ما إن بدأ سماء لبنان يخلو من الطائرات الحربية الصهيونية باتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وحزب الله، حتى بدأت فصائل مُسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام أو ما يعرف بـ”جبهة النصرة” المُصنفة “إرهابية” بالاشتراك مع قوّات أجنبية يُعتقد الى حد كبير أنها أوكرانية وتركية ومُرتزقة هجوماً عدوانياً مُسلحاً على حلب وغيرها من المدن السورية وذلك ضمن مخطط أمريكي صهيوني تركي واضح المعالم.
ففي غضون 72 ساعة فقط خلال الأسبوع الماضي، شنت الجماعات المُسلحة هجوماً مُفاجئاً على مدينة حلب واستولت على المدينة في تصعيد كبير لحرب خاملة إلى حد كبير في حين تأتي هجمات الجماعات المسلحة في إطارِ مخطط أمريكي صهيوني تركي، واستغرق الإعداد له عدة أشهر، إن لم يكن أكثر، في الغُرف السرية المُغلقة، بحسب الكثير من المراقبين والمحللين. والسبت بدت سوريا، على مشارف جولة جديدة من الحرب، بعدما تمكّنت فصائل مُسلحة، في هجوم مفاجئ، من السيطرة على مساحات شاسعة من محافظتي حلب وإدلب والتقدم نحو حماة، منهية هدوءً استمر سنوات وكان ثمرة تفاهمات أبرمتها أطراف أساسية في النزاع، لا سيما روسيا وتركيا وإيران. وفي هذا السياق يؤكد المفكر السياسي المصري مصطفى الفقي، أن ما يحدث في
سوريا هو متوقع وسط حالة فوضى كاملة ومجازر واسعة في الشرق الأوسط عموما الذي يغلي بالأحداث والصراعات. وقال الفقي خلال مداخلة هاتفية مع قناة “القاهرة والناس” الأحد: “لا ينبغي الفصل بين ما يجري في غزة وما جرى في لبنان وما يجري في سوريا، كلها جزء من منظومة واحدة تستهدف تطويع الدول العربية في
المنطقة لسياسة الولايات المتحدة وحلفائها بشكل حاد وقوي”. وأضاف: إن الدور على العراق.. مُشيراً إلى أنه سيتعرض للكثير من المشكلات بعد سوريا. وأكد أن هناك محاولة لتغيير الأوضاع في المنطقة لكي تصبح أكثر ملاءمة للمد الإسرائيلي وإهدار المكانة للشعوب العربية. وصرح بأن الخطر كبير وداهم وقادم ولا يمكن تجاهله.. مشيرا إلى أنه يستهدف الجميع دون استثناء. وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الوزير أنتوني بلينكن ناقش مع نظيره التركي هاكان فيدان هاتفيا مساء الأحد آخر مستجدات الوضع في سوريا وجهود وقف إطلاق النار في غزة. وبينما كان مقاتلو الفصائل يحتفلون في ساحات حلب، كبرى مدن شمال البلاد، وأمام قلعتها التاريخية، أعلن
الجيش السوري انسحابه منها، استعداداً لشن هجوم مضاد، كما قال.. ولم يقتصر الانسحاب على حلب بل امتد إلى ريف إدلب الذي سقط بالكامل في أيدي الفصائل، وأبرزها “هيئة تحرير الشام” جبهة النصرة. ومع حلول المساء، راجت معلومات مفادها أن المسلحين بدأوا دخول مدينة حماة، وهو ما نفاه الجيش السوري شن هجوماً معاكساً.. وتمكن الجيش السوري من استعادة بعض المناطق من قوات المعارضة السورية، في محيط مدينة حماة إثر هجوم معاكس بعد منتصف ليل الثلاثاء- الأربعاء. وأعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، عن تمكن الجيش من “توسيع نطاق أمان المدينة (حماة) بنحو 20 كلم” وذلك بعد القضاء على مسلحين وتدمير آلياتهم. ولفتت الوكالة الى مواصلة الجيش عملياته ضد مواقع ومحاور تحركات قوات المعارضة السورية في ريف حماة الشمالي. ونقلت عن مصدر عسكري قوله: إن “تعزيزات عسكرية كبيرة وصلت إلى مدينة حماة لتعزيز القوات الموجودة على الخطوط الأمامية والتصدي لأي محاولة هجوم قد تشنها التنظيمات الإرهابية المسلحة”. وعن التدخل الأمريكي، أعلنت وزارة الحرب الأمريكية (البنتاغون)، الثلاثاء، عن تنفيذ ضربة استهدفت أنظمة أسلحة في شرق