مكتبة المسجد الأقصى.. كنوز علمية تروي تاريخ الأمة
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
خزانة (أو مكتبة) المسجد الأقصى في القدس من خزائن الكتب العامة في فلسطين، وتبين فهرستها أنها تحوي كتبا دينية مخطوطة كالمصاحف والربعات، وكتبا أخرى أكثرها في العصرين المملوكي والعثماني.
وفي الخزانة أيضا كتب متفرقة في الأدب والفقه على المذاهب الأربعة والتفسير والحديث.
وكان المسجد الأقصى منذ بنائه مؤسّسة ثقافيّة علميّة يقصدها آلاف الطلبة من مختلف البلاد الإسلاميّة طلبا للعلوم، وتحديدا الدينية واللغوية، يدرسونها على علماء اتّخذوا من ساحاته ومصاطبه منابر لنشر علمهم.
تقع مكتبة المسجد الأقصى في الجزء الغربي منه بجانب المسجد القبلي بين المصلى القبلي والمتحف الإسلامي.
تاريخ مكتبة الأقصىتعود نشأة مكتبة المسجد الأقصى إلى العصر الأيوبي، وقد مرّت عبر تاريخها الحافل بمراحل بمختلفة اتخذت فيها عدة تسميات، ومنها:
أولا: خزانة المسجد الأقصى الشريف المبارككانت للمسجد الأقصى المبارك خزانة تحفظ فيها المخطوطات منذ العهد الأموي، ومن المرجّح أنها تطورت وتوسعت في زمن العباسيين الذين عُرف عنهم إنشاء المكتبات، مع ما تميزوا به من استيراد صناعة الورق وتطويرها، حتى ازدهرت صناعة الكتب في زمانهم ازدهارا مذهلا.
وبعدما اكتظت خزانة قُبَّة الصَّخرة المُشرَّفة بالمصاحف والكتب برزت الحاجة إلى مسؤول يتولَّى أمرها، فأصبح قاضي القدس يعيِّن أمينًا على الخزانة، بهدف الحفاظ على سلامة كتبها والإشراف على ترميمها وإعارتها وجردها، وكان النَّاظر يعين نائبا أو وكيلا عنه في فترة غيابه.
إعلان ثانيا: دار كتب المسجد الأقصى المباركتغير مبنى المكتبة أكثر من مرة، إذ شغلت مباني متعددة في القرن العشرين، ففي عام 1340هـ/1920م تمّ إنشاء "المجلس الإسلامي الأعلى" في مدينة القدس، وكان من باكورة أعمال هذا المجلس إنشاء "دار كتب المسجد الأقصى".
وافتتحت الدار في 2 أكتوبر/تشرين الأول 1922م/12 ربيع الأول 1341هـ، وكان مقرّها القبة النحوية -التي كانت مدرسة للنحو والأدب- الواقعة على الطرف الجنوبي لسطح قبة الصخرة، والتي بناها الملك المعظم سنة 604هـ/1207م.
وقد حقّقت دار كتب المسجد الأقصى في حينه المهمة التي أنشئت من أجلها، والمتمثّلة في جمع واقتناء الكتب في علوم الدين وعلوم اللغة، سواء كان ذلك عن طريق الشراء أو الوقف أو الإهداء.
وقد تم جمع واقتناء كثيرٍ من المخطوطات عن طريق الوقف، ومما وُجِد في المسجدين (المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة) والمدارس الموجودة داخل الحرم القدسي الشريف.
ثالثا: مكتبة المسجد الأقصى المبارككانت كل هذه المقتنيات النواة التي تشكلت منها مجموعات الدار، وتطوّرت حتى أصبحت لها سمعة علمية كبيرة، ولكن الظروف التي أحاطت بالمنطقة كانت عائقا في سبيل استمرار الدار في أداء رسالتها، فتم نقلها -بعد سنوات قليلة- إلى مكانٍ آخر وفُقِدت بعض كتبها أثناء الانتقال.
أعادت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس الشريف، التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، عام 1396هـ/1976م افتتاح المكتبة تحت اسم "مكتبة المسجد الأقصى المبارك"، في مقرها، وهو مبنى المدرسة الأشرفية بعد أن رممه المهندس المقيم بلجنة إعمار المسجد الأقصى، ونقلت محتويات المكتبة إلى هذا المبنى الجديد، ثم نقلت المكتبة أخيرا إلى مسجد النساء عام 1420هـ/2000م.
