شهر رمضان هو شهر الخير والبذل والعطاء، شهر المثابرة والصبر والتراحم والتكافل، شهر القرآن و الإحسان، شهر الجهاد والتضحية والفداء، ما إن يهل هلاله، حتى تتعطر الأجواء بعبير نفحاته الإيمانية، وتكتسي البلدان الإسلامية حللا من البهاء والألق، وهي تستقبل أفضل الشهور عند الله، حيث يتسابق المسلمون على الظفر بالجوائز الربانية التي أعدها وخصصها المولى عز وجل للصائمين من عباده إيمانا واحتسابا .
حيث حل رمضان هذا العام في ظل ظروف بالغة الخطورة والتعقيد تشهدها المنطقة العربية نتيجة استمرار العربدة والإجرام والتوحش الإسرائيلي في فلسطين، ومواصلة المسخ الأمريكي العجوز دونالد ترامب سياسته الهمجية تجاه غزة وفلسطين ولبنان وسوريا ودول محور المقاومة، وتنامي حالة الغليان في المحافظات اليمنية المحتلة الخاضعة لسلطة الحاكم بأمره السعودي والإماراتي، نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية، واستمرار التدخلات السعودية الإماراتية السافرة في الشؤون الداخلية اليمنية، وفتح الباب على مصراعيه أمام أمريكا وبريطانيا وفرنسا للتوغل في المحافظات الجنوبية المحتلة في سياق مخطط استعماري قذر يستهدف ثرواتها ومقدراتها والاستفادة من موقعها الاستراتيجي.
اليوم “النتن ياهو” ما يزال يماطل في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، من خلال وضعه العقبات والعراقيل التي تحول دون استكمال تنفيذ بنود الاتفاق، وخصوصا ما يتعلق بإدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية بالكميات والنوعية التي تضمنها الاتفاق، حيث وصلت به الوقاحة لمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة وإغلاق المنافذ التي تدخل منها هذه المساعدات، في الوقت الذي يسعى فيه نتنياهو إلى فرض شروط مسبقة على حركة حماس للموافقة على الإنخراط في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، قبل أن يذهب لمطالبة الوسطاء بالعمل على تمديد فترة المرحلة الأولى لأربعين يوما إضافية، من أجل إخراج أكبر عدد ممكن من الأسرى لدى حماس، ومنحه المزيد من الوقت للمماطلة والمراوغة والتنصل عن التنفيذ الحرفي لمضامين الاتفاق .
في الوقت الذي يواصل كيان العدو الصهيوني ارتكاب جرائمه الوحشية بحق الأبرياء في الضفة الغربية على مرأى ومسمع العالم أجمع، بما في ذلك (السلطة الفلسطينية)، التي تحولت إلى حليف استراتيجي للكيان الصهيوني، حيث تمارس أجهزة الأمن التابعة لها عمليات الاعتقال والاستهداف للمقاومين، ولم يسلم منها حتى الجرحى، في صورة تعكس ما هي عليه هذه السلطة من خسة وعمالة وهي التي جعلت من نفسها أشبه بكلب حراسة تعمل لحساب كيان العدو الصهيوني.
وفي الشأن الداخلي، تزداد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية تدهورا في المحافظات اليمنية المحتلة، وهو ما أشعل نيران الغضب في أوساط المواطنين في تلك المحافظات الذين خرجوا الشوارع للمطالبة بإسقاط سلطة السفير السعودي وحكومة الفنادق الذين يتاجرون بأوجاعهم ومعاناتهم دونما ذرة حياء أو خجل، في الوقت الذي يحاول فيه قادة هذه السلطة المزعومة بالهروب من الاستحقاقات الملزمة لهم للنفخ في بوق الفتنة، ومهاجمة سلطة صنعاء للتغطية على فشلهم وعجزهم وإفلاسهم، وعدم قدرتهم على إدارة شؤون المحافظات التي وصفوها بـ(المحررة) و(الوطنية) ولا أعلم عن أي تحرير ووطنية يتحدثون رغم أن الواقع المعاش يحكي خلاف ذلك ؟!!
فعن أي تحرير وهذه المحافظات تخضع للاحتلال السعودي والإماراتي؟ حيث تحكم المكونات الممثلة للسعودية والإمارات تلكم المحافظات، وتعمل على تنفيذ سياستهما الاستعمارية الاستغلالية، وبات الأمر والقرار بيد الحاكم بأمره السعودي والإماراتي، وعن أي وطنية وأعلام الانفصال والمحتلين تعج بها تلكم المحافظات، وتزين صور ملوك السعودية والإمارات قصور ومقرات هذه السلطة التي تصف نفسها بالشرعية، ولم يعد للوطن أي حضور في أجندة مسؤوليها الذين يدينون بالولاء والطاعة لمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد ؟!!
