شواطئ الأنثروبولوجيا.. الإنسـان والعــالم (2)
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتابع البروفسور مارك أوجيه أستاذ الأنثروبولوجيا الفرنسي في كتاب "الأنثروبولوجيا والعالم الشامل" والذي نقلته إلى العربية رانيا الحسيني والصادر حديثا عن المركز القومي للترجمة بالقاهرة بقوله: أما عن الخيال الأثنولوجى – وهو مصطلح أستخدمه أحياناَ – فهو خيال يتناول أو يبدأ بتساؤلات إثنولوجية أو أنثروبولوجية.
إن الأنثروبولوجيا تعتبر أيضا مجموعة من المعارف التي يمتلكها المهنيون، والتي توضح عدة ثوابت أنثروبولوجية مهمة، يعرفها كل الناس بدرجات متفاوتة من حيث الدقة، لأنها تنظم وتكيف وجودهم في الحياة، وللأنثروبولوجيا أيضاَ رسالة نشر ورسالة تربوية، نظراَ لأنها تمتلك تجربة تاريخية متنوعة من حيث الزمان والمكان. وهي رسالة تبدو طبيعية وواضحة عندما يأخذها على عاتقه رجل أو امرأة لهما تجربة ميدانية، بعد أن احتكا عن قرب بمعوقات التجربة الأولى.
إن التقدم التكنولوجي السريع في العالم المعاصر يغير يومياَ وبلا توقف علاقتنا بالمكان والزمان. إنه الاستنتاج الذي يغذي التشاؤم عند مفكر مثل بول فيريليو تجاه ظهور مكان وزمان جديدين. حتى لو كان عندنا وعى بأننا نوجد في عالم تقاس به المسافات بالسنوات الضوئية، وكليه الحضور واللحظية تصبحان المثل الأعلى المعلن للنظام الشامل على الأرض (العولمة). ولكن المكان والزمان هما المادة الأولية لكل بناء رمزي، ولكل بنية اجتماعية ولكل عمل فردى، فتهيئة المكان واستخدام الوقت يحددان ويلخصان أساس الأنشطة الإنسانية منذ العصور المظلمة. وربما برجوعنا إلى هذه المواضيع الرئيسية أتيحت لي الفرصة لخلق ظروف لقاءات مع أولئك الذين يقلقون، ويشغل بالهم هذه السرعة المذهلة. إن علم الأنثروبولوجيا الذي يتخصص أساسا في دراسة العلاقات الاجتماعية في مكان ما وداخل سياقها، معنى في المقام الأول بتطور العالم الحديث الذي يتلخص في هاتين الكلمتين المترابطتين؛ التمدن والعولمة.
فالمشهد الحضري الحديث ينبع من مجهود مضاعف للتوفيق بين أزمنة الماضي المختلفة من ناحية، وبينها والحاضر من ناحية أخرى. لقد تجمعت الآثار التاريخية على مر العصور في المدينة الأوروبية، لكنه تراكم معقد وغير منظم، بما أن التدمير دائما ما صاحب البناء أو إعادة البناء. إن المدينة الأوروبية الحديثة شيدت وتطورت على تراكم وتجميع واع للتاريخ، وللطرز المعمارية والعمران. وقد عرفت هذه العملية اثنين على الأقل من التحولات. وفى القرن التاسع عشر، أعيد تصميم كثير من المدن (في باريس البارون أوسمان)، وظاهرة التراكم والتعايش قد أصبحت في نظر الرومانسيين الجدد اتحاداَ حقيقيا.
ومن المنظور الفردي ومنظور قلب المدينة، إن العالم الحالي هو عالم الانقطاع والمحرم، عالم متناقض مع الرؤى الشاملة التي ننظر إليها من خلال ترتيباتنا السينمائية والتليفزيونية، لأن الجماليات السائدة في العالم الشمولي هي جماليات المسافة التي تؤدى بنا إلى تجاهل كل تأثيرات الانقطاع. إن الصور التي التقطتها أقمار المراقبة، والمشاهد الجوية تجعلنا نعتاد على رؤية شاملة للأشياء، كما يحدث في الطرق والقطارات السريعة. فللبؤس جمالة إذا ما نظرنا إليه من أعلى ومن بعيد. وأبراج المكاتب أو المساكن تؤثر على نظرتنا وتكيفها، فتدفق السيارات على الطرق السريعة، وتحليق الطائرات فوق المطار، أو إيجار المراكب الشراعية الكبيرة التي تدور سريعا حول الأرض وتحت العين الساهرة لكاميرات التلفاز، تكون صورة عالم، يدور فيه كل شيء بسهولة ويسر.
