هذا ما على الرئيس المكّلف أن يقوم به
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
إذا أراد أي سياسي أن يستجمع أفكاره ليعبّر عن رأيه في كل ما يجري على الساحة اللبنانية، وما يدور من أحداث متسارعة على مدى الحدود اللبنانية الجنوبية وخلف الحدود الشمالية والشرقية لما استطاع أن يضاهي ما جاء في خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي زاد عليه الرئيس المكلف نواف سلام ما رأه مناسبًا على أثر المواقف النيابية، التي سبقت عملية التكليف، والتي أُعلنت من على المنبر الإعلامي في القصر الجمهوري، وبالأخصّ تصريح رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، الذي كان محلّ تعليق من قِبل الوسط السياسي المناهض لسياسة "حزب الله".
ففي أول بيان له أعلن الرئيس المكّلف أن يده ممدودة للجميع، وأنه ليس استقصائيًا، بل توحيدي. وأعقب هذا البيان تصريح مقتضب لرئيس الجمهورية أكد فيه رفضه استقصاء أي مكون من مكونات النسيج الوطني. وهذا المنحى سيرافق بالتأكيد مشاورات تشكيل الحكومة، التي ستأخذ في الاعتبار ما تحدّد من سقوف في خطاب القسم وفي بيان التكليف وما نصّ عليه اتفاق الطائف، وبالأخص ما جاء في مقدمة الدستور. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الواقع سيكون على قدر ما أعلن من تعهدات وآمال.
فالتجارب السابقة تجعل المراقبين يميلون إلى التروي في الاستنتاجات والخلاصات، وإن كانت إرادة كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكّلف بالذهاب تلقائيًا نحو خاتمة محقّقة تدفع في اتجاه الهدف الوطني.
لا شك في أن الرئيس المكّلف يحتاج في مسيرته الحكومية إلى كاسحة الغام لإزالة الألغام من طريق تشكيل الحكومة، وما ينتظره من تحدّيات تبدأ من تاريخ 27 الجاري، وهي المهلة التي يُفترض بالعدو الإسرائيلي الانسحاب من البلدات والقرى التي يحتلها في العمق الجنوبي، وتنفيذ اتفاق وقف النار بالكامل، فضلًا عمّا يمكن أن يستجدّ من تطورات غير محسوبة النتائج.
ويبقى السؤال الذي لا بدّ من طرحه في أولى خطوات الرئيس المكّلف عن مدى استعداد "حزب الله" بالانخراط الفعلي في مشروع إعادة بناء الدولة بالتوازي مع إعادة بناء ما هدّمته إسرائيل في الجنوب وبيروت والبقاع. إلاّ أن عدم مشاركة "الثنائي الشيعي" في الاستشارات النيابية غير الملزمة، التي بدأها الرئيس المكّلف أمس ويواصلها اليوم، لا توحي بأن القيادة الحزبية في حارة حريك قد "هضمت" ما اعتبره النائب رعد "كمينًا" وقطعًا لليد التي امتدّت للآخرين في عملية انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية. ومن شأن هذا الموقف أن يكون سيفًا ذا حدّين في يد الرئيس المكّلف. فمن جهة قد يؤدي امتناع كتلتي "الوفاء للمقاومة" و"التنمية والتحرير" إلى عرقلة تشكيل الحكومة في حال اعتُمدت الآلية التقليدية في عملية اختيار الوزراء من الأحزاب الممثلة في مجلس النواب بنسب متفاوتة. ولكن يمكن أن تكون هذه المقاطعة سببًا مباشرًا لدفع الرئيس سلام إلى اعتماد آلية مغايرة تمامًا عمّا كان معتمدًا بعد خروج سوريا من لبنان، التي كانت تفرض التشكيلات الحكومية فرضًا.
وهذه الآلية تقوم على اختيار الوزراء الجدد على أساس الكفاءة والنزاهة بعيدًا عن الاصطفافات الحزبية، والذهاب بها مع بيانها الوزاري الواضحة خطوطه العريضة والمستمدّة من خطاب القسم ومن بيان التكليف إلى مجلس النواب. فإمّا أن تنال ثقة النواب، الذين صوتوا للرئيس عون أو الذين سمّوا سلام لتشكيل الحكومة، وإمّا أن تُحجب عنها هذه الثقة. وهكذا تُمارَس اللعبة الديمقراطية الحقيقية، ويمكن بالتالي لمجلس النواب أن يقوم بدوره الرقابي ومحاسبة الحكومة على أدائها في مرحلة قد يكون فيها من التحدّيات ما يفرض مشاركة جميع الأطراف في إنجاح العهد في مسيرة إعادة بناء الدولة على أسس واضحة وجلية.
أمّا إذا سار الرئيس المكّلف بالمسار المعتاد في تشكيل الحكومات السابقة فإنه سيلاقي الكثير من العراقيل، التي قد تؤخر ولادة الحكومة بالسرعة المطلوبة، وسيقع حتمًا في مطبات الشروط والشروط المضادة. وهذا ما كان يؤخّر تشكيل الحكومات السابقة، حيث كان الرؤساء المكّلفون يقعون في شباك مطالبة الأحزاب بـ "وزارات مدهنة" كالخارجية والدفاع والداخلية والطاقة والاشغال العامة، فضلًا عن مطالبة "الثنائي الشيعي" بأن تكون حقيبة المالية من حصته باعتبار توقيع وزير المالية هو التوقيع الثالث بعد توقيعي رئيسي الجمهورية والحكومة.
