أيام قليلة وينصب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لفترة رئاسية ثانية بعد فترته الأولى التي انتهت قبل 4 سنوات تقريباً، في ظل توقعات قوية بسعيه لإعادة صياغة النظام الدولي، وفي ظلتصورات الولايات المتحدة لدورها ودور القواعد الدولية في هذا النظام.

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية تشاتام هاوس البريطاني قالت الدكتورة ليزلي فينغاموري مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكتين في المعهد، إن الجرأة التي يعيد بها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قواعد الدبلوماسية الأمريكية مذهلة.

فتهديداته بفرض رسوم جمركية على منتجات أصدقاء الولايات المتحدة تأتي في وقت سيىء.

If Donald Trump has genuine designs on Greenland and plans to abandon Taiwan and Ukraine, then US allies must invest in their own defence spending, writes @londonvinjamuri. https://t.co/4RrUJsSSFD

— Chatham House Americas (@CH_Americas) January 17, 2025 جيوسياسة ترامب

النمو  الاقتصادي في العديد من أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ضعيف للغاية، والدول تكافح للتغلب على التضخم المرتفع، وستضر الرسوم المحتملة  بالقطاعات الاقتصادية التي تعتمد على التجارة.

ورغم ذلك فإن تصورات ترامب الجيوسياسية أسوأ من ذلك بكثير. فالدول التي تعتمد على المساعدة العسكرية الأمريكية مثل تايوان وأوكرانيا تخشى تخلي واشنطن عنها. والآن يتحدث ترامب عن رغبته في ضم كل من جرينلاند وكندا إلى بلاده وفرض السيطرة على قناة بنما بالقوة، وفرض عقوبات على المكسيك بسبب تهريب المخدرات والمهاجرين عبر الحدود.

لذلك يحاول قادة الدول الأوروبية وكندا والمكسيك إيجاد الطريقة المناسبة للتعامل مع التحديات التي سيفرضها ترامب على العالم ككل وعلى دولهم بشكل خاص.

ويعتبر التقارب مع ترامب والتودد إليه أحد الخيارات المطروحة. وينصح جون بولتون مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب السابقة قادة العالم بذلك قائلاً "اتصلوا به والتقوا معه، وتحدثوا إليه عن أي شيء. وإذا فشل كل ذلك تعلموا كيف تلعبون الغولف" في إشارة إلى امتلاك ترامب منتجع جولف فاخر في ولاية فلوريدا.

ولكن من غير المؤكد أن يجدي ذلك نفعاً مع ترامب. ويدفع القادة الديمقراطيون الضعاف في بلادهم ثمناً باهظاً لهذا التقارب. وزار رئيس وزراء كندا جاستن ترودو ترامب في منتجع مار ايه لاغو في أواخر نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي في محاولة من جانبه لإقناعه بالتراجع عن تهديده بفرض رسوم على المنتجات الكندية.

فعل ترودو ذلك رغم اعتراض نائبته كريستيا فريلاند التي تطالب باتخاذ موقف صارم ضد ترامب، واستقالت من منصبها احتجاجاً على لقاء ترودو معه. وكانت هذه الضربة الأخيرة لحكومة رئيس الوزراء الكندي الضعيفة فاضطر هو أيضاً لإعلان استقالته في وقت سابق من الشهر الحالي.

My advice to world leaders looking to do business with Trump: follow the example of Shinzo Abe and talk to Trump as much as possible, not just when you need something. Call him. Meet with him. Talk to him about anything. And if all else fails, learn how to play golf.…

— John Bolton (@AmbJohnBolton) January 12, 2025 تهديدات

في المقابل تبنت رئيسة المكسيك كلاوديا شاينباوم موقفاً أكثر تشدداً تجاه تهديدات ترامب وهددت بفرض رسوم مضادة على المنتجات الأمريكية. في الوقت نفسه تتحرك شاينباوم  وتعلن عن ضبط كميات ضخمة من مخدر فينتانيل. ويعني هذا أن إظهار القوة في العلن في مواجهة تهديدات ترامب، مع الاستجابة لمطالبه المقبولة يمكن أن يكون استراتيجية سليمة، لكن لا أحد يعرف على وجه اليقين نظراً لأن ترامب نفسه شخص يصعب التنبؤ بقرارته.

وتبدو الصين أكثر ثقة في ردها على تهديدات ترامب. وتبنت استراتيجية الانتقام الاستباقي ومددت الرسوم المفروضة على منتجات أمريكية محددة وفرضت عقوبات على شركات أمريكية. وعلى عكس نظرائه في أوروبا وكندا، لا يخشى الرئيس الصيني شي جين بينج من أي احتجاجات أو صدامات في الداخل.

ويقول إيفان ميديروس المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما إن استراتيجية الصين هي استراتيجية الانتقام والتكيف وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه فإن أوروبا منقسمة. ففي اجتماع المنتدى الثلاثي في مدريد، شجع أنطوني جرادنر السفير الأمريكي لدى الاتحاد الأوروبي والذي عمل في إدارة أوباما، الأوروبيين على وضع خطة لفرض رسوم انتقامية على المنتجات الأمريكية.

