خروقات لا تنتهي لوقف إطلاق النار.. ماذا تريد إسرائيل؟!
تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT
منذ صباح يوم الأربعاء الماضي، تاريخ دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل حيّز التنفيذ، لا تتوقف الخروقات الإسرائيلية في العديد من القرى الجنوبية، إذ لا يمرّ يوم من دون تسجيل قصف لمناطق عدّة، وصولاً إلى نسف بعض المنازل والمباني في بلدة الخيام الجنوبية مثلاً، وذلك بموازاة منعها أهالي عشرات القرى اللبنانية الحدودية من العودة إليها، على وقع التحذيرات اليومية التي تواصل نشرها.
في المقابل، يُلاحَظ أنّ "حزب الله" يلتزم بسياسة "ضبط النفس" إن صحّ التعبير، إذ لم يقم بأيّ عملية عسكرية منذ لحظة سريان الاتفاق، حتى إنّ أيّ تعليق "رسمي" على الخروقات الإسرائيلية لم يصدر عنه، ولا توعّد بالردّ عليها، بالتوازي مع حرصه على توصيف الاتفاق بأنّه شكّل "انتصارًا" للمقاومة في لبنان، حتى إنّ الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم قال إنه "يفوق" ذلك الذي تحقّق في حرب تموز 2006، بدليل الصمود الأسطوري الذي حصل.
وبين الخروقات الإسرائيلية المتواصلة وموقف "حزب الله" الذي يبدو كمن ينأى بنفسه عنها، ثمّة من يطرح علامات استفهام عن "مصير" الاتفاق ككلّ، وسط مخاوف متصاعدة من احتمال "انهياره" قبل اكتمال مهلة الستّين يومًا، علمًا أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض اعتباره "نهاية للحرب"، ويصنّفه على أنّه "هدنة" قد لا تكون طويلة الأمد، فما الذي تريده إسرائيل عمليًا، ولماذا تصرّ على انتهاك الاتفاق بهذا الشكل؟
ما تريده إسرائيل..
يضع العارفون الخروقات الإسرائيلية المتكرّرة لاتفاق وقف إطلاق النار، في خانة "الاستهلاك الداخلي" في مكانٍ ما، لمواجهة الاعتراضات التي اصطدم بها، والتي وصلت لحدّ توصيفه بـ"الاستسلامي والانهزامي"، رغم محاولة نتنياهو قطع الطريق سلفًا على مثل هذه الاعتراضات، بحديثه عن مبدأ "حرية الحركة" غير الوارد أساسًا في الاتفاق، وهو بذلك يسعى إلى الإيحاء بأنّه لا يزال يمتلك "زمام المبادرة"، رغم كلّ شيء.
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ الجانب الإسرائيلي يريد "استغلال" مهلة الستين يومًا التي نصّ عليها الاتفاق حتى الرمق الأخير، ولو بخطوات "استفزازية" للجانب اللبناني قد تُفهَم في مكان ما على أنّها "استدراج" له للعودة إلى الحرب، علمًا أنّ هناك من يعتبر أنّ مشهد عودة الجنوبيين بمجرد سريان الاتفاق فجر الأربعاء هو الذي "استفزّ" الإسرائيليين، ولا سيما أنه لم يقترن حتى الساعة بتحقيق "هدف" الحرب، أي عودة مستوطني الشمال إلى بيوتهم.
استنادًا إلى ما تقدّم، تريد إسرائيل ضرب أكثر من عصفور بحجر انتهاكاتها اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار، لتؤكد أنّها لا تزال المتحكّمة بالأمور، بدليل أنها من تحدّد "توقيت" عودة الجنوبيين إلى قراهم رغم الاتفاق، وهي تحاول بذلك "دحض" خطاب "الانتصار" الذي يروّج له "حزب الله"، وبالتالي إفراغه من مضمونه بصورة أو بأخرى، وذلك في سياق "الحرب النفسية" التي يبدو أنّ فصولها ستستمرّ بين الجانبين حتى بعد وقف النار.
