الجزيرة:
2025-06-03@04:34:05 GMT

كيف تحولت عودة السوريين إلى تحد لتركيا؟

تاريخ النشر: 12th, January 2025 GMT

كيف تحولت عودة السوريين إلى تحد لتركيا؟

يستعد 6 ملايين سوري، يقيمون تحت بند الحماية المؤقتة في دول الجوار وأوروبا، للعودة إلى بلادهم، بعد أن أطاحت غرفة عمليات المعارضة السورية المسلحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

ودعت الإدارة السورية المؤقتة فور تسلمها السلطة جميع الأشخاص، الذين فروا هربا من قمع النظام البائد، للعودة والمشاركة في بناء سوريا الجديدة، في ظل نظام ديمقراطي يحترم حقوق الجميع دون إقصاء.

وتتوقع الأمم المتحدة عودة نحو مليون لاجئ سوري خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام، بعد أن أصبح الطريق ممهدا لعودتهم عقب انتهاء عهد مظلم استمر 61 عاما من حكم البعث و53 عاما من سيطرة عائلة حولت البلاد إلى مسلخ بشري تعرض فيه مئات الآلاف من الأبرياء للقتل خارج سلطة القانون.

ويستكشف هذا التقرير الآثار المتعددة لهذا التحول الدراماتيكي، مسلطا الضوء على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتظر تركيا، ومتسائلا عن قدرة الاقتصاد التركي على التكيف مع هذا الواقع الجديد في ظل رحيل قوى عاملة ماهرة أصبحت جزءا لا يتجزأ من نسيجه الاقتصادي.

تركيا ونقص العمالة

في الأسابيع القليلة الماضية، تشهد معابر الحدودية التركية-السورية مثل جيلوة غوزو، وأونجو بينار، ويايلا داغي تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، وسط مخاوف أرباب الصناعة التركية من تأثير محتمل، لمغادرة العمالة السورية المفاجئة أماكن عملها على واقع الإنتاج، مع عدم وجود بدائل محلية مؤهلة تحل مكانها.

إعلان

ووفقا لوزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، فإن عدد الذين غادروا تركيا إلى الآن تجاوز 53 ألف لاجئ سوري ينتمون لفئات عمرية مختلفة، في الوقت الذي تواصل فيه آلاف العائلات استعداداتها للعودة فور انتهاء أطفالها من العام الدراسي الجاري.

وفي اليوم التالي لهروب الأسد خارج البلاد، نشرت صحيفة "غازي عنتاب أولوسوم" تقريرا بعنوان: أين السوريون؟ نقلت فيه عن أحد أصحاب الورش التركية المنتجة في المنطقة الصناعية قوله "لم يلتحق العمال الذين يعملون في المصانع بعملهم -بلا سابق إنذار- منذ يومين"، وأشار إلى أن هذا الغياب المفاجئ من شأنه أن يعطل الإنتاج في أغلب المنشآت التي تخصهم، كما أن أغلب الورش الصناعية لجأت إلى إعادة ضبط إنتاجها وتخفيفه بشكل كبير.

وأشار أحد المنتجين إلى أن الوضع المفاجئ أجبره على تقليل الإنتاج بشكل كبير، موضحا "كان لدينا 8 عمال في الورشة، أما الآن فنحاول الصمود بـ3 أو 4 فقط، لقد أثر غياب العمال السوريين على قدرتنا في تلبية الطلبات بوقتها المحدد، مما تسبب بسلسلة من التأخيرات التي انعكست علينا وعلى عملائنا".

حلب وغازي عنتاب.. توأمة المصالح والتقاليد

تاريخيا، تبدو العلاقة بين مدينة غازي عنتاب التركية ومدينة حلب السورية أقرب بكثير من المسافة التي تفصل بينهما على جانبي الحدود، فقد ربطت المدينتان وشائج توأمة قديمة، وعلاقات إنسانية وتقاليد مشتركة، ومصالح اقتصادية وتجارية متبادلة، دفعت معظم السوريين الذين غادروا مناطق شمال سوريا إبان حرب الأسد إلى اعتبارها الوجهة المفضلة لإقامتهم.

