قالت دار الإفتاء المصرية، إن القرآن الكريم تحدث عن مكة المكرمة، وبيَّن ما لها من فضل عظيم، فبها بيت الله الحرام؛ أول بيت وضعه في الأرض لخلقه، وجعله مباركًا وهدًى للعالمين، وقبلةً للمسلمين؛ كما قرَّر القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 96].

الإفتاء توضح حكم زيارة أضرحة آل البيت ومقامات الصالحين حكم العمرة لمَن لا تجد مَن يعتني بأطفالها.. الإفتاء توضح

أضافت الإفتاء، أن الإمام البيضاوي قال في "أنوار التنزيل وأسرار التأويل": [أي: وضع للعبادة وجعل مُتعبدًا لهم.. ﴿لَلَّذِي بِبَكَّةَ﴾ لَلْبَيتُ الذي بِبَكَّةَ، وهي لغة في مكة.. وقيل: هي موضع المسجد، ومكة البلد من بَكَّهُ إذا زحمه، أو من بَكَّهُ إذا دقه فإنها تبك أعناق الجبابرة.. ﴿مُبَارَكًا﴾ كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف دونه وطاف حوله.. ﴿وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾؛ لأنه قبلتهم ومتعبدهم، ولأن فيه آيات عجيبة.. ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الأعصار، وأن ضواري السباع تخالط الصيود في الحرم ولا تتعرض لها، وإن كل جبار قصده بسوء قهره الله؛ كأصحاب الفيل. والجملة مُفَسِّرة للهدى، أو حال أخرى.. ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾.. أي: ومنها: أمن من دخله].

الآداب التي يستحب للمسلم أن يراعيها عند دخول مكة المكرمةالكعبة

أوضحت الإفتاء، أنه لمَّا كانت لمكة المكرمة هذه الفضائل وغيرها من المكارم استحقت أن تُراعى عند دخولها مجموعةٌ من الآداب والفضائل، وأهمها ما يلي:

- ألا يدخل مكة إلا محرمًا بحج أو عمرة؛ استحبابًا.

- الغسل؛ لما رواه الترمذي في "سننه" عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «اغْتَسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لِدُخُولِهِ مَكَّةَ بِفَخٍّ»، وفي "الصحيحين" عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طِوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ، وَيَغْتَسِلُ»، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

فيُستحبُّ لكلِّ مَن يدخل مكة المكرمة أن يغتسل؛ فإن لم يستطع فيجزئه في ذلك الوضوء.

وقد نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" حكاية الإجماع على ذلك عن الإمام ابن المنذر، بعد أن ذكر تبويب الإمام البخاري بقوله: [قوله: باب الاغتسال عند دخول مكة].

- أن يَبتدئ دخولها بالمسجد؛ لأجل الطواف بالبيت؛ فقد أخبرت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنَّ: "أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً" متفق عليه.

قال الإمام الطيبي في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح": [وفي الحديث: الابتداءُ بالطواف في أول دخول مكة سواء كان محرمًا بحج، أو بعمرة، أو غير محرم].

- إذا رأى البيت المعظم كبرَّ وهَلَّلَ ودعا؛ فإنَّ الدعاءَ مستجابٌ عند رؤيته، وذلك بأن يقول: "اللهم هذا حرمك، وأمنك؛ فحرِّم لحمي ودمي وشعري وبشري على النار، وأَمِّني من عذابك يوم تبعث عبادك، واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك".

أو يقول: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السلام ودارك دار السَّلَامِ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، اللَّهُمَّ إن هَذَا بَيْتُكَ عَظَّمْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ؛ اللَّهُمَّ فَزِدْهُ تَعْظِيمًا وَزِدْهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَزِدْهُ مَهَابَةً، وَزِدْ مَنْ حَجَّهُ بِرًّا وَكَرَامَةً، اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلْنِي جَنَّتَكَ، وَأَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم".

- وإذا دخل المسجد الحرام فليقل: "بسم الله وبالله، ومن الله وإلى الله، وفي سبيل الله وعلى ملة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ"؛ فَإِذَا قرب من البيت قال: "الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، وعلى إبراهيم خليلك وعلى جميع أنبيائك ورسلك"، وليرفع يديه وليقل: "اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تتقبل توبتي وأن تتجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام الذي جعله مثابة للناس وأمنًا وجعله مباركًا وهدًى للعالمين، اللهم إني عبدك، والبلد بلدك، والحرم حرمك، والبيت بيتك، جئتك أطلب رحمتك، وأسألك مسألة المضطر الخائف من عقوبتك، الراجي لرحمتك الطالب مرضاتك".

