ماذا يعني للقاهرة تدشين حكومة سودانية موازية في كينيا؟.. برعاية إماراتية
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
أثار إعلان قوى وحركات مسلحة سودانية توقيع ميثاق لتشكيل حكومة، وإقامة دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية، التساؤلات حول موقف القاهرة من التطورات الجارية على حدودها الجنوبية، خاصة وأنه منذ اندلاع حرب السودان في نيسان/ أبريل 2023، وهي تدعم الجيش السوداني وحكومة قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان.
ومنذ الثلاثاء الماضي، 18 شباط/ فبراير الجاري، استضافت العاصمة الكينية نيروبي فصائل سودانية مسلحة تتبع قوات الدعم السريع، الممولة إماراتيا، ومعها حركات وتجمعات سياسية معارضة لحكومة الخرطوم، في مباحثات برعاية إماراتية، توصلت إلى "تأسيس حكومة سلام ووحدة في الأراضي التي تسيطر عليها قوات الحشد".
"حضور إماراتي.. ورفض سوداني وأممي"
ووفق "بلومبيرغ"، فإن حكومة أبوظبي ستقدم قرضا بقيمة 1.5 مليار دولار لكينيا التي من المقرر أن تستقبل الحكومة السودانية في المنفى، وذلك في إطار دعم الإمارات منذ نيسان/ أبريل 2023، قوات "الدعم السريع" في حرب خلّفت 20 ألف قتيل و15 مليون نازح ولاجئ، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، فيما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
والسبت، اتهم نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، كينيا بالتحرك "بناء على إيعاز من دول أخرى لها مصالح في السودان"، ملمحا إلى الإمارات بقوله لموقع قناة "الحرة" الأمريكية: "لدينا أدلة تثبت دورها في الحرب بالسودان".
ويلقى تشكيل "حكومة موازية" في نيروبي رفضا أمميا، حيث حذرت الأمم المتحدة الأربعاء، على لسان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، من أن تلك الخطوة "تزيد الانقسام وتفاقم الأزمة في السودان".
والخميس، اتهم السودان الرئاسة الكينية بأنها تحتضن وتشجع مؤامرة تأسيس حكومة لقوات الدعم السريع، واستدعى سفيره لديها كمال جبارة، مطالبا نيروبي بالتراجع عن "التوجه الخطير" الذي قد يؤدي لوقوع جرائم حرب.
"ملامح الحكومة الموازية"
وفي الوقت الذي عقد فيه الدعم السريع، اجتماعه في كينيا أكدت تقارير إخبارية ارتكاب عناصر الدعم السريع مجازر بقتل 200 سوداني بينهم أطفال بولاية النيل الأبيض.
الحكومة المحتملة، تجمع قوات الحشد التي يرأسها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والمتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية والتي تسيطر على معظم "دارفور" غرب البلاد، ومساحات شاسعة من "كردفان".
وذلك إلى جانب "الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال" بقيادة عبدالعزيز الحلو، الذي يسيطر على أراضى واسعة ولديه قوات بولاية جنوب كردفان، ويطالب بأن يعتنق السودان العلمانية.
وكذلك، أحزاب "الأمة"، والاتحادي الديمقراطي (الأصل)، وعضوا "مجلس السيادة السوداني سابقا، الهادي إدريس، والطاهر حجر.
لكن؛ إعلان ميثاق نيروبي وحكومة سودانية موازية بالعاصمة الكينية، يأتي في الوقت الذي يختفي فيه عن المشهد وبشكل مثير للجدل "حميدتي".
كما يتزامن مع تراجع مساحات سيطرة "الدعم السريع"، لصالح الجيش السوداني، بولايتي الوسط (الخرطوم والجزيرة) وولايتي الجنوب (النيل الأبيض وشمال كردفان) المتاخمة غربا لإقليم دارفور (5 ولايات)، ما دفع مراقبون للقول بوجود عوامل فشل تلك الخطوة.
