سودانايل:
2025-06-22@13:14:08 GMT

السودان علي شفا المجاعة كما أراد له لكيزان

تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT

د. احمد التيجاني سيد احمد

لطالما كنت أتابع تقرير الأمم المتحدة لتصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل (IPC) كجزء من عملي. كان القلق ينتابني عندما كنت أقرأ أن ولايةً أو ولايتين قد تتجاوزان المرحلة الثانية أو الثالثة من التصنيف. لكن ما يجري اليوم في السودان تجاوز كل التوقعات وأصبح كارثة إنسانية بكل المقاييس.



منذ اندلاع الحرب في أبريل ٢٠٢٣، تفاقمت أزمة الأمن الغذائي بشكل حاد، حيث يعاني حوالي ٢٦ مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم .١ الي ١٥ مليون شخص يقفون على حافة المجاعة. كانت ولايات مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق في السابق مناطق تعاني من أزمة غذائية حادة، ولكن بفضل تدخل المنظمات الإنسانية، بقيت الأزمة محدودة جغرافيًا. اليوم، وبعد الحرب، انتشر انعدام الأمن الغذائي ليعم كافة أرجاء السودان.

تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل يوضح كيف تدهور الوضع تدريجيًا. المرحلة الأولى تعني استقرارًا نسبيًا، والمرحلة الثانية تشير إلى الإجهاد الغذائي، بينما المرحلة الثالثة تعني الدخول في أزمة حقيقية. أما المرحلة الرابعة، فهي حالة الطوارئ التي تصبح فيها الأرواح في خطر، وتأتي بعدها المرحلة الخامسة وهي المجاعة، حيث يُفقد الناس حياتهم بسبب نقص الغذاء. السودان اليوم تجاوز المرحلة الثالثة والرابعة في عدة مناطق، بل وصل إلى المرحلة الخامسة في خمس ولايات على الأقل.

ما زاد الأمر سوءًا هو قرار حكومة الأمر الواقع في بورسودان بمنع السودان من المشاركة في تقرير تصنيف الأمن الغذائي لهذا العام الذي تُجريه منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة. هذا القرار لم يكن عشوائيًا، بل يبدو أنه محاولة واضحة لمنع المجتمع الدولي من معرفة الحقائق المروعة التي تشهدها البلاد، خاصة مع زحف المجاعة التي أصبحت واقعًا في أجزاء واسعة من السودان. المنظمات الإنسانية تخشى أن يؤدي هذا الانسحاب إلى تقويض الجهود المبذولة لمعالجة أزمة الجوع، حيث يعتمد توجيه المساعدات الإنسانية على بيانات دقيقة تصدر عن مثل هذه التقارير.

الحرب لم تقتل فقط الأرواح، بل دمرت سبل العيش والزراعة والبنية التحتية. ملايين السودانيين فقدوا منازلهم بسبب النزوح الجماعي، مما أدى إلى ضغط هائل على المناطق الآمنة نسبيًا مثل الخرطوم والجزيرة. في الوقت ذاته، تعطل الإنتاج الزراعي بشكل شبه كامل في العديد من الولايات، حيث انخفض إنتاج الحبوب بنسبة تتراوح بين 50% إلى 70%. الأزمة الاقتصادية زادت الطين بلة، مع ارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية وانهيار العملة الوطنية.

الأكثر مأساوية أن هذا الوضع يتماشى مع “فتوى الأشرار” الذين أرادوا قتل نصف الشعب السوداني. المجاعة الجماعية أصبحت جزءًا من استراتيجية الموت التي تنفذها هذه الحرب ضد الشعب السوداني. ورغم كل هذا، يقف المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، عاجزًا عن اتخاذ خطوات حاسمة لإنقاذ السودان.