وتصنف المدينة اليوم بأكثر المدن التركية اكتظاظا بالسوريين، إذ بلغ عددهم -بحسب بيانات دائرة الهجرة- نحو 460 ألف سوري، 91% منهم من سكان مدينة حلب وريفها. وجاء ترتيبها الثاني بعد إسطنبول على صعيد إقامتهم، فقد استضافت الأخيرة -وفق تقرير لوكالة تخطيط إسطنبول "آي بي إيه"- نحو 550 ألف سوري، شكلوا ما نسبته 3.28% من إجمالي عدد سكان المدينة.

إعلان

ويرى الخبير بقضايا التنمية البشرية بسام تركاوي المقيم في تركيا أنه ليس من الصعب فهم الحماس الذي أبداه السوريون منذ مطلع 2012 لاختيار غازي عنتاب مكانا للجوئهم، فالمدينة ببيئتها الاقتصادية والاجتماعية كانت أقرب المدن التركية إليهم على مدى تاريخ طويل.

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن سهولة الوصول إلى الخدمات الحيوية التي يحتاجونها، ووجود نموذج تنمية اجتماعية وفرته إدارة المدينة شمل قطاعات الصناعة والتجارة والتعاون المحلي والمدني، إلى جانب تسهيلات حكومية أخرى، شكلت جميعها عوامل ساعدت الذين كانوا يعتمدون في بداية اللجوء على مدخراتهم في الإنفاق، للانخراط بسوق العمل أو إنشاء مؤسسات تجارية أو صناعية صغيرة تطورت لاحقا إلى كيانات تميزت بأهميتها على مستوى اقتصاد المدينة.

وخلال فترة قصيرة، حصد السوريون وفق -تركاوي- نجاحات ملموسة سواء كعمالة ماهرة أو مستثمرين في مجالات التصنيع والتصدير، لا سيما في قطاعات الملابس الجاهزة، والمواد الغذائية، وغيرها من قطاعات الإنتاج، حيث قدمت دعما ملحوظا للاقتصاد التركي بلغت نسبته نحو 3%، في حين دعمت الصادرات التركية بنحو 5 مليارات دولار سنويا.

غازي عنتاب تصنف بأنها أكثر المدن التركية اكتظاظا بالسوريين، إذ بلغ عددهم نحو 460 ألف سوري (رويترز) الشركات السورية في مقدمة الشركات الممولة أجنبيا

تحتل تركيا المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة الأميركية في صناعة السجاد، وبلغت حصتها السوقية نحو 40% تقريبا، علاوة على نجاحها في الصناعة الغذائية ومن بينها الحلويات التقليدية، إلى جانب إنتاجها للفستق، الذي بلغت قيمة ما صدرته في عام 2023 ما يقرب من 152 مليون دولار.

في حين تعتبر غازي عنتاب من أبرز المدن المصنعة والمصدرة على مستوى البلاد، إذ تتمركز فيها صناعة الملابس الجاهزة، والسجاد.

وخلال الأعوام الأخيرة، نجح السوريون في الوصول إلى أرقام لافتة بإسهاماتهم في النشاط الاقتصادي والتجاري للمدينة، ويشير التقرير السنوي لغرفة تجارة غازي عنتاب "جي تي أو" (GTO)، الذي سجل وجود 3083 شركة ذات تمويل أجنبي في عام 2023، إلى أن حصة الشركات السورية منها بلغت 2610 شركات، تلتها في المرتبة على التوالي الشركات العراقية، ثم الشركات الألمانية، فالفرنسية.