ولكن هناك دول أوروبية أخرى تراهن على كسب رضا الإدارة الأمريكية الجديدة من خلال التعهد بشراء الأسلحة والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة.

لكن مناورات ترامب الجيوسياسية تثير مخاوف على نطاق مختلف،  لأن وعده بإبرام اتفاق بشأن حرب أوكرانيا يثير 3 أسئلة على الأقل بالنسبة لأوروبا:
أولاً  ما هي الخطوط الحمراء التي وضعها ترامب (إن وجدت) فيما يتصل ببوتين وأوكرانيا؟ وإذا تخلى ترامب عن أوكرانيا فهل ينتهي الأمر عند هذا الحد، أم أنه سيتخلى أيضاً عن الالتزام الأمني الأمريكي تجاه أوروبا؟ وإذا كانت الولايات المتحدة على استعداد للتنازل أو حتى التخلي عن السيادة الإقليمية لأوكرانيا، فهل يعني هذا أنها ستفعل الشيء نفسه بالنسبة لدول صغيرة أخرى في أجزاء أخرى من العالم؟.

في الوقت نفسه فإن حديث ترامب عن رغبته في الاستيلاء على غرينلاند وضم كندا إلى الولايات المتحدة، يهدد بتحويل الاعتداء على سيادة الدول إلى أمر مقبول، ويؤجج المخاوف من أن يفتح احتقار ترامب لسيادة الدول إلى تغييرات جذرية في القواعد الدولية.

"Trump's transactional approach on foreign affairs leaves more space for China to repair its rather deteriorated relations with the collective West"@Yu_JieC (@CHAsiaPacific) on how ???????? is preparing for Donald Trump 2.0.

Read her expert comment➡️ https://t.co/eu52Shi9nl pic.twitter.com/mSyOxbU5p2

— Chatham House (@ChathamHouse) January 17, 2025 مسألة خطيرة

وترى الدكتورة ليزلي فينغاموري أستاذة العلاقات الدولية في جامعة لندن أن  هذا الأمر ينطوي أيضاً على مخاطر بالنسبة للولايات المتحدة. فإن تم إضعاف القيود القانونية والمعيارية  للسيادة، سيزداد الاعتماد على الردع وأيضاً على مصداقية الردع، لمنع القوى الكبرى الأخرى من استخدام الإكراه أو القوة العسكرية لتغيير حدودها وهي مسألة خطيرة في أي نزاع مع الصين وبخاصة بشأن تايوان.

وبالنسبة لتايوان هناك حالة عدم يقين وجودية. فهل يسعى ترامب إلى صفقة كبرى مع بكين تتضمن مقايضة سيادة تايوان بشئ آخر أقرب للمصالح الداخلية الأمريكية؟ أم أنه سيعيد السياسة الأمريكية إلى موقفها السابق الذي يعتمد على الغموض الاستراتيجي بشأن ما ستقوم به الولايات المتحدة في حال نشوب مواجهة بين الصين وتايوان؟.

إن التحدي الذي يواجه قادة العالم هو كيفية اكتشاف نوايا ترامب. فقد يكون ترامب يخطط بشكل أساسي لاستمرار موقف أمريكا الراهن بشأن العلاقات الدولية، وأنه يستخدم تكتيكات غير تقليدية لتحسين وصولها إلى الأسواق وإقامة تحالفات أقوى أو أكثر توازناً. في هذه الحالة قد يكون التقارب والدبلوماسية والزيارات والهدايا واتخاذ خطوات نحو الاستجابة لمطالبه  خياراً ذكياً للتعامل معه.

???????? #Trump’s New Economist Makes the Case for 20% Tariffs - WSJhttps://t.co/102QVpXwBf

— Christophe Barraud???????? (@C_Barraud) January 13, 2025

لكن إذا كان ترامب يريد حقيقة ضم كندا وغرينلاند ويعتزم التخلي عن تايوان وأوكرانيا في إطار مخطط أكبر لنظام دولي جديد، فسيكون على شركاء وحلفاء الولايات المتحدة تبني موقف أكثر استراتيجية وأشد صرامة وأطول مدى في مواجهته.

ويعني هذا ضرورة قيام هذه الدول بتعزيز قدراتها العسكرية، بل وإيجاد بدائل للقوة والشراكة الأمريكية إذا لزم الأمر. هذه الصيغة ستصبح أكثر أهمية بالنسبة لأوروبا وبخاصة بالنسبة للتعامل مع الصين. ويمكن أن يكون تعميق العلاقات الأوروبية الصينية رداً عملياً على الولايات المتحدة التي تعتزم التخلي عن القارة الأوروبية. لكن هذا الخيار سيكون محفوفاً بالمخاطر إذا كان ترامب يريد فقط من أوروبا الانحياز للقوة الأمريكية.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية موقف صارم حرب أوكرانيا قادة العالم عودة ترامب الصين الاتحاد الأوروبي الحرب الأوكرانية الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

وزير الدفاع الأمريكي يحذّر من "خطر صيني وشيك" ويدعو الحلفاء لتحمل المسؤولية الدفاعية

وجّه وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث، يوم السبت، رسالة إلى حلفاء بلاده في منطقة الهندو-باسيفيك، مؤكّدًا فيها أن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم في مواجهة التصعيد العسكري والاقتصادي من جانب الصين، لكنه شدد في المقابل على أن دول المنطقة مطالبة ببذل المزيد من الجهود لتعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية. اعلان

وخلال مشاركته في مؤتمر أمني في سنغافورة، أعلن هيغسيث  أن واشنطن ستوسّع من حضورها العسكري خارج البلاد، في ظل ما تعتبره وزارة الدفاع الأمريكية "تهديدات متسارعة من بكين"، خصوصًا في ما يتعلق بتصعيد موقفها تجاه تايوان.

