لجريدة عمان:
2025-06-29@17:44:32 GMT

داخل الحارة القديمة أستعيد قصة الماضي ورائحته

تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT

كانت الشمس قد ارتفعت فوق سفح الجبل عندما وجدتني في مواجهة الحارة القديمة في قرية شيدة بولاية صحم، وبدأت خيوطها الذهبية تنثر الدفء في المكان بعد ليلة يمكن اعتبارها مجازًا أنها من ليالي الشتاء. جلست إلى جوار مسجد القرية أتأمل ما بقي من جدرانها الطينية المتداعية محاولا تذكر بعض لمحات من الطفولة ومن ذاكرة سمعية أحتفظ بها من مجالس الكبار.

كانت القرية تنتمي إلى زمن آخر غير ذلك الزمن الذي سمعته من والدي عندما كانت هذه الحارة تعجُّ بالحياة، بالحياة الحقيقية القادرة على صناعة الديمومة في الأشياء: في البشر وفي الشجر وحتى في هذه الجدران التي ما كان يمكن لها أن تتداعى لو كان الزمن غير هذا الزمن.

تنعكس أضواء الشمس على الجدران الطينية المتداعية فتكشف عن تشابك بين حكاياتها التي كانت ولحظة الموت التي هي فيه الآن. لم تسمع هذه القرية بنظرية «نهاية التاريخ»، فقد سبقت النظرية في وضع نقطة في نهاية سطر الحارة قبل تسعينيات القرن الماضي، ورغم ذلك فهي تعيش حقيقة النظرية، فالتاريخ في حدودها قد توقف تماما وانبثق في مساحات أخرى على أطرافها.

تبدو الحارة القديمة قائمة في خاصرة الجبل، والبيوت في رحلة صعود نحو قمته حيث يقف البرج هناك حارسا على حكاياتها وتاريخها، أو ما أصبح في لحظة «نهاية التاريخ» تاريخًا يروى، نسمعه من كبار السن يوم كانت هذه القرية تعج بالحيوات وبالحكايات التي تملأ واديها الممتد من قمم جبالها الشاهقة إلى البحر.

تركت منطقة «الصباح» حيث الساحة التي يجتمع فيها أهل الحارة في أفراحهم وأتراحهم ويتناولون صباحا فناجين القهوة الساخنة وسرت في أزقة الحارة بحثا عن بعض حياة، وأنا أحاول رسم صورة حية للقرية كما سمعتها من أبي وبعض كبار السن ممن سكنوا فيها في أزمنة مضت أو من تلك الذاكرة السمعية التي تحتفظ بكل ما تسمع وتعيد انتاجه وكأنه جزء أصيل من ذاكرة صاحبها.

للحظة شعرت أنني لست وحدي في هذه الحارة، ورغم أن المكان بدا مهجورا إلا أن الأرواح التي سكنته في أزمنة سابقة كانت تحضر، وبدت هذه الجدران المتداعية تعيد بناء نفسها، برج الحارة عاد إلى شموخه، وهذا الزقاق الذي يمتد من «الصباح» المحاذي لمسجد الحارة إلى «الصباح» الآخر في نهاية الحارة بدا مرصوفا بحجارة داكنة تعكس أشعة الشمس بين فجواتها، والبيوت التي كانت تحاول اللحاق بقمة الجبل حيث يستكين البرج قد شكلت معه مدرجات سكنية غاية في الجمال. تحيط الجبال بالقرية من كل الجهات مشكلة حولها سورا كونيا يحميها من تحولات الزمان والمكان.

