الشهيد القائد: صوت الحق وشعلة المقاومة
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
تعجز الكلمات عن الإحاطة بمقام رجلٍ ارتقى بفكره وجهاده، وتُبهر العقول عند تأمل مسيرة قائدٍ جعل من حياته وقودًا للكرامة، ومن دمه نبراسًا للحرية. إنه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، رجلٌ صاغ بصدقه وإخلاصه ملحمة مواجهة المشروع الأمريكي وأدواته، وأسس بوعيه مدرسة ثورية وفكرية لا يزال نورها يهدي أجيالًا بعد أجيال.
ففي زمنٍ عمّ فيه الخنوع واستفحل فيه الطغيان، أتى الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي لينفض غبار الذل عن الأمة، ويبعث فيها روح العزة والإباء. لم يكن مجرد خطيبٍ أو منظّرٍ، بل كان قائدًا ميدانيًا، ومفكرًا ناضجًا، عرف أبعاد المؤامرة التي تستهدف أمة الإسلام في عقيدتها وكرامتها، ورفع راية الحق في وجه الطغاة والمستكبرين، متصدياً لكل مشاريعهم الخبيثة التي أرادت الهيمنة على مقدرات الأمة وسلب إرادتها.
وما ميّز الشهيد القائد هو مصداقيته المطلقة التي جعلت من كلماته نبراسًا يهدي من استجابوا لندائه. لم يكن حديثه عن التضحية مجرد شعارات، بل كان انعكاسًا لحياة عاشها بكل تفاصيلها. قدّم روحه الطاهرة على مذبح الحرية، وأثبت بدمه الزكي أن طريق الحق يحتاج إلى رجالٍ لا تأخذهم في الله لومة لائم، رجالٍ يدركون أن التضحية هي السبيل الوحيد لإحياء الأمة وإعلاء كلمتها.
كانت رؤيته للمشروع الأمريكي شاملة ودقيقة، إذ أدرك مبكرًا أن هذا المشروع لا يستهدف مجرد السيطرة العسكرية أو الاقتصادية، بل يهدف إلى تفريغ الأمة من هويتها وقيمها، وجرّها إلى هاوية الانحلال والتبعية. وقف الشهيد القائد في وجه هذه المخططات بكل شجاعة، وأعلن صرخة الحق في زمن الصمت، ليوجه رسالة للعالم أجمع أن الإسلام المحمدي الأصيل لن ينكسر، وأن المقاومة هي خيار الشعوب الحرة التي تأبى الضيم.
لم يكن الشهيد القائد رضوان الله عليه مجرد قائد عابر في تاريخ الأمة، بل كان مدرسة متكاملة في الفكر والعمل. ترك إرثًا فكريًا عظيمًا يتمثل في محاضراته وخطبه التي تحث على العودة الصادقة إلى القرآن الكريم كمنهج حياة. كان يرى في القرآن خارطة طريق شاملة لكل أزمات الأمة، وكان يدعو إلى استلهام القوة من الإيمان والثقة بالله.
لقد أسس الشهيد القائد منهجًا يرتكز على ثلاثية الإيمان، الوعي، والعمل. ولم يكن هذا المنهج مجرد نظريات، بل كان برنامجًا عمليًا نهض من خلاله أتباعه ليغيروا معادلات الواقع، ويواجهوا أعتى الطغاة بقلوبٍ لا تعرف الخوف، وإرادةٍ لا تنكسر.
كان الشهيد القائد رجل المرحلة بحق، إذ حمل هموم الأمة الإسلامية على عاتقه، وسعى بكل صدق لإنقاذها من براثن الهيمنة والاستعمار. لم يكن يخشى مواجهة الطغاة، ولم يساوم على مبادئه، بل ظل ثابتًا كالجبل، رابط الجأش، يوجه كلماته كسيوفٍ تقطع أكاذيب المستكبرين، ويزرع في قلوب أتباعه الإيمان بالحق والقدرة على التغيير.
