من معاني جامع الجزائر.. صمود الأمة بثوابتها المقدسة في الماضي والحاضر
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
في مثل هذا اليوم من السنة الماضية تم في الجزائر تدشين أكبر معلم حضاري في ساحة الأمة الإسلامية.. يتميز بخصائص فريدة من نوعها تأتي على رأسها منارته التي تناطح السحاب في السماء بكل عزة وكبرياء على ارتفاع يبلغ 265 مترا وهي بذلك تعتبر أطول أو أعلى مئذنة في العالم حتى الآن. تضم في طوابقها الثلاثة والأربعين التي تتراوح مساحة كل طابق منها ما بين (400 ـ 600) متر مربع تضم مطعما مطلا على مناظر مختلفة من العاصمة وفوقه متحف الحضارة الإسلامية ومركزًا للأبحاث وعدة مرافق حيوية مشهدية بديعة تسر الناظرين وتثلج صدور كل المؤمنين.
يقع جامع الجزائر الأعظم بكل مرافقه المتنوعة المتكاملة التي تتطلبها كل مناحي الحياة العصرية التعبدية والتكوينية العلمية لأكثر من ثلاثة عشر تخصصا في الدراسات العليا التي لها علاقة بالإنسان في كل أبعاده المادية والروحية ومكتبة رقمية على أحدث النظم العصرية تسع مليون كتاب في مختلف التخصصات العلمية. يتربع الجامع على مساحة إجمالية تفوق 30 هكتارا!!
إنه عاصمة صغرى في عاصمة كبرى يتوسطها المسجد الذي يعتبر تحفة معمارية نادرة المثال، وهو من حيث سعة استيعاب المصلين يعد الثالث من نوعه بعد الحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة. إنه باختصار مفخرة الأمة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى كما عبر عنه مئات كبار الزوار من الشخصيات العالمية (العلمية والسياسية والديبلوماسية والإعلامية....) في سجله الذهبي، ويعبر عنه كذلك بكل رمزية ذلك الرقم القياسي لعدد الشهداء في سبيل الدين والوطن وكسر قيود العبودية لغير الله، الذي أصبح علما في التاريخ المعاصر على إسم هذا البلد العربي المسلم الأصيل الذي أنجز هذا المعلم الحضاري المرموق بين حواضر الأمة الإسلامية في جل القارات المعمورة فوق الكرة الأرضية.
وأن الذي يهم التركيز على ذكره هنا هو أن هذا البلد المسلم الكيان والوجدان العربي اللسان والبيان سيظل كذلك، بإذن الله، وإرادة كل المخلصين من أبنائه العاملين المخلصين المتوارثين لراية الجهاد المتواصل خلفا عن سلف ضد مخلفات الاحتلال السابق ومناورات الاستحلال اللاحق الذي يعتبر أخطر من الاحتلال التقليدي ذاته في بعض المجالات التي تتطلب رجالات ومواهب وإمكانات في مستوى التحديات التي تظهر في كل مرحلة من مراحل الحياة وقد تختلف في وسائل الكفاح ونوعية الرجال والسلاح حسب مستجدات كل حالة بين الاحتلال والاستقلال الذي لم يأت بيسر ولا من فراغ بكل تأكيد... وإنما سبقته أعمال رجال وأجيال متعاقبة في الزمان والمكان..
وإن هذا الوطن (القارة) الذي أراد الغازي الفرنسي أن يفصله عن كيان أمته ويلحقه بكيانه ليكرر تجربة الأندلس ومأساتها في الأمة المحمدية، كما تمثل ذلك في تنظيمه احتفالا كبيرا في الجزائر العاصمة بمناسبة الذكرى المئوية الأولى لفصل العضو الأصيل عن جسم الأمة التي كتب لها الخلود برسالتها في الوجود رغم الأقوام الوافدين عليها من مختلف الأصول البشرية والديانات السماوية والوضعية غزاة وفاتحين مستقرين وعابرين.
ولأهمية ذلك الحدث التاريخي في نظرهم حضر رئيس دولة الاحتلال ذاته من فرنسا الأم (كما كانت تسمى!؟) ليشرف بنفسه على ذلك الاحتفال الشهير الذي حمل فيه المستوطنون الغزاة نعشا يرمز إلى موت الإسلام ولغة القرآن في (الجزائر الفرنسية) حسب مخططهم الاستئصالي الشنيع منطلقين من مسجد كتشاوة الذي كان قد حول قبل قرن من ذلك التاريخ إلى كاتدرائية لأهل الصليب في يوم حزين عصيب طلب فيه القائد العسكري من الخطيب أن يخبر المصلين (من على منبره في آخر كلمة يقولها في حياته قبل عزله وفصله...) بأنه ابتداء من ذلك اليوم لن يعبد إله في هذا المكان غير المسيح.!!؟؟ وأنزل الهلال من على السارية ورفع الصليب فوق المئذنة العالية!!
