د. محمد بن خلفان العاصمي

 

شاهدت مقطعًا مرئيًا قصيرًا يتحدَّث عن الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم لمتحدثٍ يُفترض أنه مستشار مالي، هذا المقطع انتشر هذا الأسبوع في وسائل التواصل الاجتماعي في عُمان، انتشارًا غريبًا جدًا، حتى إنني أحصيت في إحدى مجموعات (الواتساب) 10 مرات إعادة إرسال له في المجموعة، وهذا ما جعلني أفكر في رغبة الناس في نشر هذا المقطع بهذه القوة والسرعة والكثافة، وعندما شاهدته تذكرت العديد من المقاطع التي كانت تخرج للناس عن المنجزات المتحققة في مشروع منطقة الدقم منذ بداية التحول الاستراتيجي فيها مع بداية رؤية "عُمان 2040" وإلى الآن، والتي لم تلق عُشر هذا الانتشار لهذا المقطع الغريب العجيب المليء بالسطحية والتدليس والافتراء.

حقيقة الأمر أن كثيرين ممن تداولوا هذا المقطع لم يفكروا للحظة في حقيقة ما يحتويه من معلومات وما ورد فيه من تحليل حول منطقة الدقم والاستثمار فيها؛ بل إنهم انتقلوا من مرحلة الدهشة إلى مرحلة التصديق والقبول، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتحقق، ولم يضعوا ما ورد من حديث موضع التحليل والنقد حتى يصلوا للحقيقة. هذا أمر غاية في الخطورة، عندما يصل المجتمع لمرحلة التسليم الكامل والقبول لما يصله دون تمحيص وقراءة وفهم لما يدور حوله، أو حتى محاولة الوصول إلى الدوافع والمنطلقات خلف كل ذلك، ولا يكتفي بأن يكون متلقيًا فقط لهذا الأمر؛ بل يصبح مصدرًا لنشره وتعميمه وإيصاله لمجموعة أكبر من الناس، وقد ذكرت في تغريدة لي حول الموضوع أن هذا السلوك يعد مؤشرا على إشكالية تتعلق بالوعي الجمعي العام في المجتمع لا ينبغي تجاهلها.

لم يكن حديث المستشار المالي عن معرفة، وإنما كان حديث من يريد إيصال رسالة خاصة هدفها إثارة جدل حول منطقة يُنظر إليها كأهم موقع استراتيجي في الشرق الأوسط حاليًا، والعصب الذي يربط بينه وبين عالم الاقتصاد الحديث، وأقصد هنا آسيا الشرقية بكل ثقلها وعدد سكانها والقيمة الاقتصادية لها، وقارة أفريقيا التي ينظر إليها على أنها مستقبل العالم الاقتصادي. هذا الجدل الذي يصب في مصلحة مناطق تحاول سحب البساط من الدقم ولم تستطع ذلك لعوامل عديدة؛ سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى لوجستية، وما ساقه من مُبررات هشّة كانت أشد ما كشف بواعث حديثه. ودون الخوض في هذه المبررات سوف أذكر بعضاً مما أنجز في الدقم خلال السنوات الماضية حتى لا يظن البعض أن هذا الرفض لما احتواه المقطع من باب الحمية والفزعة فقط التي أجدها واجبة في هذا الموضع، وإنما هي غيرة من واقع يختزل وجهد ينكر دون وازع أخلاقي.

لقد تجاوزت الاستثمارات في منطقة الدقم الاقتصادية 6 مليارات ريال عُماني، مع نمو بنسبة 55%، هذا النمو في الاستثمارات يعكس تأثير التسهيلات والمزايا المقدمة للمستثمرين، وقد يدعي البعض أن هذه الاستثمارات محلية فقط وهو مما روج له ممن لا يتابع ولا يعلم شيئاً عن المستثمرين في الدقم ليسوا محليين بل هي صناديق سيادية لدول واستثمارات لشركات عالمية، ويكفي أن نشير إلى أن من حق المستثمر الأجنبي التملك بنسبة 100% ودون قيود على تحويل الأموال، مما يجعل المنطقة أكثر جذبًا من بين المناطق الاقتصادية والحرة الأخرى في المنطقة، كما أن حكومة سلطنة عُمان ممثلة في الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والحرة أنشأت محطة واحدة لتسهيل إنجاز المعاملات، وإمكانية استخراج المخططات المساحية وجميع الموافقات إلكترونيًا حتى من خارج سلطنة عُمان، وتقدم هذه المحطة نحو 80 خدمة إلكترونية للمستثمرين وقد حصدت العديد من الجوائز لما تُقدمه من تميز وجودة عالية في تقديم الخدمات.