وصف المبنىمبنى المكتبة عبارة عن دور واحد مرتفع البنيان، ومكوّن من حجرة صغيرة لمديرها ونائبه، وقاعة متوسطة تتم فيها العمليات الفنية والإدارية للمقتنيات، وقاعة كبيرة للمطالعة.
ويلاحظ على مبنى المكتبة أنّه لم يؤسّس ليكون مكتبة، كما تعيبه الرطوبة وقلة الضوء الطبيعي وسوء التهوية واستحالة التوسع فيه مستقبلا.
وتشتمل تجهيزات المكتبة على فئات من الأثاث مثل وحدات رفوف الكتب ووحدات الفهارس، والمناضد بأنواعها، ودواليب ورفوف عرض الكتب والدوريات، والمقاعد وعربات الكتب ورفوف الملفات… إلخ.
كما تشتمل على فئات من الأجهزة مثل الآلات الكاتبة، وأجهزة الاستنساخ والتصوير، والحاسبات الآلية وأجهزة المصغرات الفيلمية… إلخ.
احتوت مكتبة المسجد الأقصى إلى حدود عام 2025 على أكثر من 120 ألف كتاب، تتنوّع موضوعاتها بين العلوم الدينيّة والتصوّف وعلوم العربيّة والتاريخ والجغرافيا والسياسة والأدب وعلم الاجتماع وغيرها.
وقد جعل القائمون على المكتبة كتبها ومخطوطاتها في 3 أقسام:
الأوّل: المكتبة العامّة، وتضمّ نحو 110 آلاف كتاب في العلوم المختلفة. الثاني: مكتبة الأطفال التي تضمّ أكثر من 9 آلاف كتاب. الثالث: مكتبة المخطوطات التي تضمّ 1143 مخطوطا، تعود في غالبيّتها إلى الفترة العثمانيّة، من بينها عدد كبير من المصاحف، وهذه المخطوطات 80% منها منسوخ في الفترة العثمانية وبعضها منسوخ في إسطنبول. ومن مصادر مقتنيات المكتبة من المخطوطات: مخطوطات دار كتب المسجد الأقصى. مخطوطات الشيخ خليل الخالدي. مخطوطات الشيخ محمد الخليلي. مخطوطات أخرى مهداة إلى المكتبة من بعض مكتبات الأسر المقدسية وغيرها من المكتبات الخاصة الموجودة في القدس.وتبين الوثائق والمراجع التاريخية أن تاريخ أقدم مخطوط اقتنته المكتبة يعود إلى القرن السادس الهجري، وهو للخطيب البغدادي المتوفى عام 463 هـ (1071 ميلادية).
وقد تمَّ تكليف الأستاذ خضر سلامة -أمين المكتبة الأسبق- بإعداد فهارس للمخطوطات، وأصدر 4 فهارس في أزمان مختلفة، بلغ مجموع ما ورد فيها 1155 مخطوطا، صدر الأول عن دائرة الأوقاف الإسلامية عام 1980، وأعيدت طباعته في 1983، وفي العام نفسه صدر الفهرس الثالث عن المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، التابع لمؤسسة آل البيت في الأردن، في حين صدر الفهرس الرابع عن مؤسسة الفرقان في العاصمة البريطانية لندن.
إعلانوتشير الإحصاءات إلى أنَّ عدد الكتب المطبوعة الحديثة بلغ إلى حدود 2025 أكثر من 160 ألف كتاب بحسب الأمين السَّابق للمكتبة الشَّيخ حامد أبو طير.
كتب ومجلات نفيسةتحتوي مكتبة الأقصى على آلاف الكتب والمجلات المطبوعة في بداية القرن العشرين، وهي طبعات نفيسة، وفيها قسم باللغة التركية.
وتحتوي مكتبة المسجد الأقصى على مجموعة قيّمة من الصحف وأخرى من المجلات، التي كانت تصدر في فلسطين منذ أواخر العصر العثماني إلى نهاية الانتداب البريطاني، وقد بلغ عدد هذه الصحف المقتناة في المكتبة (22) صحيفة، يرجع تاريخ بعضها إلى عام 1923.