إعلان

وبهذا الصدد، لفتت رئيسة بلدية غازي عنتاب الكبرى فاطمة شاهين إلى وجود مصانع تركية-سورية مشتركة، تم الاستفادة فيها من الخبرة السورية، مثل صناعة الأحذية، مضيفة "نحن نجيد صناعة الأحذية الرجالية، بينما هم أفضل منا في صناعة الأحذية النسائية".

ويصف خبراء محليون سوق "نيزيب" مركز صناعة الأحذية والنعال، بالمنافس الأكبر للشركات الصينية في السوق العالمي، إذ تعمل فيه -بحسب تيفيك بايندير نائب رئيس غرفة صناعة الأحذية في غازي عنتاب- نحو 500 شركة، تنتج ما يقرب من مليوني زوج من النعال والأحذية يوميا، مؤكدا وجود حالة تنافسية باتت الشركات الصينية المصنعة للأحذية تخشاها "لأن لدينا إمكانات جادة وجيدة للغاية في هذا المجال"، على حد قوله.

لاجئون سوريون يعملون في مصنع ملابس سوري بغازي عنتاب في 10 ديسمبر 2024 (الفرنسية)

ومن جهة أخرى، حظيت العمالة السورية -وفق فاطمة شاهين- بأهمية بالغة نظرا لإتقانها اللغتين العربية والإنجليزية بشكل جيد، ووصفت دورها في التجارة وفتح أسواق خارجية جديدة، بالنشط.

وتقدر مصادر محلية وجود نحو 10 آلاف عامل سوري، يعملون بشكل رسمي في قطاعات اقتصادية وخدمية مختلفة، في حين يعمل الآلاف بشكل غير رسمي بعيدا عن أعين الرقابة.

وأوضحت دراسة، نشرتها منظمة العمل الدولية في فبراير/شباط 2023 عن اتجاهات عمل السوريين، أن أغلبهم يعمل في قطاعات النسيج والصناعة والبناء والخدمات وصيانة وتصليح السيارات، وصناعة المنتجات الجلدية، وقطاع الأغذية.

وبينت الدراسة أن عملية توظيف العمال السوريين بلغت ذروتها في عام 2018، إذ وصلت إلى 1.2 مليون سوري من حيث المشاركة في القوى العاملة في تركيا، أغلبهم من الذكور.

وفي هذا الإطار، يرى الإعلامي التركي جلال ديمير أن أهم ما تميزت به غازي عنتاب، وكان سببا في نجاح علاقتها مع اللاجئين والاستفادة من مقدرتهم، أنها لم تنتظر طويلا لدمجهم في المجتمعات المحلية، بل سعت مبكرا لتحقيق هذا الهدف في أهم قطاعين حيويين هما التعليم والعمل.

إعلان

وأوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن توفر المناخ الآمن والمناسب، ووجود طاولة مخصصة لرجال الأعمال السوريين في غرفة التجارة -يشكلون 10% من أعضاء الغرفة- لمعالجة ما قد يواجههم من صعوبات ومشكلات، أتاح للاستثمارات السورية أن تتفوق على مثيلاتها، وتصل إلى المرتبة الأولى على صعيد الاستثمار الأجنبي في المدينة.

صعوبة توفر البدائل

وفي حين تثير عودة السوريين مخاوف بعض قطاعات الاقتصاد، مثل قطاع النسيج وقطاع الزراعة اللذين يعتمدان بشكل كبير على العمالة السورية، نقلت مصادر صحفية تركية عن مسؤولين انزعاجهم لمغادرة العمالة السورية التي يعتمدون عليها في منشآتهم.

وقال رئيس مجلس إدارة شركة "غييمكنت" التركية للمنسوجات، مظفر جفيزلي، إن هناك صعوبة في العثور على موظفين للعمل في هذا القطاع، وشبابنا لا يحبذون العمل فيه، وكنا نعمل على سد الفجوة من خلال العمالة السورية.