"لهذا سيفشل ميثاق نيروبي"
وفي تقديره لإمكانية تنفيذ هكذا ميثاق، وفرص نجاح المجتمعين في نيروبي بإقامة حكومة موازية لحكومة الخرطوم، وفي المقابل، مدى تقبلها والقاهرة لهكذا وضع، وأوراقهما المتاحة، تحدث الصحفي والأكاديمي السوداني الدكتور عبدالمطلب مكي، لـ"عربي21".
وقال إن "مخرجات مؤتمر نيروبي، كان ملتبسا حتى على منظميه أنفسهم حيث تغيرت الأجندة لأكثر من مرة، وكان الهدف تشكيل حكومة منفى ثم تراجع الى التوقيع على ميثاق سياسي مشترك، يجمع الدعم السريع وحركات منشقة مثل (العدل والمساواة)، و(الحركة الشعبية شمال بقيادة عبد العزيز الحلو".
وأوضح أن "المشروع واجهته مشكلات عديدة أبرزها اندلاع الصراع بين الشركاء أنفسهم منذ اللحظة الأولى وقبل الدخول في التفاصيل، والقضايا الشائكة؛ وبالتالي فإن الميثاق الجديد والحكومة المرتقبة كنتاج له ستولد وهي تحمل في داخلها بذرة الفناء".
ويرى مكي، أنها ستفشل للأسباب التالية، أولها أن "أهداف عبدالعزيز الحلو، وقواعده في جبال النوبة مختلفة ومتعارضة كليا مع أهداف الدعم السريع".
كما أن "الحلو يواجه معارضة شرسة من أبناء النوبة تمنعه من الدخول بتوافقات مع الدعم السريع، وقد تؤدي إلى الإطاحة به، لذلك نجده متحفظا في تعليقاته والتي ختمها بأنه يأمل في سلام يشمل حتى حكومة بورتسودان، ما يعني أنه لا يريد الارتباط باتفاق طويل الأجل مع الدعم السريع".
ولفت أيضا إلى "تأجيل الاجتماع عدة مرات لأن عبدالعزيز الحلو، أشار إلى أن القرار يجب أن يصدر من مجلس الحركة، وهو يريد بذلك عدم تحمل تبعات مشاركة الدعم السريع في مشروعه بمفرده والادعاء بأنه ينفذ توجهات المجلس".
كذلك يرى الأكاديمي السوداني، أن "قوات الحركة لن تقبل أن يرأسها قائد من الدعم السريع، ولن تقبل مجموعة دقلو، برئاسة النوبة، وهو صراع في قمة الهرم وسيؤدي حتما إلى فشل المشروع".
وبين أن "غياب محمد حمدان دقلو، المتكرر وفشل الدعم السريع، في تبرير سبب غيابه أثار العديد من الشكوك حول مصداقية المشروع ككل".
وألمح إلى أن "عبد الرحيم دقلو، برز كقائد وحيد للدعم السريع، والشخصية الأبرز في مجموعة التأسيس، وسيكون لذلك ارتدادات سالبة كثيرة لمعرفة الجنود بضعف قدراته كقائد سياسي".
وأشار مكي، إلى أن "رفض أحزاب (تقدم)، المشاركة في الميثاق يجعل الدعم السريع، بلا قدرات سياسية تنظيمة؛ وقد ظهر ذلك جليا في الارتباك الشديد في التنظيم بعكس المؤتمرات التي قادها رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، فقد حققت أهدافها التنظيمية على الأقل بسلاسة".
وقال إن "الهزائم الميدانية للدعم السريع، والتقدم المستمر للجيش السوداني يجعل من مشروع الدعم السريع مجرد قفزة في الظلام".
وأضاف: "كما أن جميع المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع هرب منها السكان، ولا توجد بها مظاهر حكومة مما يجعل فكرة إعلان حكومة من الداخل حلم بعيد المنال".
وذهب للتأكيد إلى أن "المجتمعين في نيروبي لم يعلنوا عن فلسفة واضحة، ومطالب عبدالعزيز الحلو، بالعلمانية، تزيد الشكوك في أهداف الميثاق برمته، خاصة وأن حكومة السلام لا يُعقل أن تكون متهمة ومدانة في حالة كثيرة بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين العزل".
