البوابة نيوز:
2025-05-28@18:45:17 GMT

"Anora".. يشعل سباق موسم الجوائز الكبرى

تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قلب فيلم الكوميديا والرومانسية "Anora" للمخرج شون بيكر، موازين موسم الجوائز الكبرى بعد فوزه الثمين بجائزة أفضل فيلم خلال حفل جوائز اختيار النقاد Critics' Choice Awards في نسخته الثلاثين، قاطعًا الطريق على أفلام أخرى كانت في صدارة الترشيحات مثل: ملحمة برادي كوربيت "The Brutalist"، ودراما جاك أوديار الموسيقية "Emilia Pérez"، اللذين تصدرا المشهد خلال حفل جوائز غولدن غلوب.

وإلى جانب "Anora"، فازت أفلام "Wicked" و"Emilia Pérez" و"The Substance" بثلاثة جوائز خلال الحفل السنوي. وفي الوقت نفسه، تفوق مخرج فيلم "Wicked" جون إم. تشو، الذي لم يُرشح لجائزة الأوسكار لأفضل مخرج، على العديد من المرشحين لجوائز الأوسكار ليفوز بجائزة أفضل مخرج في حفل توزيع جوائز اختيار النقاد.

بدأ تشو خطابه قائلا: "سأفوز بجائزة الأوسكار!"، مما أثار ضحكا كبيرا من الحاضرين، قبل أن يلوح بها بيده ويبتسم، "أنا لست مرشحا، أنا لست مرشحا". وواصل "تشو" شرحه بأنه لم يكتب خطابًا، قائلاً: "سأكون صادقًا معكم... نحن نحكي قصصًا عن حياتنا. كنت أنتظر حتى لا أفكر في الجبر أو القواعد النحوية مرة أخرى. أردت فقط أن أصنع أفلامًا. أردت أن أعمل مع أصدقائي. أردت أن أشارك كل ما كان في رؤوسنا في ذلك الأسبوع، ذلك العام، في طفولتنا. أشعر بامتياز كبير لوجودي هنا، ولسرد القصص للعالم معكم جميعًا هنا".

وتابع المخرج في شكر زوجته وأطفاله الخمسة: "هذه الجائزة مخصصة لكل الأشخاص الذين يحبون الفنانين. إنها حياة صعبة أن تحب فنانًا. نحن أنانيون. نحن غريبون. لكنكم يا رفاق تساعدوننا. ... أمريكا هي أعظم مكان في العالم. نعم، لدينا مشاكلنا. إنها أعظم مكان يمكن أن تتحقق فيه الأحلام. يمكننا تحقيق أشياء لم يكن والداي ليحلموا بها أبدًا. كل هؤلاء الأشخاص ساعدوني".

وأثناء خطاب قبول الجائزة، أعرب المخرج الأمريكي شون بيكر عن صدمته بهذا الفوز، ووصفه بأنه "غير متوقع على الإطلاق". وقال مخرج "Red Rocket": "عندما يرى أولئك الذين يكرسون حياتهم لحب السينما والنقد السينمائي والصحافة السينمائية شيئًا إيجابيًا في عملك، ولو قليلًا، فهذا يعني كل شيء في العالم. لذا أشكركم جزيل الشكر".

وأشار "بيكر" أن هذا الفيلم الصغير تم إنتاجه بتكلفة لا تتجاوز 6 ملايين دولار: "هذه ميزانية صغيرة هذه الأيام. حدث كل هذا بفضل الفريق الرائع الذي عمل على الفيلم. لقد أنفقنا كل دولار على تلك الشاشة".

وعن مجتمع السينما المستقلة، ذكر "بيكر": "يتعين علينا أن نبذل قصارى جهدنا حتى يظل الفيلم على الشاشة الكبيرة. وهذا ما أريد قوله. لقد صنعنا هذا الفيلم من أجل الشاشة الكبيرة. نشكر كل من شاهده على الشاشة الكبيرة".

