عقد الجامع الأزهر اليوم الثلاثاء بالجامع الأزهر، ملتقى الأزهر الأسبوعي للقضايا المعاصرة تحت عنوان «العدالة في الإسلام ومفهوم المساواة»، بمشاركة الدكتور محمد عبد المالك، نائب رئيس الجامعة للوجه القبلي، والدكتور علي مهدي، أستاذ الفقه المساعد بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر ‏ بالقاهرة، وأدار الملتقى الشيخ أحمد سنجق، الباحث بالجامع الأزهر، وحضور عدد من الباحثين وجمهور الملتقى.

من رواد الجامع الأزهر.‏

وفي بداية الملتقى قال الدكتور محمد عبد المالك، نائب رئيس جامعة الأزهر: إن الحق سبحانه وتعالى يأمرنا بالعدل والإحسان كما في قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" واقتران العدل والإحسان في هذه الآية الكريمة بمكارم الأخلاق دليل على أن الأخلاق هي أساس كل عمل صالح وأن العدل والإحسان هما في مقدمة مكارم الأخلاق، والعدل هو التوسط بين أمرين دون إفراط أو تفريط، والمراد به التسوية بين الناس في كل شيء، والوسطية في كل شيء هي المنهج الذي جاء به الدين الإسلامي، كما أن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه "بالعدل" ليبين لنا أن العدل قيمة عظيمة لا بد لنا أن نتمسك بها، كما ورد أيضا في موضع آخر من القرآن الكريم ما يدل على العدل "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" وهو تأكيد على أهمية العدل في ضبط التعامل بين البشر، وعلينا أن نلتزم بمعنى العدل في كل شيء في حياتنا التزامًا. 

وحذر نائب رئيس جامعة الأزهر، من أن تكون البغضاء والعداوة بين الناس سببًا في عدم إقامة العدل والمساواة، لأن في هذا مخالفة صريحة لتوجيهات الحق سبحانه وتعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" كما أن العدل بين الناس يكون بميزان الشرع وليس بميزان الأهواء، والنبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على العدل في كل أمر من أمور الدنيا كما بين في حديثه أنه من السبعة الأبرار الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله "إمام عادل" لأن العدل به تستقر الأمور وتسود الطمأنينة، وفي حديث آخر "إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة" ليبين لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مكانة العدل في استقرار المجتمعات. 

وأوضح نائب رئيس جامعة الأزهر، أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يغضب لقيمة العدل، وضرب أروع الأمثلة في ذلك بأن حلف أن يطبقه على أقرب الناس له إذا تطلب الأمر، فعندما أراد بعض الناس أن يشفع لامرأة سرقت، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خطب في الناس قائلا: " إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وقال: والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها"،  وأراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدرس أن يعلمنا أن المجتمعات لا يمكن أن تستقر فيها الحياة بدون العدل، فاختلال المجتمعات إنما يكون بسبب غياب قيمة العدل في كل شيء.

وبين نائب رئيس جامعة الأزهر، أن الصحابة رضوان الله عليهم عندما تأسوا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربوا أروع الأمثلة في العدل، فعندما  رأى عمر رضي الله عنه مرة إبلاً ثمينة , فقال: (لمن هذه الإبل؟ قالوا: إنها لابنك عبد الله، قال: ائتوني به، فلما جاؤوا به, سأله: لمن هذه الإبل؟ قال: هي لي، اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن، فماذا فعلت؟ قال عمر لابنه: ويقول الناس: اسقوا هذه الإبل، فهي لابن أمير المؤمنين، ارعوا هذه الإبل, فهي لابن أمير المؤمنين، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين، بع هذه الإبل، وخذ رأس مالك، ورد الباقي لبيت مال المسلمين)، وهو دليل على أن القرابة لا يجب أن تكون سببًا في عدم إقامة العدل.

من جانبه قال الدكتور على مهدي، أستاذ الفقه المساعد بجامعة الأزهر، إن الإسلام هو دين العدالة، والعدالة ركن هذا الدين العظيم، ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية شاهدة بشكل نظري وعملي على أن الدنيا لم تعرف أمة أقوم سبيلا وأهدى إلى تطبيق العدل في كثير من المواقف، من أمة الإسلام، لأنها أمة تعبد ربًا وصف نفسه بالعدل، كما أنها مأمورة بإقامة العدل ولو على نفسها، والقرآن الكريم بين لنا منهج " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا" وهو منهج يأمر المسلم في سبيل العدل بالتخلص من علاقات النفس ومن علاقات القرابة، وهو دليل على أن هذه الأمة هي أمة العدل. 