وختم رؤيته للأسباب المحتملة لفشل "ميثاق نيروبي"، مبينا أن "حلفاء الدعم السريع في الميثاق جميعهم منشقون عن تيارات أخرى، وسوف يصعب عليهم الرجوع إلى قواعدهم والتبشير بحكومتهم الجديدة".
ماذا عن مصر؟
وقبل أن تسقبل كينيا مؤتمر الحشد السريع وشركائه لإقامة الحكومة الموازية في الخارج بنحو 3 أسابيع، كان رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس الكيني قد وقعا في القاهرة 29 كانون الثاني/ يناير الماضي، اتفاقات تجارية بأكثر من نصف مليار دولار، وأخرى دفاعية وأمنية.
وطرح البعض التساؤل حول موقف القاهرة التي لم تطلق أية تصريحات رسمية عن ميثاق نيروبي، ولكن مصر التي تدعم جيش السودان، وحكومة الخرطوم دبلوماسيا وسياسيا كونها السلطة الرسمية المعترف بها دوليا، أكدت الخميس الماضي، وعلى لسان السيسي، على "ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضي السودان، والحفاظ على مؤسساته الوطنية".
ورغم دعم القاهرة، إلا أن الخرطوم تواصل البحث عن حلفاء لدعمها لمواصلة الحرب التي تقدمت فيها الأسابيع الأخيرة، وهو ما بدا في إعلان السودان الأسبوع الماضي، تعزيز علاقاته مع إيران.
كما أنه ووفق مجلة "فورين بوليسي"، تسعى حكومة البرهان للحصول على مساعدات روسيا، التي زودت في البداية قوات الدعم السريع بالأسلحة، ثم تعهدت بتقديم مزيد من الدعم العسكري للجيش السوداني مقابل بناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر قرب ميناء بورتسودان، المدينة التي يتخذها البرهان، مقرا مؤقتا له.
"مؤامرة على السودان ومصر"
وعن قراءته لحديث البعض عن وجود مؤامرة لتقسيم السودان بدأت تتكشف على الأرض، والذي يجب على القاهرة فعله إلى جانب الخرطوم لإنهاء الأزمة واستعادة وحدة التراب السوداني، قال الصحفي السوداني: "بالطبع تحرك نيروبي يشير إلى أن المؤامرة تكشفت وصار لها أرجل وأيدي ولسان تتحدث به".
وأكد أن "الهدف هو السيطرة على القرار السياسي لمصلحة تحالف يضم إثيوبيا، وكينيا، وتشاد، وجنوب السودان، وظهور كينيا، في هذه المرحلة مقصود به عدم إثارة الشكوك في المشروع كما لو تبنته إثيوبيا أو تشاد أو جنوب السودان".
ويعتقد مكي، أن "المعركة ضد مصر بالدرجة الأولى، وأعتقد أن الدبلوماسية المصرية تدرك ذلك لكن ربما يكون لها حسابات خاصة تحكم ردود أفعالها في المرحلة المقبلة".
وختم بالقول: "وقناعتي أن المشروع لن ينجح في ظل الاستقطاب الحاد الجاري، لكن مصر مطالبة أيضا بالوقوف المباشر إلى جانب السودان دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا، وحتى بتقديم العون العسكري غير المباشر وإلا سيأتي وقت يكون فيه واقع الحال قد تجاوز إمكانية المعالجة".
"الحشد لن يقدر"
وفي رؤيته لمدى خطورة ذلك الوضع على مصالح مصر وخاصة المائية منها، احتمال طلب الدولة الناشئة إن تمت تقسيم مياه النيل، والذي يجب على القاهرة فعله حيال الأزمة الجديدة المحتملة على حدود مصر الجنوبية، يرى وزير الري المصري الأسبق محمد نصر الدين علام، أن الحشد السريع غير قادر على تنفيذ ما قيل.