واختتم المخرج صاحب الثلاثة والخمسين عامًا، حديثه بالإشارة إلى دور السينما: "علينا أن نفكر في دور السينما. هذا هو المكان الذي وقعنا فيه جميعًا في حب الأفلام، في دور السينما. إنها تمر بأوقات عصيبة. فقدنا 1000 دار سينما خلال جائحة كورونا. نفقدها يوميًا تقريبًا. هذا هو المكان الذي نحب فيه مشاهدة الأفلام. دعونا نرى الأفلام في دور السينما المحلية لدينا".

هذه الجائزة يمكن أن تعزز مكانة "Anora" بين دوائر المصوتين في جوائز الأكاديمية البريطانية للسينما (Bafta)، وجوائز أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة (الأوسكار)، التي سيبدأ التصويت النهائي علي جوائزها خلال الفترة من (11-18) فبراير الجاري.

تلعب مايكي ماديسون، في أول بطولة سينمائية لها، دور عاملة جنس في مدينة نيويورك، تحكي قصة سيندريلا المعاصرة بعد لقائها وزواجها من إيفان (مارك إيدلشتاين)، الابن الصغير لعائلة روسية فاحشة الثراء. لكن الأحداث تتحول إلى الأسوأ عندما يكتشف والدا إيفان أمر الزواج.

وفازت النجمة ديمي مور، بجائزة أفضل ممثلة؛ وخلال خطاب قبول الجائزة، ألهمت  "مور" الحضور بكلماتها: "لقد كانت رحلة برية، لا أستطيع أن أخبرك متى بدأت هذه الرحلة في هذا الفيلم، لم أكن لأتخيل أبدًا أن أكون هنا. لقد تجاوز الأمر كل ما كنت أتمنى".

ورغم أن مور لم يكن لديها الوقت الكافي في خطاب قبولها كما حدث في حفل جوائز جولدن جلوب، إلا أنها أنهت وقتها في الميكروفون بقولها: "بالنسبة لأي شخص لا يزال في رحلته، ولا يزال يكافح من أجل إيجاد طريقه، لأن ذلك لم يحدث، فهذا لا يعني أنه لن يحدث، فالأحلام تتحقق".

أما فيلم الدراما الموسيقية "Emilia Pérez"، الذي أثارت بطلته كارلا جاسكون جدلاً واسعًا خلال الأسابيع الماضية، ففاز بجائزة أفضل ممثلة مساعدة نالتها النجمة زوي سالدانا، والتي قالت في كلمتها: "أنا أقدر دور الناقد. أنا أقدره. أحيانًا أقرأ المراجعات وأستوعبها، وخاصة التعليقات المفيدة".

وتابعت سالدانا قائلة: "إن التفكير في أن فيلم Emilia Pérezهو الفيلم الصغير الذي استطاع أن يلقى صدى لدى العديد من الناس كان تجربة تستحق أن نخوضها"، مسلطة الضوء على المخرج جاك أوديار الذي "آمن" بها. "إلى فريق العمل بأكمله والفنانين والمصممين والموسيقيين الموهوبين، أشارككم هذا".

وبعد شكر فريق الفيلم في نيتفليكس وعائلتها، اختتمت سالدانا حديثها قائلة: "أمنيتي في التأثير الذي يحدثه هذا الفيلم على الجمهور وعالمنا هي أن نتمكن جميعًا من أن نكون فضوليين ومنفتحين تجاه بعضنا البعض. لا تعرف أبدًا متى تتاح لك الفرصة لتكون بطلاً في قصة شخص آخر. عالمنا كبير وجميل للغاية بحيث لا يمكن أن يكون بأي شكل آخر. حافظ على فضولك ولطفك وكن أزرق - ليس أزرقًا للغاية".