إذا كان المشهد ما فوق الحديث يعتبر أساسا منظرًا مدنيًا، فيجب أن نضيف أن التمدن يغير المدينة بتمدين الكوكب كله. فامتداد النسيج الحضري ظاهرة تتوافق مع زيادة مساحات أو أماكن الحركة المرورية، والاستهلاك، والاتصالات. هذا التضاعف يكون له آثار في كل من الحيز الحضري وعلى النظرة التي تشكل المنظر. لقد تحولت " المراكز التاريخية تدريجيا إلى متاحف، وإمكان لزيارة السائحين القادمين من بعيد. ثم تحولت المتاحف إلى آثار، تثير أحيانا فضولا أكثر من الأشياء التي تعرضها. والنمو الحضري ينعكس كما لو كان يسعى إلى تحويل المدينة إلى ضواحٍ.
وتهدف الأنثروبولوجيا إلى رفض ومحاربة كل الذين يتملقون أو ينتقدون الاختلافات الثقافية، وفقا لقراء غير علمية لعلماء السلالة، متناسين في كلتا الحالتين أن هذه الاختلافات لا تحترم في حد ذاتها، ولكن لأنها نسبية، وإلى هذا الحد تكون قابلة للتجاوز.
نحن بدأنا ننشغل بمستقبل كوكب الأرض. وهذا اهتمام نبيل فيما يخص مستقبل البشرية بشكل عام، وفيما يخص أيضا الجزء الإنساني العام الموجد في داخل كل واحد فينا. إن مستقبل كوكب الأرض ليس مستقبل الأفراد الذين هم نحن، ولا مستقبل أطفالنا لكنه مستقبل كل البشرية القادمة التي تربطها بنا من الأخوة الجوهرية. إن القلق على مستقبل هذا الكوكب مثل جسد يهان يشعرنا بوحدة وضعنا الإنساني الواحد. يوجد اليوم تناقض أكيد بين الاهتمامات البيئية للدول التي يقال عنها المتقدمة والرغبة في تقدم الدول الناشئة أو المتخلفة. فالحرص على حماية كوكب الأرض قد يبدو أحيانا ترفا للأثرياء الحريصين على تثبيت هيمنهم، كيف يمكن أن نهرب من الشكوك في رغبة تأمين مستقبل الإنسان بشكل عام، بينما ننسى جزءا من الإنسانية؟
فرسالة الأنثروبولوجيا في مكانتها المتواضعة والمهمة تهدف إلى تذكير البشر بأن العلاقات الرمزية التي تجمعهم وتجعلهم يفكرون في هوية كل فرد منهم تقع في إطار زمني ومكاني. هذا التذكير ما هو إلا تحذير ضد كل مجاز يهدف إلى استبدال واقع الروابط الاجتماعية بوهم روابط افتراضية من خلال خلط بين الوسائل والأهداف. ونحن كلنا مرتبطون بالغزو العلمي، لأننا ننتمي إلى الجنس البشرى. فالإنسان بصفة عامة موجود في داخل كل فرد. وكل آخر هو أيضا " أنا ". وخارج هذه المعادلة لا توجد قط بشرية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: شواطيء الأنثروبولوجيا الإنسـان والعــالم
إقرأ أيضاً:
مستشار الرئيس الفلسطيني: الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بفلسطين تزيد من موجة العنف
علق الدكتور محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطيني، على هجوم سيدني، قائلا إنه رغم رفض القيادة الفلسطينية لمثل هذه الأعمال، والتزامها بمبدأ «لا تزر وازرة وزر أخرى»، فإن الاحتلال الإسرائيلي يظل المسؤول الوحيد عما يجري على أرض فلسطين.
عضو التجمع اليساري الأسترالي: هجوم سيدني الأول من نوعه زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيلي: حكومة نتنياهو أخفقت في حماية المجتمع اليهوديوأوضح الهباش، خلال مداخلة مع الإعلامية هاجر جلال، في برنامج «منتصف النهار»، المذاع على قناة «القاهرة الإخبارية»، أن تحليل ما وقع أو ما قد يقع مستقبلًا من أحداث مماثلة يشير بوضوح إلى جهة واحدة تتحمل مسؤولية جرّ العالم إلى مربع خطير، هو مربع الانتقام والكراهية القائمة على أسس عرقية ودينية، محذرًا من أن الاحتلال الإسرائيلي يدفع بالأوضاع نحو هذا المسار.
وأكد أنه لطالما تم تحذير الاحتلال من الاقتراب من هذه المربعات الخطرة، ومن السعي إلى تفجير حرب دينية أو جرّ العالم إلى أتون صراع قائم على الكراهية الدينية أو العرقية، من خلال الجرائم التي تُرتكب في فلسطين، ولا سيما انتهاك حرمة المقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك.
وأشار مستشار الرئيس الفلسطيني إلى أن هذه الممارسات تجعل الاحتلال مطالبًا بتوقع ردود فعل لا تقتصر على المسلمين وحدهم، بل تمتد إلى كل أحرار العالم الذين تؤرقهم مشاهد الجرائم والانتهاكات المستمرة، لا سيما في قطاع غزة.
https://www.youtube.com/shorts/RYW5q1yMKrA