تشريع بايدن للذكاء الاصطناعي يرسم حدود النفوذ الاقتصادي
تاريخ النشر: 19th, January 2025 GMT
أصبحت القيود على الصادرات أداة محورية في تحديد نطاقات الهيمنة التقنية والاقتصادية في حقبة باتت فيها التكنولوجيا العامل الحاسِم لقوة الدول على الساحة الدولية.
أمست القيود على الصادرات أداةً رئيسة في صياغة مجالات النفوذ التقني
مع انتهاء ولاية الرئيس جو بايدن، أعلنت الإدارة الأمريكية عن "الإطار التنظيمي للتوزيع المسؤول لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدم".وبموجب إعلان صادِر عن مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأمريكية، يُقدِّم هذا الإطار ضوابط جديدة شاملة تطال رقائق الحوسبة المتطورة وأوزان نماذج الذكاء الاصطناعي.
وتشمل هذه الضوابط اشتراطات الحصول على تراخيصٍ لتصدير السلع وإعادة تصديرها ونقلها داخل الدولة إلى نطاقٍ واسع من الدول، باستثناء الحلفاء والشركاء المُعْتمدين لضمان عدم تعطل الأنشطة التجارية والبحثية.
Just a week before he vacates the White House, President Biden signed the Interim Final Rule on Artificial Intelligence Diffusion, which includes Israel in a list of countries to which certain restrictions will apply on the import of graphics processors.https://t.co/WO1iCt1q78
— The Jerusalem Post (@Jerusalem_Post) January 15, 2025واعتبر محمد سليمان، مدير برنامج التقنيات الإستراتيجية والأمن السيبراني في معهد الشرق الأوسط، هذا الأمر بمنزلة مناورة جريئة لكنه يثير أسئلةً ملحة. على الصعيد المحليّ، كيف سيتفاعل فريق ترامب القادم مع هذه القواعد التنظيمية التي صدرت في اللحظات الأخيرة بينما يعكف أعضاء الفريق على وضع استراتيجيتهم التقنية الخاصة، محاولين الموازنة بين احتواء صعود نجم التكنولوجيا الصينية ودعم مجتمع الأعمال.
وعلى المستوى العالميّ، بغض النظر عن بقاء القواعد التنظيمية تحت إدارة ترامب أو تغيرها، فستؤدي دوراً مهماً في تشكيل مستقبل الشراكات التكنولوجية الدولية.
الاستراتيجية التقنية الأمريكية
وأوضح سليمان، وهو عضو في شركة ماكلارتي أسوشيتس، وباحث رفيع المستوى غير مقيم في معهد أبحاث السياسة الخارجية، في مقاله بموقع "ماشونال إنترست" أن الإستراتيجية الأمريكية تتمحور حول هدفين رئيسين: تعزيز الهيمنة الأمريكية في مجال الحوسبة المتخصصة بالذكاء الاصطناعي – وهي الركيزة الأساسية التي تعوِّل عليها نماذج الذكاء الاصطناعي – وإقصاء الصين عن المنافسة التكنولوجية في المستقبل القريب.
ونظراً لامتلاك الولايات المتحدة أكثر من 70% من القدرة الحاسوبية المتقدمة للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، تتمتع واشنطن بأفضليةٍ كبيرة في سباق التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي. ووُضِعَت ضوابط التصدير المُعلنة حديثاً هذه للحيلولة دون تضييق الصين لهذه الفجوة.
3 فئات للسوق العالمية
وأوضح الكاتب أنه عن طريق تقسيم السوق العالمية الى ثلاث فئات – الاولى تضم دولاً متحالفة مع الولايات المتحدة كأعضاء تحالف العيون الخمس وحلفاء غربيين رئيسين ورواد أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل كوريا الجنوبية واليابان وتايوان (مع استبعادٍ واضح للاتحاد الأوروبي)؛ والفئة الثانية "قائمة رمادية" تشمل دولاً كالهند وإسرائيل والسعودية والإمارات وجزء كبير من بقية دول العالم؛ والفئة الثالثة كتلة خصوم بقيادة الصين وروسيا – تعكف الولايات المتحدة بهمةٍ ونشاط حاليّاً على تكوين نطاقات نفوذ تكنولوجية واقتصادية منفصلة.
