خبير عسكري: صواريخ ومسيّرات اليمن تنغص ما تظنه إسرائيل نصرا إقليميا
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
قال الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن استمرار الحوثيين بإطلاق المسيّرات والصواريخ الباليستية يشكّل تنغيصا على ما تعتبره إسرائيل "نصرا إقليميا، ومحاولة إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط".
جاء ذلك بعد إعلان الجيش الإسرائيلي، مساء الخميس، اعتراض سلاح الجو 3 مسيّرات أُطلقت من الشرق، وسط ترجيحات أن المسيّرات التي تسببت بتفعيل صفارات الإنذار في منطقة النقب الغربي مصدرها اليمن.
وأوضح حنا، في حديثه للجزيرة، أن الحوثيين يخوضون حربا ضد أهم جيوش العالم، في إشارة منه إلى جيوش أميركا وبريطانيا وإسرائيل، إضافة إلى تحالف "حارس الازدهار".
ويعد "حارس الازدهار" تحالفا عسكريا بحريا متعدد الجنسيات، تأسس في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، بمبادرة أطلقتها الولايات المتحدة، بهدف التصدي للهجمات الحوثية التي تستهدف السفن التجارية من إسرائيل وإليها عبر البحر الأحمر.
ووفق حنا، فإن جبهة اليمن هي الجبهة الوحيدة الفاعلة حاليا رغم كونها على مسافة ألفي كيلومتر، لكنها تضع الحوثيين في موقع جيوسياسي مهم، إلى جانب الأهداف المتعلقة بإسناد غزة والقضية الفلسطينية.
ولفت الخبير العسكري إلى أن إطلاق المسيّرات والصواريخ الحوثية بعد منتصف الليل يعني نزول نحو 3 ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ. وكذلك يتزامن أيضا مع المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار وإبرام صفقة تبادل للأسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
إعلان
وبشأن المعضلات التي تواجه جيش الاحتلال أمام جبهة اليمن، عدد الخبير العسكري بعضا منها مثل المسافة الجغرافية البعيدة، وعدم أولوية هذه الجبهة مقارنة بجبهة غزة ومن ثم الجبهة اللبنانية.
وأعرب حنا عن قناعته بأن الجبهة اللبنانية أصبحت في مكان آخر بعد انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا للبلاد إثر شغور رئاسي طويل، وتداعيات ذلك على التعامل بين الدولة وحزب الله.
ونهاية العام الماضي، أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية ضد الحوثيين في اليمن اسم "نغمات الكرم"، وهو ما اعتبره الخبير العسكري تحول اليمن إلى جبهة قتال أساسية يتطلب اجتماعات متكررة بين القيادة الوسطى الأميركية والجيش الإسرائيلي.
وقبل يومين، كشفت قناة "كان" الإسرائيلية أن الاستخبارات جنّدت عشرات اليهود من الأصول اليمنية للتعامل مع ما وصفتها بتهديدات الحوثيين، مشيرة إلى أنهم سيخدمون في شعبة أمان الاستخباراتية، للمساعدة بمواجهة عبر جمع المعلومات الاستخباراتية وفهم الثقافة اليمنية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الخبیر العسکری
إقرأ أيضاً:
انقراض الطائفة اليهودية في اليمن برحيل بدرة يوسف إلى إسرائيل
في مشهد يلخص نهاية فصل طويل من التعددية الدينية التي كانت تميز اليمن لقرون، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن بدرة يوسف، إحدى آخر النساء اليهوديات في اليمن، غادرت البلاد إلى إسرائيل، منهية بذلك إقامة استمرت لعقود في وطنها الأم، وسط عزلة خانقة وظروف قاسية.
وبحسب ما نشره الصحفي اليمني المستقل علي إبراهيم الموشكي، فإن يوسف غادرت اليمن في يونيو/حزيران الماضي، وذلك بعد نحو عام من وفاة زوجها يحيى يوسف، أحد أبرز الرموز المتبقية من الطائفة اليهودية في البلاد. وكتب الموشكي عبر صفحاته: "الحمد لله على وصولك بالسلامة يا خالة بدرة"، مشيدًا بها وبزوجها الراحل، ووصفهما بأنهما "من أروع يهود اليمن الوطنيين"، ممن رفضوا الخروج رغم الظروف الصعبة والمغريات المستمرة للهجرة.