فقام الإمام الجليل المجاهد محمد بن لكبابطي متوجها إلى المصلين بقوله: (.... أيها الإخوة المؤمنون... ولئن تغيرت عبادة الله في مساجدنا فإن الله لن يتغير في قلوبنا.) وقد زجر ونفي من وطنه ليلقى ربه في مدينة الإسكندرية بأرض الكنانة رحمه الله في الخالدين السابقين واللاحقين..
وقد أعقبت ذلك القول المأثور في اليوم المشهود مجزرة رهيبة ذهب ضحيتها الآلاف من المسلمين في ساحة الشهداء الحالية بالعاصمة تخليدا لتلك الذكرى الأليمة التي لم يمحها الزمان من القلوب والآذهان حتى الآن وإلى آخر الزمان.
ونظرا لأن الله لم يتغير في قلوب أبناء هذا الوطن المسلم الصادق الإيمان الذي لا يتردد أبناؤه الأصلاء في قول الحق أمام حبال المشانق وفوهات البنادق فلم تمض على ذلك الحدث المشؤوم سوى عشرة أشهر حتى صدح الإمام العتيد الوارث الجديد للرسالة الأبدية للأمة المحمدية في هذا البلد المجاهد الصامد بقوله المدوي كالزلزال في وجه قادة الاحتلال:
شعب الجزائـر مسلــم وإلـى العروبـة ينتسب
من قال حاد عن أصلـه أو قال مـات فقد كذب
أو رام إدمــاجـــا لـــه رام المحـال من الطلــب
هذا القول الذي ظل يمثل خارطة الطريق للحركة الوطنية حتى تفجير ثورة التحرير الكبرى في الفاتح من نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1954 كما هو معلوم والتي أتت هي الأخرى برئيس الجمهورية الفرنسية الخامسة الجنرال شارل دوغول تيمنا وأملا في إنقاذ فرنسا من جهاد الجزائر مثلما أنقذها من الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية سنة 1944..
ومن أخطر مناورات هذا الجنرال المعروفة والمكشوفة رفعه لشعار (الجزائر الجزائرية) بدل (الجزائر الفرنسية) بعد أن يئس من فرنسة الجزائر وتنصيرها على نهج أجداده الأولين كما يئس الكفار من أصحاب القبور..
علما أنه مثلما لا توجد (فرنسا الفرنسية) ولا (ألمانيا الألمانية.!؟.) فلا توجد كذلك (الجزائر الجزائرية) الخرساء الصماء دون نطق وانتماء إلى أمة حية مرتبطة بوحي السماء!! فشعب الجزائر مسلم فعلا (باعتراف المحتل ذاته) ولكنه إلى العروبة ينتسب وليس إلى فرنسا أو أوروبا ينتسب بدينه ولسان ثقافته الجامعة المانعة لغالبية أفراد شعبه المسلم الموحد الوجدان، بالقرآن روحا ولسانا، بلادا وعبادا، جهادا واستشهادا!! وإن الانتماء أو الانتساب العربي هنا أساسه اللغة المتبناة للدولة السيدة والشعب الناطق بها في الفكر والشعور والوجدان والمعبر عن سيادته الفعلية بها في الدستور والميدان عبر الإدارة الوطنية والمؤسسات العلمية والمدرسية ككل البلاد العربية الخارجة عن التبعية للهيمنة الأجنبية..
واللغة كعنوان للسيادة ومرآة للسياسة هي التي تعطي إسم الشعب وإسم الدولة كقاعدة وليس كاستثناء.!
وذلك شأن كل عصور الحضارة الإسلامية الموحدة الوجدان بالايمان والناطقة بلسان القرآن على امتدادها عبر القرون والتي شيدها العلماء المسلمون كلهم من جميع اقطار الامة (بلسان عربي مبين في كل البلدان حتى سقوط الخلافة على يد أحد أكبر المفسدين المندسين في صفوف حكام المسلمين إلى حين).
وشأن الجزائر وكل بلاد المغرب العربي في ذلك شأن نصف مليار مسلم ناطق بالعربية من خليج عمان إلى المحيط الأطلسي ونهر السنغال..
وأقول من هذا المنطلق الوحدوي للأمة الواحدة "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" أن ما يميز الفرد الجزائري المسلم عن الغازي الفرنسي المسيحي في الجزائر التي أرادها المحتل الفرنسي أن تكون فرنسية ولن تكون كذلك حتى يتكاَمل فيها تغيير اللسان مع تغيير دين التوحيد بدين الصلبان... و لكن يابى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون فيقيض للأمة المجاهدة من أبنائها الأصلاء الذين لم يتغير الله في قلوبهم كما أوصاهم إمامهم المجاهد محمد بلكبابطي في ذلك اليوم المشهود الذي حول فيه مسجد كشاوة إلى كاتدرائية لعاصمة الجزائر "الفرنسية" قبل ذلك الحدث الشنيع بمئة عام!!؟؟.
الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسيني عميد الجامع الأعظم مع الكاتب أحمد بن نعمان
وظلت فرنسا اللائكية طوال وجودها العسكري والإداري المباشر في الجزائر تقبل من الجزائري أن يكون (فرنسيا مسلما ) بعد أن فشلت في تنصيره ولكن ما ظلت ترفضه بإصرار وما تزال تحاربه حتى الآن بكل تعصب وعنصرية هو صفة الانتماء العربي الإسلامي للجزائر والذي تريد التحايل عليه وتجاوزه كما قلنا بمغالطة (الجزائر الجزائرية) حتى بعد توقيف القتال وتقرير المصير على هذا الأساس الهوياتي كما هو واقع الحال وذلك لتفادي الصفة العربية التي هي أساس قيام جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ذاتها بعد حادثة ادعاء فرنسا لموت الإسلام والعربية في الجزائر سنة 1930 كما أسلفنا وقيام ثورة التحرير المجيدة على هذا الأساس كما جاء حرفيا في بيان تفجيرها بالنسبة للأهداف المسطرة لها فيما يتعلق باسترجاع السيادة والهوية الوطنية بثوابتها الجوهرية المقدسة وهي:
أولا ـ "إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة في إطار المبادئ الإسلامية"..
ثانيا ـ "تحقيق وحدة شمال أفريقيا في إطارها الطبيعي العربي الإسلامي". وهنا الإعلان الصريح عن الانتماء الطبيعي والهوية الوطنية ذات الأصل الثقافي (العربي اللسان المسلم الوجدان ) وليس العرقي الذي ينفيه البيان في بند ثالث يقول: "احترام جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني".
ونلاحظ عدم وجود كلمة "لغوي" في البند، وهو ما يعني صراحة أن البيان الوحدوي السيادي يقر حرية الاعتقاد (لا أكراه في الدين) ولكنه يرفض التعدد اللغوي لأنه الفيصل القاطع في السيادة وإن التلاعب فيه أو التلاعب به يؤدي حتما إلى ما لا يقبل التعدد على الإطلاق ألا وهو الهوية الوطنية لوحدة الشعب والوطن لأن الإنسان يمكن أن يكون عربيا مسيحيا أو مسلما فرنسيا ولكنه لا يمكن أن يكون (مسلما مسيحيا أو عربيا فرنسيا) في الوقت ذاته من ناحية الانتماء أو الانتساب كما يسميه الإمام ابن باديس في خريطة طريق التحرير والاستقلال السالف الذكر، وهذا هو معنى كلامه الصريح الفصيح الذي يوضحه البيان الخالد الذي يطلب من فرنسا في بند خاص رابعا: "الاعتراف بالجنسية الجزائرية بطريقة علنية ورسمية ملغية بذلك كل القرارات والقوانين التي تجعل من الجزائر أرضا فرنسية التاريخ والجغرافيا واللغة والدين والعادات للشعب الجزائري".
ونعتقد أن هذا الرفض القاطع للجنسية الفرنسية وهويتها اللغوية والدينية والثقافية من قادة الثورة وعلى رأسهم مخها المفكر وحكيمها المدبر محمد العربي بن مهيدي تلميذ مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. يدل دلالة قاطعة على أن للجزائر هوية وطنية وشخصية متميزة تتكامل فيها كل المقومات التاريخية والجغرافية واللغوية والثقافية التي تجعلها غير فرنسية ومن ثمة تطالب بالحرية والاستقلال المشروع خلافا لسكانها على أرضها كمرسيليا وتولوز وبوردو الذين لم يطالب أي واحد منهم بالاستقلال عن باريس ولن يطالبوا بذلك أبدا لاتفاق الجنسية مع مقومات الهوية في فرنسا بخلاف الجزائر التي كانت تعتبر في الأوراق الرسمية فرنسية ولكنها في الواقع ظلت تعتبر نفسها مسلمة عربية (وليست مسلمة فرنسية ) كما كان يعتبرها المحتل في الأوراق الرسمية والخرائط، المدرسية !؟.
وعلى هذا الأساس قامت ثورة الشعب الجزائري على الاحتلال الذي عمل طوال وجوده في البلادعلى استبدال (الجزائر الفرنسية) بالجزائر المسلمة العربية.. فباءت كل مساعيه بالفشل الذريع ويكفي دليلا على ذلك أن المكان الذي خطط له تحت قيادة (الكاردينال لافيجري) كي يكون منطلقا لتنصير الشعب الجزائري وفرنسته إلى الأبد (كما كان يتوهم!؟) هو المكان ذاته الذي أصبح اسمه المحمدية بعد الاستقلال نسبة إلى محمد النبي الأكرم والذي شيد فيه وعلى أنقاضه هذا المعلم الحضاري الإسلامي الأعظم الذي يمثل بكل مرافقه الحضارية المتكاملة المذكورة أعلاه صورة مصغرة للجزائر الوطن في المكان ذاته الذي كان قد شيد فيه الكاردينال مركزا لإطلاق عملية تنصير الأجيال تحت سيف الترهيب والترغيب مع بداية ظلم وظلام الاحتلال.
