أثارت زياد مبيعات البنك المركزي العراقي من الدولار الأمريكي خلال الأسابيع القليلة الماضية جملة من التساؤلات عن أسباب بيع الكميات "الهائلة" من العملة الصعبة يوميا، وذلك بالتزامن مع نقص في السيولة النقدية للدينار المحلي، والتي تنذر بتأخر دفع رواتب الموظفين.

ووصلت مبيعات المركزي العراقي من الدولار خلال الأسبوع الماضي إلى أكثر من مليار دولار، بمعدل نحو 300 مليون يوميا، بعدما كان في نهاية 2023، يجري تحويل 50 مليون دولار فقط، عندما فرض البنك الفيدرالي الأمريكي ضوابط مشددة على بيع الدولار بالعراق.



هدر هائل
ورأى الخبير الاقتصادي العراقي، صالح الهماشي، في حديث لـ"عربي21" أن "ارتفاع مبيعات البنك المركزي من الدولار الأمريكي تزامن مع إلغاء العمل بالمنصة الإلكترونية في مطلع كانون الثاني/ يناير الجاري، والبدء بالتعامل مع البنوك المراسلة (الوسيطة)".

وأوضح الهماشي أن "البنوك المراسلة تحاول أن تضع لها خزين من الدولار حتى تسيّر أعمالها، بمعنى تستلم الدينار العراقي وتحول الدولار الأمريكي، فهي تتعامل مع أكثر من جهة خارجية في التبادل التجاري".

وفي مطلع عام 2023، أعلن العراق اعتماد منصة إلكترونية من أجل مراقبة حركة بيع الدولار وعمليات غسيل الأموال، وذلك بعد تحذيرات أطلقها البنك الفيدرالي الأمريكي، إضافة إلى معاقبة وزارة الخزانة العديد من المصارف المحلية لتورطها في أعمال مشبوهة.

وأشار الهماشي إلى "أربع جهات تسحب الدولار، الأولى هم مسؤولي الدولة، لأن عائلاتهم والتزاماتهم المالية في الخارج، بالتالي ملايين الدولارات تخرج من العراق شهريا، والجهة الثانية، هم المسافرين العراقيين الذين يعطى لهم الدولار لأغراض وإن كان بكميات بسيطة".

لكن "الطامة الكبرى"، بحسب الهماشي، هو "التبادل التجاري مع إيران كله بالدولار، والذي يصل إلى 8 مليار دولار سنوريا، وهذا ليس تهريب للعملة، وإنما هو عمل غير مشروع بسبب العقوبات الأمريكية على الجانب الإيراني التي تمنع حصولهم على الدولار".

أما الجهة الرابعة، فهي- بحسب الهماشي- لـ"الاستهلاك الداخلي، لأن أغلب التعاملات التجارية التي تتعلق بشراء السيارات والعقارات والأدوات الكهربائية، تجري بالدولار وليس بالدينار، وهذا أيضا يأخذ حصة من استهلاك العملة الصعبة والطلب عليها".



من جهته، قال الخبير الاقتصادي العراقي، زياد الهاشمي، إن "عودة البنك المركزي العراقي إلى تحويل وبيع مبالغ دولارية هائلة وبنفس المستوى السابق قبل تطبيق الضوابط الفيدرالية، يعيد الشكوك بعودة التهريب وغسيل الأموال كما كان".

وأضاف الهاشمي عبر تدوينة على منصة "إكس" الجمعة، أن "هذا الارتفاع الهائل في الحوالات يؤكد أن هناك خطأ ما يتسبب في هدر أموال البترودولار العراقي من خلال هذه الحوالات الضخمة".

وتساءل الهاشمي، قائلا: "هل أرخت إدارة بايدن الحبل وتركت عمليات التحويل تتم دون تطبيق مشدد للضوابط الفيدرالية كما في السابق لتوريط إدارة ترامب، أم أن شركات التدقيق الدولية ولاسيما K2 جرى اختراق عملياتها، ولم تعد قادرة على ضبط التهريب وغسيل الاموال؟".

