الحرب الهجينة: كيف تحولت المعلومات المضللة إلى سلاح إستراتيجي عالمي؟
تاريخ النشر: 8th, January 2025 GMT
نشر موقع " فورميكي" تقريرًا سلّط فيه الضوء على دور روسيا والصين وإيران في استخدام الحرب الهجينة؛ حيث أصبح التضليل المعلوماتي عنصراً محورياً في استراتيجياتها الجيوسياسية والعسكرية، وتقوم الدول باستغلال الأدوات الرقمية لتعزيز نفوذها وزعزعة الاستقرار في الغرب.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن أجهزة الاستخبارات والأمن في روسيا والصين وإيران تمتلك أقسامًا متخصصة ووحدات مكرسة للهجوم في المجال المعلوماتي؛ بدءًا من مصانع الترويج الروسية (التلاعب بالمعلومات)، ووصولًا إلى مفهوم "تقارب وسائل الإعلام" (الدمج التدريجي بين الدعاية الداخلية والخارجية) الذي أقرته توجيهات الحزب الشيوعي الصيني.
وأوضح الموقع أن الصراع في أوكرانيا و التوترات الأخيرة في الشرق الأوسط، والتنافس الجيوسياسي على النفوذ في الجنوب العالمي، بجانب الأحداث الانتخابية في دول استراتيجية مثل رومانيا، تُظهر أن التمييز التقليدي بين الحرب التقليدية وعمليات التضليل الإعلامي أصبح متجاوزًا، حيث تتلاشى الحدود بين الصراع المادي والرقمي، وأصبحت المعلومات المضللة، التي تعد عنصرًا رئيسيًا في الحرب الهجينة، ليست جانبًا ثانويًا فحسب، بل أصبحت محورًا مركزيًا في الاستراتيجيات العسكرية والجيوسياسية.
ووفقا للموقع فخلف هذا النهج الذي يستخدم التلاعب بالمجال الرقمي وتحويل التضليل إلى سلاح صراع وأداة إستراتيجية لتعزيز السلطة وتوسيع النفوذ الجيوسياسي، يقف ثلاثة فاعلين رئيسيين: روسيا، الصين، وإيران. هذا المحور من القوى الاستبدادية، وعلى الرغم من الاختلافات في أهدافها الاستراتيجية – زعزعة الاستقرار بالنسبة لروسيا، السعي إلى الشرعية بالنسبة للصين، والمقاومة بالنسبة لإيران – يشترك في ثلاثة أهداف أساسية مشتركة: تفكيك النظام الديمقراطي الدولي، تحدي الهيمنة الغربية، والترويج لنماذج الحكم الاستبدادي.
ويتجسد هذا التقارب في رؤية مشتركة للمجال الرقمي كساحة معركة للقيام بعمليات هجينة تهدف إلى إضعاف الغرب؛ حيث تمتلك أجهزة الاستخبارات والأمن في روسيا والصين وإيران أقسامًا متخصصة ووحدات مكرسة للهجوم في المجال المعلوماتي، وهو ما يكشف عن بنية مؤسسية وعسكرية تشير بوضوح إلى وجود خطة استراتيجية مُحكمة.
وذكر الموقع أن هذا التقارب يزداد، فإذا نظرنا إلى السرديات المنتشرة والأساليب المستخدمة، فلم تتردد الصين وإيران في تضخيم السرديات الروسية التي تهدف إلى تصوير غزو أوكرانيا كرد فعل مشروع على التوسع الغربي، أو النظريات المتعلقة بوجود مختبرات بيولوجية أمريكية في أوكرانيا، ومن ناحية أخري تروج موسكو وطهران وبكين (رغم مواقفها الأكثر حذراً) لسرديات تتهم الولايات المتحدة وحلفائها ليس فقط بالمسؤولية المباشرة عن الصراع الحالي في الشرق الأوسط، بل أيضًا بانتهاج معايير مزدوجة مقارنة بالمواقف التي اتخذوها تجاه الصراع الأوكراني.
