إذا ما نظرنا إلى ما يقدّمه علم الآثار لنا من معرفة حول الماضي، فإننا نستطيع اعتباره بوابتنا للسفر عبر الزمن، التي تفتح أعيننا على ما كانت عليه حياة أجدادنا.. ماذا عملوا، ما الأدوات التي استخدموها، ما هي الأطباق التي تناولوها، وكذلك ما كانت عليه قيمهم وعاداتهم الاجتماعية، فكّل ذلك يصلنا عبر حكاياتهم المنقوشة على الأحجار، أو داخل جرار وفخاريات وأدوات، تحمل داخلها من المعرفة ما يكفي ليجعلنا نرى الماضي وكأنه يعبر أمامنا!

اليوم يمثل علامة فارقة في التاريخ، حيث نحتفل بمرور 65 عاماً على بدء التنقيبات الأثرية في دولة الإمارات.

منذ عام 1959، حين تم إطلاق حملة تنقيب المدافن، التي تعود للعصر البرونزي في جزيرة أم النار. وكان للمغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، دور كبير وبالغ الأهمية في متابعة عمل علماء الآثار، وحرص على أهمية الكشف عن التاريخ الفريد لدولة الإمارات العربية المتحدة، وشجّع على إطلاق حملات التنقيب الأثري في إمارة أبوظبي وسائر الإمارات الأخرى. كما أسهم تشجيعه في تحقيق ازدهار دراسة علم الآثار في الدولة والكشف عن تراثها العريق.
ونظراً لما ينطوي عليه علم الآثار من أهمية بالغة في الوصول إلى جذور الثقافة الإماراتية الغنيّة الضاربة في عمق التاريخ، فإنّ دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، تعتبر هذا العلم حجر الزاوية في الكشف عن آثار هذه المنطقة ومعرفة تراث وتقاليد أهلها، وتكريم تاريخها بوصفها مكاناً للتفاعل والتواصل التجاري والديني.
ولكي نحافظ على تراثنا وهويتنا الوطنية، لا بدّ لنا من معرفة كيف عاش أسلافنا، لإدراك كيف ينبغي لنا أن نعيش الآن وفي المستقبل. وفي الإطار نفسه، سنقوم بفتح المزيد من المواقع الأثرية أمام الجمهور، وسيكون متحف زايد الوطني، الذي يعدّ أحد أهمّ الصروح في المنطقة الثقافية في السعديات، موطناً للكنوز الأثرية الثقافية، حيث سيقدّم المتحف تجربة تعليمية رائدة وجذابة تروي قصة الوالد المؤسّس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وتوحيده للإمارات، والتاريخ المجيد والعلاقات العالمية المتميزة لدولة الإمارات.
وفي الفترة التي تسبق افتتاحه، وسعياً إلى تعزيز التفاعل المجتمعي، عمل متحف زايد الوطني على تعريف الجمهور بإرث دولة الإمارات العريق والغني، وتسليط الضوء على قصصه ومجموعاته عبر جلسات نقاش يديرها خبراء في التاريخ الإماراتي والتراث الوطني. وتأتي الجلسة الأولى من مُلتقى متحف زايد الوطني بالتعاون مع مجالس أبوظبي في مكتب شؤون المواطنين والمجتمع بديوان الرئاسة، تحت عنوان «دور متحف زايد الوطني في الحفاظ على التراث البحري: مشروع قارب ماجان»، بما يُسهم في إثراء النقاشات القيّمة في مجالات التاريخ والثقافة، وتعزيز مكانة المتحف كوجهة ثقافية وتاريخية تمثل المجتمع الإماراتي.

أخبار ذات صلة عمار النعيمي يصدر قراراً بإعادة تشكيل مجلس إدارة نادي مصفوت للرماية والفروسية %57 زيادة باستثمارات البنوك في الأسهم خلال 12 شهراً