وقد خلفه الضابط المنصر المتعصب لدين أمته (الأب شارل دوفوكو) الذي انطلق نحو الجنوب الجزائري في مهمته التنصيرية وقد صرح في مستهل عمله (الرسالي التبشيري) الممنهج لبناء الإمبراطورية الفرنسية المسيحية في القارة الافريقية بأن الجزائر لا يمكن أن تصير فرنسية حتى تصبح مسيحية حيث يقول في رسالة خاصة لصديقه الدوق (فيتس جيمس) سنة 1912، يقول له: "إنني أعتقد أنه إذا لم نستطع تحويل المسلمين بالتدريج عن دينهم وحملهم على اعتناق المسيحية فإن النتيجة الحتمية هي تكون روح قومية جديدة تؤدي إلى طردنا من الإمبراطورية الاستعمارية في شمال إفريقيا!؟. إن الروح الوطنية العربية والبربرية سوف تنمو في صفوف الطبقة المثقفة التي تستعمل الإسلام كسلاح فعال لإثارة الجماهير في إمبراطوريتنا.!! إن السبيل الوحيد لضمان عدم طردنا من هذه الإمبراطورية هو أن نجعل سكان البلاد فرنسيين والسبيل الوحيد لذلك هو جعلهم مسيحيين".
والجدير بالملاحظة أن هذا المبشر الكبير والخطير قد قضى أربع سنوات وهو يبشر المسلمين في جبال الهجار إلى أن قتله المجاهدون الأحرار سنة 1916.. ولقد صدقت نبوءته بعد موته حيث لم تمض إلا خمسون سنة بالضبط من تحرير الرسالة المذكورة حتى كانت حرب التحرير قد انتهت بتوقيف القتال وتقرير المصير والاستقلال وخرج الشعب الجزائري الذي لم يتغير الله في قلبه يصيح من أعماقه بكل فخر واعتزاز منشدا أغنيته المعبرة والمؤثرة التي تقول في مطلعها "يا محمد مبروك عليك الجزائر رجعت إليك !!؟! ".
ومن علامات الخيبة التي مني بها أمثال هذا المبشر على غرار سلفه (الكاردينال لافيجري) أنه بعد أن قضى أربع سنوات يدعو المسلمين الجزائريين إلى الدين الجديد متكلفا التخلق بالسلوك الحسن المحبب للسكان بطبيعة الحال وفي انتظار أن يجني ثمار جهده في تنصير الأهالي قال له أحدهم : "والله إنك لرجل طيب أيها الأب الفاضل ولا ينقصك في راينا إلا اعتناق الإسلام مثلنا !!!" ولكنه أبى وقد قتل على دينه وما يزال قبره مزارا لأتباع ملته من كل حدب وصوب!؟!! ومما يؤكد كلام هذا المنصر بعد سنين من مصرعه على أيدي المجاهدين هو ما صرح به رئيس وزراء فرنسا (منديس فرانس) في عز ثورة الجهاد في الجزائر حيث قال في خطاب له منشور في جريدة لوموند الفرنسية بتاريخ 7/5/1956 "إننا نعتقد أن سياستنا هي الوحيدة التي تستطيع إدامة الوجود الفرنسي في الجزائر، وإذا ما قدر لنا سوء الطالع أن نفقد الجزائر فإننا سنفقد معها جميع أجزاء الإمبراطورية".. وإذا قال بعضهم بأن اللغة المقصودة في البيان النوفمبري أعلاه هي البربرية وليست العربية فإننا نحيلهم على شعار الثلاثية المقدسة المطبوع على بطاقات كل مناضلي حزب الشعب الجزائري مفجر ثورة الجهاد بدون منازع في كل أرجاء الوطن وهو "الجزائر وطننا، الإسلام ديننا؛ العربية لغتنا".. وهو الشعار ذاته الذي وضعه الإمام ابن باديس عقب الذكرى المئوية الأولى للاحتلال كما سبقت الإشارة في مستهل هذا المقال ..
والمهم هنا هو أن يتحقق الهدف بقطع النظر عن الجيل الذي يحققه ولكل جيل فضله في أية مرحلة من مراحل تحقيقه في التاريخ الوطني للامة. وهذا ما قاله الإمام ابن باديس ذاته بما لا يترك مجالا لأي تأويل لكلماته االصادعة كالرعد والساطعة كالبرق عن اللغة المقصودة في البيان والدين المقصود في نصه حيث يقول حرفيا: "إن هذا الشعب له لغته وهي العربية ودينه وهو الإسلام ووطنه وهو الجزائر... إنكم لا تعرفون شيئا عن هذا الشعب وتريدون كل مرة وبجرة قلم أن تستبدلوا بحضارته حضارة أخرى وبمقوماته مقومات أخرى وبتاريخه تاريخا آخر وهذا مستحيل!؟".
قارنوا نص هذا الكلام بالبند الرابع الذي أوردناه آنفا من البيان الخالد وأوجدوا كلمة واحدة في هذا البند خارجة عما سطره الإمام بيمناه قبل ذلك بعقود لتدركوا معنى (الباديسية النوفمبرية) في أجلى صورها الوطنية والقومية.