وأوضح أستاذ الفقه المقارن، أن العدل يجب ألا يقوم على الهوى والآراء والمجاملة، لأنه لا يمكن للعدل أن يستقيم في وجود هذه الأشياء، وكما أمرنا الإسلام بأن لا نجامل أو ننحاز في إقامة العدل، أمرنا أيضا ألا تحول العداوة والبغضاء بيننا وبين إقامة العدل " وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، وكان النبي ﷺ يقيم العدالة في كل شيء في الحياة، لأن إقامة العدل ليست أمرًا ترفًا وإنما هي ضرورة لاستقامة الحياة.

وبين أستاذ الفقه المقارن، أن من أبشع أنواع الظلم أن يزرع الآباء الظلم بين أبنائهم من خلال تفضيل احدهما على الآخر كما في قصة بشير عندما أراد ان يهب لأبنه النعمان هبة وهي "بستان" فعندما ذهب بشير للنبي ﷺ وقال يا رسول الله إني وهبت لأبني النعمان "نحلة" أي عطية، هنا قال النبي ﷺ: له إخوة؟ قال : نعم ، قال : فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته ؟ قال بشير: لا ، قال النبي ﷺ : فليس يصلح هذا ، وإني لا أشهد إلا على حق"، وهنا أسس النبي ﷺ التسوية بين الأولاد في العطية، حتى لا تسود العداوة والبغضاء بين ذوي الأرحام، لأن الأقارب ينفس بعضهم على بعض أكثر ما ينفس بين الأعادي، لهذا وضعت المواريث من عند الله لكي لا يكون للإنسان تدخل فيها ضمانًا لإقامة العدل.

كما بين الشيخ أحمدالسنجق، الباحث بالجامع الأزهر، أن التشريع الإسلامي راعى أحوال المكلفين فإذا تماثلت أحولاهم ساوي بينهم وإذا اختلفت أحولاهم نجد أن التشريع يعدل بينهم، وهي مبلغ العدل لأن الحكمة الإلهية تقتضي أن يأخذ كل إنسان حقه، لهذا وصفت دولة الإسلام عبر تاريخها بأنها دولة العدل، لأنها طبقت منهج الإسلام في العدل في كل أمر من أمورها، ولا يمكن أن تضبط العلاقات الاجتماعية بين الناس بدون إعلاء قيم العدل والمساواة كما وضعها الإسلام.

يُذكر أن ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بهدف استعراض القضايا الفكرية التي تمس المجتمع، بهدف بيانها وتوضيح رأي الإسلام منها، للوقوف على الفهم الصحيح لهذه القضايا من وجهة نظر شرعية منضبطة.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: العدل العداوة الجامع الأزهر ملتقى الجامع الأزهر المزيد نائب رئیس جامعة الأزهر صلى الله علیه وسلم إقامة العدل أستاذ الفقه العدل فی کل هذه الإبل بین الناس فی کل شیء أن العدل النبی ﷺ ع د ل وا على أن

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة القاهرة يبحث تعزيز علاقات التعاون المشترك بين جامعتى القاهرة وشاندونغ الصينية.

استقبل الدكتور محمد سامي عبد الصادق رئيس جامعة القاهرة، السيد ليو واي مين نائب رئيس اتحاد العلوم الاجتماعية لمقاطعة شاندونغ الصينية، والوفد رفيع المستوي المرافق له، وذلك لبحث سبل تعزيز أوجه التعاون المشترك  في المجالات البحثية والأكاديمية بين جامعة القاهرة وجامعة شاندونغ.

حضر اللقاء، الدكتور محمود السعيد نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحوث، والدكتور الصاوي الصاوي أحمد منسق العلاقات الصينية المصرية، والدكتورة هايدي بيومي المشرف على مكتب العلاقات الدولية بجامعة القاهرة.

وتناول اللقاء، مناقشة سبل تعزيز التعاون المشترك بين جامعة القاهرة وجامعة شاندونغ، في تخصصات السياسة والإقتصاد والدراسات الاجتماعية، والحاسبات والذكاء الاصطناعي، والتاريخ، وإمكانية إنشاء مركز بحثي مشترك داخل جامعة القاهرة الأهلية بمدينة 6 أكتوبر.