جاء فوز نجمة فيلم "Emilia Pérez" بجوائز اختيار النقاد بعد فترة وجيزة من الجدل الذي ثار حول الممثلة الرئيسية كارلا صوفيا جاسكون، والذي دفع حملتهم لجوائز الأوسكار إلى كابوسًا. عادت التغريدات العنصرية والمسيئة التي نشرتها جاسكون على X إلى الظهور بعد حصول الفيلم على 13 ترشيحًا رئيسيًا لجوائز الأوسكار.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: حفل جوائز اختيار النقاد دور السینما بجائزة أفضل هذا الفیلم Emilia Pérez

إقرأ أيضاً:

هل على نتنياهو أن يخشى من جيل الأطفال الذي شهد الإبادة؟

بعد ساعات طويلة من انتظار الحصول على حصّته من المياه، يقف طفل لا يتجاوز الـ12 من عمره أمام غالونين كبيرين مليئين بالماء، لا وقت للإرهاق الآن، فالحصول على المياه النظيفة الشحيحة شيء، والعودة بها للخيمة أو المنزل المهدم الذي يعيش فيه مع أسرته شيء آخر تماما. يحاول الطفل رفع الغالونين عدّة مرات دون فائدة، فالحمل ثقيل لجسد صحيح، فما بالك بجسد منهك من الحرب وقلة التغذية.

محاولات الطفل غير الناجحة جعلته يدرك أن مقدار وزن الغالونين رُبما يفوق وزنه هو شخصيا، وحينما أدرك الصغير حجم ما يواجه، رفع وجهه إلى السماء ثم قال: "أعطني القوة يا الله". تنفس ملء رئتيه، وتمكن بالفعل من حملهما والسير بهما لخطوات عدة وثّقتها الكاميرا لترصد نزرا يسيرا من هول ما يعيشه أطفال غزة تحديدا وعموم قاطني القطاع المحاصر.

طفل غزيّ يحاول رفع غالونين من المياه (مواقع التواصل)

في وقت سابق، نشر ستيفن جوزيف، وهو أستاذ في كلية التربية بجامعة نوتنغهام الإنجليزية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، ورقة بحثية ناقش فيها النمو النفسي خلال مرحلة ما بعد الصدمة أو التجربة المؤلمة، وقد استهلّت الورقة البحثية عنوانها بـ"ما لا يقتلنا".

عمل ستيفن مع عديد من الناجين من الصدمات وأهوال النزاعات، ولديه مسيرة طويلة في دراسة ما تُعرف بـ"النمو بعد الصدمة"، وكتابه الشهير: "ما لا يقتلنا: دليل للتغلب على الشدائد والمُضي قدما"، حاول فيه توظيف بعض النظريات والممارسات النفسية لاستكشاف ماذا يجري بعد الصدمة، وكيف يمكن التغلب على الشدائد لخلق معنى وهدف جديدين في حياتنا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صور أطفال فيتنام غيّرت العالم فلماذا لا يهتز لصور أطفال غزة؟list 2 of 2ما الذي تغير ليرفض الغرب حرب الإبادة على غزة؟ ولماذا الآن؟end of list إعلان

وضّح جوزيف أن الدراسات النفسية المتعلقة بالصدمات قد تغيرت مؤخرا، خاصة مع إدراك الباحثين أن الشدائد والمواقف بالغة الصعوبة لا تؤدي بصورة حتمية إلى خلق شخص مضطرب نفسيا أو مكتئب، إذ بدأت اتجاهات البحث النفسي العلمي ترى أن هناك جانبا من "النمو الإيجابي" قد يتحقق خلال مرحلة ما بعد الصدمة والتجارب القاسية ويمكن أن تمثّل نقطة انطلاق لبناء مستويات أقوى من الصلابة النفسية.