عادت الحياة إلى القرية أو أن الزمن عاد بي إلى بدايات القرن الماضي لأرى بعين سارد كلي العلم ما كانت عليه الحارة. يجتمع الناس إلى جوار المسجد، يحتسون قهوتهم ويأكلون سح الخلاص الذي حصدوه بعد صيف شديد الحارة. تبدو النساء في عمل دؤوب يسابقن الزمن ويمسكن باللحظة حتى ينجزن عملهن اليومي على أكمل وجه. والأطفال يعودون من «المُعَلِّم» متأبطين ألوحًا خشبية بعد أن أنهوا درسهم في قراءة سورة الفاتحة بهجاء القاعدة البغدادية: (باء فتحة بَاء، سين كسرة سِ) كانت وجوههم عامرة بالفرحة، وهم يتطلعون للسير في طرقات الحارة أو الذهاب إلى حيث واحات النخيل وصوت خرير الماء المنساب من الفلج.

اقتربت من بيت جدي في وسط الحارة، كانت رائحة الخبز العماني تفوح في المكان، ورائحة دخان «زور» النخيل تشعرك أن ثمة روائح خالدة أهم بــكثير مــن «برانـــات» عــطــور باريس ولندن. كــان صوت «المـــنحــاز» الـــــتـــي يُــــــدق فيها البُن السيلاني تعزف معزوفة صباحية لا يمكن أن تُسمع إلا في مثل هذه الحارات وهذه الصباحات، وهي معزوفة نادرة، يتناغم فيها الصوت بالرائحة، صوت «المنحاز» ورائحة القهوة والهيل، ورائحة «زور» النخيل الذي يحترق تحت «طوبج» الخبز. ورغم ضيق المساحة إلا أن البيت بدا وكأنه فضاء واسع جدا يتسع للجميع، لسكانه وضيوفه وجيرانه. كانت «الروازن» في جدران البيت الداخلية مؤثثة بالمخطوطات والأضاميم القديمة، كتب في الفقه والسيرة، ومصاحف عتيقة مطبوعة في الهند وباكستان.. ووثائق خطّها خطاط القرية ومن يجيدون الكتابة فيها تحكي قصة الحارة وتفاصيلها اليومية من بيع وشراء وقصتها التاريخية عبر الزمن المتوارث.

بدت أصوات الأرواح التي ملأت الحارة تتعالى مشكلة هي الأخرى معنى جديدا من معاني الحياة، وتأكيدا، لحظيا على أقل تقدير، أن التاريخ لا ينتهي وأن الإنسان قادر على خلق ديمومته وخلوده.

يتجمع الرجال في ساحة الحارة التي تعرف بـ«الصباح» بعد أن أدوا صلاة الظهر. كان العدد أكبر بكثير مما توحي به البيوت ما يعني أن هذه البيوت أوسع كثيرا مما يمكن أن تكشفه مساحتها الجغرافية. تعلو الأصوات كثيرا فيما يهم الرجال بالانصراف نحو بيوتهم، أقترب أكثر لأتبين الأمر، كان كل واحد منهم يدعو الآخر لتناول الغداء في بيته في عادة عمانية لا تندثر.

يحمل البعض في يده ثمار الليمون وآخرون يحملون ثمار النارنج الأصفر الذي تشكل رائحته هوية عطرية للقرية التي لا تحتاج إلى فحص درجة ثباتها على الملابس فهي تنساب لوحدها وتعلق على الجدران قبل أن تعلق على ملابس حامليها. يحمل آخر في يده «مخرافة» صغيرة مليئة بحبات التين، يصر على جاره أن يأخذ بعضا منها لأطفاله. يحمل رجل آخر مسبحة من العقيق، لا تبدو أنها صناعة محلية، يحرك حباتها بين يديه ببطء فيما يتجه ناحية زقاق يمتد خلف المسجد إلى جهة اليمين، تكسو علامات السكينة ومهابة العمر الجميع وهم يسيرون بهدوء ناحية بيوتهم الطينية بعد صباح مليء بالعمل والحكايات وسبر أغوار الجبال المحيطة.

وفي البيوت كانت النساء قد أنهين طبخ ما توفر من الغداء، وجلبن «هاندوات» الماء البارد من الفلج المنساب من أعالي القرية.. كانت البيوت مهيأة لحياة الظهيرة بكل حيويتها وجمالها وضحكاتها وحكاياتها وأصوات الأطفال التي يتردد صداها بين الجبال المحيطة فتبعث على الفرحة وحب الحياة.

