السودان: إبادة جماعية، مجاعة، وجرائم حرب… والمأساة المستمرة في ظل صمت عالمي مخزٍ
تاريخ النشر: 20th, February 2025 GMT
د.احمد التيجاني سيد احمد
مقدمة
بين نيران الحرب وصمت العالم، يعيش السودان مأساة إنسانية تجاوزت حدود الوصف. المدن تحترق، والأحياء تتحول إلى مقابر جماعية، بينما ينتظر ملايين الأبرياء نجدة لن تأتي. في شوارع الخرطوم ووديان دارفور، يُسمع صوت القذائف أكثر من صوت الحياة، وأصبحت المجاعة والدمار جزءًا من يوميات الناس.
إنها ليست مجرد حرب بين جيوش متناحرة؛ بل هي كارثة تمزق أوصال شعب بأكمله، حيث تداخلت الأيدي الداخلية والخارجية لتجعل من السودان ساحة مفتوحة لأبشع الجرائم ضد الإنسانية. فما الذي أوصل البلاد إلى هذا الوضع المأساوي؟ ولماذا لا يزال العالم يُدير ظهره لهذه المأساة رغم حجم الدمار والمعاناة؟ في هذا المقال، نسلط الضوء على فصول هذه الكارثة التي لا تزال تتفاقم في ظل صمت عالمي مخزٍ.
الحرب التي اشعلتها مليشيات فلول الموتمر الوطني المحلول (بقيادةً مليشيا البراء )التي تسيطر علي القوات المسلحة السودانية (SAF) في محاولة للقضاء علي قوات الدعم السريع (ٍٍRSF) ، تحولت إلى كارثة إنسانية تسببت في نزوح الملايين، تدمير البنية التحتية، وانتشار المجاعة، وسط انهيار كامل لمؤسسات الدولة.
١. التطهير العرقي والمجازر في دارفور
دارفور، التي كانت مسرحًا للإبادة الجماعية في أوائل الألفية، تعود اليوم إلى الواجهة بفظائع جديدة من خلال قصف جويّ مركز من السلاح الجوي للقوات المسلحةً (SAF) و مليشيات فلول الحركة الإسلامية في عمليات توصف بأنها تهديد للشعب إذا لم يعودوا للحكم (يا نحكمكم يا نكتلكم ) .كما انها تطهير عرقي ممنهج بدأته الحركة الإسلامية منذ استيلائها علي الحكم عام ١٩٨٩ والي سقوطها عام ٢٠١٩ و منذ انقلاب البرهان في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١.
٢.جرائم القوات المسلحةً السودانية
رغم محاولتها تقديم نفسها كحامية للشعب، ارتكبت القوات المسلحة السودانية انتهاكات جسيمة بحق المدنيين:
القصف العشوائي:
-استخدمت القوات المسلحة الطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة لقصف الأحياء السكنية في الخرطوم وأم درمان، ما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين.
-الاعتقالات والإعدامات: نفذت أجهزة المخابرات التابعة للجيش حملات اعتقال واسعة ضد المعارضين، تخللتها أعمال تعذيب وإعدامات ميدانية.
-تجنيد الأطفال: أكدت تقارير أن الجيش وقوات الدعم السريع لجأوا إلى تجنيد الأطفال لتعويض الخسائر في صفوفهم، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية
-كما لم تخلو ساحات القتال و منازل الأبرياء من تجاوزات من قوات الدعم السريع قتل فيها و تشرد بسببها الالاف من الأبرياء. لكن تبعتها تصحيحات ميدانية لعلها تعيد للابرياء حقوقهم .
٣. انهيار الدولة والكوارث الإنسانية
أدى الصراع إلى انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة، ما جعل الحياة اليومية مستحيلة بالنسبة للمواطنين.
-أزمة النزوح الأكبر في العالم: تجاوز عدد النازحين داخليًا وخارجيًا اكثر من ١٥ مليون شخص، ما يجعل السودان اليوم أكبر أزمة نزوح في العالم.-
-شبح المجاعة: توقف الإنتاج الزراعي وانقطاع سلاسل الإمداد، ما دفع البلاد إلى شفا إحدى أسوأ المجاعات في العصر الحديث، مع تحذيرات من احتمال وفاة الملايين جوعًا.
-انهيار الخدمات الصحية: تعرضت المستشفيات للقصف والنهب، وأصبحت ٨٠ % من المنشآت الصحية خارج الخدمة، ما أدى إلى وفاة الآلاف بسبب أمراض كان يمكن علاجها بسهولة
-اما الموت الذي اصاب الشعب السوداني من كل فئاته بالسلاح السوداني و المصري ، فلقد تجاوز الثلاثمائة الف بما في ذلكً ما لا يقل عن خمسون الف من حملة السلاح .مثلا قُدِّر عدد القتلى في ولاية الخرطوم وحدها بأكثر من ٦١،٠٠٠ شخص خلال الأشهر الأولى من النزاع
٤.صمت عالمي مخزٍ وتواطؤ إقليمي
رغم فداحة الجرائم المرتكبة، لم يحظ السودان بالاهتمام الدولي الكافي، ما ساهم في تفاقم المعاناة واستمرار العنف.-
تجاهل المجتمع الدولي: في الوقت الذي حشد فيه العالم دعمه لأوكرانيا وفلسطين، ترك السودان ينزف في صمت، دون أي تدخل يذكر لإنقاذ المدنيين.
الدعم الإقليمي للفصائل المتحاربة: واصلت بعض الدول الإقليمية، مثل مصر، الإمارات، والسعودية، تقديم الدعم العسكري والمالي لأطراف الصراع، ما أدى إلى إطالة أمد الحرب.
