النحيب على الياسمين.. لماذا سوريا؟
تاريخ النشر: 15th, December 2024 GMT
منذ اليوم الأول لراحيل بشار الأسد وسقوط نظامه، وتعترينا مشاعر كثيرة متداخلة، الشيء ونقيضه: الفرحة والحزن، والشك واليقين، والخوف والاطمئنان.
وفي خضم تلك المشاعر، لا نرنو إلا لشيء واحد وهدف واحد، هو وحدة ذلك البلد المحبب إلى القلوب، إلى ذلك الشعب الكريم المضياف الطيب، إلى بلد دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا طوبى للشام يا طوبى للشام يا طوبى للشام، قالوا يا رسول وبم ذلك قال: تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام).
لماذا سوريا؟
لماذا كل هذا الاهتمام والصخب برحيل بشار والخوف من الفصائل التي تولت زمام الأمور؟ لماذا النوح على رحيل غير مأسوف لواحد من أشد الحكام ظلما لشعبه، وأكثرهم بطشا بأهله؟ لماذا الحزن على رحيل من استخدم الأسلحة الكميائية ضد أهله وقتل منهم أكثر من 100 ألف سوري وشرد الملايين في بقاع الأرض؟
لماذا تخافون من المجهول إذا كان السابق كان أقذر وأصعب وأشد ألما على أهلنا في سوريا؟ إذا كنت تخاف من الانقسامات فماذا كانت سوريا قبل سقوط بشار؟ إذا كنت تخاف من احتلال إسرائيل لسوريا، فماذا كان وضع الجولان السوري؟ إذا كنت تخاف من انتهاك السيادة السورية، فماذا كان وضع الطائرات الإسرائيلية التي تخترق الأجواء ليل نهار دون رد أو ردع؟
أسئلة كثيرة وإجابات شتى، ورد هنا وآخر هناك، وحُجَّة هنا وقرينتها هناك، ولكن...
أليس من حقي أن أحزن على «ياسمين» الشرق، تلك القطعة الغالية على قلوبنا، رومانة ميزان في منطقة محفوفة بالمخاطر ومطمع لكل من هب ودب، أحد أعمدة العروبة وصمام أمان الوحدة العربية، جناح مصر الثاني في المنطقة وأحد أقوى الجيوش العربية، الذراعة الثانية في نصر أكتوبر العظيم على الصهاينة في 1973، هي وما زالت وستظل بؤرة اهتمام أي عربي يرى الأحداث بعين مجردة بعيدة عن التحزب والتناحر الحاصل.
أليس من حقي أن أرتاب إذا رأيت من يتولى زمام أمور دمشق الآن، جماعة إرهابية هي في المقام الأول صناعة أمريكية وذريعة غريبة لتسهيل دخول الوطن العربي، ألا وهي داعش، أليس من حقي أن أرتاب وأخاف إذا علمت أن الفصائل تلك مختلفة التوجهات والأيدلوجيات وجميعها تحمل السلاح وليس من السهل أن تتركه الآن وتعود إلى صفوف المدنيين (جبهة النصرة، تحرير الشام، سوريا الديموقراطية....)، كيف ستنصهر تلك الجماعات في حكم واحد ولكل منها هدف وداعم يقف خلفها يريد قطعة من الكعكة.
ليس حكرا على أحد حب سوريا، وليس من حق أحد أن يزايد على حب آخر لسوريا، وليس لأحد حق منح الآخر صك الوطنية أو الخيانة، ما دام الرؤية ضبابية والمشهد مريب، والأطماع متزايدة، والخريطة الكبرى للصهاينة ترسم الآن بدقة متناهية (من النيل للفرات)، عرب بلا جيوش ولا سلاح، لا جيش سوري ولا عراقي ولا مصري.
