حرب الصورة.. كيف تقاتل حماس بالكاميرا؟
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
في لحظة غير متوقعة، وأمام عدسات الكاميرات، انحنى أحد الأسرى الإسرائيليين ليقبل رؤوس مقاتلي كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس الذين كانوا يسلمونه للصليب الأحمر. وكان هذا المشهد كفيلًا بإثارة عاصفة من الجدل، إذ التقطته وسائل الإعلام العالمية كصورة تحمل أبعادًا تتجاوز الحدث نفسه: صورة جندي مهزوم، ورمز قوة تحرص على إظهار نفسها بشكل إنساني، ورسالة مبطنة تعيد تشكيل السردية حول طبيعة الصراع.
ولم يكن هذا المشهد استثناءً، بل جاء ضمن سلسلة من المشاهد التي صممتها حركة حماس بعناية خلال عمليات تبادل الأسرى الأخيرة. ومنذ اللحظة الأولى لعمليات التسليم، ظهر المقاتلون الملثمون في أزياء عسكرية منظمة، حاملين أسلحتهم بأوضاع تعكس الانضباط، وأحيانًا يقدمون المياه والتمر للأسرى الإسرائيليين قبل إطلاق سراحهم. مشاهد كهذه لم تكن مجرد نقل للأحداث، بل كانت بمثابة رسائل إعلامية مدروسة، صُممت لتصل إلى الجماهير الفلسطينية، والعدسة الغربية، وصناع القرار في إسرائيل.
حين تتحول الصورةفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لطالما كانت الصورة أداة قوية في يد الطرفين، رغم أن الرأي الغربي اختار أن ينظر من عدسة الميركافا الإسرائيلية. فقد احتكرت إسرائيل لعقود السردية الإعلامية العالمية، واستخدمت وسائلها لنقل صورة الإسرائيلي الضحية، والفلسطيني المعتدي. إلا أن حماس، خاصة في السنوات الأخيرة، أدركت أهمية كسر هذه الهيمنة البصرية عبر توظيف مشاهد التوثيق الميداني، وفن بناء الرموز في لحظات حساسة مثل تسليم الأسرى، وهو أمر ممتد عن صورة التغطية الحية للمعارك وصور المقاومة اليومية طوال شهور الحرب.
إعلانإحدى أبرز المشاهد التي حفرت في الذاكرة كانت لحظة تسليم الأسرى الإسرائيليين في مخيم النصيرات بقطاع غزة، حيث ظهر مقاتلو حماس يرافقون المحتجزين بهدوء، يلبسون الزي الرسمي، ويحملون أسلحتهم بطريقة توحي بالسيطرة دون تهديد مباشر. مشهد بدا وكأنه محاكاة لعروض الجيوش النظامية في عمليات تبادل الأسرى بين الدول، في محاولة واضحة لترسيخ صورة حماس ككيان منظم له القدرة على فرض شروطه.
وفي مشاهد أخرى، اختارت حماس توثيق اللحظات الإنسانية، مثل تقديم الطعام والماء للأسرى قبل تسليمهم، وإظهارهم يمشون بحرية دون قيود. وهذه الصور استهدفت توجيه رسائل مزدوجة: إلى الداخل الفلسطيني لتأكيد "أخلاقية المقاومة"، وإلى الخارج لنفي اتهامات الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة إظهارها كمنظمة إرهابية.
سردية إسرائيلعلى الجانب الآخر، أثارت هذه الصور غضبًا واسعًا في إسرائيل، فقد سارع الإعلام الإسرائيلي إلى وصفها بأنها "إذلال" للأسرى، وسعى لتقديمها كدليل على "وحشية" حماس رغم أن الصور لم تتضمن أي مشاهد عنف.
ولكن المعضلة التي تواجهها إسرائيل ليست فقط في الصور ذاتها، بل في تأثيرها على جمهورها الداخلي. إذ إن مشاهد الأسرى وهم يتصرفون بطمأنينة بين أيدي مقاتلي حماس تقوض سردية "الجيش الإسرائيلي الذي لا يُهزم"، وأن "حماس إرهابية"، وتطرح تساؤلات عن مدى قدرة حكومة نتنياهو على استعادة الأسرى بالقوة.
من البندقية إلى الكاميراتدرك حماس أن الصراع مع إسرائيل ليس عسكريًا فقط، بل هو صراع على الوعي والرأي العام. ولهذا السبب تعتمد بشكل متزايد على الصور والرموز في توجيه رسائلها. فبينما تعتمد إسرائيل على الترسانة العسكرية والدعم الدبلوماسي الغربي والإمساك بتلابيب الإعلام، فإن حركة حماس تراهن على مشاهد تصنعها بعناية لتكون أكثر تأثيرًا من أي بيان سياسي.