وتعكس مغادرة يوسف واحدة من أكثر القصص التي تختزل المأساة المتراكمة التي لحقت بيهود اليمن، الذين كانت لهم جذور تاريخية تعود إلى العصور القديمة. ووفقًا لما ذكرته "المكتبة اليهودية الافتراضية" (Jewish Virtual Library)، فقد كانت الطائفة اليهودية في اليمن من أقدم وأغنى الجاليات ثقافيًا ودينيًا في العالم العربي، حيث لعبت دورًا محوريًا في التجارة، والصناعات الحرفية، والنسيج الاجتماعي اليمني، خصوصًا خلال العصور الوسطى.
لكن مع مرور القرون، بدأت هذه الجالية تتعرض لسلسلة طويلة من الاضطهادات. من بين أبرز تلك المحطات، ما حدث في أواخر القرن الثاني عشر خلال حكم عبد النبي بن مهدي، الذي فرض اعتناق الإسلام على اليهود، وكذلك في القرن الثامن عشر حين أُقر ما يُعرف بـ"مرسوم الأيتام"، والذي أجبر الأطفال اليهود اليتامى على اعتناق الإسلام، مما أحدث هزات اجتماعية عميقة داخل الطائفة.
اليوم، تشير تقارير متعددة إلى أنه لم يتبقَ في اليمن سوى أربعة يهود فقط، أبرزهم لاوي سالم موسى مرحبي، الذي اختُطف من قبل جماعة الحوثيين عام 2016، بتهمة مزعومة تتعلق بمحاولة تهريب لفيفة من التوراة خارج البلاد. لاوي لا يزال رهن الاعتقال حتى اليوم، وسط تجاهل شبه تام من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.
وقد تعرض من تبقى من اليهود في اليمن لمضايقات عديدة، تراوحت بين التضييق الأمني، ومصادرة الممتلكات، والتمييز الاجتماعي، حتى باتوا يعيشون في عزلة شبه تامة داخل مناطق مغلقة في صنعاء وخارجها.
الهجرة الأخيرة لبدرة يوسف ليست سوى تتويج لمسار طويل من التهجير غير المعلن، الذي بدأ بشكل فعلي منذ منتصف القرن العشرين، مع انطلاق "عملية بساط الريح" في عامي 1949 و1950، والتي جرى خلالها نقل نحو 50 ألف يهودي يمني إلى إسرائيل. لكن الموجات استمرت خلال العقود اللاحقة، خاصة مع تصاعد العنف الطائفي والانفلات الأمني في البلاد.
ما يميز قصة يوسف، هو رفضها لسنوات مغادرة اليمن رغم الفرص الكثيرة لذلك، ما يجعل رحيلها لحظة رمزية فارقة تُغلق عمليًا فصلًا كاملاً من تاريخ اليمن المتعدد والهجين، الذي بات يتلاشى تحت ضغط الحروب والتطرف والعزلة.
يرى مراقبون أن انقراض الجالية اليهودية في اليمن لا يمثل مجرد هجرة أفراد، بل هو خسارة لهوية ثقافية وتراثية أصيلة، امتدت لعشرات القرون، وكان لها حضور في الموسيقى، واللغة، والحرف، والنسيج المعماري، والعلاقات الاجتماعية، خصوصًا في مدن كصعدة، وحراز، وصنعاء.
ويحذر المراقبون من أن ما حدث ليهود اليمن قد يُعاد بنسخ متعددة ضد أقليات أخرى، ما لم تُصنّ حقوق المواطنة المتساوية وتُحمى المكونات التاريخية لأي بلد من التسييس والإقصاء الديني.
رحيل "خالة بدرة"، كما وصفها الموشكي، ليس مجرد هجرة شخصية، بل هو علامة على انطفاء آخر شموع التنوع الديني في اليمن، الذي كان ذات يوم نموذجًا للعيش المشترك بين مختلف الطوائف والمذاهب. ومعها، تطوى صفحة من ذاكرة وطن جُبل على التعدد، لكنه اليوم يتآكل من الداخل تحت وطأة العنف والتشدد والانغلاق.