هل تملك إيران أدوات تطوير الإنتاج المحلي رغم العقوبات؟
تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT
طهران- تحوّلت تسمية الأعوام في إيران إلى تقليد سنوي يعكس أولوياتها الإستراتيجية ويوجه سياساتها العامة، وخلال السنوات الأخيرة، كان التركيز على القضايا الاقتصادية في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه البلاد.
وفي هذا السياق، جاء شعار "الاستثمار من أجل الإنتاج" للعام الإيراني الجديد من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي ليؤكد أهمية تحفيز الاستثمار كأداة رئيسية لدفع عجلة الإنتاج وتعزيز النمو الاقتصادي.
تواجه إيران تحديات اقتصادية، من بينها العقوبات الدولية التي تؤثر على قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية، في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على توسيع التعاون مع دول مثل الصين وروسيا، إلى جانب تنفيذ إجراءات لدعم الاستثمارات المحلية بهدف تعزيز الإنتاج الوطني.
وتشير البيانات الرسمية إلى انخفاض معدل التضخم من 55.7% إلى 35.4%، مما يعكس تحسنًا نسبيًا في بعض المؤشرات الاقتصادية، مع ذلك، يرى محللون أن استمرار التحديات المتعلقة بالتمويل والبيروقراطية قد يؤثر على ثقة المستثمرين، مما يستدعي مزيدًا من الإصلاحات لتهيئة بيئة أعمال أكثر استقرارًا.
وتسعى الحكومة إلى تحسين بيئة الاستثمار من خلال تسهيل الإجراءات القانونية وتقديم حوافز للمستثمرين، في إطار إستراتيجية لتعزيز النمو الاقتصادي، ويشير خبراء إلى أن استمرار الإصلاحات الاقتصادية سيساهم في دعم الاستقرار المالي وتحفيز القطاعات الإنتاجية، وهو ما يمكن أن يساعد في تحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة.
إعلانوفي ظل هذه الجهود، تواصل إيران العمل على تحقيق توازن بين التحديات الداخلية والعوامل الخارجية، مع التركيز على دعم القطاعات الإنتاجية وتحسين مناخ الاستثمار لضمان استقرار اقتصادي طويل الأمد.
في خطابه بمناسبة النيروز وبداية العام الإيراني الجديد 1404، أشار المرشد الأعلى خامنئي إلى أن العام الماضي شهد تحديات كبيرة، لكنه أكد أن تجاوز العقبات الاقتصادية ممكن عبر التركيز على الاستثمار والإنتاج، كما شدد على دور المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص في تحقيق هذا الهدف، داعيا إلى إجراءات عملية لدعم هذا التوجه.
في هذا السياق، أوضح أستاذ الاقتصاد آيزاك سعيديان أن آية الله خامنئي قد حدد شعار العام بناءً على ضرورة أن يعتمد الإنتاج المحلي على الاستثمارات الداخلية، لكنه أشار إلى أن تشديد العقوبات المفروضة على إيران يعوق الاستثمار داخل البلاد ويحد من تجارتها مع العالم الخارجي.
وأضاف سعيديان في حديث للجزيرة نت أن الصين، نظرا لحجم تبادلها التجاري الكبير مع الولايات المتحدة، لن تضحي بمصالحها الاقتصادية طويلة الأمد من أجل الاستثمار أو التجارة مع إيران، كما أن روسيا، التي تخوض حربا مع أوكرانيا وتعيش تحت عقوبات شديدة، لا يمكن اعتبارها شريكا استثماريا موثوقا في ظل هذه الظروف.
وأكد سعيديان أن التحدي الأساسي الذي يواجه تحقيق هذه الرؤية يتمثل في ارتفاع معدل التضخم في إيران، مما يجعل المستثمرين المحليين مترددين في ضخ أموالهم في الإنتاج.
ولفت إلى أن إيران تعاني اختلالات هيكلية كبيرة في قطاعات حيوية مثل الغاز والكهرباء، وهي ضرورية لأي عملية إنتاج صناعي، مما يستلزم معالجة هذه المشكلات قبل التفكير في التوسع الإنتاجي.
وأشار سعيديان إلى أن معظم المستثمرين فضلوا نقل رؤوس أموالهم إلى الخارج أو توجيهها نحو أسواق موازية داخل إيران بدلا من استثمارها في الإنتاج، وحتى في حال تقديم الحكومة لتسهيلات مصرفية وقروض، فإن أزمة السيولة وعجز الموازنة في البنوك تجعل من الصعب تحقيق ذلك.
