السودان: الحكومة الموازية و«الحلقة الشريرة»
تاريخ النشر: 24th, February 2025 GMT
نظرا للتطورات الأخيرة على الساحة السياسية السودانية، نعتذر لمجموعة «شباب القراءة من أجل التغيير» عن أن نكرس مقال اليوم لاختتام مناقشتنا لسؤالهم حول المقصود بمفهوم «الحلقة الشريرة» في السودان وحول كيفية كسرها وفكفكتها واتقاء شرها. ونعني بهذه التطورات الأخيرة تحركات بعض القوى السياسية المسلحة والمدنية للتوقيع على ميثاق تأسيسي لتشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان.
وما كنا سنقحم موضوع هذه التطورات والتحركات في مقالنا حول «الحلقة الشريرة» لولا أننا نراها من صميم تجليات ونتاج دوران هذه الحلقة في السودان، كما سنوضح لاحقا في متن هذا المقال. ولكن في البدء، دعنا نقرر بأن ما وصلنا من معلومات حول هذه التطورات والتحركات قليل جدا إلا ما جاء في التصريحات الصحافية قبل وبعد ما بات يعرف بفك الارتباط داخل تنظيم «تقدم» المحلول بين التيار المؤيد والتيار المعارض لفكرة الحكومة الموازية، وما شهدناه في لقاء نيروبي بتاريخ 18 فبراير/شباط الجاري والذي كان عبارة عن بهرجة إعلامية وخطب مكررة حول جدلية السودان القديم والسودان الجديد والفشل في إدارة التنوع.
وحتى لحظة كتابة هذا المقال لم تُنشر أي ورقة مفاهيمية أو مشروع واضح المعالم حول هذه الخطوة، كما لم يُنشر الميثاق التأسيسي أو الورقة الدستورية المشار إليهما في التصريحات الصحافية وخطب قادة هذا الحراك. صحيح أن تصريحات وخطب هؤلاء القادة في تسبيب تشكيل الحكومة الموازية، أنها لسحب الشرعية من حكومة بورتسودان، وأنها لحماية المدنيين من بطش القوات والميليشيات التابعة لحكومة بورتسودان، وأنها لتقديم الخدمات للمواطنين المحرومين منها في خارج مناطق سيطرة حكومة بورتسودان، وأنها لوقف الحرب وبسط السلام والحفاظ على وحدة البلاد. لكن ومع تقديرنا التام لنبل مقاصد كل هذه المسببات، إلا أنها ستواجه بعشرات الأسئلة الرئيسية والفرعية، بما فيها السؤال الرئيسي حول كيفية تجسيدها على أرض الواقع، كما ستواجه بمناقشة حقيقية وموضوعية تقول إن الناتج من هذه الخطوة سيأتي، وباحتمال كبير، بعكس المقاصد النبيلة لهذه المسببات. ومع ذلك، نحن نشدد ونؤكد على خطل التبسيط المخل لهذه التطورات وهذا الحراك، أو الحكم عليها بأحكام مسبقة ووفق قوالب جاهزة ونمطية، كما نشدد ونؤكد على ضرورة عدم التقليل من شأن تداعيات هذه التطورات، لا على السودان وحده وإنما على كل المنطقة.
لا نود التعمق في مناقشة موضوع الحكومة الموازية قبل أن نطلع على تفاصيل المشروع وتفاصيل الميثاق التأسيسي وبرنامج الحكومة وآليات التنفيذ. ولكن، مجرد الفكرة في حد ذاتها تدفعنا إلى ربطها بعدد من الاستنتاجات الرئيسية.
الاستنتاج الأول: بالنسبة للمواطن السوداني فإن وقف الحرب هو الهدف الرئيسي الذي لا يعلو عليه أي هدف آخر. ولكن تشكيل حكومة موازية لن يوقف الحرب بل ربما يزيدها اشتعالا حيث سيتفاقم الصراع بين الحكومتين على السيادة والنفوذ في البلد، وسيسعى كل طرف للتمدد واكتساب مساحات جديدة على حساب الطرف الآخر. وحتى وإن فُرض على الطرفين، عبر المجتمع الدولي أو الإقليمي، التفاوض لوقف القتال، فسينحصر الأمر في اقتسام أو مشاركة السلطة والنفوذ دون المساس بالأسباب الجذرية للحروب في السودان.
الشباب الذي فجر هذه الثورة موجود هنا وهناك، في مناطق الحكومة الموازية أو الأخرى، يقاوم واقع الحرب بحثا في كيفية إيقافها، ويواصل رتق جروح آماله ونسج أحلامه بسودان المستقبل الديمقراطي
الاستنتاج الثاني: حتى إذا شُكلت الحكومة الموازية، سيظل السكان المدنيون في منطقة سيطرة هذه الحكومة أو تلك هم الضحايا وحصاد الموت سواء بآلة الحرب أو المرض أو الجوع أو بالمحاكمات الصورية والانتقامية.