من جانبه قال المحلل السياسي العراقي، رسلي المالكي على منصة "إكس" في 17 يناير، إن "العراق يشهد أكبر معدل تهريب دولار في يوم واحد في التاريخ يصل إلى 294 مليون دولار. يبدو أن إيران تحاول شفط أكبر قدر ممكن من دولار العراق قبل وصول ترامب للسلطة".

فقدان السيطرة
وبخصوص نقص السيولة للدينار العراقي، قال الهماشي إن "البنك المركزي العراقي لم يفصح حتى اليوم عن حجم الكتلة النقدية العراقية الخارجة عن السيطرة، لكنها تتراوح ما بين 80 إلى 90 ترليون دينار، هي أموال سائبة في السوق للتعاملات التجارية، ولا يستطيع المركزي تدويرها".

وتابع: "طبع البنك المركزي المزيد من العملة العراقية، ثم إنفاق وزارة المالية هذه الأموال للرواتب والمشاريع، بطريقة الذهاب بلا عودة، بمعنى أنها لا يمكن تدويرها، ولهذا السبب تقل السيولة بشكل مستمر".

الأمر الثاني، يضيف الهماشي أن "المصارف العاملة في العراق، وهي 76 مصرفا ما بين حكومي وأهلي كلها معطلة، كونها حتى هذه اللحظة لا توجد لديها رؤوس أموال، باستثناء ثمانية منها فقط، وهي البنوك المراسلة".

وبيّن الهماشي أن "68 مصرفا من مجموع 76، ليس لديها رؤوس أموال ولا ودائع، إذ أن سعر الفائدة لايزال منخفضا في العراق والذي يصل إلى 7.5 بالمئة، لهذا يكتنز المواطن العراقي أمواله في البيت ولا يودعها، وهذا كله أثر على السيولة النقدية".

وأكد الخبير الاقتصادي "وجود خلل في السياسة المالية والنقدية في العراق، تحول دون إدارة الأموال والسيطرة على الكتلة النقدية وتدفقاتها من خلال إنفاقها وجنيها ثانية، إضافة إلى غياب آلية عمل المصارف، كل ذلك أدى إلى عجز في السيولة المالية بالبلد".

ونوه الهماشي إلى أن "وزارة المالية لا تزال تعتمد على خزينها المالي في صرف الرواتب وغيرها، وليس على إيراداتها، كونها لم تستطع حتى اللحظة تنويع الإيرادات، إضافة إلى أن الإنفاق عال بشكل أكبر من الإيرادات، لهذا يصبح عجز في الكتلة النقدية".



وعلى الصعيد ذاتها، قال صاحب إحدى شركات الصرافة في بغداد، أحمد الشمري، إن "البنك المركزي حث المصارف الأهلية على ضرورة سحب الأموال العراقية من المواطنين، حتى لو بقيت لمدة 12 ساعة فقط في خزينة المصرف".

وأكد الشمري لـ"عربي21" أن "البنك المركزي أكد للمصارف المحلية أنه سيعطي عملة للمصارف التي تأتي بالعملية المحلية من المواطنين على شكل ودائع، لذلك فإن اشتراط البنك على المواطنين الراغبين بشراء عقار قيمته 100 مليون دينار فأكثر كله يصب في هذا الجانب".

ولفت إلى أن "إيداع المبلغ المالي في عملية شراء العقار سيحرك خزائن هذه المصارف، بالتالي يكون لديها رؤوس أموال يمكن تدويرها على مدار السنة، وأن قرار البنك المركزي ربما جاء من أجل تشغيل المصارف هذه بعد إلغاء المنصة الإلكترونية وغياب المنفعة التي كانت تحققها منها".