وفي مجال التشريعات، فقد أنهى مجلس عُمان مؤخرًا مراجعة ومناقشة مشروع قانون المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة، وأقره ورفعه إلى المقام السامي لجلالة السُّلطان المعظم- حفظه الله- تمهيدًا لصدوره، والذي بدوره سوف يحدث نقلة نوعية في عمل هذه المناطق وخاصة منطقة الدقم الاقتصادية، كما سوف يُساهم في تحقيق رؤية "عُمان 2040" التي تسعى إلى تحقيق مستويات عالمية من النمو الاقتصادي والتنويع في مصادر الدخل القومي، ومع بقية التشريعات والقوانين الاقتصادية تعمل منظومة التنمية الاقتصادية وفق ما خطط له وهو ما يدحض الافتراءات التي ساقها المستشار الذي لا يبدو عليه علامات التمكن والقدرة على تقديم شيء أكثر من التنظير.

وقد أحسنت الهيئة عندما أصدرت بيانًا توضح فيه وتدحض هذه الافتراءات، فلا يُمكن وضع مثل هذا المشروع الاستراتيجي- الذي يحمل آمال الوطن وتطلعات الشعب وما يرجونه من تنمية- موضع الشك والافتراء وفقدان الثقة، وينبغي التصدي لكل المحاولات التي تستهدف تقويض الخطط الوطنية الاستراتيجية خاصة في هذا التوقيت الذي يشهد صراعاً جيوسياسياً وتسابقا اقتصاديا محموما في منطقة تعد الأكثر التهابًا في العالم.

وأخيرًا.. إن التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني من الخارج معلومة ومتوقعة، أما أن نساهم نحن كمواطنين في زيادة هذه التحديات، فهذا أمر يُحتِّم علينا مراجعة أنفسنا؛ فليس من المنطقي أن يتسبب الفرد في إيذاء نفسه بنفسه، والله المستعان.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جيوبوليتيك من الجنوب: دعوة لتحرر الوعي وبناء مشروع حضاري جديد

في كتابه الجديد "جيوبوليتيك: رؤية من الجنوب"، الصادر في أبريل/نيسان الماضي بالمغرب عن دار "مكتبة سلمى الثقافية"، لا يقدم الدكتور حسين مجدوبي ترفا نظريا أو تمرينا أكاديميا لتحليل خريطة جيوسياسية باتت متحركة ومضطربة، بل هو إعلان في جوهره. إعلان عن ضرورة فكرية، واستنهاض لوعي حضاري، وصياغة لموقف يضع "أمم الجنوب" في قلب المعادلة الدولية، لا في هامشها.

إنها دعوة صريحة إلى فك التبعية الذهنية والسياسية، والتحرر من التصنيفات الجاهزة التي صدرتها مراكز القوى في الشمال بنزعة هيمنة وتفوق واضحين. كما أنها دعوة للاستقلال بالوعي عن صندوق التفكير الذي صاغت مرابعه تصورات مركزية وكولونيالية، لطالما قزمت الجنوب في خانة "التخلف"، و"اللحاق المتأخر"، و"الدونية التاريخية".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف تستخدم الدول الجغرافيا لتعزيز القوة والنفوذ؟ استعراض شامل لمفهوم الجيوبولتكسlist 2 of 2إبراهيم البيومي غانم: كيف نعيد بناء العقل العربي لمواجهة التبعية الثقافية؟end of list

لا ينكر الكتاب حجم التحديات، ولا يتجاهل واقع الانقسامات بين شعوب الجنوب، لكنه يؤمن بأن هذا التنوع، إذا ما أدير برؤية براغماتية ناضجة وحس استقلالي واضح ومقاوم، يمكن أن يتحول من عامل تفتيت إلى عامل تكامل وبناء. فما يجمع شعوب الجنوب أكثر مما يفرقها: من ذاكرة استعمارية مشتركة، إلى واقع اقتصادي هش، وطموح نحو الاستقلال والسيادة على القرار والمصير.