الاستنتاج الثالث: بغض النظر عما دُبج في خطب دعاة الحكومة الموازية حول السودان الجديد وإدارة التنوع، فإن الدعوة لتكوين هذه الحكومة تتضمن تعبئة إثنية واستنفارا قبليا، وهذا بدوره سيؤدي إلى تعبئة واستنفار مضادين، مما يزيد من الطبيعة القبلية والإثنية للحرب في البلاد، ويضاعف ما هو موجود أصلا من خطاب العنصرية والكراهية وتمدد العنف الوحشي والقتل على أساس الهوية أو الانتماء الجهوي والسياسي، وكل هذا يصعب كبحه ويطيل من أمد الحرب أو يجددها حتى إذا توقفت، ما دام النسيج الاجتماعي بات ممزقا.
الاستنتاج الرابع: وجود حكومتين سيضعف من فرص تحقيق العدالة في البلد، خاصة بالنسبة إلى الجرائم والانتهاكات الفظيعة التي ارتكبت اثناء الحرب ضد البشر وضد الأعيان المدنية من بنية تحتية ومرافق عامة وخاصة، ويمكن الإفلات من العقاب على هذه الجرائم.
الاستنتاج الخامس: أصلا موقع السودان الجيوسياسي يهدد بانتشار نزاعاته إلى دول المنطقة، وخاصة بعض الدول المجاورة التي تعاني أصلا من هشاشة البنية التحتية والتوترات وضعف الاستقرار الأمني. وتواجد حكومتين في السودان سيضاعف من حالة الاستقطاب بين هذه البلدان، مجموعة مع هذه الحكومة وأخرى مع تلك ودائما العين على الموارد بمحتلف أنواعها، وكل هذا سيزيد من حالة التوتر الموجودة أصلا في المنطقة ويهدد بانفجارها، بل ومن الممكن أن يتمدد هذا التوتر ليطال عددا من بلدان العالم التي قد تتضارب مصالحها الاستراتيجية في السودان والمنطقة سواء من حيث المياه أو الأراضي أو الأمن الغذائي أو المعادن أو تأمين الطرق أو القواعد العسكرية أو أمن البحر الأحمر أو الخوف من ازدهار منابع وخلايا الإرهاب.
الاستنتاج السادس: لا أعتقد أن ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 ستجد مكانا لها في مشروع الحكومة الموازية، مثلما هي تفتقر إلى هذا المكان في حكومة بورتسودان. وأساسا من أهداف حرب الخامس عشر من أبريل 2023 وأد هذه الثورة وهي في مهدها. ولكن الشباب الذي فجر هذه الثورة موجود هنا وهناك، في مناطق الحكومة الموازية أو الأخرى، يقاوم واقع الحرب بحثا في كيفية إيقافها، ويواصل رتق جروح آماله ونسج أحلامه بسودان المستقبل الديمقراطي، ولن يسمح بأن يتبخر ويتلاشى كل ذلك وتذهب تضحياته سدى.
هذه الاستنتاجات، وغيرها كثير، تشير إلى أن فكرة الحكومة الموازية من الصعب أن تخرج من فكاك «الحلقة الشريرة» وسنواصل الحديث عن ذلك.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحکومة الموازیة حکومة بورتسودان هذه التطورات فی السودان
إقرأ أيضاً:
سفير الاتحاد الأوروبي بالسودان لـ«التغيير»: وقف الحرب أولوية قصوى
سفير الاتحاد الأوروبي في السودان وصف وقف الحرب بأنه السبيل الوحيد لإنهاء المعاناة الإنسانية في السودان، فيما أكد أهمية دعم غرف الطوارئ.
القاهرة التغيير
أعرب الاتحاد الأوروبي عن أمله في وقف الحرب بالسودان، مؤكدًا أن هذا هو السبيل الوحيد لإنهاء حالة الطوارئ وتمكين الناس من التعافي من الأزمة.
ودخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عامها الثالث، مخلفة ملايين النازحين واللاجئين وآلاف القتلى والمصابين من المدنيين، وسط ظروف إنسانية قاسية، فضلاً عن تدمير البنية التحتية والأنشطة الاقتصادية.
أهمية وقف الحربوأكد رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى السودان ايدان اوهارا في تصريحات لـ(التغيير)، أن وقف الحرب هو الأولوية القصوى، حيث أن استمرار النزاع يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان.
وقال إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى العمل سويًا لإيجاد حلول دائمة للنزاع.