ولأن السوريين يشكلون نحو 20% من إجمالي العاملين في قطاع المنسوجات التركي البالغ عددهم 1.5 مليون عامل، ومع أن عودتهم في الوقت الراهن تبدو بطيئة، فإن جيفزلي حذر من أن ارتفاع عدد العمالة المغادرة، في المستقبل، سيؤثر سلبا على صناعة النسيج، وسيكون من الصعب حينها العثور على موظفين في قطاعات النسيج والأثاث والبناء.

وفي السياق، قال إسماعيل يلماز عضو مجلس قطاعات جمعية المصدرين الأتراك ورئيس جمعية مصدري نباتات ومنتجات الزينة إن القطاع الزراعي في حالة من الذعر بسبب مغادرة العمال السوريين.

وأوضح، في تصريح لصحيفة حرييت التركية، أن المشكلة ليست في الأجور، إذ يحصل السوريون على الأجور نفسها التي يحصل عليها المواطنون الأتراك، بل في صعوبة إيجاد بدائل للعمل في الزراعة، خاصة مع تراجع اهتمام الشباب الأتراك بهذا المجال.

وبدوره، حذر رئيس غرفة تجارة وصناعة أنطاليا يوسف حاجي سليمان من أن فقدان العمالة السورية سيؤثر سلبا على القطاع الزراعي الذي يعاني بالفعل من صعوبات في تأمين العمالة المحلية. مشيرا إلى أن هذا التأثير قد يمتد على المدى القصير والطويل، مما يهدد استمرارية إنتاجه.

إعلان

بالمقابل، دعا علي شاندير، عضو مجلس إدارة اتحاد الغرف والبورصات السلعية في تركيا، إلى عدم الذعر من نقص العمالة الناتج عن عودة السوريين إلى بلدهم، وقال "من الممكن معالجة القضية بطرق مختلفة، لا سيما أن عودتهم لن تكون دفعة واحدة، مما يتيح للقطاعات الاقتصادية فرصة للتكيف".

وفي موقف مماثل، استبعد رئيس غرفة صناعة غازي عنتاب عدنان أونفيردي -في لقاء صحفي- أن تؤدي مغادرة اللاجئين السوريين إلى انهيار الصناعة في المدينة، قائلا "إذا غادر السوريون، فإن صناعة غازي عنتاب ستواجه صعوبة لفترة، لكنها لن تنهار، لافتا إلى أن المدينة لديها شباب مؤهلون يمكنهم ملء الفراغ في سوق العمل".

السوريون يشكلون نحو 20% من إجمالي العاملين في قطاع المنسوجات التركي البالغ عددهم 1.5 مليون عامل (الفرنسية) شراكة سورية-تركية حقيقية

ومن جانب آخر، يشير أغلب خبراء الاقتصاد إلى أن السوريين بالنسبة للجانب التركي، باتوا يمثلون جانب الشراكة الحقيقية في عملية النمو الاقتصادي الذي تشهده بلادهم، حيث يقدر عدد المنشآت المسجلة في غرفة التجارة والصناعة التركية نحو 25.5 ألف منشأة، كما بلغ إجمالي الشركات التي ساهم في إنشائها سوريون منذ عام 2010 حتى منتصف عام 2023 نحو 10 آلاف و332 شركة، بلغت قيمة رأسمالها ما يقارب 632 مليون دولار.

وباستثناء إسطنبول، تضم 8 ولايات تركية (عنتاب، مرسين، أنطاكيا، شانلي أورفة، كلس، أضنة، كهرمان ماراش، ماردين) 40% من الشركات التي يملكها أو يشارك فيها سوريون، كما تعتبر مركزا لنحو 40% من الاستثمار الكلي للسوريين في تركيا.

