تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في قلب معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يلتقي الفكر بالحوار، شهد الصالون الثقافي ندوة متميزة تناولت العلاقات الثقافية بين مصر وتونس والسعودية، وهي علاقات تمتد لعقود طويلة، قائمة على تبادل الفكر والفن والأدب. لم تكن هذه الروابط وليدة اللحظة، بل هي امتداد لتاريخ حافل من التفاعل الثقافي الذي شكّل الهوية العربية ورسّخ الوعي المشترك بين شعوب المنطقة.


مصر، التي طالما كانت منارة للفكر والإبداع، لم تبخل يوماً بعطائها الثقافي، فامتدت تأثيراتها إلى تونس والمملكة العربية السعودية،في حين أثرى المبدعون التونسيون والسعوديون المشهد الثقافي العربي بإسهاماتهم المتنوعة.

وفي ظل هذا التداخل العميق، تأتي فعاليات مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب لتعزز هذا التقارب، من خلال ندوات وحوارات تجمع المفكرين والمثقفين من مختلف البلدان.

بدأت الجلسة بمداخلة الدكتورة فاطمة الأخضر، الأستاذة الجامعية بكلية الآداب في تونس، التي استعرضت التأثير اللغوي والثقافي العربي في تونس.

وأوضحت أن القيروان، تلك المدينة العريقة، لم تكن مجرد عاصمة سياسية، بل كانت منارة علمية وثقافية، نافست بغداد والبصرة في ازدهارها خلال القرن العاشر الميلادي، وجذبت طلاب العلم من مختلف بقاع العالم لدراسة الطب، الفلك، والعلوم الإنسانية.

لم تقتصر مساهمات تونس على حدودها، بل امتدت إلى مصر والمغرب، حيث انتقلت كتب "بيت الحكمة" إلى القاهرة في العصر الفاطمي، كما ساهمت جامعة القرويين في فاس، التي أسستها القيروانية فاطمة الفهرية، في تعزيز النهضة العلمية في المغرب العربي.

وتطرقت الدكتورة فاطمة إلى أسماء بارزة من الفلاسفة والعلماء الذين خرجوا من القيروان، مؤكدة أن تونس لم تكن فقط مركزًا ثقافيًا، بل محطة رئيسية في نقل العلوم والمعارف إلى بقية أنحاء العالم الإسلامي.

من تونس إلى السعودية، حيث سلطت الدكتورة آمنة بوخمسين، مديرة المعهد العالي "يعقلون"، الضوء على التحولات الثقافية التي شهدتها المملكة. 

وأوضحت أن الثقافة السعودية لم تكن وليدة اليوم، بل تمتد جذورها إلى آلاف السنين، إذ كانت المملكة مهدًا لكبار العلماء والمفكرين منذ العصور الإسلامية المبكرة.

لكن المشهد الثقافي في السعودية شهد قفزة نوعية في العصر الحديث، مع إطلاق مشاريع ضخمة لدعم الفنون، الفلسفة، والموسيقى.

 وأشارت الدكتورة آمنة إلى معهدها "يعقلون"، الذي يُعد أول مؤسسة سعودية متخصصة في تدريس الفلسفة والموسيقى والفنون، كدليل على التوجه الجديد الذي تتبناه المملكة نحو الثقافة والفكر الحر.
تطرقت أيضًا إلى المجالس الثقافية في الأحساء، التي ظلت لسنوات طويلة منابر للحوار والتبادل الثقافي، مؤكدة أن السعودية تشهد نهضة ثقافية غير مسبوقة، تتجلى في مشاريع مثل رؤية 2030، التي تسعى إلى تعزيز الفنون والآداب وحفظ التراث الوطني.

وخلال النقاش، طرح الناقد د. حسام نايل تساؤلًا حول دور التيار النسوي في الثقافة السعودية، لتوضح الدكتورة آمنة أن الحركات النسوية نشأت في بدايتها للمطالبة بحقوق لم تكن متاحة، لكن اليوم، بعد حصول المرأة السعودية على كافة حقوقها، أصبح مفهوم النسوية بحاجة إلى إعادة تعريف، مؤكدة أنه لا يوجد فرق جوهري بين الأدب الذي يكتبه الرجال أو النساء، فالمهم هو قيمة النص وليس جنس كاتبه.