وما يميط الكتاب اللثام عنه هو أن ثمة آفة تعيق الاستقلال الحقيقي، وهي آفة الوعي التي تبدأ، خصوصا عند المفكرين، بتحرير المفاهيم والتصورات من التبعية السياسية والفكرية والتداولية، بل حتى الميتافيزيقية.

مجدوبي يرى أن مصطلحات مثل "العالم الثالث" أو "الجنوب المعولم" أو "الدول المتخلفة" تستبطن نزعة استعلائية صاغها الغرب لتبرير سيطرته (الجزيرة) الجنوب كفاعل لا كمفعول به

يصدر هذا العمل عن مفهوم "الجيوبوليتيك" ليس بوصفه أداة تحليل فحسب، بل كأساس لصياغة مشروع نهضوي ينبثق من خصوصيات الجنوب، ويضع مصالحه في الصدارة.

ويستند الكتاب إلى المنظور التاريخي، فيرى أن الجنوب يتكون من أمم ذات تاريخ عريق، ساهمت في تأسيس الحضارة الإنسانية وعمادها، وكانت الأطول زمنا، مثل حضارة بلاد الرافدين، وحضارة الفراعنة، وحضارة اليمن، والحضارة الإسلامية، وحضارات الأزتك والمايا في جنوب القارة الأميركية ووسطها.

وقد انبثقت عن هذه الحضارات أمم يستمر وجودها بصيغة أو بأخرى في حقبتنا الراهنة، وتستوحي من تاريخها القديم الزاهر والمجيد الحافز المعنوي والبوصلة الجيوسياسية لبناء المستقبل.

بهذا المعنى، لا يكتفي الكتاب بتشخيص العلاقة المختلة بين الشمال والجنوب، بل يقترح تصورا حيويا لبناء تكتل إستراتيجي يضم دول الجنوب، تكتل سياسي واقتصادي وثقافي وعلمي وعسكري، قادر على الصمود في وجه الاستغلال الجديد، وعلى التفاوض الندي مع القوى الكبرى.

إعلان

وإلى جانب الوعي العميق والمتجذر الذي بات يسود في أوساط شعوب أمم الجنوب، بما يجعلها جديرة بحمل مشاريع الوحدة الكبرى، فإن وجود تكتلات إقليمية في العالم العربي، ومنطقة الساحل الأفريقي، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، يشكل ركيزة صلبة وانطلاقة إستراتيجية لمسار التنسيق، في أفق بلورة تنسيق متكامل وفاعل لأمم الجنوب.

مشروع إستراتيجي موحد

ويبقى مصطلح "أمم الجنوب"، الذي يصوغه الكاتب بخبرة تحليلية ناضجة تراكمت مع تجربته الصحفية الطويلة، وبوعي منهجي تكرس لديه مع انشغاله الأكاديمي العميق والموازي، ليس مجرد تسمية جغرافية، بل هو مفهوم تحرري ونقدي، يعيد الاعتبار لتاريخ طويل من الإسهامات الحضارية، ويقاوم التصنيفات الغربية من قبيل "العالم الثالث" أو "الجنوب المعولم" أو "الدول المتخلفة".

ويرى الكاتب أن هذه المصطلحات، وإن بدت محايدة ظاهريا، فإنها مشبعة بمنطق الهيمنة، وتستبطن نزعة استعلائية صاغها الغرب لتبرير سيطرته، وتحديد مواقع القوة والضعف في العالم على هواه.

وإمعانا في بث الوعي بأهمية هذه العملية الفكرية والسياسية وإستراتيجيتها داخل أي تصور تحرري، يناقش الكتاب جذور هذه التصنيفات، ويبين كيف أن بعضها -مثل "الجنوب المعولم" أو "الدول المتخلفة"- ليس إلا امتدادا لفكر ما بعد كولونيالي غير مكتمل التحرر، حيث ما زال الجنوب ينظر إليه بوصفه مساحة للتدخل، لا فاعلا مستقلا.

ويبدو أن الكتاب ينبه القارئ إلى أن ثمة حاجة ملحة إلى فعل معرفي وعملي يسد الفراغ المفهومي الذي نشأ في حيز تشكل في الفراغ الممتد ما بعد الكولونيالية.