وهذا ما عبرت عنه بجلاء الورقة التي نشرتها يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2024  الأستاذة الأسترالية ميشيل بيس في المعهد الأسترالي للشؤون الدولية بعنوان "الغزيون: شعبٌ يتمتع بشجاعةٍ لا تُقاوم، وإيمان، ولطف" ، وأشارت فيها إلى نمط حياة شعب غزة في فترة ما قبل الحرب، وكيف أنهم "رغم الحصار والتضييق الخانق من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، كانوا يجدون وسائل للتكيف مع واقعهم المُعاش ووسائل بناء شبكات تضامن اجتماعية تسيّر حياة المجتمع"، وأن هذه الديناميات والقدرات أسهمتا بصورة أو بأخرى في رفد المجتمع بأساليب وأدوات للبقاء والصمود، وقد زادهم صلابة تتالي الحروب وتنوع وسائل القتل والتدمير التي لم تتخلف عن القطاع طوال الفترة الماضية.

ومن المداخل التفسيرية التي لا تستحضر كثيرا في الدراسات النفسية وإن كان لها دور في تعضيد هذه القراءات، ونقصد بذلك المدخل الإيماني الذي يلعب دورا واضحا في الكيفية السلوكية التي يتعامل بها الأفراد تجاه المصائب التي يواجهونها، إذ تشكّل الأرضية الإيمانية -التي يستند إليها الفرد أو المجتمع- عاملا أساسيا في محددات الحالة الشعورية التي تلي المعاناة، فضلا عن الحالة النفسية في أثناء الأزمة، ولا يمكن فصل هذا العامل عن تحليل المشاهد الواردة من غزة، إذ يمكن ملاحظة حضور المفاهيم الدينية والإيمانية في خطاب وسلوك الغزيّين.

إعلان

في الدين الإسلامي مثلا، البلاء يتطلب صبرا، وللصابرين مثوبة جزيلة، وجانب من التكوين الإيماني للمسلم قائم على أن البلاء مرحلة مرّ بها المؤمنون على مدار التاريخ، حيث يسوق القرآن وتسوق الأحاديث النبوية الكيفية التي تعاملت بها المجتمعات المؤمنة التي تعرضت للبلاء، وما يلي ذلك من ثواب من الله لا يقتصر على ما يراه الفرد في هذه الدنيا.

بالطبع لا يسعى هذا التقرير إلى أسطرة الإنسان الغزي (أي جعله أسطورة)، بل يحاول البحث في الديناميات والقدرات النفسية الحقيقية التي يقاوم بها سكان القطاع، في محاولة للنجاة من الأهوال التي يقاسونها يوميا، ليس على صعيد النجاة من الموت فحسب، بل أيضا عبر المجاهدة في تفاصيل يومهم كافة، بدءا من شربة الماء، وصولا إلى محاولة النوم، وليس انتهاء بالعيش وسط مجتمع لا يمتلك أدنى مقومات العيش الكريم، وأساسات الحياة التي اعتادها لعقود.

أطفال فلسطينيون بالقرب من حاويات المياه في قطاع غزة، السادس من أبريل/نيسان 2025 (رويترز) هل تؤدي الصدمات والشدائد إلى "تدمير" الشخص؟

أما عن مصطلح "اضطراب ما بعد الصدمة" فهو أحد أكثر المصطلحات النفسية شيوعا في العالم العربي، وقد أخذ رواجا على إثر الانتكاسات السياسية والاقتصادية وما تلاها من تمزّقات شملت البنى الاجتماعية في عدد من المجتمعات العربية، وكانت ارتدادات تلك الانتكاسات حاضرة بثقلها على المساحة الشعورية للأفراد والمجتمعات على السواء، وفي ظل هذا الواقع، حضر مصطلح اضطراب ما بعد الصدمة كمحاولة لتفسير آثار التغيرات التي برزت على سطح المجتمع وعمقه.

وكما الحال في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فإن المفاهيم عادة ما تنشأ في سياق زماني وجغرافي محدد، ثم تكون عرضة للتبدل والتغير، عندما تتعرض لتفسير وفهم مستجدات جديدة، فامتزاج النظرية بسياقات ثقافية مختلفة عن البيئة التي نشأت فيها، يحتم عليها أن تتجاوب مع المتغيرات حتى يمكنها، اخراج تفسيرات ملائمة. وقد أسهمت غزة في خلق تحديديات كثيرة أما العديد من الأفكار والنظريات الاجتماعية.