وقال لـ"عربي21"، إن "القصة بأكملها تعتمد على قوة الحشد السريع، والتي أراها منهزمة في كل الجبهات"، مؤكدا أن "ما على مصر هو ما يتم فعله الآن، وأنه كافي".
"مصالح مصر من سلامة السودان"
وفي رؤيته لكيفية استقبال حكومة القاهرة التطورات الجارية على حدود مصر الجنوبية وخطورتها على أمنها القومي، تحدث مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق الدكتور عبدالله الأشعل، لـ"عربي21".
وقال إن "البعض يرى أن مصر تحولت في السنوات العشر الماضية إلى أداة لخلق مشاكل عربية، ويرى مراقبون أن لها دخل في أزمات ليبيا، وسوريا، وفلسطين، وحتى جارتها الجنوبية السودان".
وأكد أن "فكرة الأمن القومي تُترجم بطريقة أخرى، فالأمن القومي إذا صادف مصالح كرسي الحكم فهنا تتحقق عندهم مخاوف الأمن القومي، إنما إذا لم يصادف مصالح الكرسي فلن يمثل لهم أمن قومي".
وشدد على أن "مصالح مصر تقتضي سلامة السودان، وسلامة ليبيا، وسلامة فلسطين، وعلاقة حسنة مع الغرب وأوروبا خاصة على اعتبار أنها دول شمال البحر المتوسط".
ولفت إلى أن "وجود أي كيان مثل هذا يزيد المخاطر حول مصالح مصر المائية"، مشيرا إلى أن "مخاوف البعض من احتمال طلبها المشاركة في حصة مصر من المياه، واردة".
واستدرك بقوله: "لكن العديد من السياسيين يرون أن حكومة مصر تواطأت مع إثيوبيا، في ملف مياه النيل والسد الإثيوبي، وآخر ما قيل من شائعات هو بيع المياه للشعب المصري".
وأضاف: "رغم أنني لا أقطع بهذا الأمر لأنه ليس لدي معلومة مؤكدة، ولا أسير خلف الشائعات لكن سلوك الحكومة المصرية تجاه المواطن المصري يقطع بهذا الأمر".
وحول ما يثار عن دعم الإمارات لميثاق نيروبي ولتلك الدولة المحتملة وأن ذلك يأتي ضمن خطة مرسومة بهدف مرسوم، قال إن "ما تعيشه المنطقة العربية من أزمات هي جميعها تأتي وفق تماهي تام بين إسرائيل وأمريكا والحكام العرب جميعا ما عدا الجزائر وفق ظني".
وأضاف: "كلهم يسيرون بتعليمات أمريكية وإسرائيلية وهي التعليمات التي لن يُكتب لها البقاء إلا بتقسيم مصر، وتقسيم مصر يسير على قدم وساق، من قبل السودان".
وختم بالقول: "المهم هو وعي الشعب المصري والذي أعول عليه كثيرا، وأنه يجب رفع وعيه فكريا وثقافيا لأن الوعي ما سيحبط هذه المخططات".
"مؤامرة في خيالهم"
وفي مقال للصحفي السوداني عثمان ميرغني، بصحيفة "الشرق الأوسط"، أكد أن مشروع الحكومة الموازية التي يجري طبخها هذه الأيام في نيروبي، "جاءت متعثرة، بدءا بانقسام في تنسيقية القوى المدنية (تقدم) وحلها، سواء كان الطلاق بين الجناحين حقيقيا أم تكتيكيا".
وأوضح أن هذا "جاء بعد ذلك تأجيل الجلسة الافتتاحية لمؤتمر (التأسيس) لهذه الحكومة 24 ساعة، ثم بتأجيل التوقيع على ميثاقها 3 أيام، وحتى بعد هذا التأخير فإن تشكيل الحكومة وهياكلها يبقى معلقا حتى إشعار آخر".
ورأى أن "هذه الانطلاقة المتعثرة تنبئ بما هو قادم في طريق هذه الحكومة إن اكتملت ولادتها، والفشل المتوقع لمخطط محركيها".