ومن هذه الصحف صحيفة فلسطين لصاحبها عيسى داود، وكانت تصدر في يافا، وتمتلك المكتبة منها مجموعة كاملة، ابتداء من العدد الأول الصادر في فبراير/شباط 1923م حتى العدد الأخير الصادر في مارس/آذار 1937م.
أمّا بالنسبة للمجلات فقد أفاد مدير المكتبة أنّ عددها غير معلومٍ على وجه اليقين، ولكنّه يدور حول 50 مجلة كلّها مجلات تراثية إسلامية وأدبية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأقصى المبارک أکثر من
إقرأ أيضاً:
د. عبدالله الغذامي يكتب: من المكتبة إلى تويتر
دخلت لتويتر من بعد تردد طال، واشتد عليّ، مقاوماً للفكرة ثم متخوفاً من الفكرة، وكان أكبر همي هو تفتيت وقتي الذي تعودت تخصيصه كلياً لمكتبتي وبحوثي، وفي مكتبتي كانت متعتي ورياضتي النفسية والعقلية، وصعب عليَّ أن أفقد متعتي التي صبغت حياتي كلها منذ مطالع حياتي، وعبر مراحل عمري كلها، وكانت مكتبتي بالنسبة لي تشبه البحر للسمكة، حيث تموت بمجرد خروجها من الماء، تلك كانت حيرتي وترددي. ولكني قررت خوض التجربة وخففت على نفسي اقتراف هذا الإثم المعنوي بأن وعدت نفسي أن أجعل مكثي في تويتر بنية البحث في خطاب هذه الوسيلة العجيبة، وقد نتج عن ذلك كتابان هما (ثقافة تويتر) وكتاب (ما بعد الصحوة)، وكان الأخير نتيجة سؤالٍ من عادل الهذلول عن تجربتي مع جيل الصحوة، وكوني أحد من اكتوى بنيران تلك المرحلة، فرددت عليه ببضع تغريدات، وأحسست بأن ذلك لم يفِ شهية البحث، فوعدته ببضع توريقات.
وحين شرعت بنشر التوريقات في جريدة الجزيرة السعودية، أخذ الموضوع يتمدد ويتفتح وتحول لمشروع كتاب صدر بعنوان (ما بعد الصحوة، تحولات الخطاب من التفرد إلى التعدد)، والتعدد في الخطابات هو ما تؤكده الحال التفاعلية في تويتر، الذي أصبح متعدد المنابر من بعد فترة سيطر فيها الصحويون على منابر التواصل الاجتماعي، من منابر الجمعة إلى شريط الكاسيت، الذي اكتسح فضاء الاستقبال في زمن عز الصحوة فترة الثمانينات والتسعينات إلى مطالع القرن الحالي، ولكن تويتر فتحت فرص تعدد الأصوات والتقاطعات، ولم يعُد بمقدور خطابٍ مفرد أن يحتكر فضاء التفاعل. هذا فيما يخصّ علاقتي مع تويتر، من حيث إنها أصبحت بالنسبة لي ميداناً بحثياً كاشفاً ومكشوفاً، ووصفت تويتر في ذلك الكتاب بصفة (الكاشفة المكشوفة)، ومع الكشف والتكشف كانت تجارب وامتحانات للنفس ومدى قوة التحمل العقلي والوجداني تجاه ما يعنّ في المنصة من تحديات لحظوية بعضها مستفز وبعضها متحامل وبعضها كاذب، وفي مقابل ذلك سنجد أجواء ماتعة مع متابعين ومتابعات من كل أرجاء المعمورة، تعرفت على أعداد منهم وتسنى لي توصيل أفكاري وكتبي كذلك، كما تعرفت على ردود فعلهم مع توريقاتي إضافة إلى ترويج كتبي الجديدة وتوسيع دوائر استقبال موقعي، الذي يضم كتبي في نسخ رقمية جعلتها مجانية وقانونية للتحميل، مما سهّل الوصول إليها والإفادة منها، وهذا وحده مكسب عظيم كقيمة علمية وأخلاقية، وقلت عن ذلك إني أؤمن باشتراكية المعرفة وليس برأسماليتها.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض