قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن "أميركا بدأت تستعيد ثقتها بنفسها بعد مرور شهر ونصف على بدء ولايته الثانية، وإن الحلم الأميركي لا يمكن إيقافه"، مهددا بفرض رسوم جمركية إضافية على دول عدة في الثاني من أبريل/نيسان المقبل.

وأضاف ترامب -في أطول خطاب لرئيس أميركي أمام خلال جلسة مشتركة للكونغرس للحديث عن حالة الاتحاد- لقد أنجزنا في 43 يوما أكثر مما يمكن أن تحققه معظم الإدارات في 4 أو 8 سنوات، وأميركا على وشك العودة إلى ما لم يشهده العالم من قبل وربما لن يشهده مجددا.

وتابع "بلادنا لن تكون يقظة بعد الآن"، وهو مصطلح يستخدمه المحافظون لوصف ما يعتبرونه تشددا مفرطا في تلبية مطالب الأقليات.

وأضاف "كل ما قمت به يمثل جزءا بسيطا من ثورة المنطق السليم التي ستجتاح العالم كله بفضلنا".

وأشاد ترامب في الخطاب -الذي استغرق ساعة و40 دقيقة- بمستشاره الملياردير إيلون ماسك وما تقوم به "إدارة الكفاءة الحكومية" التي يقودها لجهة خفض نفقات الحكومة الفدرالية.

وفي أول خطاب له أمام الكونغرس منذ عودته إلى البيت الأبيض قبل 6 أسابيع، قال ترامب مخاطبا ماسك بعد أن وقف الأخير وسط تصفيق المشرعين الجمهوريين "شكرا لك إيلون، إنه يعمل بجد، شكرا جزيلا لك، نحن نثّمن ذلك".

إعلان احتجاج الديمقراطيين

وما إن بدأ ترامب بإلقاء خطابه حتى انبرى عدد من البرلمانيين الديمقراطيين إلى إطلاق صيحات الاستهجان لمقاطعة الرئيس.

وبعدما قاطع البرلمانيون مرارا خطاب ترامب هددهم رئيس مجلس النواب مايك جونسون بإخراجهم من القاعة إذا لم يكفّوا عن المقاطعة، قبل أن يأمر بإخراج النائب الديمقراطي آل غرين من قاعة المجلس بتهمة عرقلة سير الجلسة.

وقال ترامب بعد طرد غرين "أنظر إلى الديمقراطيين أمامي وأدرك أنه لا يوجد شيء على الإطلاق يمكنني قوله لإسعادهم أو جعلهم يقفون أو يبتسمون أو يصفقون".

ووصف سلفه جو بايدن بأنه أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، قائلا إنه "سمح بعبور آلاف المجرمين من حدودنا الجنوبية".

وردّ المشرعون الديمقراطيون برفع لافتات تنديد بإدارة ترامب، قبل أن يغادروا القاعة في منتصف الخطاب.

رسائل داخلية

وأكد ترامب أن إدارته تعمل على تنفيذ أكبر عملية ترحيل للمهاجرين غير النظاميين في تاريخ أميركا، وستحقق التحرير العظيم للولايات المتحدة من هؤلاء المهاجرين.

وأضاف أن مدنا أميركية بأكملها انهارت تحت وطأة احتلال المهاجرين غير النظاميين، مؤكدا أن أميركا بحاجة إلى مهاجرين مميزين، لذلك أعلن عن تأشيرات البطاقة الذهبية لجذب الأشخاص المميزين في العالم.

وتابع "لقد ورثنا من إدارة بايدن كارثة اقتصادية ومعدلات تضخم مرتفعة، وأحد أهم محاور الحرب ضد التضخم هو خفض تكاليف الطاقة بسرعة".

وأوضح ترامب أنه سيقضي على التضخم عبر الحد من عمليات الاحتيال والهدر وسرقة المال العام، كما سيتخذ إجراء تاريخيا لتوسيع نطاق إنتاج المعادن النادرة في الولايات المتحدة.