فلماذا لا يقول الجنرال دوغول صاحب مغالطة (الجزائر الجزائرية) عن بلاده (فرنسا الفرنسية)؟ مع أنها كانت وثنية وترومنت لسانا بعد أن تمسحت دينا ووجدانا كما يعترف هو نفسه في كتابه (الأمل) الذي كتبه وهو على رأس الدولة الفرنسية في جمهوريتها الخامسة التي أتت به وبها الثورة الجهادية المجيدة.. يقول فيه "ستبقى الجزائر فرنسية مثلما أصبحت فرنسا رومانية ".
الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسيني عميد الجامع الأعظم مع الكاتب أحمد بن نعمان
وهل يمكن لفرنسا أن تكون فرنسية بغير اللغة الفرنسية (الرومية كما نقول عندنا بالعامية العربية أو "ثاروميث" بالبربرية التي تطلق على المرأة واللغة الفرنسية في الوقت ذاته !!!؟) و هل تبقى الجزائر فرنسية (كما قال) بغير اعتماد اللغة الفرنسية رغم تقرير المصير والاستقلال الذي ما يزال يتطلب التحصين والاستكمال في مجال السيادة ضد الاستحلال!؟!؟. علما أن هذه اللغة التي فرضت علينا "كغنيمة حرب" في الاستحلال رغم تقرير المصير والاستقلال بعد أن كانت جريمة حرب إبادة جماعية للهوية الوطنية في ليالي الاحتلال، ومن أجلها قامت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد الذكرى المئوية لموت الإسلام والعربية (حسب ظن المحتل الواهم !! ) . . وقد قامت الثورة المباركة من تلك المبادئ ذاتها نصا وروحا كما أوضحنا آنفا ... والنص أمام كل مواطن غير أمي حرفيا أو بليد عقليا أو منحرف عقديا ووطنيا.
وهو ما يجعل المسؤولية مضاعفة على الوطنيين المسلمين (قولا وفعلا) من رجال الثقافة والسياسة والسيادة الحاليين للدفاع عن هذه اللغة الوطنية والدينية بعد ستة عقود من توقيف القتال... باعتبار أن اللغة الوطنية والرسمية هي الفيصل الأول في الهوية الوطنية دون منازع لأنها هي التي تعطي الصفة أو الاسم الرسمي للدولة الوطنية كقاعدة وليس كاستثناء! وبهذا الموجب أصبحت الجزائر (الفرنسية سابقا) عضوا فاعلا في جامعة الدول العربية لاحقا والتي لا يجمع أعضاءها إلا اللسان العربي ولو زال هذا اللسان من الاستعمال الرسمي والشعبي لأصبحت هذه الجامعة في خبر كان مثل الأندلس منذ زمان!!
فلا وجود لفرنسا دون اللغة الفرنسية ولا ألمانيا دون الأمانة ولا إسبانيا ولا إيطاليا ولا إيران ولا تركيا ولا رومانيا ولا روسيا ولا أكرانيا دون الروسية والأكرانية بدليل قيام الحرب الطاحنة الحالية بين البلدين منذ سنين بسبب اختلاف اللسان بالذات بين سكان أكرانيا الشرقية (في دومباص) وأكرانيا الغربية (في كياف) رغم وحدة الكنيسة (الأرثوضوكسية) واختلاط السكان بالتزاوج منذ قرون!!
ومما يؤكد العلاقة (الربانية العضوية) بين الإسلام والعربية هو تعهد الله بحفظها وجعلها هي العليا وعليها ستقوم الساعة في الدنيا..!؟!؟
أحمد بن نعمان يستعرض مجسما لمكونات الجامع الأعظم
وتبقى العربية المحفوظة من خالقها بالذكر في كل البلاد الإسلامية مع الإسلام الحضاري بمثابة القطبين (السالب والموجب) في الطاقة الكهربائية. فبدونهما لا حرارة ولا ضياء ولا تقدم ولا بقاء للحضارة التي شيدها الاسلاف الموحدون لعدة قرون في الأندلس والبلاد المشرقية والمغربية ولا أمل في بعثها من جديد دون سيادة اللغة العربية كما كانت في عصورها الذهبية !؟!؟
وهذا هو معنى قول الإمام ابن باديس (شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب...) ولا عروبة دون إسلام ولغة عربية قرآنية فصيحة للمتعلمين وتبقى اللهجات العامية الشفوية (العربية والبربرية) تؤدي وظيفتها الاجتماعية الضرورية في أوساط الشعب من الأميين حرفيا أو المعوقين ذهنيا والمعقدين نفسيا!؟!
مع العلم أن وضع كل الفرنسيين من حيث التحول اللغوي من الأمية إلى اللاتينية والمسيحية هو مثلنا تماما في كل بلاد المغرب والمشرق العربيين، حيث تعربت هذه الشعوب لسانا وثقافة وانتماء وحضارة بعد إسلامها الصادق كما قلنا وعلمت أبناء أوربا في جامعاتها العالمية بقرطبة وبجاية وفاس والزيتونة وتلمسان والقيروان باللغة العربية وحدها لعدة قرون وحتى الطب كان يدرس بالعربية من كتاب القانون في جامعة السوربون!؟
وإذا كان الإسلام لا يكره الناس على اعتناقه فلا يجبرهم كذلك على تبني لسانه!؟
ولكن المسلم الصادق الذي غير ما في قلبه من الكفر والشرك إلى الإيمان بإرادته الحرة كخالد وطارق وبلال وصهب وسلمان فلا يوجد ما يمنعه عقلا وشرعا من إتقان لسان القرآن إذا كان صادق الإيمان بالفعل بعيدا عن القومية العنصرية والعصبية القبلية الجاهلية المترسبة في أذهان بعض الفئات التي قد تدعي الإسلام في الظاهر وتخفي الكفر والشرك والوثنية العنصرية في الباطن.!!
