كل كلام يقوله الإنسان محسوب عليه إلا 3 أمور فما هي؟.. علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن سيدنا النبي ﷺ: يقول: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”، إنه أدب رفيع لا نراه في حياتنا اليومية، حيث نجد الناس يتدخلون في أمور ليست من شأنهم، فيتحدثون بما لا يعلمون، ويقولون بما لا يتقنون، وكل ذلك محسوب عليهم لا لهم. وقد قال رسول الله ﷺ: «كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله».
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه قد تعجب قوم من هذا الحديث عند الإمام سفيان الثوري رحمه الله ورضي عنه، فقال لهم: "لِمَ العجب؟" واستدل بقول الله تعالى: "لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ"، وبقوله تعالى: "يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا".
كان سفيان يستشهد بالقرآن على صحة الحديث ليزيل عنهم العجب، لأن كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا في الأمور الثلاثة: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكر الله، وعندما يقول النبي ﷺ: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، فهي كلمة جامعة تدعو الإنسان إلى أدب عظيم مع الله.
وكما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه، عندما سئل رسول الله ﷺ عما ورد في صحف إبراهيم عليه السلام، قال ﷺ: "عَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ" [رواه ابن حبان].
هذا هو العاقل الذي يشغل نفسه بما يعنيه من أمور دينه، وليس بما لا ينفعه من أمور دنياه. هذا هو العاقل الذي يستحي من الله. وقد قال رسول الله ﷺ: "الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ".
هذه هي حقيقة الحياء من الله سبحانه وتعالى: أن تحفظ الرأس وما وعى. فانظر إلى بلاغة النبي ﷺ، حيث لم يذكر العين وحدها لحفظها من النظر الحرام، أو اللسان من القول الحرام، أو الأذن من السمع الحرام، بل قال: "الرأس وما وعى"، وهذا يشمل الفكر الحرام أيضًا.
وينبغي عليك أيها المسلم أن تنزه باطنك وتطهره لله حياءً منه، وأن تأكل الحلال لتحفظ البطن وما حوى، وقد قال ﷺ: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء".
كما ينبغي عليك أن تذكر الموت دائمًا، فمن ذكر الموت امتنع عن الفسوق، وداوم على ذكر الله، وتذكر البلى، حيث لا شيء يبقى في هذه الحياة الدنيا، كما قال تعالى: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ".
عودوا إلى أدب الإسلام، فإن الإسلام كله حلاوة، يأمر بالمعروف، والجمال، والنظافة، وينهى عن القبح، وقلة الحياء، وقلة الأدب.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ذكر الله الأمر بالمعروف المزيد
إقرأ أيضاً:
صفة عباد الرحمن .. تعرّف عليها واحرص أن تكون منهم
كتب الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف منشورًا جديدًا عبر صفحته الرسمية على فيس بوك قال فيه: قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ (الفرقان: 63). فكانت أولُ صفةٍ لعبادِ الرحمن أنهم يمشون على الأرض هونًا.
وأوضح أن الهونُ في اللغة: الرفقُ واللين. ومنه ما جاء في الحديث: «أَحْبِبْ حبيبَكَ هونًا ما، عَسَى أَنْ يكونَ بَغيضَكَ يومًا ما، وأَبْغِضْ بَغيضَكَ هونًا ما، عَسَى أَنْ يكونَ حبيبَكَ يومًا ما» [رواه الترمذي]، أي: حبًّا مقتصدًا لا إفراط فيه ولا تفريط.
ويُروى مُرسَلًا عن مكحول أنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: «المؤمنون هَيِّنون لَيِّنون كالجملِ الأنف: إن قِيدَ انقاد، وإن أُنيخَ استناخَ على صخرة»؛ وذكره البيهقي في [شُعَب الإيمان]، والمراد: أن المؤمن لينٌ سهلٌ.
وبين ان فمعنى الآية: أن مشيَهم على الأرض يكون في لينٍ وسكينةٍ ووقارٍ وتواضع، وهذا كله ضدُّ الكِبر، وهو يتفق مع قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ (الإسراء: 37).
أشار إلى أن عدمُ الكِبر يجعل الإنسانَ يعرف حقيقتَه وأنه محدودٌ؛ فيلتفت إلى وظيفته الحقيقية في هذا الوجود، وهي: عبادةُ الله، وعمارةُ الكون، وتزكيةُ النفس.
ويتفق ذلك مع وصيةِ لقمان لابنه وهو يعظه: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (لقمان: 18).
وقال زيد بن أسلم: كنتُ أسأل عن تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ فما وجدتُ فيه شفاء، فرأيتُ في المنام مَن جاءني فقال لي: هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض. (القرطبي)؛ وقيل: يمشون بالوقار والسكينة.
وهو معنى جليلٌ نبه إليه كثيرٌ من المفسرين. فقال القشيري: «وقيل: لا يمشون بإفسادٍ ومعصية، بل في طاعة الله، والأمورِ المباحة من غير هوك» (والهوك: الحمق). وقال ابن عباس: بالطاعة والمعروف والتواضع.
وقال الحسن: حلماءُ إن جُهل عليهم لم يجهلوا. وقيل: لا يتكبرون على الناس. وهذه كلها معانٍ متقاربة، ويجمعها العلم بالله، والخوف منه، والمعرفة بأحكامه، والخشية من عذابه وعقابه. (تفسير القرطبي)
ونوّه أن الهونُ هنا صفةٌ لعباد الرحمن، وليس صفةً للمشي وحده؛ لأن الإنسان قد يمشي برفقٍ وفي حقيقته وذات صدره هو ذئب؛ كما قيل:
كلُّهم يمشي رويدًا ** كلُّهم يطلبُ صيدًا
والنبي ﷺ يقول للسيدة عائشة رضي الله عنها: «إنَّ الرفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلا شانَه» (رواه مسلم).
فهذه صفةٌ تحتاج إلى كثيرٍ من ضبط النفس والتربية. وما أحوجَنا إليها في عصرنا الحاضر؛ حتى نخرج من مصائبِ الكِبر الذي ما دخل في أمةٍ إلا أهلكها، ومن مصائبِ الفساد الذي ما شاع في قومٍ إلا أخرجهم من دائرة الرضا والقناعة إلى دائرة الطمع والحمق. فإن أساس الإفساد في الأرض وارتكاب الحرام وظلم الناس إنما هو ذلك الطمع، وما يكتنفه من عنفٍ في طلبه.
قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص: 83).
ونلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى نهى عن مجرد إرادة العلو، فما بالك بنفس الفعل. وفي الحديث: «ألا أُخبرُكم بأهلِ النار؟ كلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مستكبر» (رواه البخاري ومسلم).
والعُتُلّ: قيل هو الغليظ العنيف، الشديد الخصومة في الباطل، والجَوّاظ: قيل الكثير اللحم المختال في مشيته (وقيل فيه غير ذلك).
ويحتاج الأمرُ منا إلى تتبع مادة "فسد" في القرآن الكريم لرسم ملامح ذلك الفساد المنهي عنه، وكذلك في السنة؛ لأن تحديد المفاهيم أصبح من الواجبات الكبار؛ فكثيرٌ من الناس يرى المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا، ويرى الصلاح فسادًا، والفساد صلاحًا. ويمكن تحقيق ذلك بأن نتتبع ما يحبه الله وما لا يحبه في القرآن الكريم حتى نحدد مفهوم الصلاح والفساد.