يختفي الناس في بيوتهم؛ وأجاهد أنا في الاحتفاظ بديمومة اللحظة التي أعادت الحياة لهذه القرية من جديد. المساء هنا مليء بالحيوات. تحولت الحارة إلى لوحة ساحرة، السماء امتلأت بالنجوم التي بدت وكأنها قناديل معلقة تدلت من السماء في احتفال لا تعرفه إلا هذه الحارات المرتبطة بالنجوم عبر أضواء تحتاج إلى ملايين السنين حتى تصل وتضيء هذه الأمكنة وتنير لحظاتها الخالدة. اقترب أكثر من الجدران وأسمع الجدات وقد بدأن الحديث، المساءات للنساء دائما منذ ما قبل شهرزاد التي كانت تملأ المساء بالكلام المباح.. جاء صوت شهرزاد الحارة وهي تقول «كان يا ما كان في قديم الزمان..»، تسرد بصوت واثق قصصا قادمة من عمق القرية وما جاورها من قرى وحارات، تحكي قصة رجل مغامر عشق هذه السفوح الشاهقة، وعرف كهوفها ووديانها ومساراتها الوعرة وأشجارها الليلية التي يجتمع تحتها السحرة والمغيبين في استدعاء طبيعي للأساطير المرتبطة على الدوام بالشعوب وتطوراتها المعرفية.

كان الأطفال يحدقون في الجدة، ويحاولون تبين ملامح وجهها وهي تحكي وتسرد، ويركزون على تجاعيد وجهها التي تخفي سنوات مع الصراع مع الحياة في محاولة لفهم أدق التفاصيل التي يمكن أن تبوح بها الحكاية. لكن الأطفال ليسوا وحدهم من يأخذهم الفضول لتتبع مسار الحكاية؛ فحتى الكبار رجالا ونساء ينتظرون التفاصيل ويتأملون تسلسلها ولحظة الذروة فيها، ويخاتلون الزمن حتى لا يظهر الصباح فتسكت شهرزاد عن الكلام المباح. لم تكن حكايات الجدة لمجرد التسلية وتمضية ساعات الليل الطويل، بل هي جزء من هوية المكان، وبناء معرفته وطريقة لربط الحاضر بالماضي وتنشئة الأطفال على فهم أعمق للحياة وتحولاتها. تتحول الحارة ببيوتها وأبراجها ونخيلها وبساتينها وكل حيواتها إلى مسرح كبير تدور فيه الحكايات أو تحيط به التفاصيل وكل شخص أو معلم يؤدي دورا أساسيا في قصة لا تنتهي أبدا وتتجدد تفاصيلها وتمتد أحداثها بشكل أشبه بالسرمدي.

يقترب الصبح من لحظته الحاسمة حيث تبدأ خيوط الشمس في الظهور من بين فجوات الجبل، فتسكت كل حكايات القرية وتبدأ النجوم في التواري خلف النور الجديد الذي ترسله الشمس.

أعود إلى اللحظة الحقيقية للقرية، اللحظة التي توقف فيها التاريخ وسكتت فيها الحكايات ولم يبقَ إلا صدى تلك الحياة التي نحاول أن نستعيدها من وعي من عاشوها وشعروا بجمالها.. نحاول أن نسمع ما علق في هذه الجدران من همسات الزمن، ونبحث عن أصوات السمفونية الصباحية وروائحها، نبحث عن روائح «بل» النارنج والليمون وبتلات الياسمين الرازقي والورد المحمدي. ورغم الصمت والكثير من الوحشة إلا أن كل زوايا هذه القرية ما زالت تحكي تفاصيل زمن جميل مر من هنا؛ فخلف كل جدار قصة، وتحت كل صخرة حكاية. غادر أهل هذه الحارة إلى أماكن جديدة بحثا عن حياة أكثر رفاهية ولكن أرواحهم ما زالت تسكن هنا وتروي لنا أن الحكايات الحقيقية لا تموت أبدا.