أما المؤرخ السعودي الدكتور منصور الدعجاني، عضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، فقد تناول الجذور الثقافية للمملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن الخط العربي نشأ في المدينة المنورة تحت اسم "الخط المدني"، قبل أن يتطور لاحقًا إلى "الخط الكوفي" في العصر العباسي.
كما تحدث عن الرحلات العلمية من بلاد المغرب العربي، وتحديدًا تونس، التي ساهمت في تعزيز التبادل الثقافي بين المشرق والمغرب، مؤكدًا أن السعودية لم تكتفِ بالحفاظ على تراثها، بل تسعى اليوم لتوثيقه عالميًا. وأشار إلى أن وزارة الثقافة السعودية، التي تأسست عام 2018، أطلقت خططًا طموحة لتسجيل 9000 موقع تراثي ضمن هيئة التراث الوطنية، مما يعكس التزام المملكة بالحفاظ على هويتها الثقافية.

اختتمت الندوة بتأكيد المشاركين على أن التواصل الثقافي بين الدول العربية، ولا سيما بين تونس والسعودية، يمثل نموذجًا حقيقيًا لقدرة الثقافة على توحيد الشعوب. فالثقافة ليست مجرد كتب ومؤلفات، بل هي جسور تمتد عبر الزمن، تعبر الحدود الجغرافية، وتخلق فضاءً مشتركًا للحوار والإبداع.

وسط عالم سريع التغير، تبقى الثقافة العربية بمختلف تنوعاتها قادرة على مد الجسور بين الشعوب، ومثل هذه الندوات ليست إلا خطوة جديدة نحو مستقبل أكثر إشراقًا للحوار الثقافي العربي.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: معرض القاهرة الدول للكتاب العلاقات الثقافية مصر وتونس والسعودية اقرأ فى البدء كان الكلمة لم تکن

إقرأ أيضاً:

بن دودة تبحث مع السفير الفنزويلي تعزيز العلاقات الثقافية

استقبلت وزيرة الثقافة والفنون، مليكة بن دودة، اليوم بمقر الوزارة، سعادة سفير جمهورية فنزويلا البوليفارية لدى الجزائر، عماد صعب، في لقاء خصِّص لبحث سبل تعزيز العلاقات الثقافية وتوسيع آفاق التعاون الثنائي بين البلدين.

وخلال هذا اللقاء الودي والبَنّاء، استعرض الجانبان عمق الروابط التاريخية والصداقة التي تجمع الجزائر وفنزويلا. مؤكدَيْن حرصهما المشترك على الارتقاء بالشراكة الثقافية بما يخدم تبادل الخبرات وترقية الإبداع في مختلف المجالات.

وقد شكّل فن الموسيقى محورًا رئيسيًا للمباحثات، لا سيما الموسيقى السمفونية، إذ عبّرت الوزيرة عن استعداد الجزائر لتعميق التعاون في هذا المجال من خلال مشاركة التجربة الفنزويلية. وتبادل الفرق الموسيقية، وتنظيم ورشات تكوينية مشتركة، وترقية المبادرات الموجهة للموسيقيين المحترفين والهواة.

ومن جهته، ثمّن سعادة السفير الديناميكية الثقافية التي تشهدها الجزائر، معبّرًا عن استعداد بلاده للمشاركة بخبراتها وتجاربها في تنمية هذا اللون الفني الغني والمتنوع. وتعزيز الحوار الثقافي بين الشعبين الصديقين عبر مبادرات مشتركة وبرامج تعاون مستدامة.

وفي ختام اللقاء، أكّد الطرفان عزمهما على مواصلة العمل المشترك وتفعيل البرامج الثقافية الثنائية بما يعكس طموحات البلدين ورغبتهما في تعزيز جسور التبادل الثقافي والفني.

مقالات مشابهة

  • العدد الـ13 من "مجلة الثقافة" يسلط الضوء على التنمية الإنسانية المستدامة
  • النادي الثقافي يطلق برنامج المنصّات الثقافية” في إبراء
  • انطلاق الدورة الثانية للمهرجان الثقافي الدولي لمسرح الصحراء في الجزائر
  • أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا
  • بن دودة تبحث مع السفير الفنزويلي تعزيز العلاقات الثقافية
  • برلماني: توظيف التكنولوجيا في الثقافة خطوة ذكية لتعزيز السياحة الثقافية
  • المبادرات الثقافية.. الأدوار والأنشطة المرجوة
  • كأس العرب 2025.. ملخص وأهداف مباراة سوريا وتونس
  • إعلام عالمي يسلط الضوء على نجاح المسيرة “قزل ألما” في إصابة هدف جوي
  • هيئة الكتاب تصدر الشكل والوظيفة في أدب الأطفال العربي المعاصر