وكانت الصين قد نفّذت سلسلة من المناورات تحاكي فرض حصار على الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتعتبرها بكين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، في حين تتمسك الولايات المتحدة بالتزامها الدفاعي تجاه تايبيه.

وقال هيغسيث : "لن نُجمل الصورة، فالتهديد الصيني حقيقي، وقد يكون وشيكًا".

وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسث في القمة الثانية والعشرين لحوار شانغري-لا في سنغافورة، السبت 31 أيار/مايو 2025.Anupam Nath/ APالصين تستعد لـ"غزو تايوان"

في معرض تحذيره، أشار هيغسيث  إلى أن بكين حدّدت هدفًا استراتيجيًا يتمثل في تمكين جيشها من إحكام السيطرة العسكرية على تايوان بالقوة بحلول عام 2027، وهو موعد يعتبره العديد من الخبراء طموحًا أكثر منه إطارًا زمنيًا فعليًا لنشوب نزاع.

كما أشار إلى أن الصين أنشأت جزرًا اصطناعية متقدمة في بحر الصين الجنوبي لدعم قواعدها العسكرية، وواصلت تطوير تقنيات متقدمة في مجالي الأسلحة الفرط صوتية والقدرات الفضائية، ما دفع الولايات المتحدة إلى العمل على تطوير منظومة دفاع صاروخي فضائي جديدة تُعرف باسم "القبة الذهبية".

وقال هيغسيث  إن الصين لم تعد تكتفي بتعزيز ترسانتها العسكرية من أجل احتمال المواجهة بشأن تايوان، بل باتت "تتدرّب فعليًا على هذا السيناريو، يوميًا".

Relatedواشنطن تقيّد تأشيرات الطلاب الصينيين.. حرب باردة أكاديمية؟ الصين تطلق مركبة فضائية تقول إنها ستجمع عينات من كويكب بالقرب من المريخالشركات الأوروبية تُقلص خططها الإستثمارية في الصين على وقع تباطؤ اقتصاد بكين

ووسّع الوزير الأمريكي دائرة تحذيره لتشمل طموحات بكين الجيوسياسية في مناطق أخرى، منها أمريكا اللاتينية، ولا سيما عبر سعيها لتعزيز نفوذها في قناة بنما. كما دعا دول منطقة الهندو-باسيفيك إلى زيادة إنفاقها العسكري، مقترحًا رفع ميزانياتها الدفاعية إلى مستوى مماثل (أي نسبة الـ5% من الناتج المحلي الإجمالي)، كما يُطلب حاليًا من الدول الأوروبية.

وشدد هيغسيث  على ضرورة أن يتحمل الحلفاء أيضًا نصيبهم من المسؤولية، وقال: "الولايات المتحدة لا تنوي خوض هذه المعركة وحدها".

وأضاف: "في نهاية المطاف، إن شبكة الحلفاء والشركاء القوية والحازمة والقادرة هي مفتاحنا الاستراتيجي. الصين تُدرك تمامًا ما يمكن أن نحققه معًا على مستوى الدفاع، لكنها أيضًا تدرك أن هذا يتطلب استثمارًا جماعيًا لتحقيقه".

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • بايدن أم روبوت | من الذي حكم الولايات المتحدة لأربع سنوات قبل ترامب؟.. نخبرك القصة
  • الولايات المتحدة تعلق العقوبات الجديدة على إيران
  • ترامب يحذر: إلغاء الرسوم الجمركية يهدد بانهيار اقتصاد الولايات المتحدة
  • ترامب: إلغاء الرسوم الجمركية يعني انهيار اقتصاد الولايات المتحدة
  • مونديال بلا جمهور.. كيف تهدد سياسات الهجرة الأمريكية كأس العالم 2026؟
  • محلل سياسي إسرائيلي كبير: “إسرائيل” فقدت شرعيتها الدولية لمواصلة الحرب
  • الوداد ينهزم في ثاني مباراة ودية أمام رديف بورتو قبيل السفر نحو الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة تحذر من تحضيراتصينية لاجتياح تايوان وتغيير ميزان القوى في آسيا
  • وزير الدفاع الأمريكي يحذّر من "خطر صيني وشيك" ويدعو الحلفاء لتحمل المسؤولية الدفاعية
  • “إنجاز كبير للحكومة”.. مواطنون في دمشق يعبرون عن رأيهم بمذكرة التفاهم التي وقعتها وزارة الطاقة مع مجموعة UCC الدولية