روسيا في سوريا... انتكاسة ومرونة استراتيجية أيضاً
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
اعتبر البعض في الغرب انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، وقرار روسيا بالوقوف جانباً والسماح بحدوث ذلك، مؤشراً على التمدد الإمبراطوري المفرط لموسكو وتراجع نفوذها الإقليمي.
سقوط الأسد يمثل انتكاسة لروسيا، ولكنه أيضاً انعكاس لمرونة الكرملين
وحسب هذا التفكير من الواضح أن "العملية العسكرية الخاصة" الجارية التي يشنها الكرملين في أوكرانيا تضغط على الجيش الروسي إلى درجة جعلته عاجزاً عن وقف المد المتدحرج للمتمردين، فكان عاجزاً وغير راغب بدعم النظام أكثر من ذلك.
ورغم جاذبية هذه الرواية، دعا الباحث البارز في معهد الأمن القومي بجامعة ميسون جوشوا هيومينسكي المحللين الغربيين إلى الحذر من التركيز الكبير على فكرة أن روسيا كانت عاجزة عن المساعدة ومن عدم التركيز بشكل كاف على واقع بسيط مفاده أنها كانت غير راغبة بذلك.
وبحسب الكاتب فإن من المرجح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رأى في دعم روسيا للأسد ترتيباً منخفض الكلفة نسبياً وعالي التأثير، لكن مع تقدم المتمردين، خسر فائدته.
استخفاف بالدب الروسيوكتب هيومينسكي في موقع "بريكينغ ديفنس" أن الاستراتيجية تتلخص أساساً في المقايضات، وهنا يبدو أن موسكو اتخذت قراراً واضحاً بأن الفائدة المترتبة على مواصلة دعم نظام الأسد لم تكن تستحق الكلفة.
وشكل سقوط بشار الأسد انتكاسة لموسكو، فمنذ التدخل في سوريا سنة 2015، قدم الكرملين دعماً مالياً وسياسياً كبيراً للأسد، وهذا الاستثمار يعد صغيراً نسبياً عند تقييمه بالمقارنة مع الموارد التي ضختها أمريكا في المنطقة مثلاً، وبالمقابل اكتسب الكرملين موطئ قدم في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط. وكانت قواعده البحرية في البلاد بمثابة محطة لإعادة التزود بالوقود في البحر المتوسط ونقطة انطلاق للعمليات في أفريقيا.
احتمالان متساويانوسارع البعض للإشارة إلى تأثير أوكرانيا على العمليات الروسية في سوريا، لكن بحسب الكاتب، يشكل هذا سوء فهم لدور موسكو في البلاد، الذي اقتصر إلى حد ما على توفير القوة الجوية والمستشارين، مع بعض المقاولين العسكريين من القطاع الخاص.
والسؤال هو هل كانت روسيا لتكون أكثر استعداداً لمواجهة تقدم المتمردين دون الحرب الأوكرانية؟ هذا محتمل بحسب الكاتب، لكن من المحتمل أيضاً أن النظام قد أصبح قضية خاسرة، فالسرعة التي انهار بها، تعكس ضعفاً عسكرياً وتنظيمياً وتكتيكياً كبيراً، وأي هجوم مضاد بالنيابة عن النظام سيكون باهظ الثمن مادياً وعسكرياً.
كما أثبت نظام الأسد لموسكو أنه شريك متقلب وصعب، إذ رفض التعامل مع المعارضة، جعل البلاد جزءاً من نفوذ إيران.
مصير القوات الروسيةويضيف الكاتب أنت الموقف الروسي الجديد في سوريا ما زال غير معروف، وتشير التقارير الأولية إلى أن القوات الروسية تعيد تموضعها داخل قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس، وربما تخلي البلاد بالكامل.
ومن المرجح وفق الكاتب أن تلعب الكراهية المؤكدة تجاه روسيا بسبب قسوتها بالنيابة عن نظام الأسد، وتمكينه من البقاء في السلطة، دوراً في التطورات.
ومع ذلك، لا يوجد ما يضمن أن تسعى هيئة تحرير الشام إلى طرد القوات الروسية بشكل دائم من البلاد، بل قد تسعى إلى تحويل موسكو من خصم إلى مجرد طرف محايد.