أما في الجنوب العالمي، وبدرجات قوة وإمكانات متفاوتة، تميل هذه الأطراف الثلاثة إلى تقديم أنفسهم كشركاء مثاليين لمواجهة العدوان الغربي وإقامة عالم متعدد الأقطاب حقًا، حيث يمكن للجنوب أن يطالب بمكانته الشرعية، متحررًا من إرث الاستعمار والاستعمار الجديد المستمر، وعلى المستوى التكتيكي، تُعد روسيا المحور الأساسي لهذا التحالف، حيث طورت نموذجًا تم تبنيه وتكييفه لاحقًا من قبل جمهورية الصين الشعبية، ومؤخرًا من قبل إيران.
وأكد الموقع أن الأبحاث الأخيرة تشير إلى تأكيد اتجاه متزايد نحو المزيد من التوافق بين موسكو وبكين وطهران في نهجها تجاه العمليات المعلوماتية، فأصبحت عمليات التضليل التي تقوم بها هذه الدول جزءًا لا يتجزأ من هجمات سيبرانية مُنظَّمة جيدًا، تُستخدم لنشر البرمجيات الخبيثة عبر التلاعب بمخاوف الناس وعواطفهم المُضخَّمة (على سبيل المثال من خلال "البرمجيات الخوفية"، وهي نوع خاص من طُعم التصيد الاحتيالي التي تستغل القلق ونقص المعلومات).
وعلي صعيد آخر تتزايد عمليات "الاختراق والتسريب" جنبًا إلى جنب مع التنسيق بين التكتيكات الهجينة (كما أظهر مثال "ساندورم"). كما يزداد استخدام الشركات الخاصة المؤجرة، وتجنيد المؤثرين، والاستغلال المنهجي لقنوات الاتصال الحكومية والدبلوماسية، وتوظيف ما يُعرف بـ"الإجراءات النشطة" واستهداف المجتمعات والجمهور المحدد بدقة. وتستغل عمليات التضليل الروسية، مثل نظيرتيها الصينية والإيرانية، بشكل متزايد الفرص المتاحة من خلال النقاشات العامة أو دورة الأخبار حول القضايا المثيرة للانقسام والاستقطاب في البلدان المستهدفة.
وأشار الموقع الي أن أجهزة الدول الثلاث تعمل على زيادة قدرتها على تنسيق عمليات مخصصة، وتكييفها مع السياقات الوطنية المختلفة. ومع ذلك، لا تزال هناك اختلافات واضحة، فالنهج الصيني في التعامل مع التضليل الإعلامي يعكس الثقافة الاستراتيجية للبلاد، وهو بالتالي أكثر حذرًا وأقل ظهورًا وأكثر تفاعلية وبرمجة. ورغم أن ظهور الذكاء الاصطناعي قد عزز قدرات الدول الثلاث، إلا أن الصين تظل في موقع أفضل لاستغلال الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة بشكل كامل لإنشاء سرديات تضليل وعمليات تأثير أكثر فعالية.
ومع الأخذ في الاعتبار الفروقات الضرورية، فيبدو أن موسكو وبكين وطهران قد أدركت أن كل صراع في عصرنا هو صراع رقمي، وبما أن الصراع الرقمي بطبيعته عالمي، فإن كل صراع، سواء كان عسكريًا أو سياسيًا، يتحول إلى صراع عالمي. ولا تعمل التقنيات الرقمية فقط على توسيع نطاق العمليات المعلوماتية، بل تحوّل كل مواجهة محلية إلى معركة عالمية للسرديات. تضمن منصات مثل إكس وفيسبوك وتيك توك وتلغرام، بحكم تعريفها وهيكلها غير المكترث بالحدود الجغرافية والسياسية، أن كل صراع يمكن أن يكون له تأثيرات متتالية تتجاوز حدوده المادية بكثير.