رؤى جديدة
من خلال جهودنا المشتركة في أعمال التنقيب والاكتشافات الأثرية الجديدة، أبرزنا عراقة تاريخ أرض دولة الإمارات خلال العصور القديمة، وطبيعة العادات والتقاليد والعلاقات الإنسانية لسكانها وكيفية تعاملهم مع مختلف موارد الطبيعة المحلية وتسخيرها لمصلحتهم. ففي جزيرة غاغا، الواقعة في أقصى غربي أبوظبي، اكتشف الباحثون حفراً ومواقد مبطّنة بالحجارة من العصر الحجري الحديث يعود تاريخها إلى حوالي العام 6300 قبل الميلاد، وتبيَّن أن هذه المواقد كانت تستخدم لحرق الحجر الجيري، فيما يشكّل أول صناعة معروفة لنا لإنتاج الجصّ المستخدم في صناعة الأواني.
كما تعدّ جزيرة السينية في أم القيوين موقعاً للعديد من الحفريات، حيث اكتشف فيها دير مسيحي ومصنوعات يدوية متعلقة بالغوص على اللؤلؤ، منها ثقل حجري كان يستخدم لوزن اللؤلؤ، يعود تاريخه إلى حوالي 600-750 م.
واكتشف الباحثون في العين، مقبرة من العصرين البرونزي والحديدي تحتوي على قبر حجري ضخم و35 قبراً آخر. وتمكّن علماء الآثار من تحديد أكثر من 50 نظام ري قديماً من نوع الأفلاج، يعود إلى تواريخ وتقنيات بناء مختلفة، ما يشير إلى مراحل مختلفة من الزراعة في العصر الحديدي.
ولأنّ الآثار تحظى باهتمام جمهور واسع، فقد فتحنا أبواباً جديدة لاكتشاف الماضي القديم، وبالإضافة إلى تطوير مشروعي متحف زايد الوطني ومتحف العين، قمنا أيضاً بإعادة افتتاح متحف دلما إلى جانب مركز جديد للزوار في جزيرة صير بني ياس.

رحلة فريدة من نوعها
من المعروف أنّ كثيراً من دول العالم شهدت إطلاق علم الآثار وعمليات التنقيب على أيدي الخبراء والباحثين الغربيين، الذين أولوا اهتمامهم لآثارها، وفسّروا المكتشفات الأثرية حسب آرائهم الخاصة، أما عندنا فكان الأمر مختلفاً، وشهدت رحلة الآثار في أبوظبي مساراً رائداً على أيدي خبراء من داخل الدولة، حيث أطلق قادتنا شرارة الاهتمام بعلم الآثار، بعد أن وجدوا أنّ الصروح الأثرية لديها قصّة لا بدّ أن ترويها. وفي أواخر الخمسينات من القرن الماضي، قام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ممثل الحاكم في العين آنذاك، وشقيقه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، حاكم أبوظبي آنذاك، بدعوة علماء الآثار لاستكشافها، ما أطلق العنان لرحلة أثرية كشفت عن مقابر أم النار، ومقابر هيلي، التي تعود إلى العصر البرونزي، حيث أدى الاكتشاف الأخير إلى إدراج مدينة العين ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو في عام 2011.
ومنذ ذلك الحين، أصبح الإماراتيون في طليعة علماء الآثار في أبوظبي، آخذين على عاتقهم تشجيع الشباب على الاستكشاف وإثارة فضولهم لمواصلة التعلم ومعرفة تاريخهم الغني، وهذا الالتزام بتاريخ الإمارات وعلم الآثار مازال مستمراً على أيدي جيل جديد من الشباب الذين يتطلعون لاكتشاف ودراسة تراثنا، وتقديم نتائج أبحاثهم للمجتمع.

إمكانات أثرية واعدة
وعلى الرغم مما تعلمناه عن تاريخ أبوظبي المبكر، فإنّ هناك فجوات مازلنا نحتاج إلى سدّها بالمعرفة اللازمة، فكلما عرفنا أكثر، زادت أسئلتنا. وقد أحرزت الأعمال الحديثة تقدماً كبيراً في استكشاف العصرين البرونزي والحديدي، والفترة الإسلامية المبكرة، لكن العصور الأقدم التي تمتدّ ما بين 12 ألفاً و300 ألف عام مضت، تبقى مفتوحة على مصراعيها بانتظار استكشافها. وتظهر الاكتشافات في أجزاء أخرى من العالم، الإمكانات الهائلة للمكتشفات الأثرية في قاع البحر، وقد بدأنا دراسات تجريبية قبالة ساحل أبوظبي في خور البزم، حيث استخدمنا الجيوفيزياء البحرية لمسح قاع البحر، ووصلنا إلى نتائج مثيرة للاهتمام، ونعتزم الاستمرار بالاستكشاف بشكل أكبر.
وضمن المبادرة الأثرية التجريبية التي أطلقها متحف زايد الوطني عام 2021 بالشراكة مع جامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي، أعدنا بناء قارب من العصر البرونزي يُدعى «ماجان» كان يستخدم للتجارة، ويمر في مياه الخليج العربي. وقد سافر القارب المعاد بناؤه، بقيادة بحارة إماراتيين وبشراع مصنوع من شعر الماعز، مسافة 50 ميلاً بحرياً على مدار يومين من التجارب البحرية.