لبنان "ملتزم"
في مقابل الاندفاعة الإسرائيلية نحو خرق اتفاق وقف إطلاق النار، يُلاحَظ أنّ الجانب اللبناني "يلتزم" بالاتفاق بالكامل، حتى إنّ "حزب الله" ينأى بنفسه عنها بالمطلق، بل إنّ بين المحسوبين عليه من يقلّل من شأنها، باعتبار أنّ الاتفاق يتحدّث أصلاً عن انسحاب تدريجي من القرى الجنوبية يكتمل بعد 60 يومًا من توقيعه، أي أنه ليس تلقائيًا، وبالتالي فمن الطبيعي أن تحاول إسرائيل "توظيف" الأمر حتى اللحظة الأخيرة، وفق ما دأبت عليه.
يستبعد العارفون أن يُستدرَج الحزب إلى أيّ رد على الانتهاكات الإسرائيلية، فالحزب واضح في موقفه، وقد كرّره أمينه العام في خطابه الأخير، وثمّة من يقارن الأمر بما حصل قبل الحرب، حين حاول الإسرائيليون استدراج الحزب إليها، عبر الاغتيالات للعديد من قادته العسكريين الكبار، لكنّ الحزب كان يضبط دائمًا ردوده على مستوى عدم الانزلاق إلى الحرب، وبقي ملتزمًا بقواعد اشتباك حدّدها لنفسه، حتى بعد تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء.
وفي سياق متصل، يشير العارفون إلى أنّ لبنان الرسمي ينتظر أن تبدأ لجنة المراقبة التي نصّ عليها اتفاق وقف إطلاق النار عملها في غضون الأيام القليلة المقبلة، علمًا أنّ رئيسها الجنرال الأميركي جاسبير جيفيرز وصل إلى بيروت، والتقى بقائد الجيش العماد جوزيف عون، حيث يفترض أن تتحمّل هذه اللجنة مسؤولية مراقبة الخروقات التي تحصل للاتفاق، وبالتالي الضغط على الجانب الإسرائيلي لوقفها، منعًا لانهيار الاتفاق.
صحيح أنّ هناك من يعتقد أنّ إسرائيل تسعى لـ"تطيير" الاتفاق، وثمّة من يرى أنّ الموافقة عليه قد تكون بمثابة فرصة لالتقاط الأنفاس، بانتظار جولة ثانية قد تصبح حتميّة، لكن هناك في المقابل من يعتقد أنّ إسرائيل لم تكن لتوافق على الاتفاق لو لم تكن تريد فعلاً إنهاء الحرب، خصوصًا بعد تعذّر تحقيق الأهداف بالضربات العسكرية، وبالتالي فإنّ الانطباع لا يزال راسخًا بأنّ التهدئة الحالية، رغم الخروقات، تهيئ الأرضية لوقف الحرب بالكامل.. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الخروقات الإسرائیلیة وقف إطلاق النار حزب الله
إقرأ أيضاً:
هل يطلب المرشد الإيراني وقف إطلاق النار مع إسرائيل؟
بينما يزداد الترقب في الشرق الأوسط إزاء مصير المواجهة بين إيران وإسرائيل، برزت إشارة لافتة من تل أبيب نقلتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، مفادها أن وقف إطلاق النار بات مرهونا بإعلان صريح من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي.
وقال مسؤولون إسرائيليون للصحيفة إن تل أبيب ستقبل وقف إطلاق النار "غدا" إذا أعلن خامنئي أنه يريده، مضيفين أن إسرائيل حققت أهدافها الإستراتيجية من الضربات على المنشآت النووية الإيرانية، ولا ترغب في الدخول بحرب استنزاف طويلة.
وفي هذا السياق، يشير مدير مكتب الجزيرة في طهران عبد القادر فايز أن مراكز القرار الأساسية في إيران، والمتمثلة في مجلس الأمن القومي وهيئة الأركان العامة والمرشد الأعلى، لا تزال تلتزم الصمت، وهو ما يجعل من الصعب التكهن بالمسار المقبل للأزمة، لا سيما أن هذه الأطراف وحدها تملك صلاحية حسم الخيارات الكبرى.
