الدقم.. بين إشكاليات الوعي والافتراءات
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
شاهدت مقطعًا مرئيًا قصيرًا يتحدَّث عن الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم لمتحدثٍ يُفترض أنه مستشار مالي، هذا المقطع انتشر هذا الأسبوع في وسائل التواصل الاجتماعي في عُمان، انتشارًا غريبًا جدًا، حتى إنني أحصيت في إحدى مجموعات (الواتساب) 10 مرات إعادة إرسال له في المجموعة، وهذا ما جعلني أفكر في رغبة الناس في نشر هذا المقطع بهذه القوة والسرعة والكثافة، وعندما شاهدته تذكرت العديد من المقاطع التي كانت تخرج للناس عن المنجزات المتحققة في مشروع منطقة الدقم منذ بداية التحول الاستراتيجي فيها مع بداية رؤية "عُمان 2040" وإلى الآن، والتي لم تلق عُشر هذا الانتشار لهذا المقطع الغريب العجيب المليء بالسطحية والتدليس والافتراء.
حقيقة الأمر أن كثيرين ممن تداولوا هذا المقطع لم يفكروا للحظة في حقيقة ما يحتويه من معلومات وما ورد فيه من تحليل حول منطقة الدقم والاستثمار فيها؛ بل إنهم انتقلوا من مرحلة الدهشة إلى مرحلة التصديق والقبول، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتحقق، ولم يضعوا ما ورد من حديث موضع التحليل والنقد حتى يصلوا للحقيقة. هذا أمر غاية في الخطورة، عندما يصل المجتمع لمرحلة التسليم الكامل والقبول لما يصله دون تمحيص وقراءة وفهم لما يدور حوله، أو حتى محاولة الوصول إلى الدوافع والمنطلقات خلف كل ذلك، ولا يكتفي بأن يكون متلقيًا فقط لهذا الأمر؛ بل يصبح مصدرًا لنشره وتعميمه وإيصاله لمجموعة أكبر من الناس، وقد ذكرت في تغريدة لي حول الموضوع أن هذا السلوك يعد مؤشرا على إشكالية تتعلق بالوعي الجمعي العام في المجتمع لا ينبغي تجاهلها.
لم يكن حديث المستشار المالي عن معرفة، وإنما كان حديث من يريد إيصال رسالة خاصة هدفها إثارة جدل حول منطقة يُنظر إليها كأهم موقع استراتيجي في الشرق الأوسط حاليًا، والعصب الذي يربط بينه وبين عالم الاقتصاد الحديث، وأقصد هنا آسيا الشرقية بكل ثقلها وعدد سكانها والقيمة الاقتصادية لها، وقارة أفريقيا التي ينظر إليها على أنها مستقبل العالم الاقتصادي. هذا الجدل الذي يصب في مصلحة مناطق تحاول سحب البساط من الدقم ولم تستطع ذلك لعوامل عديدة؛ سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى لوجستية، وما ساقه من مُبررات هشّة كانت أشد ما كشف بواعث حديثه. ودون الخوض في هذه المبررات سوف أذكر بعضاً مما أنجز في الدقم خلال السنوات الماضية حتى لا يظن البعض أن هذا الرفض لما احتواه المقطع من باب الحمية والفزعة فقط التي أجدها واجبة في هذا الموضع، وإنما هي غيرة من واقع يختزل وجهد ينكر دون وازع أخلاقي.
لقد تجاوزت الاستثمارات في منطقة الدقم الاقتصادية 6 مليارات ريال عُماني، مع نمو بنسبة 55%، هذا النمو في الاستثمارات يعكس تأثير التسهيلات والمزايا المقدمة للمستثمرين، وقد يدعي البعض أن هذه الاستثمارات محلية فقط وهو مما روج له ممن لا يتابع ولا يعلم شيئاً عن المستثمرين في الدقم ليسوا محليين بل هي صناديق سيادية لدول واستثمارات لشركات عالمية، ويكفي أن نشير إلى أن من حق المستثمر الأجنبي التملك بنسبة 100% ودون قيود على تحويل الأموال، مما يجعل المنطقة أكثر جذبًا من بين المناطق الاقتصادية والحرة الأخرى في المنطقة، كما أن حكومة سلطنة عُمان ممثلة في الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والحرة أنشأت محطة واحدة لتسهيل إنجاز المعاملات، وإمكانية استخراج المخططات المساحية وجميع الموافقات إلكترونيًا حتى من خارج سلطنة عُمان، وتقدم هذه المحطة نحو 80 خدمة إلكترونية للمستثمرين وقد حصدت العديد من الجوائز لما تُقدمه من تميز وجودة عالية في تقديم الخدمات.
وفي مجال التشريعات، فقد أنهى مجلس عُمان مؤخرًا مراجعة ومناقشة مشروع قانون المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، وأقره ورفعه إلى المقام السامي لجلالة السُّلطان المعظم- حفظه الله- تمهيدًا لصدوره، والذي بدوره سوف يحدث نقلة نوعية في عمل هذه المناطق وخاصة منطقة الدقم الاقتصادية، كما سوف يُساهم في تحقيق رؤية "عُمان 2040" التي تسعى إلى تحقيق مستويات عالمية من النمو الاقتصادي والتنويع في مصادر الدخل القومي، ومع بقية التشريعات والقوانين الاقتصادية تعمل منظومة التنمية الاقتصادية وفق ما خطط له وهو ما يدحض الافتراءات التي ساقها المستشار الذي لا يبدو عليه علامات التمكن والقدرة على تقديم شيء أكثر من التنظير.
