كان حاضراً في وصية الباقر العفيف الأخيرة … علم السودان بين التاريخ و السياسة متى أوان «التغيير» ؟
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
لقد ظل العلم السوداني القديم شاهدا على مرحلة الاستقلال و بناء الدولة الوطنية حيث حمل رمزية تعكس تنوع البلاد و وحدتها بعيدا عن الإقصاء، و اليوم تعود الدعوات لإعادة النظر في رمزية العلم الوطني مع مقترحات تستلهم قيم الوحدة و التاريخ، و كان قد دعى دكتور الباقر العفيف قبيل وفاته في وصية له لإعادة تبني العلم القديم و إضافة رمزية جديدة تعكس نضالات الشعب السوداني .
التغيير – فتح الرحمن حمودة
و على خلفية دعوة العفيف في وصيته أجرت «التغيير» استطلاع أوساط المثقفين و المهتمين من الشباب السودانيين بالهوية الوطنية حيث تباينت وجهات نظرهم حول مدى تعبيره عن التنوع الثقافي و الجغرافي للبلاد و في هذا السياق قدم الكثير منهم أراء حول رمزية العلم الحالي مقارنة بعلم الإستقلال .
و يقول موسى أدريس في حديثه لــ «التغيير» أن علم السودان القديم يشكل جزءا من الذاكرة الجغرافية و التعددية الثقافية في البلاد حيث تعكس رموزه الثلاثة بيئة السودان و تنوعه الجغرافي مؤكدا أن هذا العلم يمثل الأساس الذي يربط وجدان السودانيين مشيرا إلى أن ثورة ديسمبر أعادت إحياءه ما جعله حاضرا في وعي الأجيال الجديدة .
ويضيف إدريس أن علم الاستقلال ينبغي أن يكون العلم الرسمي للبلاد فهو رمز قوي يعالج إشكاليات الهوية كما أشار الباقر إلى جانب أنه يحمل دلالات تتجاوز التصورات الأيديولوجية الأحادية و قال “حتى النشيد الوطني برأيي يحتاج إلى تحديث يعكس قيم الحرية و السلام و العدالة بما يساهم في خلق وعي جديد يتجاوز خطاب العنف و الإقصاء”.
و كان قد أنتقد الراحل الباقر العفيف العلم الحالي معتبرا أنه يعكس فقط هوية الطبقة الحاكمة و لا يمثل التنوع الثقافي الغني للسودانيين وإن هذا الإقصاء الرمزي بحسب وجهة نظره يعكس نوايا سياسية و ثقافية تقود إلى تمزيق النسيج الوطني
و قال عبدالرحمن برومو إن اختيار ألوان العلم الحالي كان محاولة للتأسي بالأعلام العربية ما جعله جزءا من سياق سياسي مرتبط بإنضمام البلاد لجامعة الدول العربية و أضاف “إن إرتباط السودانيين بالعلم الحالي كان نتيجة لفرض واقع حيث قامت الحكومة بتغييره فأصبح مع مرور الزمن العلم الرسمي للبلاد سواء شئنا أم أبينا”.
إلا أن الشاب محمد لوكا ينظر إلى أن ارتباط السودانيين بالعلم الحالي ضعيف لأنه يمثل فترة سياسية محددة و لا يعبر عن الجميع و يوضح لـ «التغيير» أن علم الإستقلال يحمل قيمة رمزية أكبر فهو يرمز للوحدة و النضال ضد الإستعمار و المطالبة بالعودة إليه نابعة عن الرغبة في إستعادة رمز يجسد السودان بعيدا عن تأثير الحكومات المتعاقبة.
بينما يرى عبدالله بشير لـ «التغيير»” إن العلم الحالي لا يعكس التنوع الكبير في السودان بل يميل إلى الهوية الإسلاموعروبية و مع ذلك يشير بشير إلى أنه ارتبط وجدانيا بالسودانيين نتيجة التأثير الأيديولوجي و استمراره لأكثر من خمسة عقود .
و يضيف بأن علم الاستقلال يحمل رمزية أقوى فهو يعكس طبيعة السودان الكلية بخضرته و نيله و صحاريه كما أتفق مع مقترح د. الباقر بإضافة ثلاثة نجمات للعلم لترمز للبعد السياسي و المنجز الإنساني في البلاد .