وما كان في السابق محض إطار نظري للتحالفات والائتلافات التقنية والاقتصادية، التي غالباً ما كانت تُناقَش في ملخصات السياسات ودهاليز مراكز الأبحاث في واشنطن، أمسى الآن واقعاً ملموساً له تبعات عميقة على المستويات المالية والتكنولوجية والأمنية، والأهم من ذلك على المستوى الجيوسياسي.
ويُدْخِل الإطار تعديلات على برنامج المستخدم النهائي المُعتمَد لمراكز البيانات (VEU)، إذ ينفصل إلى فئتين: مستخدمون نهائيون معتمدون عالميون (UVEU) ومستخدمون نهائيون معتمدون وطنيون (NVEU).
وقد صُمِّمَت وحدات المستخدم النهائي المعتمدة العالمية (UVEUs) خصيصا للولايات المتحدة والجهات المتحالفة معها، إذ تتيح توسيع نطاق مراكز البيانات على مستوى العالم مع الالتزام بضوابط مشددة، كاشتراط الاحتفاظ بنسبة لا تقل عن 75% من الشرائح الإلكترونية المتطورة داخل أراضي الدول الحليفة.
"But the regulations also have broader goals: having allied countries be the location of choice for companies to build the world’s biggest data centers, in an effort to keep the most advanced A.I. models within the borders of the [US] and its partners." https://t.co/0NHCfc6CP7
— The National Bureau of Asian Research (@NBRnews) January 13, 2025وتخضع أوزان نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة الآن، وخاصةً تلك التي دُرِّبَت باستخدام عمليات حسابية عددها 10، لضوابط مباشِرة، مع استثناءات للترخيص للشركات التي يقع مقرها الرئيسي في الولايات المتحدة والحلفاء الذين يستخدمون نماذج ذات أوزان مفتوحة أقل حساسية.
احتدام المنافسة العالمية
وأوضح الكاتب أنه في ظل احتدام المنافسة العالمية بين الدول لإنشاء تجمعات ضخمة من وحدات معالجة الرسوميات من أجل تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، تجد هذه الشركات نفسها مُحاصرَة بين الانصياع للضوابط المُستحدثة والتخلي عن حصصها في الأسواق العالمية الهامة من ناحية، والمجازفة بالتمرد على هذه الضوابط دفاعاً عن مصالحها الاقتصادية والحفاظ على مكانتها المهيمنة من ناحية أخرى.
التكنولوجيا هي الفيصل
وأمست القيود على الصادرات أداةً رئيسة في صياغة مجالات النفوذ التقني والاقتصادي في زمنٍ باتت فيه التكنولوجيا هي الفيصل في تحديد موازين القوى على الصعيد الدولي. ولا يمكن أن تكون المخاطر أعلى من ذلك؛ فكيفية تطبيق هذه القيود ستُحدِّد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستُعزِّز موقفها بوصفها الجهة التي ترسي أسس نظام تكنولوجي عالمي جديد أم ستدفعها إلى التخلي عن صدارتها في ما يُعدّ بلا منازع السباق الأهم في القرن الحادي والعشرين.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب نماذج الذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
حوارٌ مثيرٌ مع الذكاء الاصطناعي
كثر الحديث مؤخرًا عن لجوء بعض الكتّاب إلى «الذكاء الاصطناعي»؛ ليكتب عنهم المقالات الصحفيَّة في ثوان قليلة، ما اختصر لهم الوقت، وأراحهم من عناء الجهد والبحث. والنتيجةُ أنّ تلك المقالات افتقدت الروح، وغاب عنها الكاتب، فصارت كلُّ المقالات متشابهة في الشكل والمضمون، لدرجة أن أصبح القارئ يستطيع أن يميّز بين مقال الكاتب والمقال المنقول حرفيًّا من الذكاء.