وقال إنها "في جوهرها خطوة إعلامية لرفع المعنويات بعد الهزائم المتلاحقة التي تلقتها قوات الدعم السريع، أكثر من كونها مشروعا حقيقيا لدولة لا توجد إلا في خيال من فكروا فيها وحاكوا مؤامرتها".
وأكد تقرير لصحيفة "التايمز"، أن الحشد السريع في نيروبي "يحاول أن يحقق على طاولة المفاوضات ما فشل في تحقيقه على أرض المعركة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية القاهرة السودان الدعم السريع الإمارات كينيا مصر مصر السودان القاهرة الإمارات كينيا المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوات الدعم السریع عبدالعزیز الحلو میثاق نیروبی فی السودان فی نیروبی مصالح مصر وقال إن إلى أن
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: حفتر وحسابات السودان الجديدة
لم يكن صباح العاشر من يونيو يوماً عاديًا في سياق الحرب السودانية المستمرة منذ أكثر من عامين، إذ حمل تطورًا نوعيًا وخطيرًا، بإعلان القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية عن تعرّض نقاط حدودية داخل المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا لهجوم مشترك شنّته مليشيا الدعم السريع، بدعم مباشر من قوات الجنرال الليبي خليفة حفتر، وتحديدًا “كتيبة السلفية” التابعة له.
هذا الحدث يمثّل نقلة نوعية، تُنذر باحتمال انتقال الصراع السوداني من إطار الاحتراب الداخلي إلى مشارف التدويل الإقليمي، حيث تتشابك المصالح والأطماع والنفوذ في مشهد متجدد .
الدعم العسكري الذي قدمته قوات حفتر للمليشيا المتمردة – وفقًا لمنصة “أخبار السودان” – لم يقتصر على الإسناد الميداني، بل شمل عمليات نقل للأسلحة والمعدات عبر الكفرة، واستخدام طائرات مسيّرة إماراتية ، إلى جانب رصد طائرات شحن من طراز IL-76TD في محيط العمليات. هذه المؤشرات تؤكد أن الهجوم جاء ضمن خطة أوسع ، أُعدت بعناية في مراكز قرار إقليمية داعمة للمليشيا، بهدف إعادة ضبط موازين القوة على الأرض، بعد تكبّدها خسائر كبيرة في جبهات شمال دارفور، وغرب كردفان، والنيل الأبيض، والخرطوم.
المثلث الحدودي، الذي أصبح ساحة اشتباك، لطالما كان نقطة تماس حساسة تتقاطع عندها حسابات الخرطوم والقاهرة وطرابلس. ورغم أن الهجوم نُفّذ بأيادٍ ليبية وسودانية متمردة، إلا أن خلفيته تُشير بوضوح إلى دور فاعلين إقليميين، وعلى رأسهم حكومة أبوظبي، التي تُتهم مرارًا “تقارير اممية” بإدارة وتفعيل شبكة الدعم اللوجستي والمالي للمليشيا، انطلاقًا من جنوب ليبيا، بعد تعثّر خطوط الإمداد القادمة من تشاد في الأشهر الأخيرة.
وفي هذا السياق، برز تطوّر تشادي لافت، تمثّل في برقية تهنئة أرسلها الرئيس محمد إدريس ديبي إلى الرئيس السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بمناسبة عيد الأضحى. هذه البرقية ، تحمل دلالات سياسية مهمة، إذ تُعد أول تواصل رسمي بين البلدين بعد أشهر من الفتور، على خلفية اتهامات سودانية لتشاد بإيواء عناصر الدعم السريع والتغاضي عن عبور إمدادات عسكرية عبر أراضيها.
يمكن قراءة هذه الخطوة كمحاولة تشادية لفتح نافذة تهدئة، أو كإشارة إلى تراجع تدريجي عن الانخراط في الصراع، مدفوعة بهواجس أمنية متزايدة ترتبط بامتداد قبيلة الزغاوة في البلدين، وبمخاوف من امتداد نيران الحرب إلى الداخل التشادي، خاصةً في ظل تململ داخل المؤسسة العسكرية، وضغوط غربية متزايدة، وتغير المزاج الدولي إزاء الحرب في السودان.
