موقع النيلين:
2025-10-12@11:56:52 GMT

بركة ساكن: ضبط الساعة على توقيت القوات المسلحة

تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT

ونعرف أن الشاعر العربي القديم ، كان يبدع شعرا لفائدة العشيرة و القبيلة ، لأن العالم عنده ينتهي عند حدود القبيلة .
ثم أصبح من بعد يكتب ما يكتبه لحساب الحزب ،
ودأب في وقتنا هذا من يكتب حسب طلب دار النشر . وهذه كتابة ليست كتابة .
ذلك الكلام ، من الإستدراكات الأدبية الرصينة للكاتب المسرحي ، شيخ النقاد العرب الدكتور عبدالكريم برشيد ، الذي ظل وباستمرار يدعو للدخول إلى الكتابة من باب لحمه الحي .


إذ يرى أن مهمة الكاتب الحي ، هو أن يحيا الحياة أولا ،
وأن يكون دائم الإنصات لنبض الوجود والموجودات ثانيا ،
وأن يضبط ساعته النفسية على توقيت التاريخ ثالثا .
ويحرص على أن يكون مترجما صادقا ، ينطق بلسان روح الكتابة الجوانية ، قبل رسمها البراني ، ويتكلم بكلمات وعبارات روح اللحظة الحية .
والبحث عن ذلك المعنى ، وفي هذه اللحظة المربكة من تاريخ السودان بليله المدلهم ، لعمري ، لا يمكن لأي ناقد حصيف أن يتجاوز أديبنا الروائي ، الذي تنطوي نصوصه الأدبية على الأسئلة والمسائل التي تكشف كيف وصلنا بمجتمعنا إلى هذا الدرك الهائل من الارتباك والضياع . ألا وهو الأديب عبدالعزيز بركه ساكن بوصفه النموذج الأعلى لمعنى الكاتب المبدع الذي يؤسس مشروعا ثقافيا وطنيا ، هو ضميرها والناطق بإسمها ، ويذكرنا أننا كينونة وأن ثمة معنى للحياة يجب أن نعيشها كما ينبغي وذلك بوضع دواء ناجع لوضعنا المؤسف .
ذلك ابتداء من روايته ” ثلاثية البلاد الكبيرة ” و” العاشق البدوي ” و” مخيلة الخندريس ” و” الجنقو مسامير الأرض ” التي نال بها جائزة الطيب صالح في العام 2012م و” الرجل الخراب ” ومجموعته القصصية ” على هامش الأرصفة ” .. إذ ظلت كل واحدة منها تمثل شارة ضمن مجموع إشاراته التي تشكل الشارة العلامية الكبرى واضعا بها مفهومه للشخصية الثقافية السودانية ، ومحدداتها ، بوصفها الحقيقة وروح تاريخ إنسانها عبر تواتر الأزمان ، في الطريق إلى الذات الكبرى . وأسئلته التي لا يمكن أن نقفز عليها وهي صورتنا في مرآة الفكر والعلم والفن .
ورغم ذلك العدد المنشور من روايات بركه ساكن إلا أن روايته ” مسيح دارفور ” تبقى هي الأهم ، وليس ذلك في السودان فحسب ، بل تعد واحدة من أهم عشر روايات عربية ظهرت منذ مطلع الألفية الثالثة ، أي خلال نحو ربع قرن ، حسب إفادة الأديب الفلسطيني رجب عطا الطيب .
ومسيح دارفور – كما قلت في مقال سابق – هي المعاني التي صعد بها فوق الجراح ، وأرادنا بها أن ندرك المعاني وأن نبصر حبات الدموع التي نزرفها على حواف الرواية ..
إذ ، قال عبدالعزيز بركه ساكن في تعريف الجنجويد :
” قوم عليهم ملابس متسخة مشربة بالعرق والأغبرة يحيطون أنفسهم بالتمائم الكبيرة لهم شعور كثة تفوح منها رائحة الصحراء والتشرد على أكتافهم بنادق تطلق النار لأتفه الأسباب وليست لديهم حرمة للروح الإنسانية ، لا يفرقون مطلقا مابين الإنسان والمخلوقات الأخرى ” الكلاب الضالة ” وتعرفهم أيضا بلغتهم الغريبة ” الضجر ” وهي عربي النيجر أو الصحراء الغربية ليس لديهم نساء ولا أطفال بنات ، ليس من بينهم مدني ولا متدين ولا مثقف ليس من بينهم معلم او متعلم ، مدير أو حرفي .
ليست لديهم قرية أو مدينة أو حتى دولة .
ليس لديهم منازل يحنون للعودة إليها في نهاية اليوم ” ..
وقال مصدرا ” مسيح دارفور ” :
” أهونُ لجملٍ أن يلِج من ثُقب إبرة من أن يدخل جنجويد ملكوت الله ”
صور ” بركه ساكن ” صورة الجنجويد ومعناه في روايته التي صدرت قبل سنوات عديدة ووقتها إشتد الجنجويد على أهالي أقليم دارفور ، إبان نسختهم الأولى المعروفة في أوراق الحكومة رسميا باسم ” حرس الحدود ” .. وهي ملشيات قوامها القبائل العربية في اقليم دارفور ثم تحول الاسم الرسمي الأول ” من حرس الحدود ” إلى نسخته الثانية والجديدة في العام 2013 رسميا إلى قوات الدعم السريع .