فشل العدالة الدولية: رغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية (ICC) أوامر اعتقال بحق مسؤولين سودانيين متورطين في جرائم دارفور، إلا أن أحدًا لم يُحاسب حتى الآن، مما شجع على استمرار الإفلات من العقاب.
٦. مأساة مستمرة وصمت لا يُغتفر
في الوقت الذي يُقتل فيه المدنيون يوميًا، ويُجبر الملايين على الفرار من منازلهم، يظل العالم غارقًا في صمتٍ مخزٍ. وسائل الإعلام العالمية نادرًا ما تذكر مأساة السودان، بينما تظل المنظمات الدولية عاجزة عن إيصال المساعدات الإنسانية بسبب استمرار القتال.
هذا التجاهل الدولي ليس مجرد إهمال، بل هو تواطؤ بالصمت، حيث يُترك شعب السودان يواجه الإبادة والمجاعة والدمار دون أدنى تدخل. في ظل هذا الوضع، تتحمل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية لوقف هذه المأساة قبل أن تتحول إلى عار تاريخي لن يُنسى.
خاتمة: هل ما زال هناك أمل؟
رغم ظلام المشهد، فإن السودان لا يزال يمتلك شعبًا صامدًا يسعى للسلام والحرية. و بالرغمً من فشل هذا الشعب من استمرار الثورة التي اطاحت بسلطة الحركة الإسلامية و قايدها بالبشير .. فلقد ظل يخاطب العالم من خلال تنظيماته المدنية و الفئوية و من خلال الدخول في تحالفات سلمية مع حركات التحرر السودانية ؛ لكن بدون اي تقدم في ساحات صنع السلام
الحل الوحيد لإنهاء هذه المأساة يكمن في وقف فوري لإطلاق النار، إيصال المساعدات الإنسانية دون قيود، ومحاسبة جميع المسؤولين عن جرائم الحرب. أما العالم، فقد آن الأوان أن يكسر صمته المخزي ويقف بجانب شعب السودان الذي دفع ثمنًا باهظًا بسبب هذه الحرب العبثية.
نواصل
د.احمد التيجاني سيد احمد
٢٠ فبراير ٢٠٢٥ نيروبي كينيا
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوات المسلحة
إقرأ أيضاً:
القاهرة الإخبارية: نتنياهو يعتزم مقاضاة صحف أجنبية تحدثت عن مجاعة في غزة
قالت دانا أبو شمسية، مراسلة قناة "القاهرة الإخبارية" من القدس المحتلة، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقد مؤتمراً صحفياً باللغة الإنجليزية، موجهاً رسائل بالأساس إلى العالم الغربي؛ بهدف تفنيد الاتهامات الموجهة إليه بقيادة حرب تجويع ومجاعة بحق سكان قطاع غزة.
وأوضحت، خلال مداخلة مع الإعلامي همام مجاهد، أن نتنياهو عرض خلال المؤتمر صوراً وصفها بـ"المزيفة" لحالات أطفال قال إنهم يعانون من أمراض، وليس من الجوع، مدعياً أن إسرائيل أدخلت أكثر من 2 طن من المساعدات الإنسانية، لكن الأمم المتحدة رفضت توزيعها عبر مراكزها.
وأكدت “أبو شمسية” أن هذه رواية مجتزأة، يسعى نتنياهو من خلالها لتبرير وجود مراكز المساعدات الأمريكية التي تعمل تحت حماية جيش الاحتلال.
وأضافت أن نتنياهو أعلن عزمه مقاضاة بعض الصحف الأجنبية التي تحدثت عن مجاعة في غزة، واصفاً هذه التقارير بالمضللة، مشدداً على أنه يعمل على إدخال المساعدات وتقليص مدة الحرب لا إطالتها، رغم أن عائلات المحتجزين الإسرائيليين كانت قد دعته لاستغلال المنصة للحديث عن صفقة تبادل لا عن توسيع العملية العسكرية أو احتلال غزة.
وأشارت إلى أن نتنياهو عدّل أهداف الحرب التي كان يعلنها سابقاً، لتصبح خمسة أهداف بدلاً من ثلاثة، على رأسها نزع سلاح حركة "حماس"، وإعادة المحتجزين، ونزع سلاح قطاع غزة بالكامل، وضمان ألا يشكل القطاع تهديداً أمنياً على المستوطنات، وإقامة إدارة مدنية لا تقودها حركة "فتح" ولا السلطة الفلسطينية، مع الإبقاء على السيطرة العسكرية لجيش الاحتلال.
وبيّنت أن نتنياهو يواجه مأزقاً نتيجة العزلة الدبلوماسية المتزايدة والمواقف الغربية الرافضة لسياسة التجويع التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي كسلاح في الحرب، ما دفعه لمحاولة إقناع المجتمع الدولي بخطته، التي تتضمن السيطرة العسكرية على مدينة غزة.
وتوقعت أبو شمسية أن يلقي نتنياهو كلمة أخرى في الثامنة مساء بتوقيت القدس والقاهرة، ستكون موجهة أكثر لليمين المتطرف، خاصة رداً على تصريحات بتسلئيل سموتريتش التي شكك فيها بقدرته على إدارة الحرب.
وفي ردها على سؤال حول ما إذا كان خطاب نتنياهو يمثل تراجعاً عن موقفه بشأن احتلال غزة؛ قالت أبو شمسية إنه ماضٍ في خطته، لكنه يتجنب استخدام مصطلح "احتلال" لتفادي التبعات القانونية، إذ أن الاحتلال يعني وضع نحو مليوني فلسطيني تحت الإدارة المدنية والعسكرية الإسرائيلية، بما يتطلب التزامات قانونية على حكومة الاحتلال.