يسعدني رحيل بشار ويحزنني سقوط الدولة، ويسعدني استعادة الأمر لأهله في سوريا، ويحزنني وقوعها في أيد مشبوهة مدعومة بقوة يسيل لعابها للالتهام سوريا، يسعدني شعور السوريين ولو بشكل مؤقت بالطمأنينة والحرية بالعودة إلى وطنهم الذي تركوه مجبرين، ويحزنني عدم شعورهم بالمصيبة التي حدثت بضياع سلاحهم الاستراتيجي الذي قد يساعدهم في صد أي هجوم عليهم، يسعدني خروجهم من عباءة الشيعة الإيرانيين ورجوعهم إلى الحضن العربي القومي الذي لن يجدوا غيره معينا وناصرا وناهيا لمعاناتهم.
عندما نتحدث عن سوريا، لا نتحدث عن مجرد أرض أو حدود رسمها التاريخ على خرائطه، نحن نتحدث عن أمة كانت شاهدة على ميلاد الحضارات الأولى، عن شوارع تحمل عبق الياسمين، وعن وطن شكل نبضا حيا في قلب كل عربي.
اليوم، ونحن نقف أمام مرآة الواقع المؤلم، نرى جراحا عميقة في قلب هذه الأرض، جراحا تكاد تكون أكبر من قدرتنا على الاحتمال.
كيف لا نحزن على سوريا، وهي التي كانت تفيض بالجمال والحياة، فأصبحت ساحات قتال ودمار؟ -ليس كلامي عما بعد رحيل بشار ولكن كلامي هنا منذ 2011- كيف لا نحزن على شعبها الذي عاش أهوالا لا تحتملها الجبال؟
حزننا على سوريا هو حزن على ماض ممتلئ بالزهو والأمل، وعلى حاضر يمزق القلب بألم الفقد والتشرد.
هو شعور بالعجز أمام دموع الأطفال التي لم تجف، وأمام أمهات ودعن أبناءهن بلا رجعة، هو وجع على ضبابية يعيشها ذلك المكان الذي كان يوما رمزا للأمان والبساطة، وعلى تحول البيوت إلى أنقاض تغطيها غبار الحرب.
والحزن ليس ضعفا، بل هو صوت ينبض بالإنسانية في داخلنا، هو تذكير بأن ما يحدث في سوريا ليس مجرد كارثة محلية، بل اختبار لضميرنا وضمير العالم كله.
نحزن لأن سوريا ليست مجرد مكان، بل هي جزء من كياننا، جزء من ذاكرتنا الجماعية ومن أحلامنا المشتركة.
وفي خضم كل تلك الضبابية والمشاعر المتداخلة، نؤمن أن الياسمين سيعود ليتفتح يوما ما في دمشق، وأن تلك الأرض التي ارتوت بالدموع ستنهض من جديد، لأن سوريا ليست مجرد وطن، بل قصة لا تعرف النهاية.
دعواتي بكل إخلاص أن يوحد الله صفوف السوريين، ويلملم جراحهم سريعا، ويعجل بعودتهم إلى وطنهم، وتماسك أطيافهم، لا ناقة لي ولا جمل في سوريا، غير أني أريد أنا أرى جيشا قويا في المنطقة يقف جنبا إلى جنب مع باقي جيوش المنقطة في وجه رمامة الأرض التي ما انفكت أن تنهش في الجسد العربي من دون رادع وسط صمت مخزٍ من الغرب الذي صدع رؤسنا بالحقوق والحريات واحترام القانون.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: بشار الأسد الاسد الرسول صلي الله عليه وسلم سقوط بشار داعش جبهة النصرة تحرير الشام سوريا الديموقراطية فی سوریا
إقرأ أيضاً:
كمين الــ “همر” .. لماذا فشل الاحتلال في إخلاء جنوده؟
#سواليف
قال الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن إستراتيجية المقاومة ترتكز على القتال في الأماكن البعيدة عن عمق قطاع غزة، كاشفا أسباب استهداف مقاتلي الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عربة “همر” وفشل الطيران المروحي بإخلاء الخسائر.
وجاء حديث حنا للجزيرة بعد إعلان مواقع إخبارية إسرائيلية مقتل 3 جنود وإصابة 11 في استهداف سيارة عسكرية من نوع “همر” في منطقة جباليا شمالي قطاع غزة.