يا أيها القائد الشهيد، يا باعثنا من سباتنا ومخرجنا من مواتنا، لك منا أزكى التحايا، بقدر ما زرعت في قلوبنا من وعي وبصيرة، وبقدر ما أحييت فينا من عزيمة وكرامة. لن تنطفئ شعلة الحق التي أوقدتها بدمك، ولن يزول نور المبادئ التي أحييتها في الأمة.
سلامٌ عليك يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيًا. ستظل اسمًا خالدًا في ذاكرة الأحرار، ورمزًا لكل من يرفض الانكسار، ودليلًا للأمة في طريق الحرية والكرامة حتى النصر الموعود.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الشهید القائد لم یکن بل کان
إقرأ أيضاً:
نكبة فلسطينية أم انقلاب عربي؟
قد يبدو غريبا ـ ربما شاذا ـ أن نتحدث عن أمل في عتمة اليأس، أو أن نمتدح تدفق شلالات النور في قلب الظلام الدامس، وقبل أكثر من عشرين سنة، كانت الأحوال على ما قد نتذكر، كان الجنرال آرييل شارون قد أكمل لتوه اجتياح الضفة الغربية، مدنا وقرى ومخيمات، وكانت السكين تقترب من رأس الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكان الوضع العربي عموما على ما نعرف من العجز وبؤس المشهد، وفي غمرة الانفعال باللحظة المؤسية، كتبت وقتها تعليقا على ما جرى في الأمة المنكوبة حكاما وشعوبا، نصا «هذه أمة لا يغفر الله لعصاتها، ولا يستجيب لدعاء تقاتها»، ومن شرفة التاريخ اليوم، يبدو ما كتبت وقتها ظلما لما كان، ولا يقاس سلبا إلى ما يقع اليوم، أو لا يقع، فلم تعد لأوصاف من نوع الانهيار والقعود والخيبة والخيانة إن شئت، من معنى يعقل، بل تعدت الأمة حكومات وشعوبا حواجز التردي كلها، وتعدت القاع إلى قاع القاع، ولم يعد للأمة المهزومة المخذولة من معنى مرئي، وانتهت إلى جثة، صارت في طور «التحلل الرمى» بمجازات التشريح الطبي.
وأيا ما كان تعريفك للأمة عربية كانت أو إسلامية، فحالة «التحلل الرمى» أقرب وصف للأمة إياها، وعلى الجبهة الفلسطينية الأمامية، تجرى أهوال يوم القيامة، والعذاب الأسطوري للشعب الفلسطيني، الذى يذبحونه بالجملة، وتقطع أشلاؤه كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة، وحمم النار تحرق كل شيء بشرا وحجرا وشجرا.
وتتلاحق صور المحرقة المهلكة بالصوت والصورة، تستصرخ الضمائر الحية في عواصم بعيدة، بينما لا حس ولا خبر ولا آهة ألم في ما نسميه مجازا بعوالم العرب والمسلمين.
وعلى النحو الغالب الأعم، لا في الشوارع ولا في قصور الحكم، والكل ـ تقريبا ـ يدير ظهره ويشيح بصره حتى لا يرى حقول الدم، إلا من عصم ربك وهم قليل، وفي ساحات بعينها لعل أظهرها في اليمن الأشد فقرا وعاصمته العزيزة صنعاء، التي تخلو من البهارج والقصور وليالي «الهنك والرنك» وموائد الطعام الممدودة، فهم يحصلون على ما يسد الرمق بالكاد، وينافسون بجوعهم ما يجري من مجاعة مفروضة على أهل فلسطين، لكنهم يرسلون صواريخ النجدة يوميا إلى فلسطين المحتلة، التي وإن جرى اعتراضها وإسقاط أغلبها قبل تدمير أهدافها داخل كيان الاحتلال، فإنها تقتل الروح المعنوية لمستوطني الكيان، وتصيب ملايينهم بالفزع والرعب، والفرار إلى الملاجئ، وتهزمهم بالخوف قبل شظايا الصواريخ.
