سياسة تقليص المساعدات.. هل يعاقب كير ستارمر فقراء بريطانيا؟
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
لندن- يبدو أن حكومة حزب العمال البريطاني قد اختارت تقليص المساعدات، سواء تلك الموجهة للفقراء داخل أراضيها أو خارج الحدود، نهجا لإصلاح نظامها الاقتصادي، في خطوة يحذر منتقدوها من أنها تدفع الحزب لتوجه تقشفي لا يتماهى مع هويته السياسية، ويحاكي السياسات الاقتصادية لحكومات حزب المحافظين التي صوب لها سهام النقد على مدى 14 عاما الماضية.
فوسط انقسام حاد وغير مسبوق في صفوف نواب حزب العمال، قدمت وزيرة العمل ليز كيندال، الثلاثاء الماضي، أمام البرلمان البريطاني الخطوط العريضة لخطة إصلاحية لنظام الدعم الاجتماعي تهدف لتوفير 5 مليارات جنيه إسترليني (الجنيه الإسترليني يعادل 1.29 دولار أميركي) في أفق عام 2030، عبر تقليص حاد في حجم المساعدات التي يحصل عليها ذوو الاحتياجات الخاصة والعاطلون عن العمل.
وبررت الوزيرة إصرار الحكومة على المضي قدما بهذه الخطة رغم الانتقادات الحادة الموجهة لها، بالرغبة في إنهاء حالة الفوضى الاقتصادية التي ورثتها عن حكومات المحافظين السابقة ووقف نزيف النفقات العمومية، عبر وضع معايير أكثر صرامة للاستفادة من الإعانات المقدمة للفئات الهشة والفقيرة، وتشجيع المزيد من العاطلين على العودة إلى سوق العمل.
إعلان اختباروتعد الخطة أكبر إجراء تقشفي يمس نظام الدعم الاجتماعي منذ 10 سنوات، لكنه أيضا يختبر من جديد تماسك حزب العمال الذي لا يبدو أن قيادته السياسية بزعامة كير ستارمر على وئام كامل مع قواعده الحزبية، وبالتحديد حين يتعلق الأمر بسن السياسات الاقتصادية، حيث يتهمها منتقدوها بنهج سياسات أقرب لليمين وأكثر بعدا عن خزانها الانتخابي اليساري العُمالي.
وتقول صحيفة الغارديان البريطانية إن حكومة حزب العمال تواجه أكبر تمرد داخلي في صفوف نوابه منذ وصولها للسلطة في يوليو/تموز الماضي، حيث يتوقع أن يصوت أزيد من 30 نائبا برلمانيا من الحزب ضد الخطة أثناء عرضها للمصادقة أمام مجلس العموم خلال أسابيع.
ولا تُعتبر هذه الخطوة أول تقليص للمخصصات المالية للفقراء في عهد حكومة الحزب، حيث قرر رئيس الوزراء الشهر الماضي تقليص المساعدات الخارجية التي توفرها بريطانيا لبرامج التنمية في الدول الفقيرة ومناطق النزاع بحوالي 6 مليارات جنيه إسترليني، وضخها في ميزانية الإنفاق العسكري.
وأدى هذا القرار إلى إعلان أول استقالة في صفوف الحكومة، حيث قررت وزيرة التنمية الدولية أنيليز دودز مغادرتها احتجاجا على ما قالت إنه تجاهل لمعاناة ملايين الفقراء عبر العالم وتخل صريح عنهم.
كبش فداءوحذر النائب المستقل في البرلمان البريطاني إقبال محمد، في حديث للجزيرة نت، من أن استهداف هذه الإصلاحات الفئاتِ الأكثر هشاشة وفقرا، يجعل من الفقراء "كبش فداء لفشل السياسات الاقتصادية للحكومات السابقة"، مؤكدا أن القرارات التي تتخذها الحكومة ليست محض استجابة ظرفية للأزمة الاقتصادية ولكنها خيارات سياسية واعية تعاقب الفقراء على هشاشتهم وضعفهم.
ووصف هذه السياسات الاقتصادية بـ"غير الأخلاقية وغير المنصفة"، وتمس بحق هذه الفئات في العدالة والحماية الاجتماعية، مشيرا إلى أن الحكومة تفضل الانخراط في سباق التسلح العالمي، في حين تتخفف من مسؤولياتها في حماية الفقراء وتدفع المزيد منهم للاعتماد على بنوك الغذاء الخيرية.
إعلانوتشير صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها، إلى أن أزيد من 1.2 مليون شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة سيفقدون الإعانات التي كانوا يعتمدون عليها لتلبية حاجياتهم في حال تبني البرلمان الخطة الحكومية.
