، ليس من سبب إلا لأن وقف الحرب جرى دون ان تحقق هدفها بعيد المدى، وهو تهجير سكان قطاع غزة، وضم أرضه تالياً لدولة إسرائيل الكبرى، وتجلى عدم التزام إسرائيل بوقف النار من خلال قتل نحو أربعمائة مواطن، ومواصلة تدمير ما تبقى من منازل، كذلك عبر تعميق ما يسمى بالمنطقة الصفراء التي تحتلها دون ان يكون فيها سكان سبق لها وان أجبرتهم على النزوح، والأهم ان مواصلة إطلاق النار، تبقي على احتمال مواصلة الحرب قائماً في مخيلة أركان الحكومة الإسرائيلية، بما يعني بأنها منذ البادية راهنت على وقف تنفيذ الخطة عند حدود الخط الفاصل بين مرحلتيها الأولى والثانية.

والحقيقة هناك كلام كثير يمكن أن يقال، لنؤكد على أن إسرائيل اليمينية المتطرفة حالياً، تعتقد بأنها وصلت إلى اللحظة التي أعدت لها أولاً أوضاعها الداخلية، وثانياً العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وثالثاً الشرق الأوسط برمّته ليكونوا قد باتوا جاهزين لقيام دولة إسرائيل العظمى، عبر مصطلح خادع قال به بنيامين نتنياهو علناً وصراحة قبل أكثر من عام، وهو تغيير الشرق الأوسط، والأهم هو أن نتنياهو وطاقم الحكم المتطرف يعتقد بأنه إن لم يحقق ما يصبو اليه الآن، فلن ينجح في ذلك لاحقاً، أي ان هذه الحرب ليست كما كانت سابقاتها، حيث دأبت إسرائيل على شن الحروب سابقاً بمعدل مرة كل بضع سنوات، تحتل خلالها أراضي عربية إضافية، او تحقق أهدافاً أمنية_سياسية، وحين تواجه عقدة مستعصية توافق على وقف لإطلاق النار، لتقوم بالتحضير لتحقيق ما عجزت عنه فيما بعد، هذه المرة يعتقد المتطرفون الإسرائيليون أصحاب مشروع إسرائيل العظمى والكبرى، بأن العالم يتغير بسرعة في غير صالحهم، لذلك فهذه هي فرصتهم الأخيرة، لذلك يمكن القول بأنهم غامروا لدرجة ان يخسروا تأييد الغرب الأوروبي، ويغامرون اليوم بالمراهنة حتى آخر رمق من تأييد ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذلك أن أميركا بعد ترامب ستكون ذات موقف مختلف.

لن نعيد في هذه المقالة، ما سبق لنا وقلناه عن دوافع وتفاصيل تلك الصورة، التي اتضحت خلال حرب العامين على فلسطين وعلى ست دول شرق أوسطية، لكن بالمجمل فإن كون إسرائيل كدولة بعد نحو عشر حروب خاضتها، بل بعد ما يقارب من ثمانين عاماً، على قيامها، أي منذ نشأتها حتى اليوم، والأهم بعد اربع معاهدات سلام وقعتها مع ست دول عربية، وعدد من اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار، ما زالت في حالة حرب، ليس فقط مع فلسطين، بل مع الشرق الأوسط برمّته، والأخطر بعد ان كانت تبدو في حالة حرب مع الدول العربية، بغض النظر عن كلها أو بعضها، باتت حالياً في حالة حرب مع الدول العربية والدول الإسلامية، وباختصار، باتت الشوفينية الإسرائيلية لا تكتفي بمواصلة مطالبة واشنطن بالحفاظ على تفوقها العسكري على مجمل دول المنطقة فرادى ومجتمعين وحسب، بل باتت تقول علناً بأنها تسعى لتغيير الشرق الأوسط، ولا تنكر ان طريقها لذلك هو إفراغ الشرق الأوسط من عوامل القوة العسكرية، بما يشمل تغيير الأنظمة، وأنها في سبيل ذلك تواصل شن الحرب، وأنها لا تثق بأحد، ولهذا فهي اليوم باتت في حالة حرب مع فلسطين ولبنان وسورية واليمن وإيران، فيما علاقتها متوترة مع الآخرين: مصر، الأردن، تركيا، قطر، السعودية، أي الجميع.

والحقيقة أن كون إسرائيل ما زالت في حالة حرب، منذ نشأتها، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ العالم، سوى مع الدول الاستعمارية، نقصد المغول والبيزنطيين الذين أقاموا في مناطق شاسعة من العالم قروناً، كذلك الاستعمار في القرن العشرين، مثال الجزائر وفيتنام، يعني أو يؤكد بأن إسرائيل ورغم انه لاح وكأن اتفاقيات او معاهدات السلام التي عقدتها مع مصر أولاً ثم فلسطين والأردن، ولاحقاً مع الإمارات، البحرين والمغرب، قد وضعت حداً، او أنها قد فتحت الباب لإغلاق باب الحروب بينها وبين محيطها الشرق أوسطي، العربي والإسلامي، لكن ذلك لم يحدث، ولا حتى في عالم الرياضة، حيث هي حقل لجمع الدول، بما بينها من خلافات، حيث كان فريق الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة يشارك في مباريات كرة القدم مع منتخبات الغرب الأوروبي في كؤوس العالم، بينما إسرائيل تشارك ضمن المنافسات الأوروبية، رغم أنها دولة آسيوية جغرافياً، وكثيراً ما انسحب المشاركون في مسابقات رياضية دولية، من دول عربية إفريقية ودول إسلامية تجنباً لمنافسة الرياضيين الإسرائيليين.