ونقلت صحيفة "تركيا غازيتاسه" عن عبد الغفور عصفور رئيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين العرب أسياد قوله إن استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا تجاوزت 10 مليارات دولار، ووفروا منفردين أو بالتشارك مع الأتراك، ما بين 450 إلى 500 ألف فرصة عمل في تركيا.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات العمالة السوریة صناعة الأحذیة غازی عنتاب فی قطاعات فی ترکیا إلى أن فی حین

إقرأ أيضاً:

هذه قصة الموقوفين السوريين في لبنان.. فهل تستعيدهم دمشق؟

يتحرّك ملف الموقوفين السوريين في لبنان ببطء ثقيل، تحكمه تراكمات سياسية وأمنية وقضائية تعود إلى أكثر من عقد، حين عبر آلاف السوريين الحدود إلى لبنان في خضم الحرب التي اشتعلت في بلادهم. بعضهم لجأ، وبعضهم قاتل، وبعضهم وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع نظام دمشق، ليتحول عدد كبير منهم لاحقًا إلى موقوفين في السجون اللبنانية، إما بتهم جنائية، أو بتهم الانتماء إلى مجموعات مسلحة، أو فقط لمجرد أنهم عبّروا عن موقف سياسي مناهض لحكم بشار الأسد في ذروة الأزمة.واليوم، ومع تغيّر التموضعات الإقليمية وانفتاح بعض العواصم على دمشق، يعود هذا الملف ليُطرح من جديد، ليس فقط كقضية قانونية وإنسانية، بل كورقة سياسية ترتبط بمستقبل العلاقات اللبنانية ـ السورية، وبشكل النظام السوري بعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب.
 
تصنيف الموقوفين: ثلاثة ملفات مختلفة الأبعاد
وفق مصدر قضائي متابع، تواصل معه "لبنان24"، يمكن تقسيم الموقوفين السوريين إلى ثلاث فئات رئيسية:
- معارضون سابقون: وهم الموقوفون الذين اعتُقلوا خلال السنوات الماضية بسبب انخراطهم في فصائل معارضة للنظام السوري السابق، أبرزها "الجيش السوري الحر"، و"هيئة تحرير الشام"، أو حتى لمجرد التعبير عن معارضة سياسية لنظام الأسد. هؤلاء لا يُصنّفون كإرهابيين، ولم تثبت بحقهم أية جرائم داخل لبنان، لكنهم ظلوا موقوفين لأسباب أمنية أو إدارية. هذا الملف يُعتبر الأكثر حساسية، نظرًا لطبيعته السياسية، وعدد هؤلاء يُقدّر بالمئات.
- عناصر جهادية: تشمل هذه الفئة الموقوفين بتهم الانتماء إلى تنظيمات مصنّفة إرهابية مثل "داعش"، وغالبيتهم خضعوا لتوقيفات طويلة وإجراءات تحقيق ومحاكمة، وإن ببطء شديد.
- مجرمون جنائيون: وهم الأفراد الذين ارتكبوا جرائم داخل الأراضي اللبنانية، ويُعاملون وفق القانون العام اللبناني، كأي موقوف أجنبي.
إلا أن عدم الفصل الحاسم بين الفئات، والتأخير في البت في ملفات المعارضين تحديدًا، يُبقي العديد منهم في سجون مكتظة دون أحكام واضحة أو محاكمات مكتملة، وهذا ما يزعج حاليا النظام الجديد الذي أكّد خلال أكثر من مناسبة أن هذا الملف، وخاصة ملف الموقوفين السياسيين يجب أن يبت به في أسرع وقت ممكن.
 