وقد أحسنت الهيئة عندما أصدرت بيانًا توضح فيه وتدحض هذه الافتراءات، فلا يُمكن وضع مثل هذا المشروع الاستراتيجي- الذي يحمل آمال الوطن وتطلعات الشعب وما يرجونه من تنمية- موضع الشك والافتراء وفقدان الثقة، وينبغي التصدي لكل المحاولات التي تستهدف تقويض الخطط الوطنية الاستراتيجية خاصة في هذا التوقيت الذي يشهد صراعاً جيوسياسياً وتسابقا اقتصاديا محموما في منطقة تعد الأكثر التهابًا في العالم.
وأخيرًا.. إن التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني من الخارج معلومة ومتوقعة، أما أن نساهم نحن كمواطنين في زيادة هذه التحديات، فهذا أمر يُحتِّم علينا مراجعة أنفسنا؛ فليس من المنطقي أن يتسبب الفرد في إيذاء نفسه بنفسه، والله المستعان.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اليوم.. استئناف إبراهيم فايق على تغريمه مليون جنيه في قضية التسريب الصوتي
تنظر محكمة الاستئناف، اليوم الأحد، في استئناف الإعلامي إبراهيم فايق، والصحفي أحمد عبد الباسط، على حكم تغريمها مليون جنيه لكل منهما، في قضية التسريب الصوتي الخاص بمباراة الزمالك والبنك الأهلي.
أودعت محكمة القاهرة الاقتصادية، حيثيات حكمها بتغريم الإعلامي إبراهيم فايق والصحفي أحمد عبد الباسط مبلغ مليون جنيه لكل منهما، وذلك في القضية المعروفة بـ التسريب الصوتي لحكم مباراة الزمالك والبنك الأهلي.
وكشفت الحيثيات، أن المحكمة كونت في عقيدتها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستظهار الحقائق القانونية المتعلقة بها إلى ما تخلص إليه من جماع العناصر المطروحة بطريقة الاستنتاج والاستقرار وكافة الممكنات العقلية ما دام استخلاصها سليماً لا يخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى " وذلك Video Assistant VAR Referee" ثبوتا يقينيا كافيا للقضاء بإدانتهما أخذا مما ثبت بأقوال المجني عليهما / محمد عادل السيد محمد حسن سلامه بتحقيقات النيابة العامة من قيام المتهمين بنشر المقطع الصوتي الخاص بتقنية عبر تطبيق التواصل الاجتماعي " فيس بوك وعبر البرنامج الذي يقدمه المتهم الأول و يشغل رئيس تحريره المتهم الثاني مما تسبب بالأضرار بهما وتأييد ذلك بإقرار كلا من المتهمين بقيامها بالنشر واقرارهما بأن المحتوي المقدم بالذاكرة النقالة هو ذاته ما قدماه المتهمين عبر الوسيلتين انفتي البيان.
كما بينت حيثيات الحكم، أنه باطلاع المحكمة على الحديث المسرب تبين أنه حديث خاص بغرفة الـ " var بين حكم الساحة محمد عادل السيد وبين حكم غرفة الفار" محمد حسن سلامة وشهرته ميدو، وحيث إنه لما كان ذلك التسجيل الصوتي كان بسبب مناسبة رياضية وأحداث خاصة بمباراة كرة قدم بين فريقين بالدوري المصري، وحيث كان من المقرر أن الهيئات الرياضية وحدها صاحبة الحق في جميع الحقوق المتعلقة باتصال الجمهور بالحدث الرياضي الذي يخصها اتصالاً مباشراً أو غير مباشر عن طريق وسائل الاتصال السلكي أو اللاسلكي أو الإذاعي أو التليفزيوني أو عن طريق جميع الحقوق الرقمية وجميع حقوق نقل الصورة ويجب الحصول على موافقتها على إذاعة هذا المحتوى كاملاً أو أجزاء منه وهو ما لم يقوما به المتهمان ولم يستحصلا علي الإذن بعرض ذلك المقطع من اتحاد الكرة المصري لكرة القدم او أي جهة أخرى لها الحق في إذاعة ذلك المقطع، الأمر الذي يكون معه المتهمين قاما بخرق الحق الحصري للهيئات الرياضية في اتصال الجمهور بالحدث الرياضي بأن نشرا عن طريق وسائل الاتصال اللاسلكية والتليفزيونية معلومات وأخبار متعلقة بالمحادثات الجارية عبر تقنية فيديو الحكم المساعد Video Assistant VAR Referee فيما بين كلاً من المجني عليهما محمد عادل السيد حسين، محمد حسن سالم سلامه إبان مباراة فريقي الزمالك والبنك الأهلي المصري المقامة بتاريخ 2024/11/1، فضلا عن قيامهما باجتزاء ذلك المقطع وعدم عرضه كاملا مما تسبب في ازعاج المجني عليهما الحكمين سالفي الذكر وضاق صدرهما بذلك الفعل المرتكب من المتهمين.
اقرأ أيضاًمصرع ربة منزل سقطت عليها نخلة بقرية كفر شبين بالقليوبية
كشف ملابسات العثور على جثمان جنين داخل حمام بمستشفى السادات بالمنوفية