وشدد على أن التعيينات الحكومية يجب أن تكون بناء على الكفاءة وليس العرق أو الجنس، وعلى الموظفين الفدراليين أن يعودوا إلى العمل من المكاتب أو تتم إقالتهم.

وأشار الرئيس الأميركي إلى أنه صنف عصابات مخدرات مكسيسكية منظمات إرهابية وأصبحت في مقام تنظيم الدولة الإسلامية، مؤكدا أن عصابات المخدرات تشن حربا على أميركا وحان الوقت لشن الحرب عليها.

إعلان

وفي المجال القضائي، أكد ترامب أنه اتخذ إجراءات لإصلاح مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل، قائلا إن "نظام العدالة انقلب في السنوات الأخيرة رأسا على عقب على يد المجانين اليساريين المتطرفين".

وأضاف أن العديد من الولايات القضائية خلال عهد بايدن استخدمت إنفاذ القانون سلاحا ضد معارضين سياسيين مثلي.

كما تعهد ترامب بأن إدارته ستعمل على حماية الأطفال من الأيديولوجيات السامة، مؤكدا أنه وقّع أمرا تنفيذيا يحظر على المدارس العامة تلقين أطفالنا أيديولوجية التحول الجنسي.

وطلب من الكونغرس تمويل درع دفاعي صاروخي مثل القبة الحديدية التي تمتلكها إسرائيل.

ملفات خارجية

وفي الشؤون الخارجية، قال الرئيس الأميركي "لقد استخدم الآخرون الرسوم الجمركية ضدنا لعقود، والآن حان دورنا لبدء استخدامها ضد تلك البلدان الأخرى".

وأقر ترامب بأن الرسوم الجمركية التي باشر بفرضها على دول عدة قد تتسبب "ببعض الاضطرابات" في اقتصاد الولايات المتحدة "لكننا راضون عن ذلك".

وأضاف أن "الرسوم الجمركية ستجعل أميركا غنية وعظيمة مرة أخرى، هذا الأمر سيحدث، وسيحدث بسرعة كبيرة، ستكون هناك بعض الاضطرابات، لكننا راضون عن ذلك، وتأثيرها لن يكون كبيرا".

وفي سياق متصل، أعلن ترامب أن بلاده باشرت "استعادة" قناة بنما، وذلك إثر إبرام شركة من هونغ كونغ اتفاقا مبدئيا مع "كونسورتيوم" (ائتلاف) أميركي لبيعه ميناءين يقعان على طرفي القناة.

كما جدد ترامب رغبته في السيطرة على جزيرة غرينلاند لأغراض الأمن القومي، قائلا "سنحصل عليها بطريقة أو بأخرى".

وبرر انسحابه من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنه "معادٍ للولايات المتحدة وحلفائها".

وختم ترامب خطابه بالتأكيد على أن الولايات المتحدة ستعيد "رهائنها" من غزة وستنهي الصراع في أوكرانيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الولایات المتحدة ترامب أن

إقرأ أيضاً:

إلى أي مدى سيرتبط مستقبل الولايات المتحدة ونفوذها بالحرب الحالية وتعاطيها معها؟

من نافلة القول أنّ "سوء تقدير" ما حَكم تصرف الرئيس الأمريكي ترامب بمساندته للعدوان الإسرائيلي على إيران. فهذا العدوان نقل المنطقة كلّها ورشّحها إلى مكان آخر غير مسبوق، أكثر تعقيدا وتداخلا، بل رشّح معه البيئة الدولية لما هو أخطر وأشّد. ربّما افترض ترامب أنّ هذه الخطوة تقوي أوراقه التفاوضية مع إيران إذا حقّقت بعض أهدافها، وربّما إذا لاحت فرصة معتّد بها فيكمل لإسقاط النظام وفق الإرادة والرغبة الأمريكية التاريخية، فقارب المسألة بعقلية المقامر على طريقة رجال الاقتصاد لا السياسة.