 
الاتفاقيات القضائية بين لبنان وسوريا: ورقة مراجعة لا تزال مفتوحة
على المستوى القانوني، يعتمد لبنان في تعاونه القضائي مع دمشق على اتفاقيات ثنائية وُقّعت في مراحل سابقة، تحديدًا في ظل النظام السابق في سوريا، وتتضمن بنودًا واضحة حول تبادل وتسليم الموقوفين والمحكومين، بالإضافة إلى التنسيق القضائي في القضايا الأمنية.
في هذا السياق، يقول المصدر القضائي لـ"لبنان24" أنّ "هذه الاتفاقيات اليوم تخضع لمراجعة غير معلنة من الجانب اللبناني، ليس بسبب مضمونها القانوني، بل بسبب تبدّل السياق السياسي.. فلبنان لم يتأكد بعد ما إذا كانت السلطة الجديدة في سوريا ـ والتي تسعى إلى إعادة تأهيل نفسها دوليًا ـ ما زالت تلتزم بهذه الاتفاقيات، أو ترغب في تعديلها بما يتلاءم مع أولوياتها الجديدة".
ففي خضم الضبابية التي تكتنف ملف الموقوفين السوريين في لبنان، برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات صامتة، لكنها لافتة، صادرة عن أوساط القرار في دمشق، تُوحي بأن الحكم السوري الجديد بات ينظر إلى جزء من هؤلاء المعارضين، المعتقلين منذ سنوات في سجون لبنانية، كملف قابل للطيّ، بل ويُفضَّل أن يُقفل "اليوم قبل الغد". لكنّ اللافت في مضمون هذه الإشارات أنها لا تنطلق من منطق أمني أو قضائي بحت، بل تحمل بُعدًا سياسيًا خالصًا، ما يدلّ على أن الملف لم يعد قضية ثنائية تقنية، بل دخل لعبة التفاوض السياسي الأوسع بين بيروت ودمشق. أما على الضفة اللبنانية، فتُقرأ هذه الإشارات كجزء من مقايضة سياسية صامتة: القبول بتسليم بعض المعارضين للسوريين في مقابل تمرير قانون عفو عام داخلي تطالب به قوى لبنانية تسعى إلى إغلاق ملفات محكومين ومطلوبين محليين.
 