ولفت الموقع إلى أن إستراتيجيات التضليل ليست مجرد أدوات للتلاعب، بل هي وسائل حقيقية لإعادة تعريف التصورات والتوازنات العالمية، فلا تقتصر حملات التأثير على نشر الفوضى، بل تخلق سيناريوهات تزدهر فيها حالة انعدام الثقة، وتزداد الاستقطابات، وتتفاقم الاحتجاجات، ويصبح اتخاذ القرار في المؤسسات أكثر بطئًا وتعقيدًا. ولا تقتصر التأثيرات المزعزعة على مناطق الصراع فقط، بل تمتد إلى حكومات الدول المستهدفة، مما يقوض الثقة في المؤسسات ويجعل التعاون الدولي أكثر صعوبة.
وفي النهاية يختتم الموقع بالتأكيد على أن المواجهة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية، تمر عبر التهديدات الهجينة الغامضة، وأن هذا التنسيق المتزايد في مجال التضليل بين موسكو وبكين وطهران لا يشكل فقط تهديدًا حتميًا في المشهد الجيوسياسي الحالي، لكنه يحدد خارطة التحالف الذي ينظر إلينا باعتبارنا العدو الذي يجب هزيمته، ويبدو أننا لم ندرك هذا الأمر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية روسيا الصيني امريكا الصين روسيا ديمقراطية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصین وإیران
إقرأ أيضاً:
سلطنة عُمان تبحث مع روسيا والصين ضرورة وقف حرب إسرائيل وإيران
عُمان – بحثت سلطنة عُمان مع روسيا والصين ضرورة وقف الحرب بين إسرائيل وإيران، مع تأكيد على أن تل أبيب هي الطرف المعتدي، وفق وكالة الأنباء العمانية الخميس.
وذكرت الوكالة أن وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي أجرى اتصالين هاتفيين مع نظيريه الروسي سيرغي لافروف والصيني وانغ يي.
الوكالة أوضحت أن الاتصالين تناولا “ضرورة الوقف الفوري للحرب، مع تأكيد أن إسرائيل تعد الطرف المعتدي المخالف لميثاق الأمم المتحدة، والمتسبب في إجهاض جهود السلام، بما في ذلك المفاوضات الأمريكية-الإيرانية الرامية لمنع الانتشار النووي”.
وبدعم أمريكي بدأت إسرائيل فجر 13 يونيو/ حزيران هجوما واسعا على إيران بمقاتلات جوية، فقصفت مباني سكنية ومنشآت نووية وقواعد صواريخ واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين.
ومساء اليوم نفسه، بدأت إيران الرد بسلسلة هجمات بصاروخية باليستية وطائرات مسيّرة، ما تسبب بقتلى وجرحى وأضرار مادية كبيرة، وفق مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي.
وأجمع وزراء الخارجية العماني والروسي والصين على أن “الحل العسكري غير مجد، وأن تحقيق وقف إطلاق النار بصورة مبكرة يكفل العودة إلى طاولة المفاوضات، لمعالجة الملف النووي بما يضمن الاستقرار والسلام للجميع”.
واتفق البوسعيدي ولافروف على أن “هذا التصعيد غير المسبوق يُخالف ميثاق الأمم المتحدة”.
وجدد الوزيران “الدعوة للإيقاف الفوري لهذه الهجمات و(عدم) توسيع نطاقها، والامتناع عن استهداف المنشآت النووية ومنع مخاطر انتشار الإشعاع النووي”.
كما أكد وانغ يي أنه “لا يمكن حل الملف النووي خارج نطاق الجهود الدبلوماسية”.
وقبيل العدوان الإسرائيلي، عقدت إيران والولايات جولات عدة من مفاوضات غير مباشرة، بعضها في سلطنة عمان، بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وتتهم إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة إيران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما في ذلك توليد الكهرباء.
وتعد إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك ترسانة نووية، وهي غير خاضعة لرقابة دولية، وتواصل منذ عقود احتلال أراض في فلسطين وسوريا ولبنان.
الأناضول