ما كان في السابق أزمة غذائية محلية تحولت إلى كارثة وطنية شاملة. السودان اليوم على شفا المجاعة ليس بسبب نقص الغذاء العالمي، بل بسبب حرب شرسة ونظام سياسي يسعى لتعتيم الحقيقة. الوضع لا يزال مرشحًا للتدهور إذا استمرت الحرب وغاب التدخل الدولي الجاد. الشعب السوداني يدفع الثمن الأكبر لهذه الكارثة، فيما يقف العالم متفرجًا على واحدة من أسوأ المآسي الإنسانية في العصر الحديث.

لا بد من تحرك فوري وفعال لإنقاذ السودان من هذا المصير. و هذا ممكن علي النحو التالي:

**علي المدي القصير:
*زيادة التدخل الإنساني عبر إيصال الغذاء والأدوية إلى المناطق المنكوبة دون تأخير أو عوائق سياسية. و لذلك لابد من فتح الطرق والممرات الضرورية.
*كذلك يجب أن يُمارَس الضغط الدولي على حكومة الأمر الواقع للسماح بدخول المنظمات الإنسانية وعودة السودان إلى التصنيفات الدولية التي تعتمد عليها خطط الإغاثة.

**على المدى الطويل: يحتاج السودان إلى إعادة بناء اقتصاده المدمر عبر دعم الزراعة و الثروة الحيوانية وتوفير الموارد اللازمة للمزارعين للعودة إلى أراضيهم و لتسويق منتوجاتهم بدون ان تتعرض للتهريب و الفساد.

**لكن يجب ان يكون في الحسبان ان اي جهد لإنقاذ البلاد من الدمار الكامل لن يكون ممكنا قبل إنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية شاملة. بدون هذه الخطوات، ستظل المجاعة زاحفة، وستبقى حياة الملايين على المحك.

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
٣١ ديسمبر ٢٠٢٤ روما إيطاليا

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأمن الغذائی

إقرأ أيضاً:

بعد التحذيرات الأممية والتعقيدات على الأرض.. هل تقترب جنوب السودان من الحرب الأهلية؟

تفجرت الأوضاع بشكل كبير في دولة جنوب السودان، منذ مارس/ آذار الماضي، بصورة أعادت إلى الأذهان الاحتراب الأهلي الذي كان سائدا قبل توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والمعارضة، والذي حقق نوعا من الهدوء قبل نشوب الخلافات حول الترتيبات الأمنية والخلاف بين الرئيس سلفا كير، ونائبه رياك مشار، وعودة طلقات الرصاص مجددا للجنوب.
من جانبها، حذّرت لجنة الأمم المتحدة المعنية لحقوق الإنسان في جنوب السودان، قبل أيام، من أن مزيج “الهجمات العسكرية، والقمع السياسي، والوجود العسكري الأجنبي، يهدد بتقويض اتفاق السلام المنُشط لعام 2018، هذا الوضع يؤجج مخاوف عميقة، ويزيد من عدم الاستقرار والصدمة واسعة النطاق بين السكان، ما يستدعي تدخلا إقليميا عاجلا ومنسقا”.
وقالت رئيسة اللجنة، ياسمين سوكا، في بيان نُشر الجمعة الماضية على موقع الأمم المتحدة، إن “تجدد العنف في البلاد يدفع الاتفاق إلى حافة الانهيار، ما يهدد بتجزئة البلاد أكثر”.
وأكدت سوكا أن “الاتفاق لا يزال هو السبيل الوحيد الموثوق لتحقيق الاستقرار والسلام والانتقال الديمقراطي”، ودعت الشركاء الإقليميين وخاصة الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، إلى “زيادة نفوذهم وضغطهم على قادة جنوب السودان لتهدئة التوترات، والعودة إلى حوار هادف، وتنفيذ الاتفاق بالكامل”.
وجددت اللجنة دعوتها للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتكثيف الضغط الدبلوماسي على قادة جنوب السودان، لضمان التهدئة الفورية والتنفيذ الكامل للاتفاق المنشط. وشددت سوكا على أن “أي محاولات أحادية الجانب لعرقلة عملية الانتقال وتقويض هياكل السلام الإقليمية لها تداعيات خطيرة على السلام والأمن في منطقة القرن الأفريقي، والتقاعس عن العمل قد يغرق البلاد في دوامة صراع مدمرة أخرى”.
بداية، يقول د.محمد مصطفى، رئيس “المركز العربي الأفريقي لثقافة السلام والديمقراطية” بالسودان: “ليست هناك خيارات أخرى غير السلام العادل والشامل كي تعيش دولة جنوب السودان آمنة ومستقرة وذات اقتصاد مستقر”.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”: “شعب جنوب السودان عاش تجارب مريرة منذ عهد الاستعمار مرورًا بالثورة الوطنية المهدية والاستعمار الإنجليزي والحكومات الوطنية بعد إستقلال السودان، لكن لم يستفد من كل هذه التجارب”.