فكيف تحل فرنسا لنفسها الانتماء اللساني والعقد ي إلى الحضارة الإغريقية الرومانية وتحظر علينا إنتماءنا نحن إلى حضارتنا العربية اللسان المسلمة الوجدان عبر العديد من القرون المتعاقبة في الزمان والمكان حتى حل على أمتنا قرن الخيانات والردات المتتالية المكرسة بالانقلابات العسكرية على حساب الشرعية الشعبية والثورية؟
والذي يجادل في مبادئ البيان كما فصلنا الحديث فيه قبل حين هو يجادل في الاستقلال الوطني ذاته الناتج عن تطبيق هذا البيان بأغلى الأثمان التي ليس لها مثيل في علمنا من ناحية الكم في عدد الشهداء والنوع في شدة قمع الثورات المتتالية ضد الاحتلال عبر الأجيال المتعاقبة على الجهاد من معارك سيدي فرج والحراش والبليدة عند الاحتلال سنة 1830 وحتى توقيف القتال عبر كل التراب الوطني في التاسع عشر من شهر مارس (آذار) سنة 1962 ونحن على ذلك من الشاهدين الثابتين على المبادىء التي عاهدنا عليها الله و اسلافنا الأولين في الوطن والدين!!؟
وإن جامع الجزائر الأعظم كما هو قائم ليمثل بحق كل هذه المعاني السامية مجتمعة في مرافقه المتكاملة الوظائف الحيوية كتكامل وظائف أعضاء الجسد الواحد في الأمة حتى يأتيها اليقين المحتوم والمعلوم بعد حين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الجزائر المسجد الجزائر مسجد رسائل مكونات سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المسلمین الجزائریین الجزائر الجزائریة الشعب الجزائری اللغة الفرنسیة فی الجزائر الله فی کما کان على ذلک بعد أن
إقرأ أيضاً:
الحرب المقدسة
حاتم الطائي
◄ الشرق الأوسط يقف على شفا جرف هارٍ.. وإسرائيل تدفع نحو الدمار الشامل
◄ إيران تؤكد أن الإرادة الحُرة المدعومة بقوة عسكرية عادلة هي سبيل النصر
◄ أمريكا تريد من الحرب ترسيخ هيمنتها وتأكيد النظام العالمي أحادي القطب
لم تكن معركة البقاء والوجود بين قوى الإرادة الحُرة وقوى الاستعمار، أكثر صراحةً من اليوم؛ ففي ظل العدوان الإسرائيلي الهمجي والبربري على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن قبل على غزة ولبنان وسوريا واليمن، تجلّى لكل ذي عقل أنَّ الكيان الإسرائيلي ليس سوى نقطة ارتكاز للاستعمار العالمي في عصر ما بعد الاستعمار؛ إذ يظن البعض أنَّ هذا الاستعمار- الذي هو استعلائي في الأساس ويقوم على قاعدة "السيد والخادم"، قد ولى وانتهى بإعلان "استقلال" الدول عن مسُتعمريها القُدامى، حتى بعد ما يُعرف بنظام "سايكس- بيكو" في الشرق الأوسط.
الحرب الدائرة رُحاها الآن بين إيران وإسرائيل، نتيجة حتمية لغطرسة القوة التي تُمارسها عصابات الكيان المحتل، والمآل المنطقي لفائض القوة لدى أكبر قوة عسكرية في العالم، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، صاحبة أضخم ترسانة وأضخم صناعة أسلحة في العالم. فبعد ما يقترب من سنتين على اندلاع حرب الإبادة في غزة، والعمليات الإرهابية الإسرائيلية في كلٍ من إيران ولبنان وسوريا واليمن، تأتي حكومة التطرف والإرهاب بقيادة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو لتُشعل فتيل حرب إقليمية لا يعلم أحد مداها، من خلال شن عمليات اغتيال وتصفية جسدية لعدد من القادة العسكريين في إيران، مُنتهكةً سيادتها، وضاربة بالقانون الدولي والمواثيق الأممية عرض الحائط، هذه المواثيق التي تضمن لكل دولة حقها في ممارسة أعمال السيادة على أرضها، وتمنع أي دولة أو كيان من اختراق السيادة، سواءً في الجو أو البحر أو البر.