سجن رومية... اكتظاظ بلا عدالة
على الأرض، يُشكّل سجن رومية المركزي نموذجًا صارخًا عن التدهور المزمن في البنية التحتية للمؤسسات العقابية في لبنان. فالسجن، الذي صُمّم ليستوعب عددًا محدودًا من النزلاء، بات يضيق بأضعاف قدرته الاستيعابية، حيث يضم اليوم آلاف السجناء، من بينهم مئات الموقوفين السوريين، معظمهم محتجزون منذ سنوات من دون محاكمات مكتملة، أو حتى توجيه تهم واضحة. هذا الواقع لا يُمثّل فقط أزمة قضائية، بل انفجارًا إنسانيًا مكبوتًا يهدد بانعكاسات خطيرة على السلم الاجتماعي وعلى صورة لبنان أمام المنظمات الحقوقية الدولية.
ظروف الاحتجاز في رومية توصف بأنها تحت الحد الأدنى للمعايير الإنسانية: غرف مكتظة، انعدام الخصوصية، ضعف الخدمات الصحية، انتشار الأوبئة، وافتقار كامل للبنية التحتية النفسية والاجتماعية التي تراعي أوضاع المحتجزين، خاصة أولئك الذين لا يُصنّفون كإرهابيين، بل كانوا مجرد معارضين سياسيين فروا من بلدهم في لحظة دموية من تاريخه.
من هنا يرى المصدر القضائي أنّه ورغم الوعود المتكررة من الجهات الرسمية بتسريع المحاكمات و"تنظيف الملفات"، إلا أن الواقع القضائي لا يعكس هذا التوجّه. الإجراءات بطيئة للغاية، والتأخير يُعزى إلى أسباب "تقنية"، مثل نقص الكوادر القضائية أو بطء العمل الإداري. إلا انّ السبب الجوهري هو غياب قرار سياسي حاسم بشأن كيفية تصنيف هؤلاء الموقوفين، وما إذا كانوا سيُحاكمون في لبنان، أو يُسلَّمون إلى النظام السوري، أو يُخلى سبيل من لم تثبت بحقهم أية تهم جدية.
وتشير المعلومات القضائية المتقاطعة إلى أن أكثر من 630 موقوفًا سوريًا يمكن تسليمهم إلى السلطات السورية "غدًا صباحًا" في حال استُكملت ملفاتهم الإدارية، وتم الاتفاق السياسي ـ القضائي النهائي بين بيروت ودمشق. لكن هذا الاتفاق لا يزال عالقًا بين حسابات المرحلة السابقة ومخاوف المرحلة المقبلة، خصوصًا أن العديد من هؤلاء المعتقلين يُصنّفون كمعارضين للنظام السوري السابق، بينما يعتبرهم الحكم الجديد في دمشق أفرادًا يمكن "استيعابهم"، بل ويطالب باستردادهم ضمن إطار تفاهمات سياسية وأمنية أشمل.
وسط هذا المشهد، يقف لبنان أمام تحدٍ ثلاثي الأبعاد: أزمة سجون متفجرة، مآزق قانونية غير محسومة، وضغوط إنسانية متصاعدة. ما لم تُبادر الدولة إلى حسم هذا الملف بمقاربة شاملة وشفافة، فإن الكلفة لن تكون أمنية أو سياسية فقط، بل أخلاقية أيضًا، حسب المصدر القضائي. المصدر: خاص "لبنان 24" مواضيع ذات صلة وزير الخارجية السوري: اتفقت مع رئيس وزراء لبنان على خطوات عملية لإنهاء معاناة السوريين الموقوفين في لبنان Lebanon 24 وزير الخارجية السوري: اتفقت مع رئيس وزراء لبنان على خطوات عملية لإنهاء معاناة السوريين الموقوفين في لبنان 31/05/2025 09:31:48 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 سلام: بحثت في سوريا ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية Lebanon 24 سلام: بحثت في سوريا ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية 31/05/2025 09:31:48 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 عون الى مصر للقاء السيسي.. وسوريا تطالب بحل ملف السوريين الموقوفين في لبنان Lebanon 24 عون الى مصر للقاء السيسي.. وسوريا تطالب بحل ملف السوريين الموقوفين في لبنان 31/05/2025 09:31:48 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 مصادر حكومية لبنانية للحدث: مسألة الموقوفين السوريين في سجون لبنان سيتم البت فيها من خلال لجان وزارية Lebanon 24 مصادر حكومية لبنانية للحدث: مسألة الموقوفين السوريين في سجون لبنان سيتم البت فيها من خلال لجان وزارية 31/05/2025 09:31:48 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان خاص مقالات لبنان24 تابع قد يعجبك أيضاً هل ستؤدّي محادثات بعبدا إلى تسليم "حزب الله" لسلاحه؟ Lebanon 24 هل ستؤدّي محادثات بعبدا إلى تسليم "حزب الله" لسلاحه؟ 