وكأنه يلمح إلى تلك الحاجة إلى تصور وممارستين، فكرية وسياسية معا، تتموقع "ما بعد ما بعد الكولونيالية"، لتبدأ من هناك عملية تحرر تسودها مصطلحات تحررية متأصلة في تربة الجنوب، فبنظره، هذه مفاهيم ستقود إلى انعطافة متأصلة بخصوص مرحلة ما بعد الاستعمار، ويتعين أن تكون بمفاهيم مولدة من رحم المجال التداولي للجنوب.

الكتاب يقترح تصورا حيويا لبناء تكتل إستراتيجي يضم دول الجنوب (الفرنسية) وعي جديد في مواجهة الهيمنة

ولعل ما يلفت الانتباه كثيرا أيضا أن نرى الكتاب يقف عند مفارقة مثيرة، يقلب النظر فيها ويفحصها، ليُنتج في أعقابها وعيا بأن إدماج بعض القوى الكبرى، كروسيا والصين، ضمن "الجنوب" في بعض الأطروحات، يظل فعلا يطوي حقائق لا ترى للكثيرين.

وهنا، يعيد الكاتب تموضع المفاهيم وترتيبها وفق ذلك الوعي الخفي، ليؤكد أن "الجنوب" ليس مجرد موقع على خريطة، بل هو موقع ضمن ميزان القوى العالمي. فالصين وروسيا، رغم قربهما النسبي من قضايا الجنوب، تبقيان قوتين فاعلتين ومستقلتين عنه، تتحركان بمنطق مصالحهما، لا بمنطق تكتل جنوبي تحرري.

إن من أهم دعوات الكتاب تلك التي توجه إلى الجامعات والمؤسسات الفكرية في دول الجنوب للنهوض بدورها في إنتاج المعرفة الجيوسياسية. فما دام بقي الجنوب يستهلك ما ينتجه المركز الغربي من نظريات وتصورات، فلن يستطيع أن يبني تصوره الخاص عن ذاته وعن العالم.

وهو بذلك يلقي حبل المسؤولية على الجامعات في مشروع التحرر، وينبه إلى دورها العظيم في عملية التحرر هذه، ويستنهض هممها لتحرير نفسها من العطالة الإنتاجية التي تغرق فيها. إذ لا يمكن تحقيق قفزة حضارية من دون امتلاك رؤية جيوسياسية مستقلة ترسخها مثل هذه المؤسسات، وتأخذ بعين الاعتبار التاريخ والهوية، كما الحاضر والمستقبل.

إعلان

ولا يدعو الكتاب إلى قطيعة ثقافية، بل يحث على الاستفادة من الثقافة الغربية وثقافات الصين، ولكن دون التحول إلى رهينة للتصورات التي لا تناسب الجنوب، والتي تكون أحيانا ذات حمولة سلبية لأمم الجنوب عند تبنيها وتطبيقها في شتى المجالات.

ومن هنا، يقول الكتاب، تبرز أهمية عناصر مثل الإعلام، والذاكرة التاريخية، والسيادة الصناعية، والطاقات النووية السلمية، والذكاء الاصطناعي، فجميعها أدوات أساسية ضمن مشروع الاستقلال الجيوسياسي الذي يدعو إليه.

ويستحضر تجارب دول متعددة، مثل الصناعة الحربية في تركيا، والإنتاج الإعلامي لقطر ممثلا في الجزيرة، والمشروع النووي لباكستان وإيران، والتوجه الأفريقي للمغرب بدل الرهان الدائم على علاقاته الغربية، وبالأساس أوروبا، وبلورة الجزائر لمفهوم الذاكرة التاريخية لمحاسبة فرنسا عن حقبة الاستعمار.

وارتباطا بالنقطة الأخيرة، يعمد الكاتب إلى ربط الماضي بالحاضر، ويعتبر في الفصل المعنون بـ"حرب الذاكرة التاريخية" أنه مقابل افتخار الغرب بحمل رسالة حضارية للشعوب عبر عملية الاستعمار، وهو تزيين للاستعمار، على الجنوب بلورة خطاب موحد يطالب بالتعويض المادي عن العقود الطويلة من نهب ثروات أمم الجنوب وقتل شعوبها.

ويربط هذا بضرورة أن يكون استخلاص هذا التعويض عبر وقف سداد جزء كبير من الديون التي يعاني منها الجنوب، والتي تحولت إلى استعمار جديد غير مباشر.