انتكاسة ومرونة وبحسب الكاتب فإن تقاعس الكرملين عن دعم الأسد، يرسل رسالة إلى الأنظمة الأوتوقراطية في أفريقيا، بأن موسكو مستعدة لمواصلة دعم النظام طالما كان فائزاً وقادراً على الاحتفاظ بالسلطة ــ وراغباً بالاستماع إلى نصيحة الكرملين. وعندما يصبح النظام غير قادر على القيام بذلك، يتخذ الكرملين قراراً استراتيجياً ويغير مساره.ويختم الكاتب أن سقوط الأسد يمثل انتكاسة لروسيا، لكنه أيضاً انعكاس لمرونة الكرملين الاستراتيجية. والتركيز فقط على الانتكاسة وتفويت المرونة يخاطر بمفاجأة استراتيجية سواء في سوريا أو في أماكن أبعد.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية أوكرانيا روسيا للأسد سوريا أوكرانيا هيئة تحرير الشام الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الحرب في سوريا روسيا هيئة تحرير الشام فی سوریا
إقرأ أيضاً:
تركيا.. نظام يعتمد الذكاء الاصطناعي لضبط سوق العقارات
أنقرة- أطلقت تركيا، الاثنين 26 مايو/أيار الماضي، نظاما رقميا جديدا باسم مركز معلومات القيمة، بهدف تنظيم سوق العقارات وكبح التلاعبات السعرية التي أثارت جدلا واسعا خلال السنوات الأخيرة.
يتيح النظام الذي تشرف عليه وزارة البيئة والتحضر وتغير المناخ، تقييما دقيقا وشفافا للقيمة السوقية الحقيقية لأي عقار، اعتمادا على الذكاء الاصطناعي والخرائط التفاعلية، بما يسهم في الحد من المضاربات وتقليص الفجوة بين الأسعار المعلنة والواقعية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ماذا تعني عودة التداول في بورصة دمشق؟list 2 of 2الذهب والنفط يرتفعان مع تصعيد الحرب الروسية الأوكرانيةend of listوبحسب ما أعلنته الوزارة، ينتظر أن تبدأ المرحلة الأولى من المشروع في إسطنبول مطلع عام 2026، على أن يتم تعميمه تدريجيا ليشمل جميع الولايات التركية بحلول منتصف 2027، ضمن إطار مشروع "نماذج المدن ثلاثية الأبعاد" الذي تشرف عليه المديرية العامة للطابو والمسح العقاري.
الذكاء الاصطناعي من مزايا النظام الجديدواجهت السوق العقارية في تركيا انتقادات واسعة لسنوات، بسبب غياب معايير موحدة لتقييم العقارات، ووجود فروقات كبيرة بين الأسعار الفعلية والأسعار المسجلة في سجلات الطابو، مما أدى إلى خسائر ضريبية كبيرة للدولة، وزاد من تقلبات السوق.
وكان تسجيل الأسعار بأقل من قيمتها الحقيقية شائعا، سواء بهدف التهرب من الضرائب أو لتسهيل عمليات البيع والشراء، في ظل غياب نظام رقابي فاعل.
إعلانويعتمد مركز معلومات القيمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي والخرائط الرقمية التفاعلية لتوفير قاعدة بيانات موحدة وموثوقة لقيم العقارات في عموم تركيا.
ويتيح النظام لأي مستخدم، سواء كان مواطنا أو مستثمرا أو جهة رسمية، الوصول إلى القيمة السوقية الحقيقية لأي عقار، مع إمكانية المقارنة بعقارات مماثلة في نفس الحي، وقراءة مؤشرات دقيقة حول العرض والطلب، وتكاليف التطوير، والعائد الاستثماري المتوقع.
ويعتبر إنشاء خرائط القيمة الرقمية إحدى أبرز وظائف المنصة، التي تظهر كل وحدة عقارية داخل نموذج ثلاثي الأبعاد، مع بيانات محدثة تشمل العمر الإنشائي، المساحة، نوع الاستخدام، والسجل الطابقي، وهذه الخرائط لا تسهل فقط اتخاذ قرارات الشراء، بل تدعم كذلك البلديات والمؤسسات الحكومية في التخطيط العمراني، وتقدير الضرائب، وتحديد أولويات البنية التحتية.
ويكمن الهدف الأساسي من النظام، حسب وزارة البيئة، في إنهاء حالة الفوضى السعرية المزمنة، وكسر احتكار مكاتب العقارات لتقديرات الأسعار، وتقديم مرجع رسمي موحد يعتمد عليه الجميع في تحديد القيمة الواقعية للعقار، كما تقول الوزارة إن النظام سيساعد في وقف الارتفاعات المصطنعة، وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي، وتمكين البنوك من اتخاذ قرارات تمويل تستند إلى بيانات دقيقة.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن بيانات النظام ستستخدم لاحقا في إعداد سياسات التحول الحضري، وتخطيط مشاريع الإسكان الجديدة، وتقدير قيم نزع الملكية، خاصة في المناطق المعرضة لمخاطر الزلازل أو الضغوط العمرانية المرتفعة.