وفي مستهل كلمته، رحب الدكتور محمد سامي عبد الصادق بوفد جامعة شاندونغ، مؤكدًا عمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تجمع بين مصر والصين، والتي شهدت تطورًا كبيرًا في مختلف المجالات، وذلك في اطار حرص القيادة السياسية في البلدين على تعزيز علاقات الشراكة والتعاون في مختلف المجالات، مؤكدًا حرص جامعة القاهرة على تعزيز التعاون مع الجامعات الصينية، ولافتًا إلى وجود علاقات تعاون ممتدة مع جامعات بكين وشنغهاي الدولية، ودار النشر التعليمية للشعب الصيني، وغيرها من الكيانات الكُبرى بالصين.

وقدم رئيس جامعة القاهرة، شرحًا تفصيليًا للوفد حول تاريخ جامعة القاهرة، وعدد كلياتها ومعاهدها التي تبلغ 26 كلية ومعهدا، مشيرا إلى أن الجامعة يدرس بها 250 ألف طالب، و32 ألف طالب وافد من 100 دولة علي مستوي العالم من بينهم عدد كبير من الطلاب  الصينيين الدارسين بالجامعة الأم وبالفرع الدولي بمدينة 6 أكتوبر، مضيفًا أن الجامعة بها أكثر من 140 مركزا بحثيا وخدميا في مختلف التخصصات لتقديم الخدمات المختلفة داخل مصر وخارجها، لافتًا إلى الدور المهم  لمعهد كونفوشيوس وجهوده في مجال تعليم اللغة الصينية وآدابها، وقسم اللغة الصينية بكلية الآداب.

ومن جانبه، عبر السيد ليو واي مين نائب رئيس اتحاد العلوم الاجتماعية لمقاطعة شاندونغ الصينية، عن سعادته لتواجده  داخل جامعة القاهرة العريقة، متطلعًا إلى توسيع نطاق التعاون المشترك مع جامعة القاهرة لتبادل الخبرات الأكاديمية والبحثية في مختلف التخصصات، مشيرًا إلي التعاون الوثيق بين جامعة شاندنغ والحكومة الصينية وامتلاك الجامعة عددا من المراكز البحثية المتخصصة تقدم خدماتها داخل الصين وخارجها، وأن جامعة شاندنغ تضم 150 كلية ومعهدا، مقدمًا الشكر للدكتور محمد سامي عبد الصادق لرعاية الجامعة للطلاب الصينين من جامعة شاندونغ الدارسين بجامعة القاهرة.

ووجه السيد ليو واي مين، الدعوة لرئيس جامعة القاهرة لزيارة جامعة شاندونغ للإطلاع على الحركة التعليمية والبحثية بداخلها.

وعلى هامش الزيارة، عقد الوفد، اجتماعًا موسعًا بمكتب الدكتور محمود السعيد نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحوث، وبحضور الدكتورة حنان محمد علي القائم بأعمال عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والدكتورة لبني فريد القائم بأعمال عميد كلية التجارة، ود.هناء فاروق وكيل كلية الإعلام لشئون التعليمى والطلاب، ود.شريف محمد عوض وكيل كلية الآداب للدراسات العليا والبحوث، وذلك لمناقشة  بعض مشروعات التعاون المقترحة خلال الفترة المقبلة.

مقالات مشابهة

  • انتهاء أزمة “وزارات” حركات “اتفاق جوبا”.. كيف تم ذلك؟
  • محمد فكري: لإندونيسيا مكانة خاصة لدى الأزهر على مر العصور
  • رئيس جامعة المنوفية بحث آليات التعاون المشترك مع الجامعات الصينية
  • العدل والمساواة: نؤكد أن تمسكنا باتفاق جوبا لسلام السودان هو تمسك كامل بمبادئه واستحقاقاته، بما في ذلك المواقع التنفيذية
  • العدل و المساواة: الحركة متمسكة باستحقاقات سلام جوبا ومواقعها التنفيذية في الحكومة
  • تمبور: هناك من يسرق لساننا لتصفية حسابات لا تخدم الأجندة الوطنية
  • هشام عبد العزيز: الإسلام رسالة أخلاق وأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس
  • السفير الفرنسي لشيخ الأزهر: نؤمن بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة
  • رئيس جامعة القاهرة يبحث تعزيز علاقات التعاون المشترك بين جامعتى القاهرة وشاندونغ الصينية.
  • تركيا: عبد الله أوجلان يطالب بلقاء رئيس حزب الشعب الجمهوري