لقد خالف ترامب إجماع كل الرؤساء من قبله بالسماح لإسرائيل بالقيام بهذا الفعل على طريقته بحب التميّز، وعلّه يحقق ما لم يحققه أسلافه!! وهذا إن دّل ذلك على شيء فهو يدّل على ما وصلت اليه الإدارات الأمريكية من رعونة سياسية أو عدم فهم للواقع والتعاطي السياسي والاستراتيجي معه، فالفارق يغيب عند الإدارات الغربية وبالذات الأمريكية بين السياسة والاقتصاد (فضلا عن الاقتصاد الرقمي). في الاقتصاد تستطيع أن توقف الصفقة إذا لم تعجبك أو إذا شعرت بالخطر، لكن في السياسة الأمور أعقد بكثير فالتحّدي فيها هو إمساكك للمآلات والنهايات وحسن تقديرها وليس فقط إصدار القرار.

خالف ترامب إجماع كل الرؤساء من قبله بالسماح لإسرائيل بالقيام بهذا الفعل على طريقته بحب التميّز، وعلّه يحقق ما لم يحققه أسلافه!! وهذا إن دّل ذلك على شيء فهو يدّل على ما وصلت اليه الإدارات الأمريكية من رعونة سياسية أو عدم فهم للواقع والتعاطي السياسي والاستراتيجي معه
لقد كرّرت إدارة ترامب أخطاء مذهلة في أوّل مائة يوم كلّها بما يؤكّد انفصام إدارته عن الواقع من افتراضه للمقاربة بشأن روسيا وأوكرانيا إلى كندا إلى المكسيك إلى أنصار الله في اليمن إلى المهاجرين في أمريكا إلى العلاقة بالصين إلى.. إلى التعاطي مع أم القضايا في عالمنا فلسطين وغزّة، فعلا هو يعيش ظّنا أو وهْما نابعا من نرجسية قاتلة، فيفترض أنّه إذا وقّع على الورق في مكتبه البيت الأبيض فيعني أنّ الواقع صار كذلك!!

العدوان الصهيوني أوصلنا إلى اللحظة الأخطر منذ طوفان الأقصى، سرعان ما تبيّن أنّ رد فعل إيران كان مزيجا من دفاع عن نفس من جهة وفرصة كبرى تتحينها، فحمت نفسها قانونيا وعزّزت موقفها شعبيا في الداخل، وعربيا وإسلاميا، وأمام الرأي العام العالمي (كمُعتدى عليها)، واستفادت من أفضل سياق، بل لعّلها ساهمت منذ طوفان الأقصى بالتدريج في صناعة أفضل سياق ومسوّغ ممكن لحربها مع إسرائيل، وخلخلة البيئة الداعمة لإسرائيل ما أمكن وتعزيز وتقوية البيئة الداعمة للحق الفلسطيني ما أمكن، ونجحت في ذلك نجاحا معقولا. إنّ مبادرتها بالرد التصاعدي وغير المتوقع من قبل الصهاينة وغيرهم أتت في سياقات متكاملة ومنسقة، فأتى ردّها في سياق تأكيد سيادتها أولا، ونصرة فلسطين وغزّة وقوى المقاومة ثانيا، وتثبيت قواعد القانون الدولي ثالثا، وفي سياق الإفادة من الوضعية الدولية بما يساعد من تعزيز موقع الصين والدول الصاعدة في مواجهة أمريكا رابعا، وتشجيع كل الشعوب المتذّمرة والمستاءة من الهيمنة الأمريكية والرافضة لها بكسر القيد النفسي وتهشيم الصورة النمطية المتوارثة عندهم حيال أمريكا وإسرائيل.