إزاء تنامي الجدل حول الموضوع؛ هل هو انتحال وسرقة أم أنه بحكم التطور وضع طبيعي؟ قررتُ أن أخوض حوارًا مباشرًا مع أحد هذه الأنظمة؛ بحثًا عن فهم أعمق لهذا الكائن الرقمي. كانت المفاجأة أني كنتُ في حوار أقرب ما يكون مع إنسان وليس مع آلة، وبدا لي أنّ الذكاء الاصطناعي أداة ذات قدرات هائلة تفيد الكاتب في جوانب كثيرة في البحث عن المعلومة والترجمة وفي تقييم المقال نفسه، لكنه مهما كان من أمر فإنه لا يمكن أن يعوّض عن حضور الكاتب. سألتُ الذكاء عن هذا الأمر، فأقرّ بأنّ البعض يستخدمه لأداء المهمة كاملة دون تحرير أو إضافة ذاتية ما يجعل النص أقرب للانتحال، حتى لو لم يكن هناك مؤلف بشري يُنسب له المحتوى. سألتُ: هل يمكن أن يُقدّم الذكاء المقال نفسه لشخص آخر؟ فردّ بأنّ ذلك ممكن، خاصةً إذا كانت الأسئلة متشابهة أو عامة، ما يُظهر أهمية التفرّد في الطرح، والحرص على أن تكون الكتابةُ نابعةً من هوية الكاتب نفسه. هنا سألته: ماذا يمكن أن يفيد الذكاء الكتّاب والصحفيين؟ كان الرد: «دعم الكتابة والتحرير عن طريق صياغة الأفكار، وتوليد المحتوى، واقتراح زوايا مختلفة للموضوع أو حتى تقديم مسودة أولية. ويمكن الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من المعلومات في وقت قصير، واستخلاص النقاط المهمة». وأهم نقطة ذكرها أنّه بترجمته الفورية السريعة يسهل التواصل مع مصادر من ثقافات مختلفة، ويمكنه استخراج الخلاصة من مقابلات طويلة، أو من وثائق كثيرة.
تشعّب الحديث بيننا - وكأني أمام صديق مثقف - سألتُه: كيف نضمن أن يبقى الذكاء الاصطناعي خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه؟ فردّ قائلًا: «إنّ الحفاظ على هذا التوازن يتطلب ترسيخ القيم الإنسانية في تصميم الأنظمة، وسن تشريعات ذكية، وتوعية الناس بعدم الاستسلام المطلق للأداة».
انتقلنا في الحديث عن الكتابة إلى الطب، فسألتُه سؤالًا سبق أن أثار جدلًا واسعًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُلغي وظيفة الطبيب العام مثل الكثير من الوظائف التي ستُلغى؟ أجاب أنّ دوره سيتغيّر، لكنه لن يُلغى، فبينما يستطيع الذكاء دعم التشخيص، وتحليل البيانات يظل الطبيب البشري يتمتع بقدرة لا يمكن للآلة أن تمتلكها، وهي التعاطف، والحدس، والتعامل مع تعقيدات النفس البشرية.
طرحتُ عليه سؤالًا يحمل بُعدًا أمنيًا وأخلاقيًا، وقد تردّد كثيرًا عبر المنصات: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعلّم الناس صناعة القنابل أو الأسلحة؟ فكان جوابه حازمًا: «الشركات المطوّرة تضع فلاتر صارمة لمنع هذه الاستخدامات، لكن يبقى الخطر قائمًا إذا تم التحايل أو إساءة الاستخدام. وهنا تزداد الحاجة إلى يقظة قانونية ومجتمعية تتجاوز التطوّر التقني نفسه».
أخذني الحماس فسألتُه عن أغرب طلب وُجِّه إليه فقال: «هناك من طلب مني أن أكتب خطابًا يعتذر فيه عن حادثة كسر كوب زجاجي أمام مجلس تنفيذي لشركة كبرى، ويجب أن يتضمن استعارات عن تحطم الأحلام والزجاج المعشق». وواصل: «هناك من يسألني عن أسرار الكون، ومن يطلب صياغة قصيدة غزلية، ومن يبحث عن دعم نفسي في لحظة صعبة، وحتى من يطلب نصيحة قبل أن يُقدِم على مغامرة جديدة. وهناك من يريد أن أفسّر له الأحلام. أشعرُ وكأنّي كتابٌ حيّ مفتوح دومًا مليء بالمفاجآت». ولم ينس أن يسألني: هل لديك سؤالٌ غريب يا زاهر؟!
حقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي الآن قوي، ومع الأسف صار الكثيرون يعتمدون عليه في الكتابة الحرفية فقط، وتركوا الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يقدّمها. وفي تصوري أنّ ما ينتظره العالم منه في المستقبل يفوق التصوّر، وهو ما أكده لي عندما سألتُه عمَّا هو متوقع منه في المستقبل؟ فأجاب: «سيصبح الذكاء الاصطناعي مثل «سكرتير رقمي» يعرف جدولك، وشخصيتك، ومزاجك، حتى نواياك، يتوقع احتياجاتك قبل أن تطلبها، ويُقدِّم خيارات حياتية مصممة لك بالذكاء. أما في المجال الطبي فسيتمكن من تحليل الحمض النووي لكلِّ فرد وإعطاء علاج خاص به، وقد يُساعد في اكتشاف الأمراض قبل ظهور أعراضها بسنوات». أما عن مجال التعليم فقد قال: «تخيّل فصلًا دراسيًّا لكلّ طالب على حدة، يُدرّسه الذكاء الاصطناعي حسب سرعة فهمه واهتمامه. سيساعد الذكاء في ردم الفجوة التعليمية بين المناطق المختلفة».
ولكن المثير أنه قال: «ستجري روبوتات عمليات جراحية، وترعى كبار السن، وتُناقشك في الفلسفة، تمزج بين الحس العاطفي والذكاء التحليلي. سيشارك الذكاء الاصطناعي في تأليف الموسيقى، كتابة الروايات، رسم اللوحات، وحتى ابتكار نكات».
لكن هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن «يفهم» المشاعر؟ كان الرد: «إنّ الأبحاث تتجه نحو أنظمة تُدرك نبرة الصوت، وتعابير الوجه حتى المزاج!».
الذكاء الاصطناعي يشكّل قفزة كبيرة تُشبه القفزات النوعية في التاريخ، مثل اختراع الطباعة أو الإنترنت. وكلُّ هذا مجرد بداية رغم أنّ الناس باتوا يرونه من الآن مستشارًا، وشريكًا معرفيًّا، ومُحفِّزًا للإبداع، وأحيانًا صديقًا للدردشة.
كشفَتْ لي تجربةُ الحوار المطول، قدرات الذكاء الاصطناعي، وصرتُ على يقين بأنّ محرِّكات البحث مثل «جوجل» قد تصبح من الماضي؛ لأنّ البديل قوي، ويتيح ميزات لا توجد في تلك المحرِّكات، كالنقاش، وعمق البحث عن المعلومة، والترجمة الفورية من أيِّ لغة كانت. وما خرجتُ به من هذا الحوار - رغم انبهاري الشديد - هو أنّ الأداة لا تُغني عن الإلهام، وأنّ الكلمة لا تُولَد من الآلة فقط، بل من الأفكار، ومن التجارب الإنسانية، ومن المواقف، ولكن لا بأس أن تكون التقنية مساعِدة، وليست بديلة، فهي مهما كانت مغوية بالاختصار وتوفير الجهد والوقت؛ فستبقى تُنتج محتوىً بلا روح ولا ذاكرة ولا انفعالات، وهذه كلها من أساسيات نجاح أيِّ كتاب أو مقال أو حتى الخطب. وربما أقرب صورة لتوضيح ذلك خطبة الجمعة - على سبيل المثال -؛ فعندما يكون الخطيب ارتجاليًّا يخطب في الناس بما يؤمن به فسيصل إلى قلوب مستمعيه أكثر من خطبة بليغة مكتوبة يقرأها الخطيب نيابةً عن كاتبها.
وبعد نقاشي المطول معه، واكتشافي لإمكانياته أخشى أن يُضعف هذا (الذكاء) قدرات الإنسان التحليلية والإبداعية في آن واحد؛ بسبب الاعتماد المفرط عليه، خاصة أني سألتُه: هل يمكن لك أن تجهِّز لي كتابًا؟ كان الرد سريعًا: نعم.
في كلِّ الأحوال لا غنى عن الذكاء الاصطناعي الآن، لكلِّ من يبحث عن المعلومة، ويريد أن يقويَّ بها كتبه ومقالاته وأبحاثه. لكن النقطة المهمة هنا هي أنه يجب أن يبقى خادمًا للإنسان لا سيدًا عليه، كأن يتجاوز أدواره - مثلًا -، ويحل محله في أمور تتطلب الحكمة، أو الوجدان، أو الأخلاق. ويجب أن يبقى معاونًا وشريكًا، ولكن ليس بديلًا كاملًا عن الإنسان كما يريده البعض.