غير أن المخيال الشعبي بذهنه الخلاق أطلق عليها منذ بدايات النزاعات الأهلية في بحر سنوات التسعينيات أسم ” الجنجويد ” مصطلح شعبي خاص بالذهن الدارفوري وهو مكون من مقطعين هما : ” جن ” بمعنى جني ، ويقصد بها رجل جني يحمل بندقية من نوع ” جيم 3 ” المنتشر في دارفور بكثرة ، و” جويد ” ومعناها الجواد يعني ” الرجل الجني يركب جوادا ” …
لا يتبنى الجنجويد أي توجه فكري أو سياسي، فهم تنظيم مسلح وظيفي يعمل لصالح القبائل العربية التي تحالفت مع الحكومة السودانية لمواجهة الحركات المسلحة المعارضة ، المكونة من بعض أبناء القبائل غير العربية ، وتم تصنيفهم عنصريا باسم قبائل ” الزرقة ” أي السود وفقا للمصطلح السوداني الدارج ومنهم الفور والمساليت والزغاوة وآخرين .
وقد استخدم الجنجويد جرائم في تلك المجتمعات أكثر بشاعة من الدواعش ، حرقا للقرى والإغتصاب والقتل والتنكيل بالناس . على أساس اللون والدم والعرق .
وقد عاين الأديب الفلسطيني ” رجب عطا الطيب ” رواية مسيح دارفور ، بقدر كبير من العمق ومن نتائج تحليله قال :
” وتعود أهمية مسيح دارفور لأكثر من سبب ، فهي أولا تكشف مضمونيا عن حرب أهلية ضروس ، قاسية ، وقعت في إقليم دارفور ، وترافقت مع الفصل الأخير للحرب بين شمال السودان وجنوبه .
وثانيا ، تقدم الصورة بشكل موضوعي ، من قبل روائي حصيف ، على لسان راو مثله ، بل ربما كان هو .
وثالثا ، تقدم صورة مجتمعية في لحظة اشتباك معقد بين طغمة الحكم المستبدة ، بكل وحشيتها ، والفقراء الذين تعرضوا للتطهير العرقي ، بما أوقع 300 ألف قتيل ، و3 ملايين مشرد ، وفق إحصائيات الأمم المتحدة .
ورابعا ، وفي لحظة استحضار لماض متخلف ، تداخل فيه الجهل والفقر والاستبداد بحيث ظهر على صورة ظاهرة الرق التي انتشرت إبان السلطة الزرقاء قبل قرون ، وخلال عهد الدولة المهدية ، ولم يتم وضع حد لها – على الأقل بالشكل الرسمي – إلا في عهد الاستعمار البريطاني ، والتقسيم العرقي في السودان حساس جدا تجاه هذا الموروث ، حيث تعامل العرب مع الأفارقة كأسياد مع العبيد .
وخامسا الرواية استثنائية من حيث مبناها الروائي ، فالسرد فيها سلس ومتنوع بتنوع الشخصيات ، واللغة منسابة ، رغم ما تضمنته من كلمات سودانية دراجة أو مغرقة في المحلية ، والنص متضمن الكثير من الحكايا المدهشة التي تجعل من السرد مشوقا ، وهناك خط درامي تصاعدي إلى حد ما ، وهناك بالطبع مقولة للنص ، وهناك جرأة فيما يخص ما يعتبره النظام العام خادشا للحياء ، وهذه صفة ملازمة لأعمال ساكن ، منذ مجموعته القصصية ” على هامش الأرصفة ” ، وراوية ” الجنقو مسامير الأرض ” اللتين تعرضتا للمصادرة ، هذا رغم أن ” الجنقو ” فازت بجائزة الطيب صالح الروائية عام 2009م ” .
ذلك هو عبدالعزيز بركه ساكن ، الروائي الذي تتقلب من حوله الأحوال والمواقف ، وهو ثابت في حاله ، لم تأخذه القبيلة ، ولا المناطقية ، ولا الأيديولوجيا ، بل ظل في كل الأحوال محكوما بالحضور الوطني . في كل دورة أو مرحلة ، أيام حكم الإنقاذ ، والثورة ضدها ، وما بعد سقوطها ، حتى مرحلة تمرد ملشيات الدعم السريع ، فالجنجويد في منظوره هم الجنجويد كما عرفهم في مسيح دارفور .
ولهذا يضبط عبدالعزيز بركه ساكن ساعته النفسية على توقيت القوات المسلحة ، لا بوصفها المؤسسة الوطنية الأوحد المناط بها دستوريا الدفاع عن السيادة الوطنية ، بل لأن ” جيشنا ” هو السودان تراثا وثقافة وأدبا وطبعا وأخلاقا وصهوة تاريخ شعوبه ، هو دورة حياة السودان في الوجود الإنساني .
يذهب الآخرون ويعودن ، يحضرون ويغيبون ، وبعضهم ينقلب رأسا على عقب ، إلا ، عبدالعزيز بركه ساكن ، ثابت السكن في قلب الوطن ، كالرمح إستقامة ، رافضا الإنحناء أو الغياب ، ويضع كلماته المبدعة اليوم في صف القوات المسلحة وهي تخوض حرب الكرامة .
كلمات بركه ساكن اليوم إضافة فكرية وجمالية ، ضد منطق الولاء لغير السودان ومجتمعاته المتعددة ، مع جيش ضد الجنجويد ، وبنفس منطقه الأول الذي أسس به ملامح مشروعه الثقافي الوطني ، وهو نفس منطق الواقع ونفس منطق التاريخ ، وبذات منطق الجمال .
الجيش روح السودان وصورته
هم سموق قمة جبل التاكا
وأزهار هضبة جبل مرة ..
معطاءون كفيوض نهر النيل
وثبات أهرامات البركل
هم قلم البلاد الأوحد وقرطاسه وخيله وليله .
#معركة_الكرامة
#جيش_واحد_شعب_واحد
#كتابات_سودانية

