ليبيا – تقرير تحليلي حول مخاطر الهجرة غير الشرعية من بنغلاديش إلى أوروبا

شدّد تقرير تحليلي نشرته صحيفة “بروثوم ألو” البنغالية الناطقة بالإنجليزية على ضرورة وقف الطرق الخطرة التي يستخدمها المهاجرون غير الشرعيين لعبور البحر، من بنغلاديش إلى أوروبا. وقد تابعتها صحيفة “المرصد” وترجمت أهم الآراء التحليلية الواردة في التقرير.

قصة سوجان فارازي: مأساة الهجرة

روي التقرير قصة “سوجان فارازي”، الشاب البنغالي الذي تحدّى قرار والده بمنعه من خوض تجربة الهجرة المريرة بحثًا عن مستقبل أفضل في إيطاليا. إذ حصل “فارازي” على مبلغ 1,600,000 تاكا بنغالية من عمته لتمويل رحلته، إلا أنه لم يصل إلى إيطاليا، إذ تم انتشال جثته مع 22 آخرين بعد غرق القارب الذي حمله و55 مهاجرًا آخرين، وذلك في 25 يناير الماضي.

تصريحات المسؤولين والتفاصيل اللوجستية

نقل التقرير عن “مينتو هاولادار”، والد “هريدوي” المقيم في منطقة كاماراخالي بولاية فريدبور البنغالية، تأكيده على أن المجموعة كان من المقرر أن تسافر إلى إيطاليا على متن سفينة للهجرة غير الشرعية في ليلة 24 يناير، إلا أن المتاجرين بالبشر حاولوا نقلهم على متن قارب صغير بدلاً من ذلك. كما أشار التقرير إلى رفض العديد من الشباب الصعود على متن القارب، خشية الموت بالرصاص أو الغرق، بينما صعد آخرون في نهاية المطاف.

آليات الاتجار بالبشر والمعاناة في ليبيا

أكد التقرير تورط المتاجرين بالبشر، وعلى رأسهم “منير الشيخ”، الذي وافق على نقل “سوجان” إلى إيطاليا مقابل 1,500,000 تاكا، مما أدى إلى وفاة 12 شابًا من ماداريبور وفريدبور في ليبيا لاحقًا. كما ذكر التقرير أن عصابة الاتجار بالبشر تحتجز الشباب المهاجرين في ليبيا وتعذبهم، ولا تُفرج عنهم إلا بعد انتزاع فدية باهظة من عائلاتهم في بنغلاديش. ونقلت مصادر من سفارة دكا في طرابلس تأكيدها على ترحيل 4,200 بنغالي خلال العامين والنصف الماضيين، إلى جانب إنقاذ آخرين من مراكز احتجاز غير قانونية، حيث لا يزال حوالي ألف محتجز في ليبيا.

أبعاد الهجرة البحرية البنغالية

وأشار التقرير إلى أن البنغاليين شكلوا على مدى العقد الماضي أكبر مجموعة تحاول عبور البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا. وأوضح محلل الهجرة “آصف منير” أن الفترة الممتدة بين 2009 و2024 شهدت سفر نحو 84 ألف بنغالي عبر هذا الطريق البحري الخطير، مع غرق ما لا يقل عن 100 مهاجر سنويًا. وأضاف أن العصابات المحلية والدولية تطالب من كل فرد مبلغًا يتراوح بين 600,000 و2,000,000 تاكا للرحلة الواحدة، مما يضع العديد من المهاجرين في خطر جسيم وقد يؤدي إلى وفاتهم أو احتجازهم في مراكز اعتقال.

ترجمة “المرصد” – خاص

 

 

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: إلى أوروبا فی لیبیا

إقرأ أيضاً:

جيل بلا وصايا.. فمن يُعلِّمهم الحياة؟

 

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي

في إحدى القرى، جلس طفلٌ صغير بجانب جدّه تحت ظل نخلة، بينما كان الجدّ يُصلح مقبض الفأس بيده الخشنة.

قال الجدّ وهو ينظر إلى حفيده: "يا ولدي... الفأس ما ينفعه الحديد إذا انكسر الخشب، والولد ما ينفعه العلم إذا ما تربّى على الأصل".

نظر الطفل إليه بتساؤل، فقال الجدّ مُبتسمًا: "الأصل يا بُني، هو الوصايا... هي الكلام اللي يبقى في قلبك لما تكبر، حتى لو نسيت كل شيء".

مرَّت السنوات، وكبر الطفل، وصار رجلا في المدينة، وعاش حياته بين أوراق العمل والشاشات. لكنه لم ينسَ تلك الجلسة... ولا تلك الكلمة.

ففي كل بيتٍ من بيوت الأمس، كان هناك من يهمس في أذن الطفل، فوصايا الحياة لم تكن هذه الوصايا تُلقَى في محاضرات رسمية، بل كانت تمرّ ببساطة، في دعاء الأم عند الباب، في تعبيرات وجه الأب حين يشتد النقاش، في حكمة الجدّ وهو يحكي سيرة الأوائل. "ارضَ بما قسمه الله"، "من تواضع لله رفعه"، "افعل الخير ولو لم يرك أحد"، فتلك الكلمات، كانت تُغرس كما تُغرس النخلة في أرض عُمان، ثابتة، طيبة، أصلها في القيم وفرعها في سلوك الناس.

أما اليوم، فها نحن أمام جيلٍ يركض نحو المستقبل، لكنه لا يحمل حقيبة وصايا من الماضين، جيلٌ يعرف كيف يُفعّل التطبيقات، لكنه لا يعرف من أين تُستمد المبادئ.

جيلٌ يحاور الشاشات أكثر مما يحاور والديه، ويستقي نظرته للحياة من "المؤثرين"، لا من أهل الأثر.

