د. أحمد التيجاني سيد أحمد

تناقلت الأسافير تهديدًا نُسب إلى بعض قيادات “تقدم”، مفاده أنهم يعتزمون فك الارتباط عن المجموعة التي قررت تشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع. إلا أن الخبر لم يحمل تفاصيل كافية، بل اكتفى بنشر صور بعض القيادات المعروفة للحركة مع النبأ المقتضب.

بطبيعة الحال، يمكن للأسافير أيضًا أن تنشر أخبارًا وصورًا لمختلف القيادات المكونة لـ”تقدم”، خاصة أولئك الذين ينادون بوقف الحرب وتأسيس حكومة سلام ووحدة، تسعى لنزع الشرعية عن سلطة الأمر الواقع القابعة في بورتسودان.

كما يمكن لهذه المنصات أن تجري مقارنات عددية وديموغرافية بين الفصيلين داخل “تقدم”، متناسية النقاشات والقرارات التي تمخض عنها الاجتماع التأسيسي الثاني للحركة، الذي عُقد في عنتيبي، أوغندا، في ديسمبر ٢٠٢٤، حيث تم الاتفاق على أن تُحسم مثل هذه القضايا الأساسية بالتوافق.

لم يكن لهذا الاجتماع التأسيسي الثاني أن يُقر مبدأ التوافق إلا لضمان وحدة “تقدم” ومنع أي محاولات للانقسام، ناهيك عن منح أي طرف حق إصدار “ورقة انفصال” أو “طلاق سياسي” للأطراف الأخرى.

**تقدم: التعددية والوحدة رغم الاختلاف**

عند التأمل في المشهد العام لـ”تقدم”، نجد أنها تمثل طيفًا سودانيًا متنوعًا، يسعى أصحابه إلى وحدة المصير رغم الاختلافات، ويتبنون نهجًا سلميًا لمعالجة التباينات في الرأي والمنهج.

كذلك، لا يغيب إلا على مغرض أو من هم في غيبوبة سياسية، أن دعاة الحكومة الشرعية يسعون إلى طرح بديل حقيقي لحكومة الانقلاب الكيزانية، التي ارتكبت الفظائع ضد المدنيين، من قتل الأطفال واغتصاب النساء إلى بقر بطون الحوامل، وحمل الرؤوس المقطوعة على فوهات البنادق. ولا يغيب على عاقل أو حادب أن دعاة حكومة السلام يرون أن الحل الوحيد للحفاظ على وحدة السودان يكمن في إعلان حكومة شرعية في المناطق التي يمكن لثمانية عشر مليون لاجئ ونازح العودة إليها، تحت حماية إقليمية ودولية.
• *إن حكومة كهذه لن تُقدِم على تغيير العملة لإرهاق سكان ١٢ أو ١٣ ولاية سودانيةودفعهم إلى الهجرة القسرية.
• *ولن تمنع طلاب السودان من أداء امتحانات الشهادة الثانوية.
• *ولن تلغي جوازات سفر الغالبية العظمى من المواطنين.

بل سيكون هدفها إعادة بناء البنية الاقتصادية والصناعية التي دمّرها سلاح الجو التابع للفلول، مستعينًا بسلاح الجو المصري. كما ستركز على إعادة إعمار الجسور والمستشفيات والجامعات التي استهدفتها الغارات الجوية، في محاولة لتحقيق حلم **دولة البحر والنهر**الانفصالية، أو إعادة إحياء مشروع **دولة وادي النيل**الاستعمارية، التي تسعى إلى ضم السودان تحت النفوذ الاستعماري المصري من جديد.

ولكن، هل يمكن تحقيق هذا المشروع دون إرادة السودانيين؟ وهل يمكن فرض واقع سياسي جديد دون توافق القوى الفاعلة في البلاد؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي تتجاهله بعض الأطراف المتحمسة لحلول غير واقعية، تتجاهل تعقيدات المشهد السوداني.