لكنَّ ما حدث فجر الجمعة 13 يونيو 2025، مثّل تحولًا خطيرًا ومنعطفًا حادًا للغاية في مسارات الحرب بالمنطقة، ووضع الإقليم بأسره على شفا جرفٍ هارٍ وهاوية سحيقة لن ينجو منها أحد، ولا حتى إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف والداعم الأكبر لهذا الكيان الإرهابي المُجرم. لكن في المقابل، برهنت إيران على مدى قوتها العسكرية والتكتيكية؛ حيث نجحت في تكبيد إسرائيل خسائر فادحة، اعترف بها زعيم المافيا الصهيونية، نتنياهو، وأقر بأنَّ كيانه الإرهابي "يُعاني من خسائر هائلة". وهذا الاعتراف على حقيقته، فإنه يكشف مدى الاستغلال الإسرائيلي له، من خلال ابتزاز الولايات المتحدة والغرب من أجل التدخل ومساعدة إسرائيل في عدوانها؛ إذ لم تعد تل أبيب تقوى على مواجهة العملاق الإيراني، الذي دك حصونها دكًا لا سابق له، فلأول مرة منذ غرس هذا السرطان الاستيطاني في قلب الأمة العربية، تتعرض مُدنه للتدمير المُباشر، عبر الصواريخ الإيرانية الدقيقة، والتي أصابت قواعد عسكرية ومقرات استخباراتية ومخازن عسكرية، ومنشآت استراتيجية، وموانئ، ومحطات تكرير النفط، فضلًا عن مقرات تلفزيونية، كانت تمارس التضليل الإعلامي والتحريض على قتل الشعب الفلسطيني. لقد نجحت إيران في إذلال الكيان الإسرائيلي، لنجد المُستوطِن الإسرائيلي اليوم يصرخ من هول الضربات الإيرانية، ويهرول إلى الملاجئ، خوفًا من الاستهداف المباشر.
لقد أثبتت إيران بقوتها الصاروخية الضاربة، أن منظومة الدفاع الجوي الصهيونية، وما يُسمى بـ"القبة الحديدية" أو "مقلاع داوود" وغيرها، ليست سوى نمر من ورق، وأن الضرب التكتيكي المُنظَّم والمُخطَّط له بعناية فائقة، قادر على إضعاف هذه المنظومة؛ بل وإحالتها للتقاعد نهائيًا، وهو ما دفع الحرس الثوري الإيراني للإعلان عن أنَّ السماوات الإسرائيلية باتت مفتوحة تمامًا أمامه. ولقد نجحت إيران في تضليل إسرائيل، من خلال شن هجمات صاروخية كثيفة في بداية الحرب، بهدف إضعاف قوة الدفاع الجوي الإسرائيلي، مُستخدمة في ذلك مخزنها القديم من الصواريخ، لتشُن إيران بعدها هجمات صاروخية نوعية، عبر صواريخ استراتيجية فرط صوتية، وأخرى حاملة لعشرات الصواريخ الفرعية، ما أسهم في إحداث دمار هائل في المواقع التي جرى قصفها.
لن أخوضُ كثيرًا في العمليات العسكرية التي تجري على الأرض، لكن يهُمني أن أُسلط الضوء على جُملة من النقاط، يُمكن قراءتها وفهمها في سياق الحرب الدائرة الآن:
أولًا: إسرائيل كيان وظيفي يسعى لتدمير المنطقة العربية وتحويل الشرق الأوسط إلى مساحة استعمارية تخضع لسطوته وهيمنته العسكرية والاستخباراتية، بدأت باستنزاف المنطقة في حروب عبثية بين أنظمة عربية، ثم خلافات سياسية عربية عربية أو خليجية خليجية. وفي هذه الأثناء، ينشط هذا الكيان بأجهزة استخباراته وعملائه على الأرض وفي الفضاء الإلكتروني، لكي ينسف أي شكل من أشكال التعاون والتكامل والوحدة بين الشعوب والدول العربية.
ثانيًا: مارس هذا الكيان ضغوطه الهائلة من أجل إجبار بعض الأنظمة على توقيع اتفاقيات تطبيعية، تضمن له ولعملائه دخول الدول العربية بكل أريحية، تحت مزاعم الاستثمار والسياحة والعلاقات الثنائية، بما ساعد على بناء منظومة تخابر وشبكات تجسس واسعة في الإقليم، تحت مُسميات وأشكال متعددة.
ثالثًا: مع استغلال غياب الإرادة العربية الرافضة والمناهضة لإسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، شنت إسرائيل حرب الإبادة على قطاع غزة، وتعمل باستماتة من أجل تنفيذ مُخطط التهجير القسري للشعب الفلسطيني، سواء في غزة أو الضفة الغربية وكذلك القدس الشريف؛ بهدف تفريغ الأرض الفلسطينية من شعبها، ومن ثم وأد القضية الفلسطينية وتصفيتها بالكامل، بما لا يسمح بأي مُتسع للحديث عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، في ظل غياب أهم عامل من عوامل بناء الدول، وهو الشعب!
رابعًا: التخلص من أكبر قوة عسكرية مُهددة لأمن هذا الكيان، وذلك من خلال استهداف إيران، وقصفها، من الداخل والخارج، عبر شبكة عملائها، وبطيرانها العدواني، زاعمةً أنها تريد منع إيران من صناعة قنبلة نووية، وهو ادعاء زائف ويتنافى مع كل التقارير الدولية التي أكدت أن إيران لا تسعى لامتلاك قنبلة نووية، وأن تخصيب اليورانيوم هو حق أصيل وسيادي لها كدولة، من أجل استخدامه في الجوانب المدنية وتوليد الطاقة.