فأين ذهبنا نحن؟ أين غاب صوت الحكمة؟ ومن يعلّمهم الحياة؟

إن المسألة لا تتعلق فقط بالتقنية أو بالزمن، ولا شك لكل زمان له تحدياته، لكن الخطورة اليوم تكمن في تراكم الانشغال وتراجع دور الإنسان المُربِّي. الأب مُنهك، الأم مشغولة، المعلم تحت الضغط، والجدّ غائب أو غُيِّب، ففي وسط هذا الفراغ، دخلت الشاشات لتؤدي الدور التربوي، لا لأننا اخترناها، بل لأننا تراجعنا خطوة... ثم خطوتين وربما أكثر.

في السابق، كان الطفل يتعلّم من التجربة، من حكايات الكبار، من المجالس، من القرى، من الفلج، من البحر، من النخيل، من صرامة الحياة نفسها. أما اليوم، فتجربته رقمية، وعلاقته بالحياة غير ناضجة، لأننا لم نمهّده لها؛ بل إننا- في كثير من الأحيان- نُحمِّله مسؤوليات لا يفهمها، ونطالبه بنضج لم نمنحه مقدماته، فنقول له: "كن قويًّا"، دون أن نعلّمه كيف يتعامل مع الخوف، ونقول له: "احترم الكبار"، دون أن يرانا نحترم كبارنا، ونقول له: "احذر رفاق السوء"، دون أن نشرح له كيف يختار أصدقاءه.

الوصايا ليست تعليمات عابرة، وإنما هي خلاصة الحياة تُسلَّم من جيل إلى جيل، هي جُمل صغيرة، لكن أثرها يتغلغل في شخصية الإنسان حتى تشكّله، وما لم نعد نفعله – للأسف – هو نقل هذه الخلاصة؛ بل إن بعض الآباء والأمهات باتوا يعتقدون أن أبناءهم "سيتعلّمونها لوحدهم"، أو أن "المدرسة كفيلة بذلك"، أو أن "كل جيل يتدبّر أمره"! لكن الحقيقة التي لا نحب مواجهتها هي: أن أبناءنا بلا وصايا يصبحون أهدافًا سهلة لوصايا الآخرين.

نحن لا نخاف على أبنائنا من الضياع فقط، بل من أن يجدوا أنفسهم في طريق لا يشبههم، لا يشبهنا، ولا يشبه هذا الوطن الذي لم نُحسن إيصال قيمه إليهم.

فأين مجالس الأمس؟ أين الجلسة بعد العشاء، حين كان الجدّ يروي كيف عاش على القليل، وكان كثيرًا؟ أين أمّ الأمس التي كانت تحفظ في قلبها ديوانًا من النصائح، وتقولها في وقتها دون تنظير؟ أين الأب الذي لا يكتفي بالصرف والإنفاق، بل يزرع في ولده الرجولة، والصبر، والعفة؟

ما نحتاجه اليوم ليس اختراع طرق تربية جديدة، بل استعادة تلك اللحظات الإنسانية الحقيقية التي كانت تعلّمنا أكثر مما نتصوّر، أن نمسك بأيدي أبنائنا، لا لنقيّدهم، بل لنرشدهم، فلا عيب أن نحكي لهم حتى عن أخطائنا، عن فشلنا، عن الأشياء التي تعلمناها بالطريقة الصعبة، حتى لا يعيدوا الطريق ذاتها.. نحن لسنا بحاجة إلى أن نكون مثاليين، بل صادقين، لسنا بحاجة إلى أن نكون متفرغين دائمًا، بل حاضرين حين يُحتاج إلينا.

الجيل الجديد لا يبحث عن معلومات- فالمعلومة موجودة بضغطة زر- بل يبحث عن معنى، عن من يفهمه، عن من يرشده إن أخطأ، لا من يحاسبه فقط.

في الختام.. أقول لكل والد ووالدة، ولكل معلم ومربٍّ: إن لم توصِ أبناءك بشيء، فسيوصيهم غيرك بشيءٍ آخر. وما أكثر من ينتظر أن يملأ هذا الفراغ؛ فدعونا نُعيد إلى أبنائنا جلسة الوصايا، ولو في الطريق إلى المدرسة، أو في لحظة صمتٍ قبل النوم. دعونا نحكي لهم عن عمان التي نحبها، عن ناسها، عن شهامتها، عن الطيبين فيها، عن الأمانة، عن الوفاء، عن الجد في العمل، وعن البركة التي تسكن في القناعة. دعونا نعلّمهم الحياة، قبل أن يُفاجئهم الواقع بلا دليل ولا درع. فإن لم نكن نحن "صوت الحياة" في آذانهم، فلن نلومهم حين يسمعون غيره.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيسة وزراء إيطاليا
  • عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازدهروا في دمشق
  • تعليق الرحلات الجوية في مطار البصرة الدولي جراء مخاطر أمنية
  • جيل بلا وصايا.. فمن يُعلِّمهم الحياة؟
  • محلل تركي: أوروبا بلا حلول في ليبيا
  • العراق يخسر ملايين الدولارات يوميا بسبب إغلاق أجوائه
  • في ذكري سعاد حسني وعبد الحليم حافظ .. جمعها الحب والموت ومدينة الضباب
  • 70 شهيدا وغارات تستهدف المجوعين بغزة والموت عطشا يترصّد أطفالها
  • أزمة مزدوجة في غزة: العطش يوازي الجوع والموت يحاصر الباحثين عن المساعدات
  • بهية الحريري من ثانوية بهاء الدين الحريري: التّربية والثقافة جسر عبور من زمن الألم إلى الأمل