إعلان

أما عن سياق نشأة وظهور مصطلح "اضطراب ما بعد الصدمة"، فنجده مرتبطا بالجمعية الأميركية للطب النفسي عام 1980، وقبل سك هذا المصطلح، كان هذا الاضطراب يُعرف قد انتشر خلال الحرب العالمية الأولى باسم "صدمة القذائف"، وكان يُعتقد أنه يؤثر على الجنود فقط. وتعرّفه جمعية علم النفس الأميركية بأنه اضطراب نفسي يحدث عندما يعيش أو يشهد شخص ما حدثا يشعر خلاله بتهديد حياته أو سلامته الجسدية، فتكون المشاعر المسيطرة على الشخص خلال هذا الحدث هي الخوف أو الرعب أو العجز.

بمرور الوقت، جذبت أعراض هذا الاضطراب انتباه الباحثين والعلماء، وبدأت البحوث المتتالية ترصد وتوثق أثر التعرّض للصدمات في تغيير حياة الإنسان وإفسادها، وذلك لما تتركه الصدمات من تأثيرات وتغييرات نفسية سلبية بعد تعرض الشخص لحادث صادم. وقد اعتقد الباحثون أن هذه التغييرات النفسية السلبية مردّها عائد إلى رغبة العقل في حماية الشخص من التعرض لمزيد من "التجارب الخطرة" أو من تلك التجارب التي يمكن أن تضع الفرد في موقف فيه تهديد، حتى وإن كان متخيّلا.

في البدء، طغى اتجاه طبي ينحصر تركيزه في توثيق التأثير السلبي للتعرض للصدمات، دون الالتفات كثيرا إلى الملاحظات -كانت قليلة حينها- التي تناولت التأثير الإيجابي الذي يُمكن أن تُحدثه الصدمات في حياة وشخصية الأفراد الذين يتعرضون لها.

لكن قد يكون السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: "هل كل مَن يتعرض لحادث مؤلم مُهدِّد للحياة، يُعاني بعد النجاة منه اضطراب ما بعد الصدمة؟".

النمو بعد الصدمة

رغم الاهتمام بالجوانب السلبية، فإن بحث جوزيف، السابق الإشارة إليه، يرى أن الاهتمام العلمي في المجال النفسي بالتغيرات الإيجابية التي قد تعقب تعرض الشخص للصدمات والشدائد، أخذ في التزايد، بعدما أظهرت مجموعة من الدراسات -التي أُجريت أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات- أن هناك مجموعة من التغيرات الإيجابية التي شهدتها شخصيات قاسوا أحداثا مأساوية أو صدمات شديدة القسوة.

إعلان

حين رُصدت نتائج الدراسات السابقة، بدأ الاهتمام خلال تسعينيات القرن الماضي بدراسة الكيفية التي تتحول فيها صدمة إلى عامل "محفز" للتغييرات الإيجابية، وأثر ذلك في تعضيد التكوين الشخص النفسي. هنا بدأ يظهر مفهوم "النمو" بعد الصدمة، حتى أصبح مجالا بحثيا يجذب اهتماما دوليا واسعا من الباحثين والعلماء، وخلال السنوات العشر التالية لظهور هذا المفهوم، أصبح نمو ما بعد الصدمة أحد الموضوعات الرئيسية التي تندرج ضمن موضوعات علم النفس الإيجابي.

يُشير موقع "سيكولوجي توداي" إلى أنه في أوائل التسعينيات، صاغ عالِما النفس ريتشارد تيديشي ولورانس كالهون مصطلح "النمو بعد الصدمة" (PTG)، ويقوم هذا المصطلح بشكل أساسي بوصف التغييرات الإيجابية التي يمكن أن تحدث لشخصية الفرد أو نفسيته بعد تعرضه لأزمة كبيرة أو حادث مُهدِّد للحياة أو صدمة قاسية.

