سلام يواجه ازمة جدية… ما مصير التشكيل؟
تاريخ النشر: 4th, February 2025 GMT
تستمرّ الأزمة التي تعصف بعملية تشكيل الحكومة في ظلّ الطموحات والمطالب الكثيرة التي لا يمكن للرئيس المُكلّف نواف سلام تلبيتها جميعها، إذ من الواضح أن الحصّة الشيعية هي التي حُسمت بعد تكثيف التواصل بين الرئيس المُكلّف وثنائي حركة أمل وحزب الله، حيث تمّ التوافق على كل التفاصيل بشكل شبه كامل ونهائي.
باستثناء حصة "الثنائي"، فإنّ العُقد التي تعرقل ولادة الحكومة لا تزال مُعقّدة، إذ إنّ الأزمة بين "القوات اللبنانية" وسلام تتزايد يوماً بعد يوم، وهذه الأزمة بلغت حدّ التصريحات الاعلامية المعلنة من قِبل نواب "القوات" ومسؤوليهم، حيث حمّلوا الرئيس المُكلّف مسؤولية فشل الاتفاق معهم على اعتبار أنّ الأخير لا يعتمد معياراً واحدا وواضحاً في التشكيل.
لكن لدى سلام أزمة جدية، إذ إنّ الحصة الشيعية واضحة المعالم، وإن كان الشيعة سيحصلون على وزارة سيادية فإن ذلك يعني أنّ "الثنائي" هو الذي سوف يحصل عليها، أما في الواقع المسيحي كمثال، يبدو من الصعب فهم كيفية توزيع الحصص المسيحية، لذلك فقد أخذ رئيس الجمهورية جوزاف عون كامل الحصص السيادية لصالحه ولم يُعطِ "القوات" و"التيار الوطني الحر" أياً منها.
من هنا يبدو أنّ "القوات" قد تتّجه الى مقاطعة الحكومة وهذا أمر وارد جداً في حال استمرار الخلاف، وربما تكون تصريحات "القوات" وسقفها العالي جزءاً من الكباش بهدف تحسين شروطها والحصول على اكبر حصّة وزارية ممكنة، وإلّا كيف ستواجه "القوات اللبنانية" جمهورها من خلال مقاطعتها لحكومة قد تمنحها الفرصة الأفضل على الاطلاق للمشاركة في السّلطة.
وفي الوقت الذي استطاع فيه سلام حلّ أزمة "الحزب التقدمي الاشتراكي" على حساب قوى التغيير ومنحه وزارتين، تبقى المُعضلة الاساسية مع القوى السّنية والتي سيكون حلّها شبه مستحيل إذا استمرّ الخلاف مع الكتل النيابية السنيّة التي لم تحصل أي منها على ما تطمح اليه، ما من شأنه أن يحجب الثقة عن سلام بشكل جدّي. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
الخلاف والإختلاف
#الخلاف_والإختلاف
مقال الإثنين: 8/12 /2025
بقلم د. #هاشم_غرايبه
كثيرا ما يطرح بعض المعادين لمنهج الدين سؤالا واحدا يكررونه في عصر وآن: أي إسلام تدعوننا لاتباعه .. الإسلام السُنّي أم الشيعي، الحنفي أم الشافعي، المتشدد أم المعتدل ..الخ، ويسهب السائل في عرض التصنيفات والتفريعات، في محاولة لتصوير المنهج الإسلامي وكأنه أمر خلافي وغير متفق عليه.
في حقيقة الأمر، كل تساؤل من هذا القبيل ليس بهدف التحقق والتثبت، ولا استفهاما بريئا بقصد المعرفة، بل للتشكيك بصحة المنهج أصلا، أو للإيحاء بأنه ليس أصيلا صادرا عن الإله الواحد، وإنما هو اجتهادات بشرية تحتمل الأخذ والرد.
الإجابة القاطعة التي لا يحبون سماعها، هي أن الدين منهاج وضعه الله لتنظيم حياة البشر من جميع نواحيها، ولكل الأزمنة والعصور، وأجمله في القرآن الكريم، وبما أن الصياغة القرآنية ثابتة لن تتغير وفقا للتغيرات الظرفية للبشر زمانا ومكانا، لذا يجب أن تكون بلغة تتحمل في باطنها كل هذه المتغيرات، ويمكن فهمها وتطبيقها لقادم الأزمنة، وفي كل أحوال البشر.