قال الإمام بدر الدين العيني الحنفي في "البناية شرح الهداية": [آداب دخول مكة: م: (قال: فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد) ش: أي: إذا دخل المُحْرِم مكة ابتدأ بالمسجد الحرام؛ يعني: لا يشتغل بعمل آخر قبل أن يدخل المسجد الحرام؛ لأن المقصود زيارة البيت؛ أي: الكعبة في المسجد.. م: (وإذا عاين البيت كبَّر، وهلَّل)؛ ش: أي: قال: الله أكبر؛ أي: أجلُّ من هذه الكعبة المعظمة، وهلَّل، أي قال: لا إله إلا الله.. وقد قيل: إن الدعاء مستجاب عند رؤية البيت؛ فلا يغفل].

- أن يقصد الحجر الأسود بعد ذلك، ويمسه بيده اليمنى، ويُقَبِّلُه -دون مزاحمة- ويقول: "اللهم أمانتي أديتها، وميثاقي وفيته، اشهد لي بالموافاة"؛ فإن لم يستطع التقبيل وقف في مقابلته، ويقول ذلك، ثُمَّ لَا يُعَرِّجُ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الطَّوَافِ إِلَّا أَنْ يَجِدَ النَّاسَ فِي الْمَكْتُوبَةِ؛ فَيُصَلِّيَ مَعَهُمْ ثُمَّ يَطُوفَ.

- أن يتحفظ في دخوله من إيذاء الناس في الزَّحْمَة، ويتلطف بمن يزاحمه، ويلحظ بقلبه جلالة البقعة التي هو فيها، والتي هو متوجه إليها، ويُمَهِّدَ عذر من زاحمه، وما نُزِعت الرحمة إلا من قلب شقي.

 

- أن يكون أول شيء يفعله هو الطواف بالبيت؛ أي: قبل شراء أغراض، أو استئجار بيت، أو غيره، إلا أن يكون ذلك ممَّا لا بد منه، أو تترتب عليه مشقة، أو ضرر.

وأردفت الإفتاء: أما بالنسبة إلى ما ورد في السُّنَّة النبوية ونصوص الفقهاء من سنن وآداب تتعلق بتحديد أماكن معينة للدخول إلى مكة المكرمة؛ كالدخول من الثَّنِيَّةِ العُلْيَا، والخروج من الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى، ودخول المسجد الحرام من باب بني شيبة، وكذا بتحديد أوقات معينة كالدخول نهارًا ونحو ذلك؛ فلا حرج على المكلف في عدم فعلها؛ لأن هذه الأماكن الآن دخلت في توسعات الحرم، ولم تَعُد معلومة بأعيانها غالبًا، مع تشعب الطرق الموصلة وتعددها الآن؛ فضلًا عن تعارض الإتيان ببعضها في أغلب الأحوال مع الإجراءات المتبعة في نظام التفويج، والموضوعة من قِبل الجهات المنظمة لسير حركة الحجيج والمعتمرين والزائرين دخولًا وخروجًا؛ بل الالتزام بهذه الإجراءات هو عين السُّنَّة، وذات الأدب المطلوب شرعًا؛ لما تقرر في قواعد الشرع الشريف من الأمر بطاعة ولي الأمر الذي أقامه الله تعالى في خدمة الحرمين والأماكن المقدسة ورعاية شؤون الحجيج وتنظيم أمر الحج والمناسك؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ» أخرجه الستة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ فهذا يدل على أن السنة مراعاة أوامر السلطات التنظيمية في الأحكام الخاصة بالحرم وبالمناسك ونحوها.

وقد نقل الإمام القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" عن الإمام سهل بن عبد الله التُّستري أنه قال: [أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد].

والملاحظ في الآداب المذكورة أن المراد هو أن يتخلق الإنسان بكل أدب يليق بهذه البقاع الشريفة؛ أي: أن مُحَصَّلَ هذا الأمر أن الإنسان يستحب له مراعاة الآداب التي يكون بها مُعظِّمًا مكة المكرمة؛ عملًا بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].

الخلاصة

واختتمت الإفتاء قائلة: "وبناءً على ذلك: فإن أهم الآداب التي يستحب للإنسان أن يراعيها عند دخول مكة المكرمة: أن يدخلها مغتسلًا، وأن يدخلها محرمًا بحج أو عمرة، وأن يبتدئ بالمسجد؛ ليستلم الحجر، ويطوف بالبيت، وأن يُكبِّرَ ويُهلِّلَ عند رؤية البيت المعظم ويدعو بالدعاء المأثور أو ما يجري على قلبه، وأن يتلطف بالناس ولا يزاحمهم؛ فلا يُسبب لهم أدنى أذى، وفي الجملة يستحب أن يراعي كلَّ ما مِن شأنه تعظيم هذه البلاد المقدسة المعظمة".