وأن التغييرات الإيجابية الملحوظة يمكن أن تحدث للشخص الذي تعرض للصدمة خلال الأيام أو الأشهر أو حتى السنوات التي تلي تعرضه لهذه الصدمة. وبالنسبة للناجي من الصدمة، يمكن أن تكتسب الحياة معنى جديدا يمنح الفرد القدرة على إعادة تشكيل معتقداته وأولوياته وأهداف حياته والقيم التي ستشكل هويته.

مشروع مقاوم أكثر صلابة

خلال شهر مايو/أيار الجاري، أعلنت وزارة الصحة بقطاع غزة، أن 16 ألفا و503 أطفال فلسطينيين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الإبادة الجماعية في غزة، في إحصائية صادمة تجسد حجم الاستهداف المباشر والممنهج لأضعف فئات المجتمع.

عرف الأطفال، الذين يُمثلون ما يقرب من نصف عدد سكان قطاع غزة خلال أكثر من 20 شهرا، معنى أن يتركوا بيوتهم مرغمين مذعورين قبل أن تُهدم فوق رؤوسهم، ومعنى أن يذوقوا ألم فقدان أهاليهم وأقربائهم وأصدقائهم وجيرانهم، ومعنى أن ينتظروا الموت، فلا يعلمون ما إذا كانت هذه آخر مرة يضع فيها الواحد منهم رأسه المنهك على الأرض كي ينام، أو أن يرقبوا بأعينهم من وراء الركام ويشموا بأنوفهم رائحة الدماء التي تعني حتما ارتفاعا يوميا في أعداد الشهداء والمصابين، حتى يصبح الموت حاضرا وماثلا وجاثما على امتداد القطاع.

إعلان

اختبر هؤلاء الأطفال معنى أن تسترد وعيك في المشفى كي ترى طرفا من أطرافك قد بُتر. ناهيك عن الإصابات غير المرئية، كأن تنخفض قدرة طفل على السماع على إثر قذيفة سقطت في منطقة مجاورة لمكان تواجد الطفل، وهذه إصابة حقيقية لها شواهدها.

بالعادة، وفي سياقات مشابهة، تبدو نتيجة الضرر النفسي البالغ حتمية على كل طبقات المجتمع، فما ظنّك بالأطفال؟ بالتأكيد هناك من عانى من ويلات الحرب وألمت به مشاعر الاكتئاب والقلق واليأس والحزن والاستياء والغضب والخوف، لكن هذا ليس أمرا جاريا ومضطردا في كل الأحوال.

فبعض التغييرات العنيفة والأحداث بالغة القسوة التي شهدها الطفل الغزاوي، وفقا لمفهوم "النمو" بعد الصدمة والتي تمتزج مع المركّبات الإيمانية للمجتمع الغزيّ، قد لا تقود إلى نتيجة حتمية مفادها الانهيار -وإن كان ذلك حاضرا ولا يمكن إنكار حدوثه اليوم أو احتمالية ظهوره في المستقبل القريب- لكنها في المقابل قد تجعل منه شخصية تتسم بالصلابة والقوة النفسية، ورُبما يكون الصبي الذي شهد كل هذا العنف في الغد القريب مقاوما أكثر صلابة من سابقيه، فكثير من مقاومي اليوم هم من أهالي الشهداء والأسرى والمصابين، وهم ممن قاسوا شخصيا، أو قاسى أهلهم المباشرون حروبا وتهجيرا وتضييقا ممنهجا حتى وجدوا في المقاومة خيارا ضروريا لاسترداد الحق.