وأيا ما كان رأيك ورأيي في «الحوثيين»، وما فعلوا مع غيرهم باليمن الممزق المتألم، فقد تحولوا إلى ظاهرة كاشفة لمعدن الأمة الغائب، ولقدرتها المحجوزة في أكفانها، وهذا هو الوجه الآخر المغيب لظاهر الموات و»التحلل الرمى» العربي المعمم، تماما كما أن صمود الفلسطينيين الإجباري، وخبزهم لتراب وطنهم بأنهار الدماء، ومحنتهم التي جعلتهم «شعب الله المختار» في زماننا بامتياز، وتخلق تاريخا جديدا طالعا من رماد، لا تخبو فيه أمارات المقاومة الإعجازية من عشرات آلاف الشباب، يسكنون كما شعبهم في العراء وبين الأنقاض، وفي أنفاق تحت الأرض وفوقها، ويصنعون خبزهم ـ كفافهم وقنابلهم وعبواتهم ورصاصهم الذي لا ينفد.
ولا تزال السيرة باقية إلى الأجل غير المعلوم، وتلهم القادمين على ضفاف فلسطين في لبنان الذي يشتعل جمره تحت الرماد، وتظهر نداء الشهيد «محمد الضيف» «حتى في سوريا، التي يلحقونها بأمن «إسرائيل»، ويقتطعون من لحمها لتأكل «بهائم إسرائيل»، وتعبير «البهائم» ليس من عندي، بل هو لكاتبة «إسرائيلية» غاضبة من قطيع المعتاشين على الدم الفلسطيني، وصفت به في صحيفة «هآرتس» مسيرات أعلام المستوطنين، وهم يجتاحون المسجد الأقصى في ذكرى النكبة الكبرى، ويدنسونه بصلواتهم ورقصاتهم «التلمودية»، ويعدون لهدم «الأقصى» وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه.
ما أردت قوله إن كل عدوان يزكي نقيضه، وكل موات تبعثه فيه حياة جديدة، مهما عصف الألم وسالت الدماء واستبد الطغيان الوحشي، وإن ظلامنا الدامس لا يخفي شرر النور في رماده، وإن لحظات المآسي تعقبها ـ ربما ترافقها ـ المغازي الكفاحية النبيلة، فوقت أن كتبت قبل أزيد من عشرين سنة ما كتبت، وكدت أنعى الأمة التي نساها الله فأنساها نفسها.
كانت عيني كغيري على ظاهر التدهور والانحدار، مع أن أمة الحقيقة على الجانب الآخر، كانت تصنع بدماء المقاومين القلة تاريخا آخر، كان عبر وقتها من تحرير جنوب لبنان بالدم الذي كسر السيف، وانتقل إلى فلسطين المحتلة مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ونجح في دفع العدو المحتل إلى الجلاء من طرف واحد عن غزة، التي تحولت بعدها رغم القهر والحصار إلى فلسطين مصغرة مكثفة، خاضت حروبا ضارية وحدها، هي أطول حروب عرفها تاريخ الصراع مع العدو «الإسرائيلي» الأمريكي.
ووصلت إلى ذروتها بعد زلزال السابع من أكتوبر 2023 الذي أعلن فيه محمد الضيف بيانه الأول من وراء الظلال، وعلى مدى عشرين شهرا إلى اليوم، كانت حرب الإبادة كفيلة بمحو أمة الملياري نسمة، لكنها عجزت عن كتم أنفاس «غزة» ذات المليونين، التي ظلت وتظل تصرخ وتنزف وتجوع وتعرى وتقاوم، وصهرتها النيران والمحارق والمجازر.