و كان قد دعي الباقر للعودة إلى العلم القديم مع إضافة رمزية جديدة تبرز انجازات الشعب السوداني مقترحا وضع ثلاثة نجمات على العلم ترمز للثورات الكبرى التي قادها السودانييون عبر تاريخيهم الحديث و بهذه الإضافة يرى أنه يمكن تحقيق توازن بين البعد الجغرافي و البعد البشري ما يعكس الهوية الوطنية السودانية بصورة أوسع و أكثر شمولاً.
و يقول محمد خليل أن دعوة العفيف لطرح نقاش حول علم البلاد لفتت الانتباه إلى قضايا القومية و الهوية الوطنية و هي قضايا مفقودة فعليا و يوضح لـ «التغيير» أن العلم الحالي بالنسبة له و للكثير من السودانيين لا يحمل دلالة وجدانية حقيقية فقد اختير في سياق سياسي مرتبط بمصالح الرئيس الأسبق جعفر نميري و علاقته بجامعة الدول العربية و ليس كمحاولة لتوحيد السودانيين.
وتابع خليل “عكس العلم الحالي فإن علم الاستقلال يعكس هوية السودان الأفريقية و تاريخه النضالي و كان نموذجا ألهم تصميم أعلام العديد من الدول الأفريقية و قد تكون الحرب الحالية فرصة على الأقل لاستعادة العلم القديم كرمز مشترك يعبر عن التوجهات المختلفة .
و ينظر مصطفي سعيد إلى أن جميع الرموز الوطنية في البلاد بما فيها العلم تتأثر بالواقع السياسي و الاجتماعي و يوضح أن العلم القديم يستند إلى دلالات مرتبطة بالموارد الطبيعية مثل الماء و الأرض كما يمكن ربطه بمدرسة الغابة و الصحراء التي تعكس التنوع الجغرافي و الثقافي في البلاد .
ونوه سعيد إلى أن مسألة الهوية الوطنية كانت و لا تزال إشكالية في السودان حيث تتغيير رموز الدولة وفقاً للسلطة الحاكمة و يوضح أن العلم الحالي جاء في سياق سياسي مرتبط بالوحدة العربية لكنه يحمل دلالات معنوية عميقة و مع ذلك فأن العلم القديم يظل رمزاً للتحرر من الاستعمار ما يجعله راسخا في الذاكرة الجمعية .
و جاءت وصية د. الباقر العفيف بمثابة إضاءة عميقة على رمزية علم البلاد القديم الذي يراه بأنه يعكس الوحدة الوطنية و الهوية الجامعة للسودانيين بعيدا عن الأقصاء أو التميز ما جعله يكتب في وصيته الأخيرة رغبته في أن يلف نعشه بالعلم القديم لكونه رمزاً يمثل كافة السودانيين بثقافتهم المتنوعة .
و يعود علم السودان القديم إلى الفترة التي شهدت فيها البلاد استقلالها من الاستعمار البريطاني المصري في عام 1956 و في تلك الفترة كان اختيار العلم الوطني للبلاد بمثابة إعلان الهوية الوطنية و تجسيدا لوحدة الشعب السوداني الذي كان يتطلع إلى بناء دولته المستقلة .
و كان العلم القديم يتألف من ثلاثة ألوان مرتبة في ثلاثة أشرطة أفقية متساوية الحجم فالأزرق يمثل مياه النيل شريان الحياة الذي يمر عبر السودان و يربط جميع مناطقه، و اللون الأصفر الذي يرمز إلى الصحراء السودانية التي تغطي جزاءً كبيراً من من مساحة البلاد، و الأخضر الذي يعكس الزراعة و الخضرة التي تشكل مصدراً رئيسياً للاقتصاد السوداني.
و كان العلم القديم رمزاً لوحدة الأمة في وقت كانت فيه البلاد تعيش مرحلة انتقالية حساسة من الهيمنة الاستعمارية إلى السيادة الوطنية حتى مثل العلم تطلعات السودانيين نحو الإستقلال و النهوض ببلدهم رغم التحديات .
و في عام 1970 تم استبدال العلم القديم بالعلم الحالي الذي أقر بعد ثورة مايو حيث يتميز العلم الجديد بتصميم يعكس ايديولوجيات تلك المرحلة إذ يضم الألوان العربية ” الأحمر الأبيض الأسود و الأخضر و التي تمثل التضامن مع العالم العربي و الهوية القومية و على الرغم من مرور الزمن يظل العلم القديم جزاءً من الذاكرة الوطنية و يرمز إلى حقبة تاريخية مهمة في بناء الدولة السودانية الحديثة .
الوسومالقديم تغيير علم السودان نميري
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: القديم تغيير علم السودان نميري
إقرأ أيضاً:
العلم يوضح كيفية هبوط القطط دائما على أقدامها
من أكثر المشاهد إذهالا في عالم الحيوان ومن أكثرها إثارة لفضول العلماء رؤية قطة تسقط من ارتفاع ثم تقوم بالتواء سريع في الهواء وتهبط على أقدامها وكأنها تتحدى قوانين الفيزياء.
هذه القدرة العجيبة ليست خرافة، وليست مجرد حظ، بل هي نتاج عملية عصبية وميكانيكية دقيقة تُعرف باسم "منعكس تعديل وضعية الجسم"، وهو قدرة فطرية تمتلكها القطط لتعديل وضعية أجسامها أثناء السقوط، بحيث تهبط على أقدامها بأمان.
ويظهر هذا المنعكس لدى الهررة الصغيرة في عمر 3 إلى 4 أسابيع، ويكتمل تماما في عمر 6 إلى 7 أسابيع، واللافت أن هذه القدرة لا تعتمد على الرؤية، إذ أظهرت الدراسات أن القطط العمياء تطور المنعكس ذاته، مما يشير إلى أنه مبرمج عصبيا في الجسم.
وفي جوهره، يعتمد هذا المنعكس على تناغم مذهل بين حاسة التوازن (الجهاز الدهليزي) ومرونة العمود الفقري والسيطرة العضلية الدقيقة، مما يسمح للقط بأن يدور في الهواء دون أن يخالف قانون حفظ الزخم الزاوي.
ولكن كيف يحدث هذا الأمر؟ أولا: عندما تبدأ القطة في السقوط يلتقط جهاز التوازن في أذنها الداخلية اتجاه الجاذبية، وهنا يعرف الجهاز العصبي تلقائيا نقطة مرجعية يتوجه إليها.
والجهاز الدهليزي عبارة عن قنوات مليئة بالسوائل وشعيرات حسية تستشعر الحركة والاتجاه، وترسل هذه الإشارات إلى الدماغ الذي يصدر أوامر للعضلات لتعديل الوضعية فورا حتى بدون الرؤية، وفي الواقع فإن هذه تعد حاسة معادلة للرؤية بشكل أو بآخر.
ثانيا: بعد ذلك تلتف القطة برأسها نحو الأرض، ثم تنثني عند الخصر ويدور النصف الأمامي من جسدها بشكل مستقل، أما النصف الخلفي فيدور في الاتجاه المعاكس، للحفاظ على الزخم العام ثابتا.
وفي هذه الحالة فإن القطة تثني أرجلها الأمامية لتجعل النصف الأمامي أخف وأسهل في الدوران، وتقوم في نفس الوقت بمد أرجلها الخلفية لزيادة وزن الجزء الخلفي (عزم القصور الذاتي).
إعلانوبهذه الطريقة يستطيع النصف الأمامي أن يدور مثلا 90 درجة، في حين لا يحتاج النصف الخلفي سوى إلى دوران بسيط في الاتجاه المعاكس (مثلا 10 درجات)، مما يحافظ على التوازن الكلي للحركة.
وتتمتع القطط بعمود فقري شديد المرونة يتكون من نحو 53 فقرة (مقارنة بـ33 عند البشر)، وهذا يسمح لها بالانثناء عند الخصر والتواء الجزأين الأمامي والخلفي بشكل منفصل، كما يساعدها الجلد الرخو والوزن الخفيف على الحركة السلسة، ويمنحها القدرة على امتصاص الصدمة عند الهبوط.
ثالثا: بعد ذلك تمد القطة أطرافها الأربعة قبل الهبوط لزيادة مقاومة الهواء وتقليل الصدمة عند النزول.
وتصل القطة أثناء السقوط إلى سرعة نهائية تبلغ نحو 96 كيلومترا في الساعة، وهي سرعة أقل من البشر بسبب وزنها الخفيف وبنيتها الديناميكية الهوائية.
وفي عام 1969 حلل عالمان من جامعة ستانفورد هذه الظاهرة باستخدام نماذج رياضية وتصوير عالي السرعة، وخلصت دراستهما -التي جاءت تحت عنوان "تفسير ديناميكي لظاهرة سقوط القطة"- إلى أن القطط تدور بشكل لا ينتهك قوانين الفيزياء بفضل تقسيم أجسامها وتحكمها الدقيق بها.
في 300 ملي ثانيةكان العالم الفرنسي إتيان-جول ماري من أوائل من وثقوا هذه الظاهرة باستخدام التصوير الفوتوغرافي المتتابع في أواخر القرن الـ19، حيث التقط صورا لقطة تسقط من ارتفاع، وبيّنت الصور كيف تدور القطة وتستقيم وتهبط بأقدامها، مما أثار اهتمام الأوساط العلمية.
ولاحقا، أجرت وكالة ناسا وعدد من الجامعات البيطرية دراسات أكثر تقدما باستخدام كاميرات فائقة السرعة، ووجدوا أن كل عملية الالتفاف تحدث خلال 300 ملي ثانية فقط، وهو ما يساوي أقل من ثلث ثانية.
وفي دراسة مشهورة نُشرت عام 1987 في دورية "جورنال أوف أميركان فيريناري ميدسن أسوسيشن" تم تحليل 132 حالة سقوط لقطط من مبانٍ عالية في نيويورك، والمفاجأة كانت أن القطط التي سقطت من ارتفاعات أعلى من 7 طوابق عانت إصابات أقل من تلك التي سقطت من ارتفاعات متوسطة.
والسبب في ذلك أنه بعد وصول القطة إلى السرعة النهائية يبدو أنها ترخي عضلاتها وتفرد جسمها لتوزيع الصدمة على مساحة أكبر كما لو كانت تنزلق في الهواء، وسُميت هذه الظاهرة أحيانا "متلازمة القطة الطائرة".
وفي الواقع، بينما تملك بعض الحيوانات مثل السناجب أو بعض الزواحف قدرة محدودة على التوازن في الهواء فإن القطط لا مثيل لها من حيث الدقة والفعالية، فالكلاب مثلا لا تملك هذا المنعكس، وتتعرض لإصابات خطيرة عند السقوط.
لم تتوقف أهمية منعكس تعديل وضع الجسم لدى القطط عند حدود علم الأحياء أو الطب البيطري، بل امتدت لتلهم مجالات متنوعة مثل الهندسة والفضاء والروبوتات، فعلى سبيل المثال استفاد مهندسو الروبوتات من فهم آلية التواء القطة في الهواء لتطوير روبوتات قادرة على استعادة توازنها أثناء السقوط أو فقدان الاستقرار.
ومن خلال محاكاة حركة العمود الفقري للقط صمّم الباحثون أنظمة تسمح للروبوت بتقسيم جسمه إلى أقسام أمامية وخلفية تدور بشكل منفصل للمساعدة على تصحيح الوضعية في الجو، تماما كما تفعل القطة.
إعلانوفي مجال رحلات الفضاء، درس العلماء كيف تتفاعل القطة مع تغير الاتجاه أثناء السقوط، رغم أن هذا المنعكس لا يعمل في بيئة انعدام الجاذبية.
هذه الأبحاث ألهمت تطوير برامج تدريب رواد الفضاء على الإدراك الجسدي والتوازن في الفضاء، حيث لا توجد "أعلى" أو "أسفل" كما نعرفهما على الأرض، وقد استعانوا بنماذج حركية مستوحاة من القطط لتعليم الرواد كيفية استخدام أجسامهم لتوجيه أنفسهم في الفضاء الضيق داخل المحطات الفضائية.
كما ساهمت دراسة ردود فعل القطط في تغذية خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تتحكم في المسيّرات، إذ تساعد النماذج المستوحاة من القطة في التعامل مع الحركات غير المتوقعة، مثل السقوط المفاجئ أو فقدان التوازن عبر اتخاذ قرارات لحظية تعيد التوازن بدقة عالية.