الدويري: الضفة الغربية أمام تحدٍ إستراتيجي خطير قد ينتهي بضمها لإسرائيل
تاريخ النشر: 10th, March 2025 GMT
حذر الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في المخيمات الفلسطينية بالضفة الغربية تشكل جزءاً من خطة إستراتيجية متكاملة تتجاوز مجرد العمليات الأمنية المحدودة.
وجاء ذلك في تعليقه على مواصلة جيش الاحتلال حملة الاقتحامات والاعتداءات بمناطق عدة، في سياق عملياته العسكرية المستمرة في مخيمي جنين وطولكرم شمالي الضفة.
وقال الدويري في فقرة التحليل العسكري "عندما تطلق دبابات الاحتلال النيران على مركبات المدنيين بالمفهوم العسكري، علينا ألا ننظر إلى هذه الجزئية بصورة منفردة، بل يجب أن نضع ما يجري في المخيمات ضمن المستويات الثلاثة: التكتيكي الميداني، العملياتي، الإستراتيجي، لأنها جميعها مترابطة وتشكل بناءً تراكمياً".
وأوضح أن على المستوى التكتيكي الميداني، هناك "المرتكز الأساسي المتمثل في التصريح السياسي المدعوم من قائد المنطقة الوسطى بضرورة بقاء القوات في المخيمات إلى نهاية العام، وبالتالي هذا نوع من فرض السيطرة ولكنه يعتمد على الإفراط في استخدام القوة واستخدام القوة غير المناسبة".
التمدد الجغرافي
وعلى المستوى العملياتي، لفت الدويري إلى التمدد الجغرافي للعمليات الإسرائيلية، قائلاً "لاحظوا التمدد من مخيم جنين إلى مخيم نور شمس إلى المنطقة الوسطى تقريباً، إلى مخيم بلاطة ومخيم الفارعة، ثم ننتقل جنوباً إلى الغرب، هذا على المستوى العملياتي، مما يعني أن الهجمة تشمل جغرافية الضفة الغربية بالمطلق".
إعلانوشدد الدويري على أن الأخطر من ذلك كله يظهر عند ربط هذه العمليات بالمستوى الإستراتيجي، موضحاً "في السياق الإستراتيجي هناك عدة مرتكزات منها، تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان واضحاً جداً قبل عدة أيام بأن مساحة إسرائيل صغيرة كرأس قلم مقارنة بسطح الطاولة.
ويضاف إلى ذلك الخرائط التي عرضها الوزير بتسلئيل سموتريتش أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حيث لا يوجد ضفة غربية وهناك سيطرة على أجزاء من دول الجوار، حسب ما أشار الخبير العسكري.
وأضاف "الأخطر من ذلك تصريحات رئيس الكنيست التي أطلقها اليوم عندما تحدث عن ضرورة السيطرة على دمشق والدخول إليها، وأن سوريا جسر العبور إلى العراق وكردستان".
ولفت الدويري إلى أن هذا يقودنا إلى المقولة الدينية أو الموروث الديني في الأسفار القديمة "أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل".
وختم تحليله بتحذير واضح "الضفة الغربية الآن أمام تحدٍ إستراتيجي خطير قد يفضي من خلال هذا البناء التراكمي إلى ضم الضفة والسيطرة عليها بالكامل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الضفة الغربیة
إقرأ أيضاً:
سياسة الأرض والحصار: كيف تُعيد إسرائيل هندسة الضفة الغربية؟
تشهد الضفة الغربية منذ أسابيع تصعيدا عسكريا غير مسبوق، بالتوازي مع اتساع هجمات المستوطنين ضد القرى الفلسطينية. هذا التزامن ليس عابرا، بل يعكس استراتيجية واضحة تتبناها حكومة نتنياهو- بن غفير- سموتريتش، تهدف إلى إعادة هندسة الضفة الغربية وفرض وقائع جديدة على الأرض.
تستغل إسرائيل انشغال المنطقة والعالم بتداعيات حرب غزة لتغيير قواعد اللعبة في الضفة عبر الاجتياحات المتكررة، والتدمير الواسع للبنى التحتية، وسياسات العقاب الجماعي، وتشديد القيود على الحركة، وكلها أدوات لإضعاف قدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود، وتهيئة الأرض لتوسيع المستوطنات وفرض السيطرة الإسرائيلية. وبالموازاة، بات عنف المستوطنين جزءا من هذه السياسة، حيث تشن هجمات منظمة على القرى، وتُحرق الممتلكات، وتُهجر العائلات في مناطق "ج"، ما يسهل توسيع المستوطنات وربطها جغرافيا.
