عبدالعزيز بن حمدان بن حمود الإسماعيلي **

a.azizhh@hotmail.com

في عصر يتسم بالتطور التكنولوجي السريع والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتلاحقة، لم تعد الإدارة مجرد عملية تقليدية تتعلق بالتخطيط والتنظيم والرقابة، بل أصبحت مفهومًا ديناميكيًا يشمل استراتيجيات مبتكرة ووسائل حديثة تهدف إلى تحقيق أعلى مستويات الكفاءة والإنتاجية.

الإدارة الحديثة تعتمد على: المرونة، والابتكار، والتكنولوجيا، في قيادة المؤسسات نحو تحقيق أهدافها، مع التركيز على تطوير الموارد البشرية وتعزيز الثقافة التنظيمية القائمة على الإبداع والاستدامة.

إننا في هذه الإطلالة المصغّرة نهدف تسليط الضوء على "مفهوم الإدارة الحديثة"، وأهم مبادئها وخصائصها، والتحديات التي تواجهها في العصر الرقمي، إضافةً إلى الاتجاهات المستقبلية التي تشكل مستقبل الإدارة.

إنّ الإدارة الحديثة هي نهج إداري متطور يعتمد على: التكنولوجيا، والابتكار، والقيادة الفعالة لتحقيق الأهداف التنظيمية بكفاءة عالية. تختلف عن الإدارة التقليدية التي كانت تعتمد على المركزية والبيروقراطية؛ حيث تركز على التمكين، والتواصل الفعّال، واتخاذ القرارات بناءً على البيانات، كما تشمل الإدارة الحديثة أساليب وتقنيات جديدة تساعد المؤسسات على التعامل مع تحديات السوق، مثل التحول الرقمي، المنافسة العالمية، وتغير توقعات العملاء.

وفي هذا الصدد تقوم الإدارة الحديثة على عدد من المبادئ التي تضمن نجاح المؤسسات واستدامتها في ظل بيئة الأعمال المتغيرة. ومن أهم هذه المبادئ:

أولًا: القيادة الفعالة بدلًا من الإدارة التقليدية؛ فلم يعد دور المدير يقتصر على إصدار الأوامر ومراقبة الموظفين؛ بل أصبح يتمحور حول القيادة الملهمة؛ حيث يركز القادة على تحفيز فرق العمل، وتعزيز بيئة إبداعية، وتشجيع العمل الجماعي لتحقيق الأهداف المشتركة.

ثانيًا: التمكين والمشاركة؛ حيث الإدارة الحديثة على تمكين الموظفين ومنحهم الثقة لاتخاذ القرارات المناسبة في نطاق مسؤولياتهم. وهذا يعزز من شعورهم بالمسؤولية، ويزيد من مستوى الإبداع والابتكار داخل المؤسسة.

ثالثًا: الاعتماد على التكنولوجيا والتحول الرقمي؛ وذلك لأنه من البديهيات أن توظّف المؤسسات الحديثة التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والحوسبة السحابية بهدف تحسين كفاءة العمليات واتخاذ قرارات مستنيرة تعتمد على تحليل البيانات.

رابعًا: التركيز على رضا العملاء؛ حيث إنّ الإدارة الحديثة، لا تقتصر المؤسسة على تقديم المنتجات أو الخدمات فقط؛ بل تسعى إلى تحقيق رضا العملاء من خلال تقديم تجارب استثنائية، والاستجابة السريعة لاحتياجاتهم، وبناء علاقات طويلة الأمد معهم.

خامسًا: تبني ثقافة الابتكار والتغيير ومن خلال هذا المبدأ تعمل الإدارة الحديثة على تعزيز الابتكار المستمر من خلال تشجيع البحث والتطوير، واعتماد استراتيجيات جديدة تواكب التغيرات في السوق.

سادسًا: المرونة والاستجابة السريعة؛ لأنه في ظل التحولات الاقتصادية والتكنولوجية، يجب أن تكون المؤسسات مرنة وقادرة على التكيف مع المتغيرات السريعة من خلال إعادة الهيكلة وتطوير استراتيجيات العمل بمرونة عالية.