وتابع مصطفى: “لو استفاد من كل تلك التجارب والمظالم البشعة التي مورست عليه من استرقاق وتهميش وتشريد، لكان أفضل من يطبق الديمقراطية وسيادة حكم القانون في بلده بعد الاستقلال”.
وأشار رئيس “المركز العربي”، إلى أن” النظام الحالي هناك يلعب نفس الدور، الذي ظلت تلعبه أنظمة السودان الفاسدة التي ظلت تنقض المواثيق والعهود منذ الحكم الذاتي 1953، وحتى انفصال جنوب السودان، ولو لا حظنا أن الجنوب منذ الانفصال يعيش ما بين سندان الحرب ومطرقة الانهيار الاقتصادي رغم موارده الاقتصادية الضخمة، رغم أن هذا الشعب يستحق السلام والاستقرار والتقدم والازدهار في ظل وضع ديمقراطي وتداول سلس للسلطة وليس صراع عليها يأكل الأخضر واليابس ويجعل من المواطن آخر اهتماماته”.
وقال مصطفى: “نحن الآن نعيش أسوأ حرب في العالم بسبب الظلم التاريخي الذي تجذر وتمدد ليفسد أخلاق الشعب قبل أن يتوقد حربا ويدمر السودان كله، وما لم تفطن له القيادة الحالية في جوبا هو العودة لتاريخها النضالي وتاريخ الجنوب وتتأمل في كل حقبة خطوة خطوة سوف تندم وتتحسر كثيرا على جنوب السودان كما ندمنا وتحسرنا على السودان”.

ولفت رئيس “المركز العربي”، إلى أن “أفريقيا ساحة حرة لتقاطعات مصالح الغرب وجهات أخرى، ما لم يفكر القائد الجنوبي ويعمل بجد لمحاربة الظلم والفساد، لا يستطيع الاطمئنان على سلامة وأمن بلده، لأن المظلومين في بلده يبحثون عن دعم ليتمردوا على النظام، ووقتما تلاقت أشواقهم بمصالح جهة ما سوف يجدون الدعم ويفجرون حربا ضروسا ضد نظام بلدهم”.
وأكد مصطفى أن “هناك مؤشرات كثيرة تدل على هشاشة الوضع الأمني في جنوبنا الحبيب، ولكن نثق في الجنوبيين بأنهم يستطيعون تجاوز المرارات، بل هم أكثر شعب متسامح لذلك نتوقع انتصار الحكمة وتفويت الفرصة للذين يريدون العبث بأمن جنوب السودان واستقراره”.
من جانبه، قال أندريا ماج، المحلل السياسي من جنوب السودان، إن “الحل رغم كل الصعوبات يكمن في الحوار، وربما يتم الاتفاق على خارطة جديدة للسلام بعد فشل الخارطة السابقة للسلام، لكن الوضع صعب ولا نقول إننا في حرب، لكن يمكن أن تتطور الأمور وتصل إلى الحرب الأهلية الشاملة، ما لم يجلس الساسة في دولة الجنوب ويتفقوا على مسار جديد للسلام بمساعدة دولية وإقليمية لاحتواء الوضع”.

