المراهنات الرياضية: القمار الحديث الذي يهدد القيم والمجتمع
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
في ظل الانتشار الواسع للمجموعات الإلكترونية والتطبيقات المخصصة للمراهنات على نتائج المباريات الرياضية، حذر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية من هذه الظاهرة ووصفها بأنها صورة من صور القمار المحرم شرعًا. يأتي هذا التحذير في إطار جهود المركز للتوعية بالمخاطر الدينية والاجتماعية المرتبطة بهذه الممارسات.
المراهنات الرياضية تعتمد على توقع نتائج المباريات الرياضية، حيث يدفع المشاركون أموالًا يتم تجميعها في حساب معين، ويحصل الفائز على هذه الأموال كاملة بينما يخسر الآخرون. وقد أكد الأزهر أن هذا النمط يُعد من "الميسر"، الذي حرمه الإسلام بنص واضح في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90].
أسباب التحريم وآثاره السلبيةيشير مركز الفتوى إلى أن القمار بجميع أشكاله يتسبب في تفكيك العلاقات الاجتماعية ونشر البغضاء بين الناس، كما يؤدي إلى هدر الأموال بغير وجه حق. القمار لا يقتصر ضرره على الجانب المادي فقط، بل يمتد ليشمل اضطرابات نفسية وأسرية، مثل تزايد المشكلات الزوجية والغرق في الديون.
وأضاف المركز أن القمار والإدمان على المراهنات يشبهان إدمان المواد المخدرة والكحوليات من حيث الأثر المدمر على الأفراد والمجتمع. كما أنهما من أسباب ارتفاع نسب الطلاق، وتدهور الاستقرار الأسري، وتفشي الجرائم كالسرقة والانحرافات السلوكية.
المراهنات بين اللهو المحرم والترويح المشروعأكد الأزهر أن الإسلام لا يمنع الترويح عن النفس، بل يضع له ضوابط تحفظ المال والوقت والدين. ومع ذلك، فإن أي شكل من أشكال اللهو الذي ينطوي على مقامرة أو أكل لأموال الآخرين بالباطل يُعد محرمًا ومفسدًا، كما ورد في الحديث الشريف:
«ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه» [رواه أحمد].
دعوة لحماية الشبابدعا المركز الأسر والمجتمع إلى توعية الشباب بمخاطر المراهنات الرياضية والابتعاد عن التطبيقات والمواقع التي تروج لهذه الأنشطة، والعمل على استثمار أوقاتهم في أنشطة مفيدة وبناءة.
بهذا التحذير، يسلط الأزهر الضوء على أهمية الالتزام بتعاليم الإسلام في حماية المال والنفس، داعيًا إلى تعزيز القيم الإيجابية التي تبني مجتمعًا سليمًا ومتوازنًا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: المراهنات الأزهر المراهنات الرياضية مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية المراهنات الریاضیة
إقرأ أيضاً:
هل العالمُ يتآمر على الإسلام والمسلمين؟
بدر بن خميس الظفري
@waladjameel
"اللهم من أراد كيدًا بالإسلام والمسلمين، فردَّ كيده في نحره". يتكرر هذا الدعاء على ألسنة الخطباء والدعاة كل خطبة جمعة وبعد الصلوات الخمسة، مما يعكس إحساسًا متجذرًا بأنَّ الإسلام مُستهدف، وأن مؤامرات خفية تحاك ضد المُسلمين، ليل نهار، فى مشارق الأرض ومغاربها.
وبين من يرى "الكيد بالمسلمين" حقيقة تستند إلى شواهد دينية وتاريخية، ومن يعدّه وهمًا يغذي عقلية الانغلاق وتبرر الإخفاق، تظل مسألة "المؤامرة على الإسلام والمسلمين" موضوعًا مثيرًا للجدل، تستدعي تحليلاً دقيقًا ومتوازنًا.
يشيع مصطلح "الحرب على الإسلام" باعتباره وصفًا لجهود مُتضافرة، عسكرية وثقافية، تهدف إلى النيل من المجتمعات الإسلامية. ورغم أن استخدامه ازداد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن جذوره تعود إلى عقود سابقة، حين بدأ مفكرون مسلمون يتحدثون عن استهداف الغرب للإسلام كمنظومة عقائدية وثقافية.
المُفكر المصري سيد قطب، ذكر في كتابه "معالم في الطريق" المنشور عام 1964 أنَّ الفكر الغربي يحمل عداءً واضحًا للإسلام، وأنَّ هذا العداء ليس شعورًا عابرًا؛ بل "مخطط مدروس جيدًا هدفه زعزعة أساسات المعتقدات الإسلامية ثم هدم بنية المجتمع الإسلامي تدريجيًا". من جهته، رأى آية الله الخميني قائد الثورة الإيرانية، أن الغرب يعمل على تقويض الإسلام لأنه العائق الرئيس أمام سرقة ثروات المسلمين، مؤكدًا أن "الإمبرياليين الغربيين يسعون لسرقة موارد المسلمين… وكان عليهم أولًا أن يقللوا من شأن الإسلام لأنه يقف في طريق هذه السرقة".