واقع مرير جدا تعيشه الأمة العربية والإسلامية التي ما يزال الكثير من قادتها يغردون خارج السرب، ويسعون بكل إمكانياتهم وطاقاتهم ومقدراتهم لضرب الأمة واستهدافها من داخلها، من خلال مشاريعهم التآمرية التي تتناغم مع المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، الذي يستهدف الأمة في دينها وقيمها وثوابتها ومقدساتها وقضاياها المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي يتآمر الكثير من الزعماء العرب عليها من خلال الاتجاه نحو مستنقع التطبيع مع الكيان الصهيوني، وإشعال الفتن والصراعات في المنطقة تحت عناوين وشعارات مناطقية ومذهبية وغيرها خدمة للصهاينة، ودعما لمشروعهم الهادف إلى إقامة ما يسمى (إسرائيل الكبرى)، وأمام هذا الواقع المرير حري بالشعوب العربية والإسلامية أن تكسر حاجز الصمت في وجه قادتها، وتتخذ مواقف مشرفة حيال هذه الممارسات الرعناء، والسقوط المذل لهؤلاء القادة الخونة، والضغط عليهم للعدول عن خيانتهم وعمالتهم، أو الذهاب نحو إسقاطهم وانتخاب قيادات جديدة تمتلك الحرية والاستقلالية في قراراتها، وتنطلق في سياستها من الثوابت الوطنية والقومية والإسلامية التي لا يمكن المساس بها، أو الأخذ والرد بشأنها، أو المزايدة عليها تحت أي ظرف، وفي أي وقت على الإطلاق .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
فوضى “نتن ستان”.. السحر في حضرة الساحر!
الثورة / يحيى محمد
ضمن المشهد السياسي المعقد لقطاع غزة، وحيث تتشابك الخيوط وتتعقد المؤامرات، تتجلى لنا قصة “أبو شباب” وميليشياته المسلحة، كنموذج صارخ لمقولة “السحر ينقلب على الساحر”. فما بدأ كمناورة استراتيجية ذكية لضرب عصفورين بحجر واحد، تحول إلى مسرحية عبثية تثير الضحك تارة والسخرية تارة أخرى، وتكشف عن عُمق التخبط في المستنقع الفلسطيني.
من تاجر مخدرات إلى “مؤمّن مساعدات”
القصة تبدأ مع ياسر أبو شباب، ابن العائلة البدوية الفقيرة من شرق رفح، الذي يبدو أنه قرر مبكراً أن الطرق التقليدية للنجاح لا تليق بعبقريته. فبعد تركه الدراسة، لم يجد أفضل من تجارة المخدرات، لاسيما الحشيش والحبوب المؤثرة عقلياً، ليبني إمبراطورتيه الصغيرة. لكن العبقري الحقيقي لا يتوقف عند هذا الحد، بل يطور نفسه! فسرعان ما ارتقى أبو شباب ليصبح “مؤمّناً لشاحنات المساعدات الإنسانية” التي تدخل القطاع.
يا لها من مفارقات! الرجل الذي كان يبيع ما يذهب العقول، أصبح “يؤمّن” ما يذهب إلى البطون الخاوية. وبالطبع، فإن “التأمين” في قاموس أبو شباب يعني “سرقة البضائع ونهبها بمنهجية”. حتى أن صحيفة “واشنطن بوست” كشفت أن اسمه ورد في مذكرة داخلية للأمم المتحدة بوصفه يقود جماعة مسؤولة عن نهب منظم وواسع للمساعدات الإنسانية. كما أشارت إلى أن مجموعته ظهرت بداية تحت مسمى “جهاز مكافحة الإرهاب”، ثم غيرت اسمها إلى “القوات الشعبية” في أيار /مايو 2025. فليستمر التصفيق لهذا “البطل” الإنساني!
جيش الظلال.. عندما يجتمع الإرهاب والنهب
بعد أن أكد المسؤولون الصهاينة، بكل فخر، تسليح ميليشيا فلسطينية تعمل ضد حماس – كتكتيك مبتكر! – بدأ القناع يسقط عن مسمى “القوات الشعبية” التي أسسها أبو شباب. فالميليشيا، التي تضم نحو 300 مسلح، بعضهم “سجناء محررون” من سجون حماس (مرحباً بالحرية: لنعد إلى الإجرام!), لا تكتفي بمواجهة حماس. لا يا سادة، فالأمر أكبر من ذلك بكثير.