02:00 | 2025-05-31 31/05/2025 02:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 "إرتباك أمني" يهدّد المخيمات Lebanon 24 "إرتباك أمني" يهدّد المخيمات 02:15 | 2025-05-31 31/05/2025 02:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 رائف رضا: للمشاركة بكثافة بانتخابات نقابة الأطباء خدمة للعمل النقابي Lebanon 24 رائف رضا: للمشاركة بكثافة بانتخابات نقابة الأطباء خدمة للعمل النقابي 02:06 | 2025-05-31 31/05/2025 02:06:21 Lebanon 24 Lebanon 24 تباين داخل "التيار" Lebanon 24 تباين داخل "التيار" 01:45 | 2025-05-31 31/05/2025 01:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 تواصل بين "الكتائب والقوات" Lebanon 24 تواصل بين "الكتائب والقوات" 01:30 | 2025-05-31 31/05/2025 01:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بفستان أبيض بسيط.. فنانة شهيرة تحتفل بخطوبتها وعريسها من الوسط الفني أيضا (صور) Lebanon 24 بفستان أبيض بسيط.. فنانة شهيرة تحتفل بخطوبتها وعريسها من الوسط الفني أيضا (صور) 03:00 | 2025-05-30 30/05/2025 03:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور... نادين الراسي: "هيدي آخر أعياد مع ولادي كارل ومارسيل" Lebanon 24 بالصور... نادين الراسي: "هيدي آخر أعياد مع ولادي كارل ومارسيل" 10:15 | 2025-05-30 30/05/2025 10:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 نقل فنان فجر اليوم إلى المستشفى... ما فعله بنفسه مروّع! Lebanon 24 نقل فنان فجر اليوم إلى المستشفى... ما فعله بنفسه مروّع! 07:14 | 2025-05-30 30/05/2025 07:14:48 Lebanon 24 Lebanon 24 أصبحت "ام عمر".. صورة جديدة لإبن الإعلامية نبيلة عواد تعرفوا إليه Lebanon 24 أصبحت "ام عمر".. صورة جديدة لإبن الإعلامية نبيلة عواد تعرفوا إليه 03:00 | 2025-05-30 30/05/2025 03:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بـ "توب" من الشبك.. إليسا تستمتع بوقتها في إيطاليا وتنفي كل الشائعات (صور) Lebanon 24 بـ "توب" من الشبك.. إليسا تستمتع بوقتها في إيطاليا وتنفي كل الشائعات (صور) 04:00 | 2025-05-30 30/05/2025 04:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك عن الكاتب جاد حكيم - Jad Hakim أيضاً في لبنان 02:00 | 2025-05-31 هل ستؤدّي محادثات بعبدا إلى تسليم "حزب الله" لسلاحه؟ 02:15 | 2025-05-31 "إرتباك أمني" يهدّد المخيمات 02:06 | 2025-05-31 رائف رضا: للمشاركة بكثافة بانتخابات نقابة الأطباء خدمة للعمل النقابي 01:45 | 2025-05-31 تباين داخل "التيار" 01:30 | 2025-05-31 تواصل بين "الكتائب والقوات" 01:15 | 2025-05-31 الاولوية للشهادات والمعايير فيديو رقصت بإثارة ودلع.. للمرة الأولى روبي تُحيي حفلا في الأردن (فيديو) Lebanon 24 رقصت بإثارة ودلع.. للمرة الأولى روبي تُحيي حفلا في الأردن (فيديو) 01:50 | 2025-05-31 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 حادث غريب.. هذا ما حصل مع رجلين داخل شاحنة قمامة (فيديو) Lebanon 24 حادث غريب.. هذا ما حصل مع رجلين داخل شاحنة قمامة (فيديو) 01:45 | 2025-05-30 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 خلعت زوجها الأول.. هل تتزوج النجمة الشهيرة مجدّداً؟ (فيديو) Lebanon 24 خلعت زوجها الأول.. هل تتزوج النجمة الشهيرة مجدّداً؟ (فيديو) 03:41 | 2025-05-28 31/05/2025 09:31:48 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • اردوغان يؤكد استئناف رحلات الخطوط الجوية السورية إلى تركيا قريبا
  • مجزرة جديدة.. هل تحولت مراكز المساعدات إلى مصائد لقتل الغزيين؟
  • ثلث اللاجئين السوريين في الأردن يتطلعون للعودة
  • بمشاركة سوريا… بدء أعمال الاجتماع الوزاري الإقليمي للتعليم حول عودة اللاجئين السوريين في الدوحة
  • عربات جدعون.. كيف تحولت لخطة اقتلاع غزة من جذورها بأوامر الإخلاء؟
  • توراساش التركية تقفز في تصنيف الصناعة: هل تتغير خريطة القطارات في تركيا؟
  • غزة: كيف تحولت مراكز توزيع المساعدات إلى أفخاخٍ للموت
  • كيف تحولت مراكز المساعدات الأمريكية في غزة إلى مصائد لقتل الفلسطينيين؟
  • تركيا.. تراجع ملحوظ في أعداد السوريين بعد سقوط نظام الأسد
  • هذه قصة الموقوفين السوريين في لبنان.. فهل تستعيدهم دمشق؟