التزام راسخ
في رحلة أبوظبي الأثرية الفريدة والملهمة، سيبقى التزامنا راسخاً باستكشاف المزيد، لأن المكتشفات الأثرية تعزّز فهمنا لتاريخنا وتراثنا، وتؤكّد هويتنا الثقافية، وبالتالي تدعم تطوير قطاعاتنا الثقافية والسياحية والصناعات الإبداعية لدينا.
من خلال الالتزام بتراثنا، يمكننا الاستمرار في حماية ثقافتنا بشكل دائم، ومن خلال التعاون وتطوير المواهب والابتكار، نسعى إلى مواصلة تاريخنا الممتّد عبر الأجيال، لنصبح واحدة من أكثر وجهات العالم، تنوعاً وغنًى ثقافياً، وواحة ثقافية فريدة تلامس حياة السكان والزوار.
رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: أبوظبي علم الآثار الآثار الشيخ زايد تراث الأجداد التنقيب عن الآثار دائرة الثقافة والسياحة الإمارات بن سلطان آل نهیان متحف زاید الوطنی علماء الآثار علم الآثار

إقرأ أيضاً:

رئيس الدولة يستقبل وفد دائرة التمكين الحكومي والفائزين بالدورة الأولى من “جائزة أبوظبي لتجربة متعاملين بلا جهد” التي تنظمها الدائرة

التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” ـ كلاً على حده ــ عدداً من القادة ورؤساء الوفود المشاركين في “القمة العالمية للحكومات 2025 “، والتي تعقد في دبي تحت شعار ” استشراف حكومات المستقبل”.
فقد التقى سموه في مقر القمة كلاً من .. سمو الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح رئيس وزراء دولة الكويت الشقيقة، وفخامة غوستافو بيترو أوريغو رئيس جمهورية كولومبيا، وفخامة أندجي دودا رئيس جمهورية بولندا، ومعالي مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان العراق.
وبحث سموه مع ضيوف الدولة علاقات التعاون بين دولة الإمارات وبلدانهم وإمكانيات تعزيزها بما يدعم المصالح المتبادلة خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والتنموية وغيرها من الجوانب التي تعزز التنمية والازدهار الاقتصادي المستدام.
كما تطرقت اللقاءات إلى أهمية الموضوعات التي تناقشها القمة العالمية للحكومات في إثراء الحوار العالمي لتعزيز العمل الحكومي واستشراف مستقبله بما يسهم في تسريع التنمية وتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات.
حضر اللقاءات كل من .. سمو الشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون الخاصة، ومعالي الشيخ محمد بن حمد بن طحنون آل نهيان مستشار رئيس الدولة، ومعالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، ومعالي سهيل بن محمد فرج فارس المزروعي وزير الطاقة والبنية التحتية، ومعالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، ومعالي فيصل عبد العزيز البناي مستشار رئيس الدولة لشؤون الأبحاث الإستراتيجية والتكنولوجيا المتقدمة، ومعالي الدكتور أحمد مبارك المزروعي رئيس مكتب رئيس الدولة للشؤون الإستراتيجية رئيس مكتب أبوظبي التنفيذي، ومعالي عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد رئيس المكتب الوطني للإعلام، وعدد من سفراء الدولة وكبار المسؤولين والوفود المرافقة للقادة.
وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد زار معرض “ابتكارات الحكومات الخلاقة” الذي يقام ضمن فعاليات القمة، وتبادل سموه الأحاديث مع القائمين على المعرض، واطلع على عدد من الأفكار والابتكارات الحكومية لمواجهة التحديات العالمية، مؤكداً أهمية المعرض في تقديم الحلول المبتكرة لتعزيز العمل الحكومي من أجل تنمية الإنسان وبناء مستقبل مزدهر للجميع.


مقالات مشابهة

  • منصور بن زايد يعتمد أسماء الفائزين بجائزة خليفة التربوية
  • منصور بن زايد يعتمد أسماء الفائزين بالدورة الـ 18 لجائزة خليفة التربوية
  • الشيخ خالد بن محمد بن زايد يشهد الإعلان عن تطوير مشروع عالم ومنتجع ديزني الترفيهي في جزيرة ياس في أبوظبي
  • الشيخ خالد بن زايد يشهد الإعلان عن تطوير مشروع عالم ومنتجع ديزني الترفيهي في جزيرة ياس في أبوظبي
  • خالد بن محمد بن زايد يشهد الإعلان عن تطوير مشروع ديزني الترفيهي في أبوظبي
  • محمد أبوزيد كروم يكتب: العدوان الإماراتي.. وعملاء الداخل!!
  • مدير عام «شرطة أبوظبي»: يوم فخر واعتزاز في الإمارات
  • رئيس الدولة يستقبل وفد دائرة التمكين الحكومي والفائزين بالدورة الأولى من “جائزة أبوظبي لتجربة متعاملين بلا جهد” التي تنظمها الدائرة
  • خالد بن محمد بن زايد يفتتح "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية
  • خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل توزيع جائزة بريتزكر للهندسة المعمارية لعام 2025