وحولت أهلها إلى صورة هي الأصفى والأنقى لجوهر الأمة الذاهلة الغائبة في موات طويل ذليل، لكن «غزة» الدامية ذاتها، سوف توقظ الأمة ولو بعد حين، من رقدة أهل الكهف، فقد نتلفت إلى ما يجري هنا أو هناك، ولا نجد ظاهرا غير قبض الريح والهوان بلا آخر، وهدايا تريليونات الدولارات إلى دونالد ترامب قرن الشيطان وقائد حرب الإبادة الجماعية والاجتثاث العرقي، مع خزي الأنظمة وحكامها، ومباريات الممالك، وتسابقها للفوز بمحبة الكاوبوي ترامب ورضا بنيامين نتنياهو، ومسارعة البعض من غير المرضي عنهم إلى «إعادات تموضع»، وإلى استدارات تكتيكية في المكان نفسه، لكن أحدا في ختام الأمر لن ينجو من مضاعفات وأهوال يوم القيامة في «غزة».
فما جرى ويجري ليس نهاية قصة ولا نكبة فلسطينية جديدة، كما يحلم المتخاذلون وغربان الشؤم، بل نحن ـ في ما نظن ـ على أعتاب انقلاب عربي جديد، لن تستقر معه صورة الشرق الأوسط الجديد المستهدف، ولن تدوم فيه سيادة «إسرائيل» على ما عداها، ولا الترتيبات التي أعدوا لها، ويشرعون فيها، لا إلى الشرق والشمال من جغرافيا كيان الاحتلال، ولا في الغرب والجنوب بالذات، ربما نكون بصدد حركات مقاومة جديدة طالعة من غرس الدم، وبصدد تغييرات سياسية واستراتيجية فيها طابع الإجبار لا الاختيار،.
وكما تزحف المخاطر داهمة بإفناء الفلسطينيين ودفعهم إلى التهجير، فإن دماء «غزة» ودمارها، تعلم المحبين والكارهين، أن الخضوع للكيان «الإسرائيلي» ليس فرضا ولا سنة، ولا شرطا لحياة ولا لبقاء، ولا الركوع لسيد البيت الأبيض من لزوم ما يلزم في الصلوات الخمس، خصوصا أنهم جربوا الوصفة المسمومة على مدى نصف قرن ويزيد، فلا هي صانت أوطانا ولا حمت عروشا ولا كفلت عيشا كريما، والعودة إليها غباء مطلق، وبالذات مع ما يجري عاصفا متلاحقا من تغيرات في خرائط القمة الدولية، التي لا تشير أبدا إلى اتصال طغيان أمريكا وانفرادها بمصائر العالم، وهي التي مشت على بطنها مضطرة لعقد اتفاق وقف نار مع جماعة بمقاس «الحوثي»، بعد أن طاشت غارات ترامب وحاملات طائراته وقوته المسلحة «العظمى» مع الريح، فما بالك إذا استيقظت قطاعات أكبر من الأمة المغيبة في مواتها، ووعت درس التحدي الذى يصنع المعجزات.
والخلاصة فيما يجري اليوم وغدا، أن من يريد أن يشتري يأسا، فبضاعته في السوق كثيرة مغرية، لكنه اليأس الذى ينجب أملا يبدو لناظره مستحيلا، ونحن لا ننظر بل ننتظر بعد كل هذا القتل والدمار والنيران، وقد زالت وتزول معه كل ممالك الأوهام، وثبت أن طلب السلام مع كيان العدوان الهمجي ليس له من معنى، إلا أن يكون خضوعا واستسلاما، لن يحفظ حتى رقاب المستسلمين والخانعين، فطوفان النيران يزحف، ولن يحفظ أمنا لأحد، حتى لو طبعت كل الدول العربية مع «إسرائيل» كما قال رئيس أكبر دولة عربية، فلم تعد «إسرائيل» تطلب مزيدا من «تطبيع»، بل تريد «التتبيع» الكامل، والاستيلاء المباشر على الأرض ودهس العرض، والحكام الذين يطلبون وظائف الخدم في البيت «الإسرائيلي»، لا يخدعون أحدا بأقنعة شرق أوسط جديد ولا قديم.
القدس العربي