وقد يبدو المشهد الذي قبّل فيه أحد الأسرى رؤوس مقاتلي حماس لحظة عابرة، لكنه في عالم الإعلام الحربي يعادل نصرًا إستراتيجيًا. لأن المعركة اليوم لم تعد تُحسم فقط في ميادين القتال، بل أيضًا في مساحات الإنترنت وشاشات الأخبار. وهكذا تواصل حماس اللعب بذكاء في ميدان الصورة لتبارز جيش نتنياهو، ليس بالبندقية وحدها، بل بالكاميرا أيضًا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
اعتراف إسرائيلي بارتكاب جرائم حرب في غزة.. الجنود يُقتلون عبثا
أقر كاتب إسرائيلي بارتكاب الجيش جرائم حرب في قطاع غزة بعد مرور أكثر من عام ونصف من العدوان الدموي، مشيرا إلى أنه بين الحين والآخر تخرج إحصائيات شبه رسمية تعترف بذلك.
وقال رئيس تحرير صحيفة "معاريف" العبرية السابق عيدو دزينشيك، إن "الحكومة الإسرائيلية تنسف في كل مرة محادثات وقف إطلاق النار وعقد صفقة لتبادل الأسرى، لأنها لا تريد اتفاقا، ولا تريد انتهاء الحرب".
وأضاف دزينشيك في مقال ترجمته "عربي21" أنه "منذ استئناف الحرب في آذار/ مارس الماضي، تبدو معظم هجمات الجيش الإسرائيلي، وخاصة الجوية، كأنها جرائم حرب"، موضحا أن "طائرة مقاتلة محملة بقنابل ثقيلة تهبط على مخيم للاجئين، بزعم ضرب أحد أفراد حماس، وفي طريقها تقتل عشرات النساء والأطفال".
وذكر أن "هذا التصعيد الدموي تشجعه القيادة السياسية، ويتجاهله الجنرالات، أو يدعمونه علنا"، معتبرا أن الضغط العسكري لا يؤدي إلى "مرونة" حماس، وعندما تعلن حكومة نتنياهو أن القضاء على الحركة أكثر إلحاحا من إعادة الأسرى، فإنها تحكم عليهم بالإعدام.
وتساءل: "كم من سكان غزة يجب أن يموتوا جوعًا لإطلاق سراح رهينة واحد، وهل هناك أي أمل في أن يكون لهذا الضغط تأثير، مع أن حماس قد تقدم على قتل الأسرى، أو موتهم جوعًا مع اقتراب المجاعة بين الفلسطينيين في غزة، بعد مقتل ثلاثة أسرى أحياء (..)".
ولفت إلى أنه "يصعب الإشارة لأي فعل واحد من الحكومة يستحق تقييما إيجابيا"، منوها إلى أن "الإسرائيليين يذهبون حاليا إلى بلدان أخرى، وخاصة الأكاديميين والأطباء ورواد الأعمال بمجال التكنولوجيا الفائقة، ولن يعودوا في الوقت الحالي".
وأكد أن "التهديدات بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في غزة، تتناقض مع ما قام به الجيش طوال عام ونصف، لأنه فعل كل شيء في جميع أنحاء القطاع، وقريبا سيمضي عامين على اندلاع الحرب (..)".
وتوقع أن يؤدي استمرار الحرب إلى مقتل المزيد من الجنود الإسرائيليين، وربما يصل العدد إلى العشرات أو المئات، مضيفا أنه "لا يوجد سبب للاعتقاد أن الدخول القادم لجباليا سيكون أكثر نجاحا من المرات السابقة".
ودعا الكاتب الإسرائيلي إلى تصعيد الاحتجاجات الداخلية ضد استمرار الحرب، مؤكدا أنه "بمقارنة الاحتجاجات الأمريكية إبان حرب فيتنام، ستظهر مظاهرات تل أبيب أسبه بألعاب أطفال"، مبينا أن "ولايات ألاباما لوس أنجلوس وجامعة كولومبيا والمؤتمر الديمقراطي شهدت احتجاجات عارمة تخللها إحراق الناس لأنفسهم".
وتابع: "يكتفي الإسرائيليون برفع الأعلام والكراسي وتقديم العروض وإلقاء الخطب، وتُحتقر عائلات الأسرى في الكنيست، وتُطرد من قاعته، وهذا كل شيء، مع أن استمرار الحرب يستدعي اندلاع انتفاضة شعبية وتمرد جماهيري".