وتعليقا على ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية، يلفت فايز إلى أن طهران ما زالت مستمرة في ضرب العمق الإسرائيلي، ويرى أنه "لا أحد يتوقع أن يخرج المرشد الأعلى علي خامنئي ويقول كفى، ويعلن انتهاء الحرب".
ويضيف أن التصريحات التي خرجت حتى الآن صدرت من مستويات أقل، مثل مستشار المرشد علي شمخاني، الذي ألمح إلى أن "اللعبة لم تنتهِ بعد"، كما رفض وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي دعوات التهدئة الأميركية، معتبرا أن الدعوة لا معنى لها في ظل استمرار الضربات.
لكن رغم الرواية الإسرائيلية عن تدمير منشآت فوردو وأصفهان ونطنز بالكامل، فإن فايز يؤكد أن مصادر في طهران ترى في هذه التصريحات بعدا سياسيا أكثر من كونها تقنيا.
إذ تشير تقديرات إيرانية، وبعضها مدعوم من مصادر غربية، إلى أن منشأة فوردو لم تُخرج فعليا من الخدمة، وأن برنامج إيران النووي لا يزال قائما في بنيته الأساسية.
إعلانولفت فايز إلى أن البنية النووية الإيرانية واسعة وموزعة على امتداد الجغرافيا الإيرانية، ولا تقتصر على المنشآت الثلاث المستهدفة، مما يجعل الحديث عن "إعادة البرنامج إلى الوراء عقدا من الزمن" أقرب إلى مبالغة دعائية منه إلى تقييم إستراتيجي حقيقي.
الموقف الإسرائيليبدورها، نقلت مراسلة الجزيرة في فلسطين نجوان سمري أن وسائل الإعلام الإسرائيلية أجمعت على أن تل أبيب تسعى فعليا لإنهاء العمليات العسكرية داخل إيران، لكنها تشدد على أن القرار النهائي بيد خامنئي، في محاولة لتحميل طهران مسؤولية استمرار التصعيد.
وأشارت إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بما فيها قادة متقاعدون ومسؤولون سابقون، سبق أن حذروا من الدخول في حرب طويلة مع إيران، وهو ما يعكس إدراكا لدى صناع القرار الإسرائيليين بصعوبة تحمل مواجهة مفتوحة وممتدة مع طهران.
وترى إسرائيل أنها ألحقت ضررا بالغا بالبرنامج النووي الإيراني، خاصة بعد الضربات الأميركية على منشأتي أصفهان وفوردو، إذ ذكرت بعض المصادر أن منشأة نطنز قد دُمّرت بالكامل، فيما تُطرح تساؤلات جدية داخل إسرائيل حول مصير اليورانيوم المخصب الذي كان داخل تلك المنشآت وقت القصف.
وتنقل سمري أن بعض التقديرات تشير إلى أن كميات كبيرة من المواد المخصبة دُفنت تحت الأنقاض، في حين يفترض آخرون أن إيران ربما نقلت هذه المواد إلى مواقع سرية قبل الهجوم، وهو ما يزيد من قلق إسرائيل ويجعلها تتابع الوضع الاستخباراتي عن كثب.
وأضافت أن هناك قناعة آخذة في التبلور داخل إسرائيل بأن الجولة الحالية من العمليات العسكرية قد شارفت على نهايتها، وأن المطلوب الآن هو الانتقال إلى مرحلة سياسية تفاوضية، لكن وفقا لشروط تحددها واشنطن وتل أبيب، وليس بالضرورة عبر توافق إقليمي أوسع.
وفي خلفية المشهد، تؤكد تقارير إسرائيلية أن الهجمات الأخيرة أعادت برنامج إيران النووي سنوات إلى الوراء، إلا أن محللين إسرائيليين يعترفون بصعوبة القضاء الكامل على طموحات إيران النووية، خاصة في ظل قدراتها التقنية المتراكمة ومعرفتها الذاتية التي تم تطويرها خلال العقود الماضية.