الاحتفال بغرف الطوارئ دعم غرف الطوارئوأشار السفير اوهارا إلى أهمية دعم غرف الطوارئ في السودان، والتي تعمل بجد لتقديم المساعدة للمحتاجين.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يقدر جهودهم في تقديم المساعدة للمتضررين من الحرب.
وأكد على أهمية دعم الجهود الإنسانية في السودان، ولتسليط الضوء على الدور الحيوي الذي تلعبه غرف الطوارئ في تقديم المساعدة للمتضررين.
وختم بالقول: “يظل الأمل في وقف الحرب وتحسين الأوضاع الإنسانية في السودان هو السبيل الوحيد لإنهاء المعاناة الإنسانية التي يعيشها الناس في السودان”.
احتفال تكريم غرف الطوارئ احتفال بجائزة الاتحاد الأوروبيواحتفلت غرف الطوارئ السودانية في العاصمة المصرية القاهرة بتسلم جائزة الاتحاد الأوروبي لعام 2025م، وذلك تقديرًا لجهودها المتميزة في مجال العمل الإنساني والطوارئ في السودان.
وأكدت المتحدثة باسم غرف الطوارئ، أن الجائزة ليست خاتمة بل هي مسؤولية ووقود لمواصلة الجهود في خدمة المجتمع.
وأعربت عن شكرها للاتحاد الأوروبي على تقديره لجهود غرف الطوارئ، مشيرة إلى أن هذه الجائزة تعتبر دفعة معنوية هامة لمواصلة العمل الإنساني في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
وشهد الحفل عرض مقطع فيديو يوثق جهود المتطوعين في غرف الطوارئ، بعنوان “صوت من الميدان”، حيث أشار أحد المتطوعين إلى أن الجائزة تعتبر تقديرًا لجهودهم في تقديم المساعدة للمتضررين من الحرب.
احتفال غرف الطوارئ اعتراف بالجهودوفي كلمة النساء والأطفال، أكدت الأستاذة وئام الطيب أن هذا اليوم يمثل اعترافًا بجهود النساء والأطفال والرجال الذين تحدوا الظروف الصعبة وأعادوا بناء الحياة رغم النزوح واللجوء ومواجهة الأهوال والاغتصاب والعنف النفسي.
وأضافت أن النساء لم يكسرن من الحرب بل أعدن بناء الحياة.
فيما طالبت الدكتورة زحل بالمحاسبة لكل من ارتكب جريمة في حق النساء والأطفال، مؤكدة أهمية حماية حقوقهم وضمان سلامتهم.
وأشارت إلى أن النظام الصحي في السودان يعاني من شلل شبه تام بسبب تدمير 119 مؤسسة صحية وتعرض العاملين في هذا القطاع للخطر، مع انعدام الحماية اللازمة لهم.
وأضافت زحل أن الأمراض تفتك بالآلاف من الناس بسبب نقص الإمدادات الصحية.
وأكدت غرف الطوارئ السودانية أنها قدمت الدعم لـ 500 مؤسسة صحية، مشيرة إلى أن هذه الجائزة تعتبر دفعة هامة لمواصلة الجهود في خدمة المجتمع وتحسين الوضع الإنساني في السودان.
جهات استجابة أولىوتعتبر غرف الطوارئ المجتمعية جهات استجابة أولى يقودها المجتمع، حيث تعمل على سد الفراغ الكبير الذي خلفه انسحاب معظم المنظمات والجهات الإنسانية من البلاد.
هذه المجموعات المحلية، التي تأسست من المجتمع ولأجله، باتت اليوم منتشرة في مختلف أنحاء السودان، وتعمل كخط الدفاع الأول في مواجهة الأزمة الإنسانية التي فرضتها حرب أبريل 2023م.
وبالاعتماد على اقتصاد تضامني محلي، وبالشراكة مع منظمات إنسانية محلية ودولية، تقدم غرف الطوارئ مساعدات إنسانية حيوية وخدمات أساسية للمجتمعات المتأثرة، تشمل الرعاية الطبية، توزيع الغذاء، خدمات المياه والصرف الصحي، احتياجات النساء، الحماية والدعم ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، الإحالات الطبية، وعمليات الإجلاء للأشخاص المستهدفين.
وتشكل غرف الطوارئ شهادة حية على صمود وابتكار المجتمع السوداني، الذي لا يزال يحتفل بالحياة رغم ضجيج الرصاص.
إن مستوى التفاعل المجتمعي، وشراكات المواطنين، وشجاعة المتطوعين الذين يخاطرون بحياتهم يوميا، إلى جانب قدرة هذه الغرف على تجاوز قيود الوصول، كلها سمات تستحق الإشادة، مكنت من إيصال المساعدات الإنسانية لأكثر من 11 مليون شخص.
الوسومالاتحاد الأوروبي الحرب السودان القاهرة ايدان أوهارا غرف الطوارئ