الواضح حتى الآن أن مسيرة تشكيل الحكومة الجديدة لن يكون ميسّرًا إلى الحد الذي كان يعتقده البعض. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: تشکیل الحکومة
إقرأ أيضاً:
أنس الشريف.. الصوت الذي أزعج الاحتلال
لكل نبي رسالة، ولكل ميدان رجال، ولكل زمان نجوم، وفي كل شعب شجعان يحملون أرواحهم على أكفهم لا يهمهم من عاداهم ولا يضرهم من خذلهم، لا يبالون بقلة الزاد أو كثرة الأعداء والحُساد.
أُسدل الستار على الزمن الذي لعب فيه الاحتلال الإسرائيلي في عقول الغربيين، لإخافتهم من المسلمين؛ لأن كاميرات ثلة مؤمنة بربها وبعدالة قضيتها كشفت حقد الاحتلال على كل من يخالفه ويقاومه ويقول له "لا".
في غزة التنفيذ الفعلي لمبادئ الحقد الصهيوني الذي لا يميز بين حجر وبشر وشجر، وبين الأنام والأنعام، بين كبيرٍ وصغيرٍ ورجلٍ وامرأةٍ وطاعنٍ في السن، فكل من في غزة "أهداف تنتظر التنفيذ".
وأمام حرارة مشهد الإجرام الصهيوني ضد أهل غزة، وبرودة التعاطي الإعلامي العربي والدولي، وتلبية لنداء الوطن والواجب، تقدم مجموعة من شباب غزة لنقل معاناة شعبهم، فتقدموا وقدموا كل ما يملكون، لم يكن التقدم سهلا ومجانا؛ لأنهم يدركون أن المعادل الموضوعي لكشف الجرائم ونقل معاناة الناس هو الاغتيال.
أحدث جرائم القتل الصهيونية كان اغتيال الصحفي أنس الشريف ورفاقه من طاقم قناة الجزيرة، الذين ما برحوا الميدان منذ بدء العدوان، فودعوا منازلهم وأهليهم، وتواعدوا على اللقاء، إما بعد الحرب، أو في جنة النعيم.. جاعوا وعطشوا كما الناس، فاستمروا في كشف الإجرام
لم يعتذر صحفيو غزة وما رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وما قالوا "سمعنا وعصينا"، أو "إن بيوتنا عورة"، بل قالوا بكل حب: "سمعنا وأطعنا"، قدموا أرواحهم من أجل الحقيقة، فضحوا جرائم العدو على الملأ، حتى كفر بهم هذا الملأ، فما كان من المحتلين إلا أن تنادوا مصبحين على قتل من كشفهم، فكانوا على رأس قائمة الاستهداف، حيث إن عدد من قتلهم الاحتلال من العاملين في الحقل الإعلامي منذ بدء العدوان في تشرين الأول/ أكتوبر2023 زاد عن 270 صحفيا.
أحدث جرائم القتل الصهيونية كان اغتيال الصحفي أنس الشريف ورفاقه من طاقم قناة الجزيرة، الذين ما برحوا الميدان منذ بدء العدوان، فودعوا منازلهم وأهليهم، وتواعدوا على اللقاء، إما بعد الحرب، أو في جنة النعيم.. جاعوا وعطشوا كما الناس، فاستمروا في كشف الإجرام، تنقلوا بين ركام الموت في غزة، ينقلون معاناة الناس، ويكشفون للعالم حقيقة الدولة التي تدعي ولا تزال أنها حمامة السلام.
تعرض أنس ورفاقه لحملات تشويه ممنهجة من العدو، وتلقوا تهديدات بالاغتيال، فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما بسلامة المنهج الذي يسيرون عليه، عاش أنس ورفاقه مُطارَدِين من قذائف الموت، ومُطارِدِين جرائم الاحتلال، وناشرين لمعاناة الناس من بين ركام بيوت غزة المدمرة، حتى كان موعد الرحيل إلى جنان الله ولسان حال كل منهم يقول: "سأرقب نصركم بجوار ربي فقد أكملت مهمتي".
نشهد يا أنس أنك ورفاقك أديتم الرسالة بكل أمانة على أكمل وجه حتى أتاكم اليقين، وكنتم نعم رجال الميدان، وأشرف نجوم الزمان، وأشجع من حمل اللواء.
يكفيك فخرا يا أنس أن كان لك من اسمك نصيب، فكم من الناس أنس بك ورثاك؛ لأنه لمس بحديثك صدق الانتماء لشعبك ووطنك وحرصك على نقل المعاناة، ويكفيك شرفا أن اسمك ورفاقك سيسجل في التاريخ.
لروحكم يا أنس الشريف، ومحمد قريقع، وإسماعيل الغول، ومحمد نوفل، وإبراهيم الظاهر؛ السلام، واعلموا أن قوافل الشهداء لا تمضي سدى، فإن الذي يمضي هو الطغيان، رحلت أجسادكم لكن مبادئكم لم ولن تموت، فالرفاق على الطريق يواصلون المسيرة، وعلى العدو أن يعلم أن اغتيال الحناجر لا يطفئ جذوة الحق في الضمائر.