يحدث ذلك في الوقت الذي يعيش فيه الفلسطينيون اليوم حالة ضعف متعدّد الأبعاد، داخليا وخارجيا، اقتصاديا وسياسيا. فالسلطة الفلسطينية تواجه ضغوطا مستمرة لتطبيق ما يُسمّى بـ"الإصلاحات"، والتي من شأنها أن تزيد الهوة بينها وبين الحاضنة الشعبية، ويبعدها تدريجيا عن الفصائل الفلسطينية المختلفة التي تمثل مكونات النظام السياسي الفلسطيني. هذه السياسات لا تضعف فقط شرعية السلطة داخليا، بل تُقوّض أيضا قدرتها على مقاومة الضغوط الإسرائيلية، في ظل بيئة دولية تمنح إسرائيل هامش تحرك أوسع وتدعم ضمنيا استمرار الوضع القائم. بالتالي، يندمج الضعف الداخلي مع تأثير الضغوط الخارجية ليخلق حالة من العجز المتزايد أمام الاستراتيجيات الإسرائيلية في الضفة.
ويكتسب التصعيد بُعدا سياسيا إسرائيليا داخليا واضحا، فهو ثمن تقدمه الحكومة الإسرائيلية لليمين المتطرف لضمان بقاء الائتلاف. فالحرب على غزة أفرزت نافذة فرص استثنائية لهذا اليمين: انطلاقا من عودة ترامب إلى البيت الأبيض بما يوفره من دعم سياسي واسع لإسرائيل، مرورا بانشغال دولي يمنح إسرائيل هامش حركة كبيرا، وانتهاء بحالة الضعف الفلسطيني نتيجة الانقسام والعجز المؤسسي والضغط الاقتصادي. ففي نظر بن غفير وسموتريتش، هذه لحظة تاريخية ينبغي استثمارها لفرض وقائع تمهّد لضم فعلي غير معلن للضفة.
هذا بالإضافة لما يتيحه هذا المسار للحكومة الإسرائيلية من فرصة لعرض "إنجازات" على جمهورها اليميني، بدءا من تقويض ما تبقى من سلطة فلسطينية وتحويلها إلى هيئة إدارية بلا صلاحيات، وصولا إلى توسيع المستوطنات وفرض السيادة الإسرائيلية على مساحات أوسع. أما من الناحية الأمنية، فتسوّق إسرائيل خطاب "منع تمدّد نموذج غزة إلى الضفة"، فيما تُظهر الإجراءات أن الهدف الحقيقي ليس الاحتواء الأمني، بل إخضاع الضفة وإعادة هندسة المشهد الفلسطيني بما يخدم مشروع اليمين الاستيطاني.
إن هذا الواقع المرير يعيد تشكيل البعد الدولي للصراع، حيث تُقوض السياسة الإسرائيلية حل الدولتين الذي لطالما شكّل الإطار المقبول دوليا، خاصة في ظل الانسجام الجزئي بين الحكومة الإسرائيلية الحالية ورؤية إدارة ترامب، التي عبّرت في مناسبات عدة عن تفضيل بدائل عن حل الدولتين ورفضته صراحة، وهو ما يسهّل على إسرائيل فرض واقع جديد على الأرض، بعيدا عن إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ويُعمّق السيطرة الإسرائيلية على الضفة.
في النهاية، ما يجري في الضفة الغربية اليوم ليس مجرد تصعيد عسكري ظرفي، بل هو تنفيذ متدرّج لمشروع ضمّ زاحف تستخدمه دولة الاحتلال والمستوطنين معا لإعادة صياغة الواقع، بما يجعل أي حل سياسي مستقبلي أكثر صعوبة ويهدد فرص التمكين السياسي للفلسطينيين. على الفلسطينيين أن يدركوا أن الفرصة لإنقاذ مستقبلهم الوطني والسياسي تتقلص بسرعة، وأن أي تقاعس قد يجعل من قدرتهم على حماية الأرض والحقوق الوطنية مجرد ذكرى، فيما تُستكمل محاولات فرض وقائع نهائية على الأرض.