وبسبب نقص السيولة في الدينار العراقي، قال عضو اللجنة المالية البرلمانية، النائب مصطفى سند، خلال مقابلة تفليزيونية الأسبوع الماضي، إن "العراق يمر بأسوأ أزمة مالية، بسبب الديون الداخلية، لذلك فإن الحكومة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين بسبب نقص السيولة الحاد".

بحسب بيانات البنك المركزي العراقي، فقد تقلص حجم الودائع في البنوك التجارية في العراق إلى أدنى مستوى في 22 شهرا، وذلك بعدما صلت إلى 123 تريليون دينار في نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، مقابل 127.5 تريليون في الشهر الذي قبلة.

كما تقلص حجم الودائع بمقدار 7 تريليونات دينار في ستة شهور (من يونيو إلى نوفمبر 2024)، ما يعكس اتجاها مستمرا نحو تراجع مستويات الادخار في النظام المصرفي العراقي خلال الأشهر الأخيرة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية العراقي الدولار العملة الصعبة البنوك العراق الدولار البنوك العملة الصعبة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة البنک المرکزی العراقی من الدولار فی العراق

إقرأ أيضاً:

ماذا وراء ظهور كتائب محمد الضيف في الجولان المحتل؟

أثار تبني مجموعة مسلحة تسمي نفسها "كتائب الشهيد محمد الضيف" قصف القوات الإسرائيلية بمرتفعات الجولان السوري المحتل كثيرا من التساؤلات بشأن دلالات ظهورها وتداعياته على المشهد الإقليمي.

وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى إن التاريخ الإسرائيلي حافل بظهور مجموعات عسكرية بين فترة وأخرى تتحدى الهيمنة والسيطرة الأمنية الإسرائيلية، مشيرا إلى أن هذه الكتائب "جديدة" بالنظر إلى استشهاد القائد العام للجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وأعرب مصطفى عن قناعته بأن هناك فقدانا للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، بعدما حققت تل أبيب إنجازات أمنية على جبهتي لبنان وسوريا، مشيرا إلى أن هذه الإنجازات لم يتبعها مقاربة سياسية.

ووفق حديث مصطفى للجزيرة، فإن هناك خشية إسرائيلية من فقدان السيطرة الأمنية بغياب مقاربة سياسية، مما سيرتد على إسرائيل ليس أمنيا فحسب بل إستراتيجيا.

وبناء على ذلك، فإن فكرة تغيير الشرق الأوسط لن تكون لصالح إسرائيل، لافتا في هذا الصدد إلى اتفاق الولايات المتحدة مع جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) ومفاوضاتها الجارية مع إيران بشأن برنامجها النووي.

إذاعة الجيش الإسرائيلي تقول إن صاروخين أُطلقا من #سوريا وسقطا في منطقة مفتوحة بمرتفعات الجولان تزامنا مع رصد إطلاق صاروخ من #اليمن.. التفاصيل على الخريطة التفاعلية#الأخبار pic.twitter.com/4oFv0pXSK3

— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 3, 2025

وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قد ذكرت أن صاروخي غراد أطلقا -مساء الثلاثاء- من منطقة درعا جنوبي سوريا وسقطا في منطقة مفتوحة بمرتفعات الجولان المحتل.

إعلان

وتبنت مجموعة مسلحة تسمي نفسها "كتائب الشهيد محمد الضيف" قصف القوات الإسرائيلية بالجولان المحتل، وقال أحد قيادييها للجزيرة إن "عملياتنا ضد الاحتلال الإسرائيلي رد على المجازر في غزة، ولن تتوقف حتى يتوقف قصف المستضعفين" في القطاع.

وأواخر يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة (حماس)- استشهاد قائد هيئة أركان كتائب القسام محمد الضيف و"ثلة من المجاهدين الكبار من أعضاء المجلس العسكري للقسام".

استخدام "رخيص"

بدوره، وصف عميد كلية العلوم السياسية في جامعة الشمال بإدلب كمال عبدو ما حدث بأنه "استخدام رخيص لاسم الشهيد محمد الضيف"، معربا عن قناعته بأن الأمر "لا علاقة له بالضيف وفصائل المقاومة الفلسطينية".