لذلك فإيران اليوم تتحرّك في أفضل مشروعية ممكنة لمعركة من المعارك. وأثبتت حتى الآن كفاءة وإبداعا فاجآ القريب والبعيد في إدارة المعركة وعكس أهدافها لصالحها رغم الكلفة، فمسار إدارتها للمعركة منذ طوفان الأقصى عبّر عن نضج وفهم سياقي وتاريخي كبير وعدم استعجال، بل تحّين واستنزاف لعدّوها، هي اليوم تتحّرك بأفضل مشروعية وغطاء قانوني بينما إسرائيل فاقدة لأي شرعية أو قانونية، لا سيّما بعد نهر الدماء البريئة في غزّة الذي هّز الرأي العالمي والحكومات، وصورة إسرائيل هي اليوم هي حقيقتها بدون مجمّلات ومساحيق دولة عنصرية إرهابية ومجرمة أشبه بهتلر بل تتعداه. إيران تتحرّك بينما الشارع في إسرائيل بلغ في انقسامه مدى مهمّا وتشعر فئة منه أن نتنياهو يقاتل بهم لأجله لا لأجلهم، وأنّ الأفق السياسي للمعارك غامض. فبعد ما يقرب السنتين لم تحسم بعد معركة غزّة، ولا تزال المقاومة حيّة وتمتلك قلوب الفلسطينيين، أمّا الجيش الإسرائيلي فهو في حالة تعب والحكومة كل يوم أمام مشكلة وشقاق وانقسام.

إيران تتحرّك وتبادر للرّد في بيئة عربية شعبية مؤيدة بقوّة ونظام رسمي محايد متضامن ولو لفظا (هذا أكثر ما تتمنّاه قوى المقاومة من العرب) وليس نظاما رسميا يصر على أمريكا لقطع "رأس الأفعى"، ومؤخرا شكّلت علاقاتها التي كان يُعمل على إعادة بنائها مع مصر وموقفها الثابت في عدم قبول التهجير للفلسطينيين ودعمها لباكستان وعلاقاتها المهمة معها ومع أفغانستان أيضا.

مسار الحرب أمام احتمالات استراتيجية معقدة جدا بالنسبة لأمريكا وإسرائيل وفرص كسبها من قبلهما ضئيلة جدا مهما طالت وتطورت الحرب. إنّ انخراط أمريكا في الحرب يعني غرقها دون أفق سياسي واضح أو معرفة بكيف ستنتهي
اليوم، مسار الحرب أمام احتمالات استراتيجية معقدة جدا بالنسبة لأمريكا وإسرائيل وفرص كسبها من قبلهما ضئيلة جدا مهما طالت وتطورت الحرب. إنّ انخراط أمريكا في الحرب يعني غرقها دون أفق سياسي واضح أو معرفة بكيف ستنتهي -تجارب أفغانستان والعراق وغيرها مرعبة- ووضع ترامب داخليا غير متماسك ومهزوز، وستستغل الحرب كل من الصين وروسيا لدعم إيران فضلا عن باكستان. لكنّ الأهّم أنّ غرق أمريكا في هذه الحرب المفتوحة فيما لو حدث سيسرع تحرك الصين لإسقاط تايوان وربّما احتلالها مستّغلة استنزاف أمريكا، وسيعني مبادرة روسيا بكل قوّتها مستفيدة من أسعار النفط العالية والانشغال الأمريكي (خصوصا إذا توّقف تدفق النفط والغاز من الخليج)، وتعديل توازنات الأمن الأوروبي بالقوة الهائلة قبل أن يتمكّن الغرب الأوروبي من بناء ردع خاص غير معتمد على أمريكا.

فأمريكا ليست قادرة لا اليوم ولا غدا على خوض حروب على جبهات ثلاث، كما أنّ الحرب الشاملة لو وقعت في المنطقة فستزيل آخر قشرات عن سطح النظام الإقليمي الهش القائم في "الشرق الأوسط"، أي ستزيح شبكة النظام الرسمي العربي لأنّ أي تهاو لأحد منه سيخلط الأوراق ويحرم إسرائيل من خطوط دفاع جيوبوليتيكية أمّنتها بعض الأنظمة.