أسير بتجاه طريق العودة ممسكا بتفاصيل اللحظة ورائحتها التي كانت بين الحلم والحقيقة وبين الأمل والرجاء فلا يبقى في ذهني إلا صدى ذلك الصراع الأبدي بين الإنسان والزمن.. وأشعر أنني جزء من هذه السردية رغم أنني لم أعش تفاصيلها بوعي، لكني زائر ينقل إلى اللحظة الآنية حكاية قرية عاشت، وأحبت وحلمت وخلّدت قصتها الساكنة في بهو هذه البيوت وإن تداعت جدرانها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه القریة التی کانت ما کان

إقرأ أيضاً:

مشروع طريق السلطان فيصل بن تركي يسابق الزمن .. ونسبة الإنجاز 48.5 %

تواصل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات تنفيذ مشروع طريق السلطان فيصل بن تركي الذي يمثل ربطًا استراتيجيًا لولايتي خصب ودبا ونيابة ليما بمحافظة مسندم، وقد تم إنجاز 48.5% من إجمالي المشروع رغم التضاريس الجبلية القاسية، وصُنف المشروع ضمن أكثر المشاريع الهندسية تحديًا على مستوى سلطنة عمان نظرًا للطبيعة الجغرافية الفريدة، مما استدعى استخدام نحو 1600 طن "ما يعادل 1.6 مليون كيلوجرام" من المتفجرات حتى الآن، من أصل إجمالي متوقع يبلغ 4000 طن "4 ملايين كيلوجرام" وذلك لتمهيد مسار الطريق وضمان استمرارية العمل بوتيرة منتظمة، بمعدل يصل إلى 3 تفجيرات يوميًا على امتداد مسار الطريق.

"عُمان" رافقت فريق وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات والشركة المنفذة للمشروع خلال زيارتهم للموقع بولاية خصب، ووثقت سير الأعمال في 7 كيلومترات من المسار الذي يبدأ من الخالدية صعودًا إلى جبال محافظة مسندم، واطلعت على المراحل التي قطعها المشروع الذي يُعد باكتماله مفخرة في تطويع الصخر وترويض الجبال من أجل تعزيز التواصل بين مختلف القاطنين في المحافظة.

بدء الرصف الإسفلتي

وقال المهندس حمدان بن عامر العيسائي، مدير مشروع طريق السلطان فيصل بن تركي بالمديرية العامة للطرق والنقل البري بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات: يُعد المشروع من أبرز المشاريع الاستراتيجية والتنموية التي تُشرف على تنفيذها الوزارة في محافظة مسندم، ويأتي ضمن الجهود الرامية لتعزيز البنية الأساسية ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المحافظة، بالإضافة إلى تعزيز منظومة الربط اللوجستي، وحتى تاريخ 19 يونيو الجاري بلغت نسبة الإنجاز الفعلية في المشروع حوالي 48.5%، حيث إن الأعمال متقدمة عن الخطة المعدة بنسبة تقارب 7%، وذلك بعد مرور 544 يومًا من توقيع عقد التنفيذ، ما يمثل 39.8% من إجمالي مدة العقد.

وأشار إلى أن العمل يسير بوتيرة متسارعة، مع تحقيق تقدم ملحوظ في عدة حزم رئيسية تشمل ولايتي دبا وخصب ونيابة ليما، حيث تجاوزت كميات تمهيد الأرض وقطع الجبال لمسار الطريق 7.5 مليون متر مكعب، مع دعم ثلاث شركات عمانية متخصصة في أعمال التفجير، وقد تم تنفيذ حوالي 3 كيلومترات من طبقات الإسفلت حتى الآن، مع الاستعداد خلال الأسابيع القادمة لتنفيذ أطوال جديدة من الرصف، مشيرًا إلى أنه في إطار أعمال الحماية والسلامة، تم إنجاز حوالي 270 مترًا من الحمايات الحديدية الجانبية، بالإضافة إلى صب 348 حاجزًا خرسانيًا ضمن الحماية الخرسانية على طول مسار الطريق، تمهيدًا لنقلها وتركيبها في مواقعها المخصصة، وذلك لإضافة مزيد من الحماية وضمان سلامة مرتادي الطريق عند افتتاحه.