وأضاف في اتصال مع “سبوتنيك”: “الجهود الإقليمية والدولية لم تنقطع، منذ اندلاع الأزمة من أجل العودة إلى التفاوض واحتواء الموقف. الوضع بلا شك خطير لكنه لم يتجه إلى الفوضى والحرب الأهلية حتى الآن، ورغم سيطرة الجيش في جنوب السودان على جزء كبير من الأوضاع، إلا أننا لا نستبعد خطر الحرب والانجراف مرة أخرى إلى صراع مسلح في البلاد”.
وحول إمكانية العودة إلى اتفاق السلام بين الحكومة والمعارضة بعد أن فُقدت الثقة بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار، الذي يقبع في الإقامة الجبرية، قال ماج: “أعتقد أن الأمر صعب جدا، هذه هي المرة الثالثة التي تنشب فيها الخلافات، المرة الأولى كانت في العام 2015 والثانية في 2018، وهذه هي المرة الثالثة والتي تم فيها احتجاز، العلاقة بين الرئيس ونائبه علاقة متوترة بشكل كبير، لذلك أعتقد أن عودة الرجلان للجلوس مرة أخرى سيكون سهلا وهذا يمثل خطورة على مستقبل البلاد”.
ومنذ مارس/ آذار 2025، شنّت قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان عمليات عسكرية متواصلة، شملت غارات جوية على مناطق مأهولة بالمدنيين، ما تسبب في سقوط ضحايا كثر ونزوح جماعي، كما أُعلنت حالة الطوارئ في عدة مناطق لا تزال العمليات مستمرة فيها.
وأعلنت حكومة جنوب السودان، نهاية مارس الماضي، قرار الرئيس سلفا كير، بوضع النائب الأول للرئيس رياك مشار، قيد الإقامة الجبرية.

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط”، بيانا صادرا عن وزير الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة مايكل مكوي لويث، أكد فيه أن القرار يأتي “في إطار الصلاحيات الدستورية للرئيس”، مشددًا على أن “اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية بين عامي 2013-2018، ما زال قائمًا رغم هذه التطورات”.
وفي سياق متصل، حثّت الحكومة البريطانية رعاياها على مغادرة البلاد “فورًا”، عبر منشور لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، على منصة “إكس”، حذّر فيها من “تدهور الأوضاع الأمنية”، كما أعلنت كينيا عن إرسال رئيس وزرائها السابق رايلا أودينغا، كمبعوث خاص للوساطة بين الطرفين.
بدوره، أعرب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه من أن الوضع قد “يدفع البلاد نحو حافة حرب أهلية”، وذلك في أعقاب الاشتباكات الأخيرة بين القوات الموالية لكير، وتلك المناصرة لمشار، في مناطق متفرقة.
يذكر أن جذور الأزمة الحالية تعود إلى الاشتباكات التي اندلعت الشهر الماضي بين الجيش وميليشيا “الجيش الأبيض” في بلدة الناصر، والتي اتُهم فيها حزب مشار بـ”التواطؤ”، وهو ما ينفيه الحزب. وقد شملت الاعتقالات الأخيرة عددًا من حلفاء مشار البارزين، بينهم وزير النفط ونائب قائد الجيش.

وكالة سبوتنيك

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كاتس يُصادق على أهداف المرحلة المقبلة من الحرب على إيران
  • مساجلة دبلوماسية حامية بين السودان والإمارات بأروقة الأمم المتحدة
  • دمج وزارة الري في وزارات أخرى: قرار غير موفق!!
  • المجاعة تستعد لعزو اليمن والأمم المتحدة تحذر
  • الزراعة: تنمية قطاعي المصايد الطبيعية والاستزراع السمكي بما يحقق الأمن الغذائي
  • خطاب في زمن التيه – بين الخيال والجنون
  • ولد الرشيد: إفريقيا الأكثر تعرضا لانعدام الأمن الغذائي رغم احتضانها 50% من الأراضي الزراعية غير المستغلة
  • بعد التحذيرات الأممية والتعقيدات على الأرض.. هل تقترب جنوب السودان من الحرب الأهلية؟
  • الوزير السقطري يُشرف على ورشة مشروع تعزيز الأمن الغذائي في اليمن
  • الأمن القومي السُوداني وأهميته في المرحلة القادمة