وبهذا، تتحول المنصة من أداة معلوماتية إلى رافعة تنظيمية تعيد التوازن إلى واحد من أكثر قطاعات الاقتصاد التركي حساسية وتأثيرا.
إعلان نمو متواصلتظهر بيانات هيئة الإحصاء التركية أن سوق العقارات السكنية في تركيا واصل أداءه القوي خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، مسجلا نموا لافتا رغم التحديات الاقتصادية.
وبلغ عدد الوحدات السكنية المباعة في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني ونهاية أبريل/نيسان نحو 454 ألفا و145 وحدة، محققا زيادة سنوية بلغت 27.9%.
وشهد شهر أبريل/نيسان وحده بيع 118 ألفا و359 وحدة، بارتفاع حاد بلغ 56.6% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، في ثاني أعلى رقم يسجله شهر أبريل/ نيسان في تاريخ السوق التركية.
ومع ذلك، لا يخلو المشهد من مؤشرات تباطؤ قادمة، فقد رفع البنك المركزي التركي في أبريل/نيسان سعر الفائدة الرئيسي إلى 46%، في خطوة أعادت التشدد إلى السياسة النقدية بعد سلسلة تخفيضات سابقة، وهو ما قد يحد من قدرة الكثيرين على الاقتراض في الأشهر المقبلة، كما ألقى الخوف من الزلازل بظلاله على أنماط الشراء، إذ لوحظ توجه متزايد نحو الوحدات الصغيرة والمبنية بمعايير مقاومة للكوارث، وابتعاد عن المساكن الكثيفة في مراكز المدن الكبرى.
يرى المستشار والمستثمر العقاري في تركيا راتب القديسي أن نظام مركز معلومات القيمة يشكل نقلة مهمة نحو ضبط السوق العقاري وتعزيز الشفافية، خاصة في ظل ما وصفه بـ"الفوضى السعرية" التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية.
ويقول في حديث للجزيرة نت إن النظام من شأنه أن يحد من التلاعب في الأسعار من خلال تقديم تقييمات تقريبية وموحدة، مما يمنع تقديرات الأسعار العشوائية ويُحسّن من جودة قرارات البيع والشراء في السوق.
ويضيف القديسي أن النظام يمثل، كذلك، أداة فعالة لتحقيق العدالة الضريبية، إذ إنه في حال تم اعتماده بشكل إلزامي، فسيمنع تسجيل العقارات بقيم تقل عن السعر الحقيقي، وهو ما كان يؤدي سابقا إلى حرمان الدولة من جزء كبير من إيراداتها الضريبية، وخلق اقتصاد عقاري غير رسمي يدور خارج رقابة المؤسسات.
إعلانكما أن وجود آلية رقمية تحدد القيم الدنيا للعقارات سيساعد الدولة على تنظيم عمليات البيع والشراء بشكل أكثر دقة، ويمنحها قدرة أكبر على ضبط السوق، وفق القديسي.
وفيما يتعلق بتأثير النظام على المستثمرين، يؤكد القديسي أن المنصة ستوفر قاعدة بيانات موثوقة تتيح إجراء دراسات جدوى شفافة، وتمنح المستثمرين القدرة على تقييم الفرص بدقة أكبر، بعيدا عن التقديرات المتضاربة.
ويرى أن الدولة ستستفيد من هذه البيانات في دعم مشاريع التحول الحضري والاستعداد للكوارث، مشيرا إلى أن تأثير النظام قد يكون محدودا في المرحلة الأولى من التطبيق، لكنه على المدى المتوسط والطويل مرشح لأن يحدث أثرا إيجابيا واضحا في السوق.
يعتبر الباحث الاقتصادي التركي حقي إيرول جون أن النظام الجديد خطوة إيجابية طال انتظارها، خاصة في ظل غياب نظام مؤسسي موحد يحدد القيمة الفعلية للعقارات في تركيا.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أن السنوات الماضية شهدت ارتفاعات سعرية مبالغا فيها، كثير منها لم يكن يستند إلى معايير واضحة أو بيانات موثوقة، مضيفا أن هذا الواقع "أضر بثقة المشترين وأدى إلى قرارات استثمارية غير متزنة".
وأشار الباحث إلى أن تأثير النظام لن يظهر من خلال إطلاقه فقط، بل بمدى التزام السوق باستخدامه كمرجع موثوق، كما أن النظام يمكن أن يحقق نتائج واضحة في ضبط الأسعار، في حال رافقته رقابة حكومية فعالة، وإلا فإن المشروع قد يتحول إلى مبادرة تقنية بلا تأثير حقيقي.