ويحتوي المشروع على 197 منشأة خرسانية مخصصة لتصريف مياه الأمطار والسيول، حيث العمل جارٍ على تنفيذ 48 منشأة، فيما تم الانتهاء من الأجزاء الأساسية في هذه المنشآت، والعديد منها في مرحلة التشطيب النهائي، لضمان تدفق المياه بكفاءة وحماية الطريق من الأضرار، كما يُنفذ المشروع بمشاركة فعالة من الموارد البشرية والمعدات، حيث يعمل على إنجازه ما يقارب 1400 فرد من القوى البشرية، إلى جانب استخدام 929 معدة متنوعة تغطي كافة مراحل التنفيذ، ويأتي مشروع الطريق داعمًا ومكملًا لحزمة من المشاريع التنموية والاستراتيجية التي تنفذها الحكومة في محافظة مسندم، مما يعزز منظومة الربط اللوجستي والبنية الأساسية في المحافظة، إذ تواصل فرق العمل تنفيذ العبارات المائية وأعمال تسويق المسار الصخري، وتركيب الحمايات الجانبية، وباقي مستلزمات الطريق، مع الالتزام بأعلى معايير الجودة والاستدامة، وفق الجدول الزمني المحدد لضمان الإنجاز في الوقت المناسب، وخدمة أهالي محافظة مسندم بشكل أفضل.

أعلى معايير الهندسة

وأوضح العيسائي أن المشروع يتألف من عدة مراحل رئيسية تُنفذ بتتابع وفق أعلى المعايير الهندسية، وتتضمن المرحلة الأولى تسوية المسار وأعمال القطع الصخري، إذ تم إنجاز الجزء الأكبر من هذه المرحلة بمساندة شركات التفجير واستخدام المعدات الثقيلة، وذلك نظرًا للطبيعة الطوبوغرافية والجيولوجية المعقدة والتضاريس الصعبة التي يمر بها الطريق، فيما تشمل المرحلة الثانية إنشاء طبقات الرصف الترابية السفلى والعبارات الصندوقية، حيث يتم استغلال كميات الصخور المقطوعة من الجبال في تنفيذ طبقات الرصف الترابية السفلى لمسار الطريق، والتي تمنح الطرق متانة وقوة لتحمل الأحمال الثقيلة، كما يجري العمل على تنفيذ عدد من المنشآت الخرسانية المصممة خصيصًا لتصريف مياه الأمطار والسيول، لضمان استدامة الطريق وحمايته من الأضرار الناجمة عن الفيضانات، بالإضافة إلى ذلك تم إنشاء قنوات خاصة لخدمات البنية الأساسية المستقبلية أسفل الطريق، بهدف ضمان عدم قطع الطريق أو تدميره في حال الرغبة في مد خطوط الخدمات مثل المياه والكهرباء والاتصالات مستقبلًا، بينما المرحلة الثالثة تتضمن تنفيذ الحمايات الجانبية وضمان استقرار المنحدرات، وتشمل تنفيذ أعمال الحمايات الجانبية تباعًا بعد الانتهاء من أعمال التسوية، والقص، وخصوصًا في المناطق ذات الانحدارات الحادة، وذلك لتأمين استقرار الطريق وضمان سلامة مستخدميه، وفي المرحلة الرابعة يتم رصف الطريق وإنشاء طبقات الإسفلت، إذ تم بالفعل تنفيذ أطوال من طبقات الرصف الإسفلتي "الطبقة الأولى"، حيث يحتوي التصميم على طبقتين من الإسفلت، وسيتم تنفيذ هذه المرحلة في عدة قطاعات وفقًا لجاهزية الموقع، مع توقع تسارع وتيرة الإنجاز خلال الفترة القادمة، أما المراحل الأخيرة فتشمل استكمال مكملات الطريق من خطوط مرورية، ولوائح إرشادية وتنبيهية، وغيرها من العناصر اللازمة لضمان افتتاح الطريق بشكل رسمي وآمن لمرتاديه.