في حين أظهرت نتائج دراسة أجراها مركز الاستطلاع البريطاني المستقل "يو غوف" (YouGov) أن 20% ممن يتلقون إعانات الشهر الماضي اعتمدوا على بنوك الغذاء لسد حاجياتهم، بسبب عجز المساعدات التي تمنحها الحكومة لهم عن تغطية مصاريفهم اليومية.
توازنات مكلفةويُرتقب أن تشهد عدة مقاطعات بريطانية انتخابات بلدية في الأول من مايو/أيار المقبل، في حين قررت أخرى لأسباب تقنية تأجيلها للعام المقبل، في أول استحقاق انتخابي ينظم في عهد حكومة حزب العمال منذ وصوله للسلطة في يوليو/تموز الماضي.
ويرى دافيد ستيفان، أستاذ السياسات العامة في جامعة نوتنغهام البريطانية، في حديث للجزيرة نت، أن الحكومة تعمل على تحقيق توازنات قد يكون بعضها مكلفا لخزانها الانتخابي، لكنها تعول على تفهم الناخبين للقرارات الصعبة التي اضطرت لاتخاذها، بعد استشعارهم لتحسن أداء الاقتصاد، وستحاول الدفاع عن خططها الإصلاحية بعد أن تتجاوز حالة الفوضى التي يعيش الاقتصاد البريطاني على وقعها منذ سنوات.
ويضيف أن الحكومة تحاول جاهدة البحث عن موارد مالية إضافية عبر تبني هذه الإجراءات التقشفية الصارمة، وتعمل الآن على تجنب أي إخلال بقواعد الموازنة العامة أو زيادة الأعباء الضريبية على الطبقة المتوسطة، أملا في تحسين مؤشرات النمو الاقتصادي في الأشهر المقبلة.
لكن ستيفان يحذر من أن الأغلبية المريحة التي تتوفر لدى الحكومة داخل البرلمان للدفع قدما بتطبيق هذه الإصلاحات التقشفية قد تصبح على المحك في صناديق الاقتراع، بعد أن أثار استهداف المساعدات المقدمة للفقراء خيبة أمل في صفوف من صوتوا لحزب العمال في الانتخابات الماضية، والذين يشعرون الآن بأن قيادة الحزب قد خانت تعهداتها خلال الحملة الانتخابية، ما قد يدفعهم لخيار التصويت العقابي ضدها في أي استحقاق حزبي أو انتخابي مقبل.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان السیاسات الاقتصادیة حزب العمال فی صفوف
إقرأ أيضاً:
بريطانيا تحذّر إسرائيل: أوقفوا المجازر في غزة أو واجهوا إجراءات حاسمة
هددت المملكة المتحدة باتخاذ "إجراءات حاسمة" ضد إسرائيل إذا لم توقف هجومها العسكري المتجدد على قطاع غزة وترفع القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية.
جاء هذا التحذير عقب لقاء جمع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بملك الأردن عبد الله الثاني في لندن، حيث ناقشا خطورة الوضع الإنساني في غزة والتطورات المثيرة للقلق في الضفة الغربية.
صرّح متحدث باسم الحكومة البريطانية أن رئيس الوزراء شدد على أنه إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري وترفع القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، فإن المملكة المتحدة وشركاءها سيتخذون مزيدًا من الإجراءات الحاسمة ردًا على ذلك.
تأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد الانتقادات الدولية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، خاصة بعد مقتل عشرات المدنيين أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية. وصف وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني، هاميش فالكونر، الإجراءات الإسرائيلية بأنها "غير إنسانية وتزيد من معاناة المدنيين"، داعيًا إلى تحقيق مستقل في الحوادث التي وقعت عند نقاط توزيع المساعدات.
الفيدرالي الروسي: بريطانيا هي المصدر الرئيسي لمعظم الأزمات العالمية
بريطانيا: بناء 12 غواصة و6 مصانع أسلحة ضمن مراجعة استراتيجية الدفاع
على الصعيد السياسي، تواجه حكومة ستارمر ضغوطًا متزايدة من داخل البرلمان وخارجه، حيث طالب نواب من مختلف الأحزاب بفرض عقوبات على إسرائيل ووقف تصدير الأسلحة إليها. كما شهدت لندن مظاهرات حاشدة تطالب بإنهاء الدعم البريطاني لإسرائيل في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة.
في هذا السياق، أرسل أكثر من 800 محامٍ وقاضٍ وأكاديمي بريطاني رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء، دعوه فيها إلى فرض عقوبات على الحكومة الإسرائيلية واتخاذ خطوات لمنع ومعاقبة "الإبادة الجماعية" في غزة، مؤكدين على ضرورة التزام المملكة المتحدة بواجباتها القانونية الدولية.
وتُعد هذه التطورات مؤشرًا على تحول في الموقف البريطاني تجاه الصراع في غزة، مع تصاعد الدعوات لاتخاذ إجراءات ملموسة لوقف العنف وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المتضررين.