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مكة دار الافتاء الإفتاء القرآن المسجد الحرام الآداب التی مکة المکرمة الله ع ى الله

إقرأ أيضاً:

رصاص في المسجد واختطاف الإمام.. حادث يشعل المنصات اليمنية

 

وبحسب التقارير، تفاجأ الإمام والمصلون بقوة أمنية ملثمة تقتحم المسجد وتطلق النار بداخله، قبل أن تعتدي على الإمام بالضرب وتختطفه بالقوة من محرابه.

وذكرت وسائل الإعلام اليمنية أن هذه القوة الأمنية تتبع للمجلس الانتقالي الجنوبي، دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه الحادثة.

بدوره، دان الحادثة مختار الرباش وكيل وزارة الأوقاف بالحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، واصفاً إياها بأنها "انتهاك صارخ وإهانة لبيوت الله وإهانة لمدينة عدن" كما اعتبر محافظ عدن أحمد لملس ما جرى "انتهاكاً خطيراً يستوجب التحقيق العاجل".

وعبر مغردون يمنيون عن غضبهم، وأجمعوا على رفض هذا الانتهاك الصارخ لحرمة بيوت الله، مع التأكيد على ضرورة احترام القانون والطرق القانونية في التعامل مع أي قضايا، وفق ما أبرزته حلقة (2025/6/29) من برنامج "شبكات".

حرمة بيت الله

وبحسب المغرد حروف فإن الحادث يمثل خروجا على القانون، وكتب يقول "دخولهم المساجد ملثمين كالعصابات، دون احترام لحرمة بيوت الله، يُعد انتهاكاً صارخاً لكل القيم الدينية والوطنية، ومن لا يحترم المساجد لن يحترم الشعب، ومن يحمل السلاح داخل الجامع لا يمكن أن يمثل دولة ولا نظاما، بل يمثل الفوضى والبلطجة".

وفي نفس السياق، أضاف الناشط راجح مستنكرا "حادثة الاعتداء المروعة بحق المصلين تصرف همجي غير مسؤول حتى وإن كان هناك مطلوبون فليس بالطريقة المستفزة، الدولة واجبها تحمي المواطن مش سوط إرهاب".

واتفق معهما في الرأي المغرد عبد الرب، ودعا إلى اتباع الطرق القانونية، وكتب يقول "هذه الأعمال التي تشوه بالأمن بالدرجة الأولى، كان بإمكانهم استدعاؤه عبر الطرق القانونية".

ومن جهته، غرد الناشط ساوث بقوله "القانون فوق الجميع وكل الناس مع القانون، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته.. المشكلة في طريقة الاعتقال وفي بيت الله، كان المفروض أن ينتظرونه لما يطلع من بيته أو بيت الله".

إعلان

وفي وقت لاحق، تم إطلاق سراح الإمام في اليوم ذاته، وظهر في مقطع فيديو من مسجده يتحدث عما جرى، كما أعلنت إدارة أمن عدن استدعاء مدير شرطة دار سعد والأفراد المتورطين في الحادثة لتوقيفهم وإحالتهم إلى التحقيق، مشددة على أن المساجد يجب أن تظل منابر للوعظ والإرشاد الديني المعتدل، بعيداً عن أي تحريض، دون أن توضح في البيان طبيعة هذا التحريض المزعوم.

الصادق البديري29/6/2025-|آخر تحديث: 21:57 (توقيت مكة)

مقالات مشابهة

  • غلق مؤقت لضريح الإمام الحسين يوم عاشوراء للصيانة
  • متى يبدأ وقت صلاة الضحى؟.. الإفتاء تجيب
  • حكم استخدام المناديل المبلَّلة بالماء في الوضوء.. الإفتاء تجيب
  • أصداء
  • دروس من كربلاء
  • "حي حراء الثقافي".. جزء من تجربة ملايين الزوار لمكة المكرمة
  • رصاص في المسجد واختطاف الإمام.. حادث يشعل المنصات اليمنية
  • “حي حراء الثقافي”.. جزء من تجربة ملايين الزوار لمكة المكرمة
  • تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا بجانيين في منطقة مكة المكرمة
  • القصاص من جانيين في مكة المكرمة بعد صدور حكم شرعي بحقهما