أكثر المشاريع تحديًا

وأكد أن مشروع طريق السلطان فيصل بن تركي يُعد من أكثر المشاريع الهندسية تحديًا على مستوى سلطنة عمان، وذلك نظرًا للطبيعة الجغرافية الفريدة والتضاريس الجبلية القاسية التي يمر بها الطريق، حيث تواجه فرق التنفيذ العديد من التحديات التقنية والبيئية، ومن أبرزها تضاريس جبلية شاهقة ووعرة مع تكوينات جيولوجية معقدة، مما يتطلب تخطيطًا هندسيًا دقيقًا لتنفيذ المسار وضمان استقراره، ومن بين التحديات صعوبة قطع الصخور الصلبة وكميات القطع الكبيرة، مما استدعى استخدام نحو 1600 طن "ما يعادل 1.6 مليون كيلوجرام" من المتفجرات حتى الآن، من أصل إجمالي متوقع يبلغ 4000 طن "4 ملايين كيلوجرام" وذلك لتمهيد مسار الطريق وضمان استمرارية العمل بوتيرة منتظمة، بمعدل يصل إلى 3 تفجيرات يوميًا على امتداد مسار الطريق، وبمساندة ومتابعة الجهات المعنية ذات العلاقة بالإشراف على هذه الأعمال الدقيقة، وذلك لتمهيد الطريق وضمان استمرارية العمل.

ويمثل التعامل مع الانحدارات الحادة من بين التحديات في هذا المشروع لضمان استقرار الكتل الصخرية المجاورة للمسار، عبر تنفيذ الحمايات الجانبية وأعمال التثبيت الهندسي المتقدمة، كما أن الارتفاعات الشاهقة أضافت صعوبة في تنفيذ بعض أجزاء الطريق لتتطابق مع المتطلبات الخاصة لبعض الجهات الرقابية والفنية، إضافة إلى التحديات اللوجستية المتمثلة في صعوبة نقل المعدات والمواد نظرًا لموقع المحافظة الجغرافي، إذ واجه المشروع صعوبات في وصول المعدات الثقيلة والمواد اللازمة، حيث يتم نقل بعض المواد الأساسية من مسقط وصحار عبر الطرق البرية فقط، مما يتطلب تنسيقًا لوجستيًا معقدًا لضمان توفير المستلزمات في الوقت المناسب وعدم تأخير سير العمل، ورغم هذه التحديات الكبيرة، تمكن الفريق الفني المختص من تجاوزها بفضل التخطيط الدقيق، واستخدام أحدث التقنيات الهندسية، والتعاون المستمر بين جميع الأطراف المعنية، كما أسهمت كفاءة الفريق العامل على تنفيذ المشروع من وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، والمقاول المنفذ، والاستشاري المشرف، بالإضافة إلى اطلاعهم الدقيق على الأدلة والمحددات الفنية والهندسية في الأدلة العالمية والمحلية، في التغلب على تلك العوائق، ويجري حاليًا تنفيذ الحلول على أرض الواقع، مما أسهم في تقدم المشروع بوتيرة جيدة مع ضمان سلامة التنفيذ.