**بين التوافق والانقسام: المسار المستقبلي لـ”تقدم”**

إن جوهر الصراع داخل “تقدم” ليس مجرد انقسام بين تيارين، بل هو صراع بين رؤيتين:
• *رؤية تدعو إلى الحل السياسي السلمي، عبر إعادة بناء السودان وفق مشروع وطنيشامل يستند إلى التعددية والعدالة والتوزيع العادل للسلطة والثروة.
• *ورؤية أخرى تميل إلى الاصطفاف مع الأمر الواقع، إما بالانخراط في مشاريعسلطوية لا تعكس الإرادة الشعبية، أو بالانسياق وراء خطابات العنف والتقسيم، أوعبر تحقيق الرؤية الكيزانية التمكينية التي ترى السودان ليس وطناً لكلالسودانيين، بل ملكية خاصة للإسلاميين، حيثما كانوا.

لقد أكّد الاجتماع التأسيسي الثاني في عنتيبي أن “تقدم” ليست مجرد تحالف عابر، بل مشروع وطني يسعى إلى توحيد القوى الديمقراطية والمدنية خلف رؤية واضحة لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة. ومن هنا، فإن أي محاولات لإحداث انقسام داخلي أو فرض خيارات غير توافقية لن تؤدي إلا إلى إضعاف المشروع الوطني برمته.

**تحديات المرحلة المقبلة**

إن المشهد السوداني اليوم يواجه تحديات كبرى، تتطلب رؤية واضحة لمواجهتها، وأبرز هذه التحديات:

١- استمرار الحرب وآثارها المدمرة، حيث تسببت الصراعات المسلحة في تهجير الملايين وتدمير المدن والبنية التحتية.
٢- غياب سلطة مركزية شرعية، مما يفتح المجال أمام التدخلات الخارجية والمشاريع التي تسعى إلى إعادة رسم خريطة السودان وفق مصالح إقليمية ودولية.
٣- الانقسامات داخل القوى المدنية والمقاومة، مما يُضعف قدرتها على تشكيل بديل حقيقي يحظى بقبول محلي ودولي.
٤- التدخلات الأجنبية، التي تسعى إلى فرض حلول قد لا تتناسب مع طبيعة المجتمع السوداني وطموحات شعبه.

**ما العمل؟**

لمواجهة هذه التحديات، تحتاج القوى المدنية الديمقراطية داخل “تقدم” وخارجها إلى:
• *التمسك بوحدة الصف، وعدم السماح بأي محاولات لتمزيق الصفوف لصالحأجندات خارجية أو شخصية.
• *العمل على مشروع “الجمهورية الثانية”، كبديل لدولة ١٩٥٦، وهو مشروع وطنيشامل يعكس تطلعات السودانيين في إقامة دولة ديمقراطية عادلة، دون استثناءأو إقصاء؛ دولة قادرة على معالجة جراح التهميش والصراعات التي طغت علىسياسات البلاد منذ الاستقلال.
• *التواصل مع القوى الإقليمية والدولية، لتوضيح أن أي حل لا يأخذ في الاعتبارمصالح الشعب السوداني الحقيقية لن يكون قابلًا للاستمرار.
• *رفض أي تدخلات تهدف إلى فرض وصاية خارجية، سواء عبر دعم طرف معين فيالصراع، أو عبر مشاريع سياسية واستعمارية لا تحترم إرادة الشعوب السودانية.

**الخاتمة**

إن “تقدم”، بمختلف أطيافها، أمام مفترق طرق حاسم: إما أن تكون قوة موحدة تسعى إلى إعادة بناء السودان على أسس سليمة، أو أن تنجرّ إلى صراعات داخلية تُضعف موقفها وتمنح الفرصة لقوى الثورة المضادة لترسيخ سيطرتها.

المعركة اليوم ليست فقط حول تشكيل حكومة هنا أو هناك، بل هي معركة من أجل مستقبل السودان كدولة موحدة، ديمقراطية، ومستقلة عن أي نفوذ خارجي.

التاريخ لن يرحم أولئك الذين يضعون المصالح الضيقة فوق المصالح الوطنية، ولن يغفر لأولئك الذين يسعون إلى تقسيم السودان أو رهن قراره للخارج. الخيار الآن في يد السودانيين: إما السير في طريق الوحدة والسلام، أو الاستمرار في دوامة الانقسام والصراع.