الكتاب يشير إلى أن الغرب يسعى إلى فرض نوع من "الفيتو" على أي محاولة من الجنوب لتطوير صناعات عسكرية أو امتلاك الطاقة النووية (شترستوك) الفيتو الغربي: خطوط حمراء في وجه نهضة الجنوب

ومن ضمن الفصول الثاقبة في الكتاب، يبرز فصلا "الطاقة النووية" و"صناعة السلاح". ويوضح في الأول كيف أن للغرب عقيدة جيوسياسية تتمثل في منع أمم الجنوب من امتلاك مشاريع نووية، حتى لو كانت سلمية أو موجهة نحو تحلية المياه. ويرى المؤلف أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمثل أداة في يد الغرب شبيهة بـ"سيف ديموقليس"، لا تهدف إلى تنظيم الاستخدام السلمي للطاقة النووية بقدر ما تسخر لمنع دول الجنوب، خصوصا تلك المنتمية إلى ثقافات مغايرة كالدول العربية والإسلامية، من امتلاك هذه التكنولوجيا.

ويبرز وجود قلق غربي واضح إزاء تطور صناعات حربية متقدمة في بعض دول الجنوب مثل تركيا وإيران وباكستان. وفي هذا السياق، يشير إلى أن الحرب الروسية-الأوكرانية أصبحت حقل اختبار لهذا النوع من الأسلحة، إذ تستخدم روسيا مسيرات إيرانية، بينما تعتمد أوكرانيا على الطائرات المسيرة والقنابل التركية.

ويؤكد أن الغرب يسعى إلى فرض نوع من "الفيتو" على أي محاولة من الجنوب لتطوير صناعات عسكرية أو امتلاك الطاقة النووية، معتبرا هذه الممارسات تعبيرا صارخا عن صراع حضاري يريد من خلاله الغرب الحفاظ على تفوقه الدائم، لا سيما تجاه العالم الإسلامي.

ويمضي الكتاب موضحا كيف أن الغرب مستعد لشن الحروب ضد الجنوب إذا تطلبت الضرورة ذلك، حيث يعتبر ذلك خطا أحمر لا يتعين تجاوزه. ويقرر الكتاب في خضم معالجاته أن الغرب لن يسمح بتكرار حالة باكستان وقنبلتها النووية التي شكلت الاستثناء في زمن "الغفلة الجيوسياسية".

وما طرحه الدكتور حسين مجدوبي من معاقبة الغرب لكل دولة من الجنوب تريد امتلاك المشروع النووي، نعيش فصله الآن من خلال الحرب التي أعلنها الغرب وإسرائيل ضد المشروع النووي الإيراني، ويمتد إلى محاولة التحكم في صناعة الصواريخ حتى لا تكون هناك دولة قادرة على المشاركة في صنع الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط.

بعد كتابه "المغرب في الفكر الإسباني"، الصادر منذ سنتين، الذي حلل فيه العلاقة بين بلدين ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين وكيف يشكلان ويبلوران التصورات المتبادلة إلى مستوى الصدام التاريخي، يصير كتاب المؤلف الجديد "جيوبوليتيك: رؤية من الجنوب" ليس مجرد تحليل، بل هو خارطة تفكير جديدة، ومحاولة جادة لرسم معالم مشروع حضاري يعيد الاعتبار إلى الجنوب كقوة كامنة، لا كفضاء مهمل. هو صوت من داخل الجنوب، يخاطب أهله أولا، ويقول: لا نطلب الاعتراف، بل نبني أنفسنا. لا ننتظر التزكية، بل نقرر مصيرنا.

إعلان أكاديمي وباحث بجامعتي إشبيلية وقادش

مقالات مشابهة

  • تفاصيل استقالة كرم جبر وعمرو الشناوي من حزب الوعي
  • عاشوراء في اليمن.. الإمام الحسين بين الوعي الثوري والامتداد المقاوم
  • تنويه بشأن العمليات التجريبية لإطلاق صاروخ "الدقم 2"
  • اللعب باللغة واكتساح الوعي
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • مصر والفلبين تتطلعان إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية والدينية
  • جيوبوليتيك من الجنوب: دعوة لتحرر الوعي وبناء مشروع حضاري جديد
  • ندوة حوارية بدمشق لتجاوز إشكاليات عقود الإيجار ذات التمديد الحكمي
  • كشف تفاصيل فيديو يظهر شخص يتنمر على آخر بالجيزة
  • الداخلية تكشف ملابسات التنمر على مشرد في الجيزة وإيداعه داخل دور رعاية