سوريا. وذكر المتحدث باسم البنتاغون الميجر جنرال بات رايدر أن الجيش الأمريكي ضرب الثلاثاء أنظمة أسلحة وتشمل ثلاث منصات إطلاق صواريخ متحركة ودبابة من طراز “تي-64” بعد إطلاق قذائف باتجاه القوات الأمريكية في موقع الفرات للدعم العسكري. واشتبكت روسيا والولايات المتحدة في الأمم المتحدة، واتهمت كل منهما الأخرى بدعم “الإرهاب” خلال اجتماع لمجلس الأمن انعقد بسبب التصعيد المفاجئ للقتال في سوريا. ودعا روبرت وود نائب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة إلى خفض التصعيد في القتال في سوريا وحماية المدنيين.. كما عبّر عن قلقه من أن الهجوم تقوده هيئة تحرير الشام. وفي تصريحات موجهة إلى وود، قال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا: “ليس لديك الشجاعة للتنديد بهجوم إرهابي واضح على المدنيين المسالمين في المدن السورية المسالمة”. وبينما شن الطيران الروسي غارات لوقف تقدم الفصائل، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف محادثات هاتفية مع نظيره التركي هاكان فيدان، ودانت طهران ما وصفته بأنَه اعتداء إرهابي على قنصليتها في حلب. ولقد شكل نجاح الكيان الصهيوني باغتيال السيد حسن نصرالله أمين عام “حزب الله” زعيم الذراع الأقوى والأكثر نفوذاً وتأثيراً بـ”محور المقاومة” نقطة تحول فارقة في المواجهة في المنطقة، فيما سعى مجرم الحرب نتنياهو الى التصعيد في المنطقة وادخل شعوبها في حرب إقليمية طويلة الأمد لا يرغب بها سواه وزمرته المتطرفة بحسب المُحللين. ويرى المحللون أن هدف استفزازات نتنياهو المتكررة ضد محور المقاومة، ووصول التصعيد منتهاه بتدخل أمريكي بحشودها العسكرية، ليفجر حربا إقليمية في المنطقة، وتتفاقم وتتعمق الحرب باستهداف منشآت إيران النووية، وبذلك ينجح تهور نتنياهو بإشعال المنطقة من المتوسط إلى الخليج العربي. ويعتقد الكثير من المحليين أن الهدف من الهجمات على سوريا هو تفكيك ما يعرف بمحور المقاومة ووحدة الساحات المساندة لغزة خصوصا ولفلسطين عموما. وقد بدأت أحداث الأزمة السورية في منتصف شهر مارس عام 2011 عند خروج مظاهرات في مدن سوريا وبحلول شهر يوليو من عام 2011م.. وفي وقت ما تسبَّبت الأحداث بهجرة آلاف السكان المحليين للجوء إلى الدول المجاورة، وأهمُّها تركيا ولبنان والأردن. ومع تطور الأزمة في مطلع شهر أغسطس 2011 بدأت المواجهات العسكرية على نطاقٍ صغيرٍ ومحدودٍ بين القوات النظامية والجماعات المسلحة ثم أخذت بالتوسُّع تدريجياً حتى بدأت تصل مستوى المعارك المباشرة بحلول نهاية العام وبداية عام 2012.
سبأ: عبدالعزيز الحزي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية:
فی المنطقة
فی سوریا
إقرأ أيضاً:
الدعاية الصهيونية الكاذبة
حمد الناصري
فوجئت إيران بهجوم وحشي مكثّف من إسرائيل الصهيونية، شنّته عن عمد فجر الجمعة الماضية، وواصلت هجماتها الواسعة على إيران، ما أسفر عن مزيد من القتلى المدنيين وقادة عسكريين وعلماء نوويين. وفي صباح اليوم التالي، شمل الهجوم الصهيوني مواقع عسكرية إيرانية ومصنعًا للسيارات، بينما كانت المفاوضات بين واشنطن وطهران يُفترض أن تنعقد حول برنامج إيران النووي؛ ولأن الصهيونية لا عهد لهم، إذ كانوا يشغلونهم ثم يستعدون للإجهاز عليهم بضربة أو هجوم موجع.
ولأن إيران واجهت تحديات داخلية لأسباب كثيرة، لكنها توعّدت بالرد الحاسم الأكثر وجعًا، فأطلقت الصواريخ الباليستية فجر يوم الأحد، ضد أهداف إسرائيلية، تسببت في قتلى وعشرات المُصابين وألحقت دمارًا هائلًا، وزلزلت الكيان الإسرائيلي، بما في ذلك وسط تل أبيب والمناطق القريبة منها.