في السياق ذاته، قبل أن يتغير موقف الملياردير الأميركي إيلون ماسك من حرب إسرائيل على غزة، فإنه كان قد تساءل في مقابلة مصورة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أي بعد شهر تقريبا على طوفان الأقصى وبدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة: "مقابل كل عضو تقتله من حماس كم خلقت من الأعداء؟ وإذا كان ما خلقته أكثر مما قتلت فأنت لم تنجح". كان هذا التساؤل المشروع قبل أن يحرك نتنياهو ترسانته لاستمالة ماسك الذي بدا جليا تغير خطابه ومواقفه بعد هذه المقابلة تحديدا.

إعلان

قد تخلق الظروف القاسية إنسانا مضطربا، وقد تساعده على اكتشاف مكنوناته وقدراته الداخلية. قد يتألم الانسان الموجوع، ولكن من الممكن أن يشتد عوده وتصلب إرادته، وعندما يعتاد مجتمع ما الحرب والصراع وترتبط ذاكرته بالاستعمار والانتهاكات، فليس أمامه إلا طريقان: أن يستسلم، أو يقاوم، وغزة بالتأكيد تقاوم.

ووسط كل هذا الركام والدموع المنهمرة، قد يتخلق شيء إيجابي وفق تصورات علم النفس، وأن هذا النمو المتوقع، أو التغير الإيجابي المرتقب لا يحدث بضغطة زر، وليس نتيجة حتمية للتعرض للصدمة، لأنه يتطلب تحديا واستعدادا نفسيا عاليا يصحبه المرء أثناء خوضه معركة بقائه. وهنا يوضح ستيفن جوزيف أن النمو بعد الصدمة هو "عملية تغيير وليس فقط نتيجة تلقائية للتغيير"، فهي لا تحدث إلا للأفراد الذين تأهلوا لذلك.

وهذه "الآثار الإيجابية" قد تزور الفرد بعد أعوام من الحرب، فيكتشف الحكمة من ورائها، ويسبر أغوار الآثار النفسية العميقة التي تركتها التجربة، وكل هذه أمور قد لا تحدث لآخرين. كما أن ثمة بعدا آخر في تشكيل هذا المقاوم الأكثر صلابة، وهي أن القاتل أو المجرم لم يترك "للضحية" مساحة ولا خيارا آخر، فإما أن يغرق في ظلمات الاكتئاب فيصبح الدم المسفوك لا معنى له سوى ندبة غائرة وجرحا نازفا في نفس وذهن الشخص، أو أن يقف على قدميه متحديا كل الأعباء، نافضا عنه غبار العاصفة الثقيل، كعنقاء تخرج من رمادها، ثم يقاوم، كي يسترد بعضا من حقه، أو يُقتل وهو يحاول، فـ "علَى هَذِهِ الأَرْض مَا يَسْتَحِقُّ الحَياةْ"، كما يقول محمود درويش.

مقالات مشابهة

  • سالم الدوسري وبلان يتصدران جوائز الأفضل لشهر مايو
  • السيد القائد الحوثي: القرآن الكريم النعمة الكبرى بكتاب الهداية الذي فيه البركة الواسعة في كل مجالات الحياة
  • «أومبودزمان» يتصدر قائمة المرشحين في سباق سانداون
  • مبسوطة أوي.. تعليق انتصار بعد تكريمها في حفل توزيع جوائز «كأس إنرجي للدراما»
  • هل على نتنياهو أن يخشى من جيل الأطفال الذي شهد الإبادة؟
  • غسان سلامة: هنالك انعدام للثقة بين قادة الدول الكبرى
  • بفستان جريء.. ابنة صلاح عبدالله تثير الجدل في توزيع جوائز كأس إنيرجي
  • «حائز على الأوسكار».. وفاة المخرج الألماني أوفولس عن عمر يناهز 97 عامًا
  • زواوي: فرق خاصة للشرطة لتأمين الشواطئ وحراسة الفضاءات الكبرى
  • محمد صلاح.. الملك المصري يتربع على عرش الدوري الإنجليزي بـ3 جوائز جديدة