أمّا عن التحديات التي تواجه الإدارة الحديثة؛ فرغم مزايا الإدارة الحديثة، إلّا أنها تواجه العديد من التحديات التي تتطلب حلولًا فعالة، ومن أبرز هذه التحديات:

أولًا: مقاومة التغيير؛ حيث تواجه المؤسسات صعوبة في تطبيق الأساليب الحديثة بسبب مقاومة الموظفين للتغيير؛ حيث يفضل البعض التمسك بالطرق التقليدية خوفًا من المجهول.

ثانيًا: الحاجة إلى تطوير المهارات القيادية؛ إذ يتطلب التحول إلى الإدارة الحديثة "قيادات مؤهلة" تمتلك مهارات التفكير الاستراتيجي، القدرة على التعامل مع التكنولوجيا، وإدارة الفرق بفعالية.

ثالثًا: التعقيد التكنولوجي؛ فعلى الرغم من أهمية التكنولوجيا في الإدارة الحديثة، إلّا أن تطبيقها قد يكون معقدًا ومكلفًا، ويتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والتدريب.

رابعًا: التوازن بين العمل والحياة الشخصية؛ فمع التوسع في تطبيق أساليب العمل المرنة مثل العمل عن بُعد؛ حيث تواجه الشركات تحدي الحفاظ على توازن صحي بين متطلبات العمل وحياة الموظفين الشخصية.

خامسًا: الأمن السيبراني وحماية البيانات؛ حيث إنه مع التحول الرقمي، أصبحت الشركات أكثر عرضة للهجمات الإلكترونية؛ مما يجعل الأمن السيبراني أحد أهم التحديات التي تواجه الإدارة الحديثة.

وعلى صعيد الاتجاهات المستقبلية في الإدارة الحديثة فإنه لمواكبة التغيرات السريعة في عالم الأعمال، تتبنى المؤسسات عددًا من الاتجاهات الحديثة التي ستحدد ملامح الإدارة في المستقبل؛ ومنها: استخدام الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة، وهذا يساعد الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الضخمة، واتخاذ قرارات دقيقة، مما يزيد من كفاءة العمليات ويُحسن تجربة العملاء. فضلًا عن التحول نحو الإدارة الرقمية؛ إذ أصبحت المؤسسات تعتمد عليها بشكل متزايد وخاصة في فعاليات "الإدارة الرقمية"؛ حيث يتم تنفيذ العمليات من خلال منصات إلكترونية تتيح التواصل السريع واتخاذ القرارات بمرونة. مع العمل عن بُعد ونماذج العمل المرنة فبعد جائحة كورونا، أصبح العمل عن بُعد أمرًا شائعًا، وأدى إلى تطور "نماذج عمل مرنة" تمكن الموظفين من العمل من أي مكان دون التأثير على الإنتاجية.

هذا بجانب "التركيز على الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية"، وهذا يستدعي أن تعتمد الشركات الحديثة على "سياسات الاستدامة" التي تهدف إلى تحقيق أرباح دون الإضرار بالبيئة، كما تعزز من مسؤوليتها الاجتماعية من خلال دعم المبادرات المجتمعية؛ وذلك يكون مستندًا بـ"إدارة التنوع والشمول"؛ حيث أصبحت المؤسسات الحديثة تهتم بـ"التنوع الثقافي والشمول"؛ حيث تسعى إلى بناء بيئة عمل تتسم بالمساواة، وتعزيز الإبداع من خلال دمج وجهات نظر مختلفة.

وفي الأخير يمكننا القول إنّ الإدارة الحديثة ليست مجرد تغيير في الأساليب التقليدية؛ بل هي "ثورة في المفاهيم والإجراءات" تهدف إلى تحسين أداء المؤسسات، وتعزيز قدرتها على المنافسة في الأسواق العالمية. من خلال: تبني التكنولوجيا، الابتكار، والقيادة الفعالة، يمكن للمؤسسات تحقيق نجاح مستدام والمساهمة في تطوير الاقتصادات الحديثة. وفي ظل التغيرات المستمرة، يبقى التحدي الأكبر أمام الإدارة الحديثة هو "التكيف والاستجابة السريعة" لمتطلبات العصر، مع الحفاظ على "الطابع الإنساني في التعامل مع الموظفين والعملاء". وهذا يتطلب من القادة والمديرين "استمرار التعلم والتطوير" لضمان نجاح مؤسساتهم في المستقبل.