في السياق ذاته، أعلنت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة حماس- خوض مقاتليها اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال من المسافة صفر شرق مخيم جباليا، مشيرة إلى إيقاع جنود الاحتلال بين قتيل وجريح، وسط استمرار الاشتباكات.
مقالات ذات صلة الجيش يفتح باب التجنيد / تفاصيل وشروط 2025/06/03وبنظرة عسكرية، قال حنا إن عربة “همر” ليست مدرعة، ويستقلها جنود الاحتلال في الأماكن التي تعتبر آمنة وسهلة، مرجحا أن العملية وقعت قرب المناطق السكنية، مما أسفر عن عدم قدرة جيش الاحتلال على إخلاء القتلى والجرحى.
ولم يستبعد استهداف المقاومة عربة “همر” في الخطوط الخلفية لجيش الاحتلال أو مسافة قريبة من مركز العمليات، مشيرا إلى أن هذه العربة تعد الهدف الأسهل، وتعطي نتيجة مؤلمة للاحتلال، مستدلا بسقوط 3 قتلى بين الجنود وعدد من الجرحى وفق ما أعلنت مصادر إسرائيلية.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد ذكرت أن العملية في جباليا نجمت عن “كمين مركب وصعب”، مشيرة إلى أن قتلى الجيش من اللواء التاسع.
وأوضحت المصادر ذاتها أن مروحيات عسكرية تطلق نيرانا كثيفة في منطقة العملية، مشيرة إلى أن عملية إجلاء الجنود القتلى والجرحى فشلت بسبب كثافة النيران، وأن مروحية عسكرية تعرضت لإطلاق نار خلال محاولتها إجلاء الجرحى.
وفي مثل هذا النوع من الحروب -وفق حنا- تتساوى القوى بين الطرفين مستدلا بعدم قدرة جيش الاحتلال على استعمال الطيران الحربي بسبب وقوع اشتباك أقرب إلى المسافة صفر لذلك استعان بالمروحيات.
ولفت إلى أنه في الحرب الحالية كانت تهبط المروحيات وتنقل الخسائر في مناطق تعتبر آمنة، لكن عدم قدرتها على الهبوط في جباليا يعني أنها ليست آمنة.
واعتادت فصائل المقاومة عند نصب كمائن للقوات والآليات الإسرائيلية -حسب الخبير العسكري- استهداف قوات النجدة والإنقاذ، خاصة في ظل عدم توفر استعلام تكتيكي لدى جيش الاحتلال يقول إن المنطقة آمنة.
ويعني عدم استعمال جيش الاحتلال الطائرات الحربية، أن الاشتباك وقع ضمن مسافة قصيرة، إذ تستطيع القدرة التفجيرية لأي قنبلة قتل أحد الجنود عبر ما يسمى بـ”النيران الصديقة”، كما يقول حنا.
إستراتيجية الاحتلال
وبشأن توسيع نطاق العملية العسكرية الإسرائيلية، قال حنا إن هدف الجيش الإسرائيلي احتلال 75% من مساحة القطاع، من أجل حرمان المقاومة من هذه المساحة والضغط عليها، وإبقاء ما يقرب من 25% للغزيين.
وفي ظل هذا الوضع، تذهب المقاومة إلى القتال في الأماكن البعيدة مثل بيت لاهيا وبيت حانون وجباليا شمالا حتى حي الشجاعية شرقي غزة وخان يونس جنوبا، من أجل كسب الوقت واستنزاف الاحتلال إلى درجة متقدمة.
ووفق الخبير العسكري، فإن منطقة جباليا شهدت قرابة 50 عملية ضد جيش الاحتلال بينها عمليات استشهادية وأخرى بالسلاح الأبيض.
وشدد على أن الدخول إلى عمق قطاع غزة ليس أمرا سهلا، وبالتالي الذهاب إلى احتلال 75% منه ستكون كلفته كبيرة، إضافة إلى حجم القوة التي خُصصت لهذه العملية العسكرية الجديدة.
ومطلع الشهر الجاري، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إنه أصدر تعليمات إلى قواته بتوسيع نطاق العملية العسكرية لتشمل مناطق إضافية في شمال قطاع غزة وجنوبه.