شريان استراتيجي

وقال العيسائي: إن طريق السلطان فيصل بن تركي "دبا - ليما - خصب" يُعد شريانًا استراتيجيًا حيويًا يعزز الترابط بين ولايات محافظة مسندم، ويمثل ركيزة أساسية لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، وتتمثل أهمية المشروع في محاور رئيسية منها، تعزيز الربط اللوجستي، إذ يسهم في تحسين الربط بين القرى والمدن داخل المحافظة، مما يسهل حركة الأفراد والبضائع ويعزز التكامل الاقتصادي بين المناطق، كما تكمن أهمية المشروع في تنشيط قطاع السياحة، حيث يوفر الطريق إطلالات جمالية فريدة، إذ يمر بمناطق طبيعية خلابة وقريبة من قرى أثرية وتاريخية، ما يعزز من جاذبية المحافظة كوجهة سياحية رئيسية، وسوف يقلل مشروع الطريق أوقات التنقل من 3 ساعات إلى حوالي 60 دقيقة بين ولايتي دبا وخصب، ومن ساعتين ونصف إلى 20 دقيقة بين نيابة ليما وولاية خصب، مما يسهل التنقل ويزيد من كفاءة الحركة، كما يسهل الطريق نقل البضائع بين الموانئ والأسواق المحلية، مما يدعم النشاط التجاري ويوسع فرص الاستثمار، ويدعم المشروع التنمية الاجتماعية وتحسين جودة حياة السكان من خلال توفير وصول أسرع وأسهل إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، فضلًا عن إيجاد فرص عمل وتنمية اقتصادية مستدامة.

افتتاح مرحلي

وذكر العيسائي أن الوزارة تواصل العمل بوتيرة متسارعة ومكثفة على تنفيذ مشروع طريق السلطان فيصل بن تركي، مع الحرص على الالتزام بأعلى معايير الجودة والسلامة، ورغم التقدم الملحوظ في مراحل التنفيذ المختلفة، فإن الوزارة تركز حاليًا على استكمال جميع الأعمال الفنية والإنشائية بدقة متناهية لضمان تحقيق مستوى أداء متميز ومستدام للطريق، وعليه تبقى الوزارة ملتزمة بتوفير بيئة آمنة ومناسبة لمرتادي الطريق، مع الاستمرار في متابعة سير العمل عن كثب لضمان إنجاز المشروع ضمن الجداول الزمنية المقررة، ومن الممكن أن يتم افتتاح بعض الأجزاء بشكل مرحلي في حال التوافق مع الجهات المعنية، بشرط التأكد التام من توفر جميع شروط السلامة والأمان اللازمة لمرتادي الطريق.

مقاومة تأثيرات التغيرات المناخية

وأضاف: تم تصميم الطريق وفق أحدث المعايير الهندسية المعتمدة محليًا وعالميًا، مع مراعاة الخصوصيات المناخية والبيئية الفريدة للمحافظة، وقد رُوعي في التصميم مقاومة تأثيرات التغيرات المناخية والأنواء الجوية المختلفة، من خلال إنشاء منظومة متكاملة من العبارات الصندوقية لتصريف كميات الأمطار الغزيرة والسيول، كما تضمنت أعمال التنفيذ إعادة توجيه وتوسعة بعض مجاري الأودية لضمان انسيابية تدفق المياه، إلى جانب تنفيذ الحمايات الجانبية التي تعزز من السلامة المرورية واستقرار الطريق.

مقالات مشابهة

  • مشروع طريق السلطان فيصل بن تركي يسابق الزمن .. ونسبة الإنجاز 48.5 %
  • برشلونة يسابق الزمن و«البلدية» لافتتاح «كامب نو»
  • عاجل. القناة 12 الإسرائيلية: إلغاء جلسات محاكمة نتنياهو التي كانت مقررة خلال الأسبوع المقبل
  • مبابي في سباق مع الزمن للعودة أمام يوفنتوس
  • التعليم: لجان الثانوية العامة اليوم كانت منضبطة وأوراق الإجابة وصلت في معادها
  • قاعدة العديد في قطر والإنذار الأخير.. خفايا الليلة التي عبرت فيها الصواريخ الإيرانية أجواء الخليج
  • نارو تعلق على مشادة حافلة شتوتغارت: كانت تبحث عن التريند..فيديو
  • برج العذراء حظك اليوم السبت 28 يونيو 2025.. خط الزمن يدعمك
  • النقلة "Move 37": اللحظة التي تجاوزت فيها الذكاء الاصطناعي الحدود البشرية
  • كشف نسبة صواريخ إيران التي ضربت داخل إسرائيل من العدد الإجمالي.. والأخيرة تعدد 13 هدفا حققته بـ12 يوما