نواصل

د. أحمد التيجاني سيد أحمد
٢٩ يناير ٢٠٢٥ - روما، إيطاليا

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إعادة بناء تسعى إلى

إقرأ أيضاً:

“إخلاء الوحدة وردّها إلى المالك”.. مصر.. إقرار تعديل قانون الإيجار القديم بشكل نهائي

أقر مجلس النواب المصري، يوم الأربعاء، بشكل نهائي مشروع تعديل قانون الإيجار القديم، في خطوة تهدف إلى تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وتحقيق توازن أكثر عدالة في سوق العقارات، مع الحفاظ على البُعد الاجتماعي والإنساني.

فترة انتقالية للإخلاء

وفقًا للتعديلات الجديدة، تُمنح فترة انتقالية قبل إنهاء عقود الإيجار القديمة، تمتد إلى 7 سنوات للوحدات السكنية، و5 سنوات للوحدات غير السكنية المؤجرة لأشخاص طبيعيين.

وبعد انتهاء هذه الفترة، يُلزم المستأجر بإخلاء الوحدة وردّها إلى المالك، وتُلغى القوانين السابقة المنظمة للإيجار القديم، لتُطبَّق بعد ذلك أحكام القانون المدني على جميع العقود الجديدة، حسب ما يتفق عليه الطرفان.

زيادات كبيرة في القيمة الإيجارية

تضمنت التعديلات وفقاً لوسائل إعلام مصرية إعادة تقييم القيمة الإيجارية على النحو التالي:
في المناطق المتميزة: ترتفع القيمة إلى 20 ضعف الإيجار الحالي، بحد أدنى 1000 جنيه شهريًا.

في المناطق المتوسطة: تزداد إلى 10 أضعاف، بحد أدنى 400 جنيه.

في المناطق الاقتصادية: 10 أضعاف أيضاً، وبحد أدنى 250 جنيهاً.

أما الوحدات المؤجرة لأغراض غير سكنية، فتُرفع إلى 5 أضعاف القيمة الحالية.

زيادة سنوية خلال الفترة الانتقالية

نص القانون على تطبيق زيادة سنوية دورية بنسبة 15% على القيمة الإيجارية خلال فترة الانتقال، لضمان التدرج في الوصول إلى القيمة العادلة دون إلحاق الضرر المفاجئ بالمستأجرين.

توازن بين الملكية والعدالة الاجتماعية

تهدف الحكومة من خلال هذه التعديلات إلى إحداث توازن حقيقي بين حق المالك في الانتفاع بعقاره، وحق المستأجر في السكن اللائق، بما يتماشى مع مبادئ العدالة الاجتماعية، وضمن إطار قانوني واضح يحفظ حقوق الجميع.

صحيفة الخليج

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • “حميدتي” يستقل طائرة شركة خاصة مقرها في دبي
  • “إخلاء الوحدة وردّها إلى المالك”.. مصر.. إقرار تعديل قانون الإيجار القديم بشكل نهائي
  • “الدفاع المدني” تعثر على مواد خطرة في الخرطوم
  • “درع السودان”: حكومة “تأسيس” انفصال مسلح في أراضٍ مغتصبة ولا علاقة له بالديمقراطية
  • تحذير من “كارثة لا يمكن تداركها” في غزة وألبانيزي تدعو لمعاقبة إسرائيل
  • محطات مياه في الخرطوم “خارج الخدمة”.. لكن البشريات قادمة
  • عاصمتها نيالا.. الشروع فعليا في إنشاء “حكومة موازية” غربي السودان
  • سوريا: الحديث عن سلام مع الاحتلال “سابق لأوانه”
  • “السريعة” يعقد اجتماعه الثاني مع ضباط جهاز الشرطة القضائية
  • “الخارجية”: المملكة تدين التصريحات الإسرائيلية التي تدعو لفرض السيادة على أراضي الضفة الغربية