الدكتور فضل الله أحمد عبدالله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

وزير الدفاع يشهد حفل تخرج دفعات جديدة من الكليات العسكرية 

شهد الفريق أول عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى مراسم الإحتفال بتخريج دفعات جديدة من الكليات العسكرية ، الدفعة 76 بحرية دفعة الفريق تامر عبد العليم محمـد والدفعة 62 فنية عسكرية دفعة الفريق فخرى محمـد سعيد العصار والدفعة 8 كلية الطب بالقوات المسلحة دفعة اللواء طبيب محمـد سعد الدين محمـد على عمر والدفعة 5 من حملة المؤهلات العليا والدورة 2 فروسية دفعة الفريق أول صدقى صبحى والدفعة 4 ضباط متخصصين دفعة الفريق إبراهيم عبد الغفور العرابى. 

محافظ المركزي السوري: إلغاء قانون قيصر يفتح الباب أمام عودة الاستثمارات

 

 جاء ذلك بحضور عدد من الوزراء والفريق أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة والفريق أول ركن صدام حفتر نائب القائد العام للجيش الوطنى الليبى وعدد من المحافظين وقادة الأفرع الرئيسية وعدد من قادة القوات المسلحة والملحقين العسكريين ورؤساء الجامعات والشخصيات العامة والإعلاميين وأسر الخريجين.  