الصورة تتضح، هذه ليست قوة ضد أحد، لأنها- في الأصل- جماعة مسلحة ومن صنائع الموساد الصهيوني، ولها سجل حافل بـالنشاط الإرهابي على الشريعة المدجنة صهيونياً، وارتباطات لا تخفى على أحد بـتنظيم داعش الإرهابي، بالإضافة إلى سجل إجرامي يجعل “آل كابوني” نفسه يصفق له بحرارة.
ومن أبرز شخصيات هذه الميليشيا “المحترمة” نجد عصام نباهين، الذي قاتل مع داعش في سيناء ضد الجيش المصري، ثم عاد إلى غزة ليُسجل إطلاقه صواريخ على الكيان المحتل “دون التنسيق مع حماس”. يا له من فوضوي! أما الآخر فهو رسن الدهيني، شقيق “شهيد داعش” وليد الدهيني، والذي شارك في اختطاف جلعاد شاليط عام 2006، وهو الآن جزء من الميليشيا الجديدة، بالرغم من كونه عضواً رسمياً في حركة فتح. فتح وداعش والصهاينة، يا لها من مخضريه صهيونية التجانس!
فتحستان… أم فوضى ستان؟
رغم تصريحات المجرم بنيامين نتنياهو بأنه “لن يكون هناك فتحستان في غزة”، إلا أن مصادر في السلطة الفلسطينية تؤكد أن ميليشيا أبو الشباب تتلقى رواتبها من السلطة، برعاية شخصية من بهاء البلوشة، ضابط المخابرات الفلسطيني الكبير في غزة. هل نحن في مسلسل هزلي؟ فالسلطة تدفع لتاجر مخدرات سابق يطلق صواريخ على الكيان وينهب المساعدات الإنسانية!
ويقول مصدر أمني رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية، بجدية تامة، إن هذه القوة المسلحة “تحظى بدعم الكيان والسلطة الفلسطينية والقيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان في الوقت نفسه ــ في حين تعمل علناً ضد حماس”. إنها قوة سحرية، تدعمها كل الأطراف، وتقاتل كل الأطراف!
السحر في حظيرة الساحر
وفي ختام هذه الملحمة الساخرة، نجا أبو شباب من محاولة اغتيال دبرتها حماس في المستشفى الأوروبي بخان يونس، بينما قُتل اثنان من رفاقه – شقيقاه – في الكمين!
ولم يكتمل المشهد إلا بكشف أفيغدور ليبرمان، رئيس ما يسمى بحزب إسرائيل بيتنا، عن تسليح سلطات الاحتلال لميليشيا أبو الشباب. وبعد النشر، اضطرت الرقابة للسماح بنشر بعض التفاصيل. ليخرج كبير المجرمين الصهاينة نتنياهو معلقاً بأن الخطوة جاءت بناءً على نصيحة مسؤولين أمنيين، متسائلاً ببرود: “ما العيب في ذلك؟ إنه أمر جيد فحسب. إنه ينقذ أرواح” من أسماهم بـ”جنود جيش الدفاع الإسرائيلي”. ثم اتهم ليبرمان بأن تسريبه “لم يُفد حماس إلا بالخير”.
يا له من عالم! ففي الوقت ذاته، ذكر ياسر أبو شباب أنه لا يتلقى تمويلًا من السلطة الفلسطينية، كما نفى عمل جماعته مع الاحتلال، قائلًا: “نحن لا نعمل مع إسرائيل؛ هدفنا حماية الفلسطينيين من إرهاب حماس”، وفق قوله.
ويعارض أبو شباب سيطرة حركة حماس على حكم قطاع غزة، واصفًا إياها بأنها “سيطرة غير مقبولة” من الشعب والحكومة. ويرغب ياسر أبو شباب في إبعاد حركة حماس عن السلطة في قطاع غزة وتولي الإدارة بدلًا منها؛ قائلًا: “لدي طموحات كبيرة للتوسع في مناطق أخرى تسيطر عليها حماس حاليًا بالقوة والسلاح، لتحرير الناس من هذا العبء”، معتبرًا أنه “طموح كبير، ولكنه صعب”.
ورغم نفيه عقد أي لقاء مع أي جهة إسرائيلية خلال العام الماضي، فإنه في الوقت ذاته لم يستبعد إمكانية التنسيق مع جيش الاحتلال، قائلًا: “إذا تم أي تنسيق (مع الجيش) فسيكون إنسانيًا، لصالح شعبنا في شرق رفح، وسيتمّ عبر قنوات وساطة”، وفق زعمه.