هذا التراجع التشادي، وإن لم يُعلن رسميًا، يفسَّر – وفق مراقبين – بأنه دفعٌ إضافي لأبوظبي للبحث عن بدائل لوجستية، فوجدت ضالتها في محور حفتر، الذي يمثّل بوابة مثالية جغرافيًا وسياسيًا، تتيح استمرار الدعم للمليشيا دون تكاليف سياسية باهظة، على الأقل في الوقت الراهن. وعليه، فإن التحوّل الليبي يبدو تأسيسًا فعليًا لخط دعم بديل، قد يتجاوز في طاقته وأثره الخط التشادي المتراجع.
أما مصر، الحاضرة بالاسم والموقع في بيانات الجيش السوداني، فتجد نفسها أمام معضلة مركّبة. فقوات حفتر، التي نفّذت الهجوم، لا تتحرّك عادة دون تنسيق مع القاهرة، بل تُعد ذراعًا استراتيجية لها في شرق ليبيا. ومع ذلك، تزامن هذا الهجوم مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أبوظبي، وفي ظل أحاديث عن ضغوط إماراتية تتعلق بملف معبر رفح وغزة، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا التحرك رسالة ضغط مبطّنة لمصر، مفادها أن “الجنوب قابل للاشتعال إذا لم تُقدَّم تنازلات في الشرق”.
وإذا صحّت هذه التقديرات، فإن الصراع يتجاوز كونه نزاعًا على خطوط إمداد أو نفوذ، ليُصبح صراع إرادات داخل المحور ذاته، بين دولة مانحة للمال (الإمارات)، وأخرى ضامنة للجغرافيا (مصر)، حيث يدرك الطرفان أن استمرار تضارب الأجندات قد يقود إلى انفجار محتمل.
في هذا السياق، تبقى المرحلة المقبلة مفتوحة على عدد من السيناريوهات: أولها، أن يواصل الجيش السوداني التعامل مع الموقف بحزم، كما بدأ خلال الأيام الماضية من خلال الطلعات الجوية التي ألحقت خسائر فادحة بالمليشيا وداعميها.
أو أن يتم تثبيت خط الإمداد الليبي الجديد كأمر واقع تتعامل معه جميع الأطراف. أو ربما تشهد المرحلة تدخلًا مصريًا مباشرًا للحد من تحركات حفتر بما يضمن المصالح المصرية ولا يُحرج شراكتها مع السودان.
كما لا يُستبعد تدخل أطراف أخرى، مثل تركيا، لترتيب المشهد بما يخدم مصالحها وأجنداتها في المنطقة.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبدو أمام الخرطوم فرصة دبلوماسية ثمينة، ينبغي عدم التفريط فيها، عبر تحويل الرسالة التشادية إلى مسار تفاوضي أمني يُسهم في إغلاق الجبهة الغربية مع تشاد. هذه الخطوة من شأنها أن تُشكّل تحولًا مهمًا في تقليص فرص تمدد المليشيا، خاصة في ظل الضغوط العسكرية المتزايدة عليها في دارفور.
هذا وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة إذا نجحت الخرطوم في احتواء الموقف التشادي، وتفعيل أدوات الضغط الدبلوماسي على الأطراف الإقليمية الداعمة للتمرد، فإن الطريق سيكون ممهّدًا لعزل مليشيا الدعم السريع إقليميًا، وفتح نافذة جديدة أمام تفاهمات سلام محتملة بدأت تتبلور بين أنقرة والدوحة خلال الأيام الأخيرة. غدا بإذن الله نتناول تأثيرات الحرب الايرانية الاسرائيلية علي السودان في ظل التطورات الأخيرة.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
السبت 14 يونيو 2025م Shglawi55@gmail.com
إنضم لقناة النيلين على واتساب