ووفق عبدو، فإن الأمر مرتبط بأجهزة استخبارات إقليمية وعلى رأسها إيران، إذ تبدو منزعجة من الانفتاح السوري مع الولايات المتحدة.

وتريد هذه الجهات الإقليمية جر سوريا إلى مستنقع جديد، مطالبا في الوقت نفسه بضرورة تدخل كل الأطراف لإعادة ترتيب الأوضاع في الجنوب السوري.

وقال إن إسرائيل تتعامل بفوقية عالية مع الملف السوري، مشيرا إلى المفاوضات غير المباشرة التي جرت بينها وبين الحكومة السورية.

ووفق عبدو، فإن إسرائيل تصر على تطبيق رؤيتها بمعزل عن الآخرين، وخلط الأوراق مجددا رغم التفاهمات التي جرت مع الحكومة السورية، واصفا الوضع بأنه "مربك للحكومة السورية، وخطر جدا حتى على إسرائيل".

وتعليقا على الهجوم، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن الرئيس السوري أحمد الشرع "مسؤول مباشرة عن كل تهديد وإطلاق نار تجاه إسرائيل وسنرد عليه بكل حزم في أقرب وقت ممكن".

بدورها، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي رد على مصادر إطلاق النيران من سوريا، وأن طائرات حربية إسرائيلية خرقت حاجز الصوت في الأجواء السورية.

إعلان

طلقات سياسية

من جانبه، شدد الخبير العسكري العميد إلياس حنا على ضرورة التريث، إذ يعني تكرار هذا القصف "وجود إستراتيجية لمستفيد معين، المتضرر منها الحكومة السورية"، في ظل عودة سوريا إلى الحضن العربي ورفع العقوبات عنها.

ووصف حنا ما حدث بأنه "طلقات سياسية أكثر منها عسكرية" لأنها "لن تدمر الوجود الإسرائيلي في منطقة الجولان المحتل".

وحسب الخبير العسكري، فإن المتضرر الأكبر هو الحكومة السورية، إذ لم تترك القوات الإسرائيلية لنظيرتها السورية حرية التدخل في مناطق معينة في الجنوب السوري كمحافظة السويداء.

وخلص إلى أن نظرة إسرائيل إلى سوريا أبعد من الحدود، إذ تراها بعين إقليمية تصل إلى تركيا، وتعتبرها على أنها "خطر مباشر على أمنها القومي".

وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، بسطت فصائل المعارضة السورية المسلحة سيطرتها على البلاد منهية 61 عاما من نظام حزب البعث، و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

ومنذ عام 1967 تحتل إسرائيل معظم مساحة الجولان، واستغلت الوضع الراهن بسوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد فاحتلت المنطقة السورية العازلة، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين لعام 1974.

مقالات مشابهة

  • ترامب يصب غضبه على البنك المركزي الأمريكي ويطالب بخفض الفائدة
  • المركزي يوجه المصارف بعدم تعطيل دوامها إلا بقرار من الحكومة الاتحادية (وثيقة)
  • رئيس الوزراء: لن أتكلم عن الدولار فهو اختصاص البنك المركزي
  • البنك المركزي يوقّع اتفاقية تدريب مع المجلس الثقافي البريطاني
  • العلاق: خطة البنك المركزي معالجة التحديات بعمليات الإقراض في القطاع الخاص
  • ماذا وراء ظهور كتائب محمد الضيف في الجولان المحتل؟
  • لقرابة 100 مليار دولار ارتفاع احتياطي العملة الاجنبية للبنك المركزي العراقي
  • ماذا وراء الضربات الأوكرانية على الطيران الإستراتيجي الروسي؟
  • العراق: لا شح في السيولة ولدينا احتياطي قوي
  • سعر الدولار اليوم الإثنين 2 يونيو 2025.. في البنك المركزي بكام؟