إنّ سياسة أمريكا الأهّم في المنطقة هي "إسرائيل"، إسرائيل ليست أداة أمريكية، هي إحدى أبرز سياسات الهيمنة الغربية، وبعض الأنظمة العربية هي سياسة ثانية من سياسات الهيمنة الغربية. إنّ ترك الإدارة ألأمريكية المسار دون التدّخل لإيقاف نتنياهو سوف يحقق مصالح الأخير التكتيكية على حساب مصالح أمريكا العالمية ومصالح إسرائيل الاستراتيجية، فهل سيقدر ترامب على منعه؟! نُرجح أنّ الإدارة الأمريكية ستوقفه، أمّا من تسوّل له نفسه من الإدارة أن يأتي ليقطف الثمار على غرار الحربين العالميتين فاليوم الوضع الدولي وطبيعته مختلفان بالكامل عن وضعية أوروبا حينها. إنّ إيقاف أمريكا لنتنياهو سيشكل انتكاسة لمشروع الأخير ونظريته لتطويع المنطقة وخطاب النصر المطلق؛ وضرب قاعدة جبهة مواجهة الهيمنة ومساندة خط المقاومة والتحّرر في إيران، سيعني فشل كامل المسار منذ طوفان الأقصى وسيؤدّي بالتلازم موضوعيا لإيقاف الحرب على غزّة؛ إذ إنّ مبررات حروبه تكون قد تلاشت وصورته أمام مجتمعه انعكست بالكامل وكذلك صورته أمام العالم الغربي كمُعتمد فعّال (هو طالما ادّعى وطلب أن يتركوه لمواجهة إيران وأنّه سيأتيهم بالجائزة "رأس إيران")..

وتبيّن أنّ لجم نتنياهو لأكثر من عقد كان إدراكا من الرؤساء الذين سبقوا ترامب لمخاطر هكذا خطوة على المصالح العليا الأمريكية والحسابات الاستراتيجية، ولمعرفتهم أنّه لا يمكنه القيام بهذه الخطوة منفردا ويريد جرّ أمريكا لحروبه، وهذا هو هدفه الرئيس.

قد يقول قائل إنّه لو حصل ذلك وأوقفت أمريكا نتنياهو ستكون انتكاسة استراتيجية لإسرائيل وضياع فرصة العمر وخسارتها، وسيضع ذلك إسرائيل على طريق التهاوي.. هذا صحيح! لكن الخيار الآخر، أي الانخراط الأمريكي، ستكون تبعاته أسوأ بكثير. فالحروب العالمية كانت ليس فقط لأسباب سياسية واقتصادية بل أيضا لسوء تقدير الرؤساء والقادة.. فهل سيكون ترامب صانع الحرب العالمية الثالثة؟ وهل هذا ما وعد به الأمريكيين الذين انتخبوه لتحسين أوضاعهم واقتصادهم؟ وأين ستصبح قدرته على مواجهته الداخلية داخل أمريكا؟ وأين سيكون من جائزة نوبل؟ وهل بحرب لا نهاية لها سيستعيد قوّة وعظمة أمريكا كما يدّعي أم سيُضعفها؟!!