خامسًا: تريد إيران من هذا العدوان أن تتسيد الشرق الأوسط، وتُرسل رسائل تهديد ووعيد لكل الأطراف في المنطقة، تحت زعم أنها القوة العسكرية الأشد بطشًا والأقوى، وهو زعم يُجافي الحقيقة، والدليل ما نشهده منذ "طوفان الأقصى"؛ حيث تتلقى الضربات من المقاومة الفلسطينية رغم حرب الإبادة الهمجية، وتكرر المشهد ذاته بصورة أشد وطأة من خلال الرد الإيراني القانوني والشرعي على العدوان الإسرائيلي.
سادسًا: الولايات المتحدة تسعى نحو الدمار الشامل، من خلال خطط الرئيس دونالد ترامب لتنفيذ ضربات شديدة على مفاعل "فودور" النووي الإيراني، عبر القاذفات العملاقة "بي 2" القادرة على حمل قنابل "جي بي يو 57" وهي أشد قنبلة على وجه الأرض، ومخصصة لنسف المواقع شديدة التحصين. هذه القاذفات المُحملة بهذه القنابل وصلت بالفعل إلى مواقع قريبة من منطقتنا، وتحديدًا في قاعدة "دييجو جارسيا" في المحيط الهندي، ومن المؤكد أنها تستعد لضرب إيران.. عندئذ لا يُمكن لأحد توقع المآلات المأساوية التي ستقع في إقليمنا الملتهب.
سابعًا: هذه المساعي التدميرية للولايات المتحدة، تستهدف دعم هيمنتها العالمية، وترسيخ نظام عالمي أحادي القُطب، تتزعمه واشنطن، لمواجهة الصين وروسيا، اللتين تسعيان في المقابل لإرساء قواعد نظام عالمي مُتعدد الأقطاب، لذلك يجب على دول الخليج والدول العربية عامةً، إدراك أن أي عملية عسكرية أمريكية في إيران ستضعنا جميعًا على حافة الهاوية، بانتظار اللحظة التي سيسقط فيها الجميع، لا اللحظة التي سنعود فيها إلى خط الرجعة!
لذلك نقول.. يبدو أن دول الشرق لم تستوعب الدرس بعد، ولم تُدرك أنَّ الخطر الحقيقي الوجودي عليهم وعلى شعوب المنطقة، هو إسرائيل، بمشروعها الإمبريالي الدموي، القائم على القتل والتصفية الجسدية، والعنصرية والإذلال. هذا الخطر يستدعي على الفور من الدول العربية والدول الكبرى في الشرق الأوسط، أن تستيقظ وتنتبه لما يُحاك لها من مؤامرات وخدع لهدم هذه الدول من داخلها، عبر أسلحة دمار شامل من نوع آخر، أسلحة إدمان المخدرات، وأسلحة تجارة الابتذال والخسة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وأسلحة التضليل الفكري وهدم الرموز والإساءة للأديان، ونشر ثقافة الصراخ لا التفكير، وترسيخ الجهل، ومُحاربة العلم، والحرمان من التكنولوجيات المتطورة، وتكبيل أيدي العلماء واغتيالهم، وإشاعة الفوضى تحت شعار "الحريات" و"الديمقراطية"، وهي معانٍ سامية يُراد منها التدمير لا البناء.
الدول العربية اليوم أمام مسؤولية تاريخية ومفصلية، تتمثل في ضرورة الاتحاد لمواجهة هذا الخطر الصهيوني الداهم، والوقوف بجانب الطرف المُعتدى عليه، والتصدي لكل عدوان غربي عبر هذا الكيان الوظيفي المُجرم، لا سيما وأنَّ الحرب الحالية تُنذر بسقوط كل الدول في هوة سحيقة لا قرار لها؛ حيث يستهدف الصهاينة المفاعلات النووية الإيرانية، ما يُنذر بخطر التسرب الإشعاعي القاتل والمُدمِّر للبيئة والبشر لسنوات طويلة.
ويبقى القول.. إنَّ المخططات الصهيونية التي نراها الآن علانية بكل جلاء، لا تُريد سوى الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط، وإخضاع جميع الدول لسيطرة إسرائيل، تمهيدًا لإقامة ما يُسمى بـ"إسرائيل الكبرى" من خلال اقتطاع أجزاء ضخمة من دول المنطقة، لا سيما الدول المركزية الوازنة، وإبادة وسحق كل من يُعارضهم أو يسعى للاستقلال التام، والسبيل الوحيد للخلاص من هذا الأخطبوط المتوحش، هو الاتحاد ومُواجهته بجميع الأدوات، وممارسة الضغوط الشديدة على الولايات المتحدة التي هي الداعم الأكبر والشريك الأول في كل جرائم إسرائيل تجاه الشعوب العربية وشعوب المنطقة قاطبةً.
رابط مختصر