بدأت مراسم الإحتفال بعرض المهارات الرياضية وفنون الدفاع عن النفس والقتال المتلاحم والتى عكست  الكفاءة البدنية والقتالية والمهارة العالية التى إكتسبها الطلبة طوال مدة دراستهم بالكليات العسكرية،  تلى ذلك عرض عدد من نماذج نظم التسليح الحديثة والتى تهدف إلى مواكبة أحدث النظم العلمية والتكنولوجية فى ظل التطور المتسارع فى نظم التسليح المتكاملة والمسيرات ، وقدمت الموسيقات العسكرية عرضاً متميزاً أظهر مدى التوافق الحركى والدقة فى العزف من الحركة كما قدموا عروضاً لعدد من الأغانى الوطنية.

واختتمت العروض بالعرض العسكرى شارك فيه مجموعات من طلبة الكليات العسكرية يتقدمهم حملة الأعلام ، وعزفت الموسيقات العسكرية سلام الشهيد تكريماً لروح شهداء الوطن الأبرار.

أعقبها إعلان رئيس هيئة تدريب القوات المسلحة نتيجة التخرج ، ثم جرت مراسم تسليم وتسلم القيادة من الخريجين إلى الدفعات الجديدة من طلبة الكليات العسكرية ، وأعلن مدير إدارة شئون ضباط القوات المسلحة قرار التعين ومنح الأنواط لأوائل الخريجين ، حيث قام الفريق أول عبد المجيد صقر بتقليد أوائل الخريجين نوط الواجب العسكرى من الطبقة الثانية الذى صدق على منحه لهم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة تقديراً لآدائهم المتميز خلال فترة الدراسة وردد الخريجون يمين الولاء.

وألقى الفريق أشرف سالم زاهر مدير الأكاديمية العسكرية المصرية كلمة أشار خلالها إلى حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على توفير كافة الإمكانات العلمية والتدريبية بالأكاديمية لتخريج أجيالٍ جديدة من الضباط القادرين على حماية الوطن ، مشيراً إلى ضرورة الحفاظ على ما إكتسبوه من إنضباط ذاتى وكفاءة تدريبية متميزة لتظل القوات المسلحة على أتم الجاهزية والإستعداد للزود عن ثرى مصر المقدس.

وقام أوائل خريجى الكليات العسكرية وكلية الشرطة بتقديم هدية تذكارية للقائد العام للقوات المسلحة ، ونقل الفريق أول عبد المجيد صقر تحيات وتهنئة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة للخريجين وأسرهم متمنياً لهم التوفيق فى مسيرتهم العملية داخل صفوف القوات المسلحة ، مشيراً إلى المسئولية الملقاة على عاتقهم التى كلفهم بها شعب مصر العظيم فى صون مقدرات الوطن ، وأن القوات المسلحة ستظل قوية بعطاء أبنائها المخلصين للحفاظ على أمن مصر وإستقرارها مهما كلفهم ذلك من تضحيات .

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع يشهد حفل تخرج دفعات جديدة من الكليات العسكرية.. صور
  • وزير الدفاع يشهد حفل تخرج دفعات جديدة من الكليات العسكرية 
  • نشطاء يعلنون سقوط عشرات القتلى بهجوم لقوات دعم السريع في غرب السودان
  • مقتل 53 وإصابة 21 في قصف ميليشيا الدعم السريع لمركز إيواء بالفاشر
  • ماذا بقي من اتفاق جوبا للسلام في السودان بعد خمس سنوات على توقيعه؟
  • مرتزقة أوكرانيون في دارفور.. السودان يدخل مرحلة الحرب بالوكالة
  • أبو العينين: هذه الوزارة اتعرض عليا اتولى قيادتها من كام سنة ورفضت
  • السودان: تحركات لاحتواء توتر بين مجموعتين بشمال دارفور بعد مقتل آدم صبي
  • على خلفية محاكمة كوشيب.. ماهي خلفيات قضية دارفور لا يعرفها الكثير من السودانيين
  • سلفا كير يقيل قائد الجيش بعد ثلاثة أشهر من تعيينه ويعيد سلفه