أي أن معاهدات واتفاقيات السلام والتطبيع، خاصة المصرية والأردنية منها، بقيت حبراً على الورق الرسمي، بينما كان توقيعها مناسبات لرفع وتيرة مواجهة التطبيع على الصعيد الشعبي. باختصار نريد القول، بأن إسرائيل لا قبل ولا خلال ولا بعد توقيع أربع اتفاقيات ومعاهدات سلام، صارت دولة طبيعية في الشرق الأوسط، وهي ما زالت دولة لم تحظ بشرف عضوية ذلك النادي الدولي، وربما كانت هذه الحقيقة التي لا شك بأنها تنغص حياة الإسرائيليين، أحد الدوافع التي تجعل منها شعاراً لمن يطمح في الحكم، وقد كان شعار السلام منذ ما بعد إعلان قيامها عام 48 طريقاً للأحزاب التي تنافست على الحكم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر، أما شعار الشرق الأوسط الجديد، فقد تلا انتهاء الحرب الباردة، ورافق مفاوضات مدريد التي أجبر عليها اليمين الليكودي الحاكم عام 1991، وإعلان اتفاق أوسلو من قبل آخر حكومات اليسار، وبالتحديد من عراب أوسلو الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي حرص على ان تشمل مفاوضات الحل النهائي مع (م ت ف) مفاوصات متعددة الأطراف، إقليمية بالطبع، لتقديم ما يغري الجانب الإسرائيلي بقيام شرق أوسط جديد، كنادٍ اقتصادي تكون لها فيه عضوية فاعلة، بالتوازي مع المفاوضات الثنائية مع الجانب الفلسطيني التي ستفضي الى الانسحاب الجغرافي.

أي أن الشرق الأوسط الجديد بمفهوم بيريس الذي بشّر به قبل أكثر من ثلاثة عقود، آخذاً بعين الاعتبار المتغير الكوني بعد انتهاء الحرب الباردة، ونشوء العلاقات بين الدول على أساس الشراكة الاقتصادية، اعتمد على أن نفوذ الدول بات مرهوناً باقتصادها وليس بتوسعها الجغرافي أو قوتها العسكرية، بينما شرق أوسط بنيامين نتنياهو، هو نقيض ذلك تماماً، حتى أن السلام عند بيريس كان يستند لمبدأ الأرض مقابل السلام، بينما عند نتنياهو يعني فرض الأمن بالقوة العسكرية، وقد كان يمكن أن يتحقق شرق أوسط جديد على أساس شراكة دوله وشعوبه في الأمن والسلام والرخاء الاقتصادي، ضمن نظام عالمي قائم على هذا المفهوم أساساً، ومثل هذا الشرق الأوسط ليس بعيداً، مع ملاحظة العلاقات البينية بين دوله، العربية والإسلامية، اي دول الخليج ومصر وكل من تركيا وايران، لكن ما حال دون ذلك هو إسرائيل بحكوماتها اليمينية التي تقول بتغيير الشرق الأوسط كله ليتوافق مع طبيعتها الاستعمارية، بينما المنطقي هو ان تتغير هي لتتوافق مع شرق أوسط طبيعي متوافق مع النظام العالمي.

هذه الوجهة هي التي ستفرض على إسرائيل التغيير الداخلي، وأهم سماته لفظ اليمين المتطرف، وإعادة التأكيد على دولة المؤسسات الديموقراطية، وذلك بالشروع فوراً في تحقيق جملة من الشروط هي: الانسحاب من ارض دولة فلسطين ومن الأراضي العربية المحتلة، وتصفية كل المناطق الأمنية، وإن كان لا بد من مناطق أمنية فعلى الجانبين، ثم تطبيق حق العودة والتعويض، مع تقديم ضمانات أمنية لدول الجوار، لأن إسرائيل هي الأقوى عسكرياً وهي التي تعتدي وتحتل، كذلك نزع الصفة الدينية عنها وبث رسالة سلام وتعايش للجوار.

وأهم أمر على إسرائيل أن تُقْدم عليه او إعلان الحدود الجغرافية النهائية للدولة، وكذلك دستورها الذي يثبت بأنها دولة طبيعية مدنية تعيش مع جيرانها وفق منطق حسن الجوار، كل ذلك يتطلب أولاً إحالة نتنياهو، عراب إسرائيل الكبرى الى المعاش السياسي، ثم إسقاط اليمين المتطرف، حتى يمكن التوصل لحل الدولتين.

الأيام الفلسطينية

مقالات مشابهة

  • مساع منذ 10 أعوام.. هكذا يطوّع نتنياهو الصحافة في إسرائيل
  • نتنياهو يعلق على هجوم سيدني.. ويهاجم أستراليا
  • عراقجي: القوات المسلحة والشعب الإيراني على أهبة الاستعداد للدفاع عن الوطن
  • تايمز أوف إسرائيل: الرئيس السيسي لا يعتزم عقد لقاء مع نتنياهو
  • خبيرة: نتنياهو يتجاهل خطة السلام .. وجود قوة دولية يردع انتهاكات إسرائيل
  • هجوم على نتنياهو بعد فيديو يُظهر أسرى إسرائيليين قبل مقتلهم بغزة
  • غولان: كان بالإمكان إعادة محتجزين بغزة أحياء لولا تعنت حكومة نتنياهو
  • تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
  • معكم حكومة بريطانيا.. المكالمة التي تلقتها الجنائية الدولية بشأن نتنياهو
  • رسالة غير مسبوقة من نتنياهو إلى إسرائيل