في السعودية، أكد الشيخ عبد العزيز بن باز، مُفتي عام المملكة الراحل، على وجود أعداء للإسلام يتربصون بالأمة ويتغلغلون في مجتمعاتها، مستندًا إلى آيات قرآنية مثل: ﴿وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ و﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَٰعُواۚ﴾. أما الأديب والمفكر المصري أنور الجندي، فقد رأى، في كتابه "المؤامرة على الإسلام"، أن هناك جهات مُحددة تقف خلف المؤامرة، وهي الاستعمار الغربي، والصهيونية، والشيوعية، تسعى جميعها لإسقاط الدول الإسلامية وإذابة الإسلام في الأطر الأممية.
وامتد هذا التصور ليشمل شخصيات وتنظيمات مثل أسامة بن لادن، وأنور العولقي، وتنظيمي القاعدة وداعش، الذين رأوا أنَّ العالم غير المسلم بأسره متآمر على الإسلام، يبيت على الحقد ويصحو عليه، وأن "ملة الكفر واحدة"، وأن المسلمين يعيشون حالة اضطهاد دائم مقابل ماضٍ وردي مزعوم.
في المقابل، برزت أصوات مفكرين غربيين وعرب يشككون في صحة هذه التصورات. العالم السياسي الفرنسي أوليفييه روا وصف خطاب سيد قطب بأنه يحمل كراهية راديكالية للغرب، معتبرًا أن التركيز على المؤامرات يُشل الفكر السياسي الإسلامي، ويمنع المسلمين من التعامل الجاد مع أزماتهم الداخلية. بينما ذهب الباحث الأمريكي الدكتور جوناثان شانزر إلى أن الكراهية ضد الغرب لم تكن موجودة في التاريخ الإسلامي القديم، لكنها تصاعدت بعد التفوق العسكري والتقني للغرب، ما أحدث حالة من الإحباط في العالم الإسلامي الذي بات يتوق إلى "عودة المجد" أكثر من مواجهته للواقع.
موقع "العربية نت” نشر مقالا للكاتب الأردني مالك العثامنة أكد فيه أن أصحاب نظرية المؤامرة لا يقتنعون بالحجج مهما بلغت قوتها، ويعيشون داخل تصور دائري مغلق للعالم، يرون فيه الغرب كتلة موحدة متفرغة فقط للقضاء على الإسلام. وأكد الكاتب أن الحل يكمن في ترسيخ الوعي العلمي والموضوعي منذ المراحل التعليمية المبكرة. أما موقع “الجزيرة نت”، فقد نشر مقالا للكاتب فراس داده تناول فيه الجذور التاريخية لنظرية المؤامرة في المجتمعات العربية، معتبرًا أنها ترسخت بعد الاستقلال عن العثمانيين، حين لجأت الأنظمة الشمولية إلى تبني هذه السردية لتبرير فشلها. ورغم إقرار كاتب المقال بوجود تضارب مصالح على المستوى الدولي، إلا أنه يؤكد أن العوامل الداخلية، من وعي وثقافة وإرادة نهوض، هي الأهم. ويضرب مثلًا باليابان وألمانيا اللتين تجاوزتا الدمار بعد الحرب العالمية الثانية، بينما لا تزال الدول العربية غارقة رغم ما تملكه من ثروات وموقع استراتيجي.
وفي سياق مشابه، يقول المدون المغربي عادل أعياشي في مقاله المنشور على مدونات الجزيرة إن "الترويج الدائم لفكرة أن الإسلام مستهدف هي محاولة لتخدير وعي المسلمين وشحنهم بالغضب بدلًا من دفعهم للنهوض الحقيقي"، مؤكدًا أن "الخلل في داخلنا أكثر من أن يُفسّر بمؤامرة خارجية"، وأن الخطاب المتكرر عن الاستهداف "يُنتج شعورًا دائمًا بالضعف، ويلغي مسؤولية الإنسان عن مصيره".
وتظهر نظريات المؤامرة في العالم العربي بأشكال محددة، غالبًا ما تتمحور حول الصهيونية والولايات المتحدة. الصهيونية تُتهم في الأدبيات العربية بالترويج للأوبئة والانقسامات، بل وحتى بالتسبب في الثورات الكبرى واغتيال رؤساء مثل كينيدي ولينكولن. وتُعد “بروتوكولات حكماء صهيون” مرجعًا متكررًا في هذا السياق، رغم أن مصداقيتها محل شك واسع.
أما الولايات المتحدة، فغالبًا ما يُنظر إليها كطرف رئيسي في “المؤامرة”، وتُتهم مثلًا بالتدخل في نتائج الانتخابات المصرية عام 2012 لصالح جماعة الإخوان المسلمين، ضمن سردية أوسع عن دعم أمريكا لمشاريع التقسيم والفوضى في العالم الإسلامي.
إن المؤامرة على الإسلام ليست سوى حالة ذهنية تسهّل الهروب من المسؤولية، وتغذي عقلية الاتكال وتبرير الفشل. والتعامل العقلاني مع هذه القضية يتطلب وعيًا تحليليًا، يبتعد عن التبسيط، وينطلق من أساس علمي يدعو إلى نقد الذات قبل اتهام الغير، ويؤمن بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، لا من مواجهة عدو خارجي فقط.
رابط مختصر