** باحث دكتوراة في الإدارة العامة

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مجلس نقابة الصحفيين يلتقي رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة

صراحة نيوز- التقى نقيب الصحفيين الأردنيين طارق المومني وعددًا من أعضاء مجلس النقابة، برئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة، المهندس فايز النهار، الخميس، بحضور مدراء مختصين من الهيئة، لبحث سبل تطوير بيئة العمل الإعلامي في القطاع العام، وتعزيز المسار المهني للصحفيين العاملين في المؤسسات الرسمية.

وأكد النهار خلال اللقاء أهمية النهوض بالبيئة الإعلامية داخل الجهاز الحكومي، باعتبارها ركيزة أساسية في إيصال رسالة الدولة وخطابها الإعلامي القائم على المهنية والمصداقية، مشددًا على التزام الهيئة بالعمل التشاركي مع النقابات المهنية ودعم جهود الإصلاح الإداري واستقطاب الكفاءات النوعية.

وثمن نقيب الصحفيين هذا التوجه، مؤكدًا ضرورة مأسسة العمل الإعلامي داخل القطاع العام من خلال أطر تنظيمية واضحة تراعي خصوصية المهنة الصحفية، وداعيًا إلى تطوير المسار المهني للعاملين في المؤسسات الإعلامية الرسمية بما يضمن العدالة الوظيفية ويعكس طبيعة العمل الإعلامي غير النمطي.

وأشار أعضاء مجلس النقابة إلى أهمية تطبيق علاوة المسار المهني على الصحفيين العاملين في الإعلام الرسمي، وتفعيل نظام العمل المرن الذي أُقر في أنظمة الخدمة المدنية وتطبيقه فعليًا على المؤسسات الإعلامية، بالنظر لطبيعة عملها المتغيرة.

وبحث الطرفان ملف المصورين الصحفيين من أعضاء الهيئة العامة، مؤكدين ضرورة شمولهم بالتعليمات الصادرة عن رئاسة الوزراء والمتعلقة بالعلاوات والمهن ذات الطابع الميداني، أسوة بزملائهم في تخصصات مماثلة.

ودعا وفد النقابة إلى إعداد توصيف وظيفي خاص للمهن الإعلامية داخل القطاع العام، يراعي التخصصات الدقيقة والتطورات المهنية والتقنية، بالإضافة إلى التنسيق المسبق في الإعلان عن الوظائف الإعلامية لضمان استقطاب الكفاءات المؤهلة من أبناء المهنة، ومنح الناطقين الإعلاميين علاوة المهنة تقديرًا لدورهم في التواصل مع وسائل الإعلام وتقديم المعلومة الدقيقة.

واتفق الجانبان على أهمية استمرار الحوار المؤسسي والتنسيق المشترك، لضمان تطوير بيئة العمل الإعلامي في مؤسسات الدولة وتعزيز كفاءة الكوادر الصحفية العاملة فيها.

مقالات مشابهة

  • وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تختتم مبادرة بصائر
  • مجلس نقابة الصحفيين يلتقي رئيس هيئة الخدمة والإدارة العامة
  • أبوزريبة يناقش إعادة هيكلة إدارة التفتيش والمتابعة لتحسين الأداء الأمني
  • رئيس جامعة جنوب الوادى يلتقى بفريق عمل الإدارة الهندسية بالجامعة
  • شراكة رقابية لتعزيز الشفافية بقطاع الطيران
  • باستخدام التقنية الحديثة.. برنامج تدريبي لتعزيز كفاءة توزيع «بطاقة الناخب»
  • بسبب غياب الموظفين.. إحالة سكرتير وحدة محلية للتحقيق في المنوفية
  • اللواء نصر سالم: الحرب الحديثة تغيرت أدواتها لكن يبقى العقل هو السيد
  • 100 دينار شهرياً سقف مكافآت عضوية مجالس الإدارة للموظفين
  • مكافآت مجالس الإدارة تشعل جدلاً.. تفاصيل جديدة لعام 2025