قد تستمر المعركة أياما إضافية أو ربّما أسابيع، وهذا يتوّقف على إعادة أمريكا تصحيح قراءتها للواقع واستلحاق مسار الأحداث الذي يتدهور سريعا واجتناب الخفّة التي صارت أشبه بمتلازمة لسياساتها، فمسار الحرب لا يخلو من تهديد كبير لمستقبل أمريكا ومكانتها، ويمكنها التدارك قبل فوات الأوان ولو على حساب نتنياهو وحكومته المتطرفة
لا يعني ممّا تقدّم أنّ الحرب ستنتهي غدا، فإسرائيل ستبقى تحاول لحدود معيّنة علّها تخرج بمكسب ما، أمّا إيران هي الأخرى فستبقى تضرب بالعمق لتصنع صورة تل أبيب المدمّرة وإسرائيل المكشوفة والمتخّبطة والخائفة وتستثمر في طول المعركة.. أمّا خيار نتنياهو النووي فيُستبعد أن يكون على الطاولة اليوم ولا غدا، في ظل بنية إقليمية ودولية لن تجعل من دول كباكستان أو غيرها بمنأى عن الصراع بل سيواجَه النووي بالنووي؛ لأنّ الصراع صار يرتبط بكل الدول الصاعدة الإقليمية والمؤثرة وتصورها للمستقبل. فباكستان لا يمكن أن تكون بين إيران (بنظام أمريكي) وقوّة عدوة لها كالهند مدعومة غربيا. والكلام نفسه ينسحب على تركيا -ولو بحدود- إذ أنّ إضعاف إيران سيؤدي إلى الإطاحة بأردوغان في اليوم الثاني.. وايضا على مصر إذ إنّ ضعف إيران سيؤدي إلى الإطاحة بكل هذه الدول. فالصراع اليوم صار ذي سمة لها علاقة ببنية النظام الدولي وتقسيماته أيضا، ناهيك عن أنّ استخدام النووي إسرائيليا سيكون عذرا وسابقة ممتازة لاستخدامه من بوتين في وجه الغرب ومن كيم بوجه كوريا الجنوبية وأمريكا نفسها في لحظة، ما وسيفتح على فوضى حروب نووية عالمية قاتلة ليس فيها رابح.

لذلك قد تستمر المعركة أياما إضافية أو ربّما أسابيع، وهذا يتوّقف على إعادة أمريكا تصحيح قراءتها للواقع واستلحاق مسار الأحداث الذي يتدهور سريعا واجتناب الخفّة التي صارت أشبه بمتلازمة لسياساتها، فمسار الحرب لا يخلو من تهديد كبير لمستقبل أمريكا ومكانتها، ويمكنها التدارك قبل فوات الأوان ولو على حساب نتنياهو وحكومته المتطرفة.

الاصطفافات بدأت بالظهور وكل يوم سيكون أشّد تعقيدا من قبله، فالتدارك ولجم نتنياهو هو لمصلحة أمريكا أولا. أمّا نحن كدول ومجتمعات فإننا ومهما كانت الأكلاف نبقى أبناء هذه الأرض وهذه الجغرافيا وحضارتنا نبتت فيها، نحن جزء منها وهي جزء منّا، ليس لنا خيار إلا أن نُكمل ونصمد ونواجه وندفع الظلم والاعتداء عن أنفسنا وأمتنا ومقدّساتنا وسيادة دولنا واستقلالنا. بالنسبة إلينا معركتنا معركة الضرورة، بينما معركة أمريكا اليوم فيما لو انخرطت بحرب نتنياهو هي معركة اختيار، وربّما تعلم أنّ لديها فرصا في هذا العالم العربي والإسلامي كبيرة جدا إذا فكّرت بطريقة أخرى!!

مقالات مشابهة

  • السناتور بيرني ساندرز: لا يجب جر الولايات المتحدة لحرب نتنياهو
  • هل يُقحم ترامب الولايات المتحدة في حرب مع إيران؟
  • إدارة ترامب تدرس إضافة 36 دولة إلى حظر السفر الى الولايات المتحدة
  • يائير لابيد يستجدي مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل في الحرب ضد إيران
  • إلى أي مدى سيرتبط مستقبل الولايات المتحدة ونفوذها بالحرب الحالية وتعاطيها معها؟
  • ترامب: الولايات المتحدة ستواصل دعم إسرائيل
  • هل تدخل الولايات المتحدة الحرب بين إيران وإسرائيل؟ ترامب يجيب
  • ترامب: الولايات المتحدة ستواصل دعم إسرائيل للدفاع عن نفسها
  • أبو شامة عن حرب إيران: أهداف الولايات المتحدة تختلف عن إسرائيل
  • ترامب: الولايات المتحدة سترد بقوة غير مسبوقة على أي اعتداء إيراني