لم تتمكن القبة الحديدية واستخبارات العدو العسكرية والأمنية من صد جميع الصواريخ التي أمطرتها، وفُجعت بها إسرائيل من غير توقّع لمسار ردة الفعل الإيرانية، مما دعا نتنياهو لطلب التدخل الأمريكي، وتوسّل لإنقاذ إسرائيل من فاجعة إيرانية قادمة، خوفًا من الهزيمة وانهيار هيبة إسرائيل الفلتة.
وفي الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث والصدمة الغربية، تقف روسيا شامخة، والصين العظمى، وباكستان القوة الشرسة، وبعض دول العالم الإسلامي إلى جانب إيران وحقها في الدفاع عن نفسها أولًا، وتاليًا نُصرة للقضية الإسلامية والعربية: غزة والقدس الشريف. وبهذا الاستبشار المبين، والإمدادات المعنوية والدعم المعنوي، وربما أبعد من ذلك، أعلنت إيران عن قوة صادمة، لقد حان وقت المواجهة على أرض الواقع؛ فاربطوا أحزمتكم واستعدوا لإنقاذ إسرائيل.
وما تقوم به إسرائيل، عدوة العرب والمسلمين، إجرام في حق الفلسطينيين، وأن المخاوف تذهب إلى أن أيّ ضربة متوقعة من إسرائيل لإمدادات النفط في جزيرة خرج الإيرانية، سيقابلها غلق مضيق هرمز، الذي هو مجرى شريان إمدادات النفط العالمي لدول عديدة، كبيرة وصغيرة، ويعني أيضًا أن ما تفكر فيه إسرائيل، كضربة عسكرية لشلّ حركة الملاحة البحرية لكثير من الدول، وتعطيل سلاسل التوريد، وإحداث ربما تضخّم في الأسعار، وخاصة الوقود. وقد يُحدث الإغلاق كارثة كبيرة على دول المنطقة والعالم، وقد يخلق صراعًا كبيرًا تجرّنا إليه إسرائيل عن عمدٍ؛ بل ربما نسير إلى صراع إقليمي، وإنهاك مخزونات الدول القريبة وذات العلاقة بالمجرى المائي، قد تصل إلى ما وراء البحار العميقة والدول المُشاطئة لها، وسينهار الاقتصاد العالمي والإقليمي إلى حدّ الركود. والأكثر تضررًا دول المنطقة؛ بل سيكون الشرق الأوسط كاملًا على شفا انهيار، بل سينفجر الوضع في دول المنطقة قاطبة.
الحروب الصليبية، ووعد بلفور سنة 1917 خلال الحرب العالمية الأولى، وتأييد الإنجليز لإقامة وطن قومي لليهود، تُذكرني بوعد ترامب في حملته الانتخابية، التي عاد بها إلى البيت الأبيض بإطفاء نار الحروب ونشر الأمن في العالم، فهل في ذلك، بعد الحرب التي شنّتها إسرائيل على إيران حاليًا، وما قبلها لبنان وسوريا، من قول مختلف، يأتي لنا بالأفعال قبل الأقوال المُهادِنة؟
إننا نرى، لتصحيح ذلك القول، تهدئةً وإيقافًا للحرب، فليس أقلّ ما يطالب به العرب والمسلمون في الشرق الأوسط هو وقف فوري لقتل الفلسطينيين في غزة، وسحب القوات الإسرائيلية من غزة والضفة الغربية كاملًا، وإبقاء القدس في قبضة المسلمين، وعودة سكان غزة إلى مواطنهم، ووصول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى غزة.
خلاصة القول: إن خطورة إسرائيل على المنطقة لا تقلّ عن خطر أوكرانيا على روسيا الاتحادية، وأن إطفاء الحروب واجب مقدس لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، على ما تقوم به دول الاستكبار العالمي، والتي هي آخذة في الانهيار. وأن موقفنا العُماني إزاء الأحداث ومجريات الحرب على إيران، موقف ثابت، والإسلام حثّ على نُصرة المسلم لأخيه المسلم، ونهى عن خُذلانه، ومن مُنطلق نُصرة المُسلم على عدوه الغاشم.
إننا نقف موقفًا ثابتًا مع أخينا المسلم في الشدة والرخاء، نُحبّ لأخينا المسلم ما نُحبّه لأنفسنا: السلام، والمحبة، والاستقرار، والأمان.