في الزمن الأول – زمن التنزيل – كان هنالك النبي صلى الله عليه وسلم، أعطاه الخالق الحكمة التي تمكنه من فهم ذلك، وتعليم الناس كيف يستنبطون الأحكام من الآيات، وتتلمذ على يديه جيل من الصحابة ورثوا ذلك العلم وأورثوه للتابعين ..وهكذا جيلا بعد جيل، وهؤلاء هم العلماء الفقهاء.
هكذا علمنا أن الدين في الأصول ثابت لا يتبدل، وفي الفروع والتكييفات متطور حسب الأحوال والمتغيرات، لكن هذا التطور ليس وفق الهوى والإختيار، بل خاضع لقواعد صارمة أُقرّت منذ الجيل الأول، يفهمها الفقهاء، ويلتزمون بها، ويقيض الله في كل جيل ممن آتاهم العلم من عباده المؤمنين من يحافظ هلى هذا النهج القويم.
إذاً فهذا المنهاج كالشجرة أصلها واحد راسخ يستقي من جذور ثابتة، يتفرع ويتوسع مع الزمن، الأغصان الباسقة الممتدة يحسبها الجاهل مبتعدة عن الساق مستقلة عنه، لكنها في حقيقتها منتمية الى الساق ذاتها، وتؤتي الثمار ذاتها.
لماذا إذاً نشهد خلافات تصل في بعض الأحيان الى التكفير والتقاتل؟.
الإختلاف سنة طبيعية، لأن الفقه فهم بشري، والإنسان دائما ما يرى فهمه هو الأصوب، لذلك فالإختلاف ناجم عن مخالفة الشخص لفهم الآخر للأمر الواحد، ولأن ذلك من سنة الله في خلقه التي أوجدها في خلقه الإنسان، ليكون ذو طبيعة مختلفة عن باقي المخلوقات من نبات وحيوان، والتي هي صور متطابقة عن بعضها في الجنس الواحد، فقال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” [الحجرا:13]، والحكمة من جعل البشر من أصل واحد هي لتحقيق المساواة فلا يتعالى عرق على آخر، ومن توزعهم على أمم مختلفة هي التكامل وتبادل المعارف.
شرع الله أصلا التزاوج بين ذكر وأنثى لتكاثر الجنس البشري، يأتي كل منهما من أم وأب مختلفين، لكي تختلط الصفات الموروثة ويتنوع اكتسابها في النسل، والإختلاف يبدأ بالتنوع في الطباع والقدرات والفهم حتى بين الإخوان الأسرة الواحدة، فكيف بين الأقوام وبين العصور.
لذلك يغدو السؤال ساذجا: إذا كان الدين واحدا فلماذا الإختلاف فيه!.
إن الإختلاف الفقهي أمر مفهوم في ظل نشوء أوضاع جديدة كنتيجة لتطور المجتمع المسلم، لذلك ظهرت مدارس فقهية متعددة لم تقتصر على الأئمة الأربعة المعروفين، لكنه في كل الأحوال لم ينشئ افتراقا في الأمة لأنه كان في الفرعيات، وما كان من التباعد المبدئي بحيث يوصل الى الإنشقاق بين أتباع الأئمة المختلفين، فظل فقه كل إمام غير ملزم، بل يمكن للمسلم الإختيار بين أي فقه، لأنها كلها من منبع واحد وتؤدي الى الهدف ذاته وهو تحقيق التقوى.
حصل الإفتراق عندما كان الخلاف سياسيا أي أنه ليس على مبدأ الدين بل على الوصول الى السلطة، وهكذا بدأ التشيع، وكان لينتهي هذا الخلاف بانقضاء زمن المتنازعين، لكن الشعوبيين المتعصبين للقومية الفارسية والقبطية استغلوا الحالة، فأججوا الخلاف.
ولأجل إدامة شرخ الأمة أسقطوا على الخلاف لبوسا فقهيا، فانشق المتشيعون لآل علي بن ابي طالب، وأنشأوا فقها خاصا مختلفا عن فقه الأئمة الأربعة، الذين بقوا مع منهج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المنهج الوحيد المنقول عن الوحي الإلهي، لذا فهو يمثل الإسلام.
أما المدارس التي بدأت فقهية كالمعتزلة، فهي بقيت مع جوهر الدين، ولا يملك أحد عزلهم منه، لكن السلطة الحاكمة استعانت ببعض شيوخها لتكفيرهم وإخراجهم من الملة.
هكذا نتوصل إلى أن الدين أنزله الله ليبقى، وهو باق ما دامت السموات والأرض، ولن يضيره فهم بشري منحرف، أو توظيف طامع بالسلطة، فكل هؤلاء زائلون.