إعلانوأضاف أنه حتى لو حصل المستثمرون على قروض، فمن المرجح أن يستغلوها في أسواق أخرى أكثر ربحية بدلا من المجازفة بها في قطاع الإنتاج المتأثر بشدة بالتضخم والتحديات الاقتصادية الأخرى.
الاكتفاء الذاتيمن جانب آخر، قال الخبير في الشؤون الدولية أشكان ممبيني إن اختيار شعار "الاستثمار من أجل الإنتاج" من قبل القائد للعام الجديد يحمل رسائل وأهدافا مهمة يمكن تحليلها في ضوء الأوضاع الداخلية والدولية للبلاد.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أنه لطالما أكّد قائد الثورة الإيرانية على الاقتصاد المقاوم كإستراتيجية لتقليل الاعتماد على الخارج وتعزيز قدرة البلاد على الصمود اقتصاديا، فالاستثمار في الإنتاج يُعدّ عاملا أساسيا في تقليل الاعتماد على الواردات، وزيادة الإنتاج الوطني، وخلق فرص العمل.
وأكد ممبيني أن في ظل استمرار العقوبات والضغوط الاقتصادية، يمكن لهذا النهج أن يدفع البلاد نحو مزيد من الاكتفاء الذاتي.
وقال إن هذه السياسة تعكس التركيز على الإنتاج، والاستقلال الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، كما تؤكد ضرورة قيام المسؤولين بتوفير البيئة المناسبة لتسهيل الاستثمار وتعزيز دور القطاع الخاص.
وأضاف ممبيني أنه يمكن استنتاج أن شعار "الاستثمار من أجل الإنتاج" يُبرز أولوية النمو المستدام، وخفض معدلات البطالة، ورفع مستوى رفاهية الشعب، والتصدي للعقوبات، مشيرا إلى أنه من خلال هذه الرؤية بعيدة المدى والمستقبلية، يمكن أن تتجه إيران نحو اقتصاد قوي، ومرن، ومستقل.
المؤشرات الرسميةجدير بالذكر أن محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين قدّم تقريرا عن الوضع الاقتصادي خلال الأشهر التسعة الأخيرة من عام 2024، حيث أظهر تحسنا في عدة مؤشرات رئيسية:
النمو الاقتصادي والاستثمار: سجل الاقتصاد نموًا بنسبة 3.7%، وارتفع تكوين رأس المال الثابت بنسبة 3.4%، مما يعكس زيادة الاستثمار. التجارة غير النفطية: ارتفعت بنسبة 11.2%، متجاوزة 116 مليار دولار، مما يشير إلى تحسن العلاقات التجارية. التضخم: انخفض معدل التضخم من 55.7% إلى 35.4%، مما يدل على تحسن السيطرة على الأسعار. السيولة النقدية: تباطأ نمو السيولة إلى 27.6%، وهو ما قد يساعد في استقرار الاقتصاد. السياسات الائتمانية: يخطط البنك المركزي لدعم الإنتاج والمشاريع الصغيرة والمتوسطة عبر آليات تمويل جديدة. تكاليف الإنتاج: يستمر انخفاض التضخم في قطاع الإنتاج، مما يشير إلى تحسن أوضاع المنتجين. إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الاستثمار من الترکیز على من أجل إلى أن
إقرأ أيضاً:
كيف يمكن أن تتعثر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب ضد إيران؟
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالا، للأستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، هوارد فرينش، قال فيه إنّ: "الولايات المتحدة تجد نفسها فجأة على شفا تورّط مباشر في صراع كبير آخر في الشرق الأوسط، بعد أيام من القصف الإسرائيلي لإيران وإطلاق الصواريخ على تل أبيب ومدن أخرى ردّا على ذلك".
وأوضح المقال الذي ترجمته "عربي21" أنّه بـ"مجرد معرفة تاريخ الحروب الأمريكية في تلك المنطقة وفي الدول المجاورة، خلال الجيل الماضي كافية لإثارة الدهشة. كانت تدخلات الولايات المتحدة في العراق باهظة التكلفة في الأرواح والأموال، وخلفت وراءها بلدا مُنهارا لم يتعافى تماما".
وتابع: "انتهى احتلال أمريكا الطويل لأفغانستان بانسحاب مُذل، بعد أن حقق عددا أقل من أهدافه، وبعد أن تكبد تكاليف أعلى"، مردفا أنّه: "على الرغم من أن تدخل الولايات المتحدة في ليبيا أقل إثارة للجدل، إلا أنه قد يُمثل سابقة مهمة لما قد يحدث إذا التزمت واشنطن بحرب ضد إيران".
"ساعد هذا التدخل، الذي نُفذ بالتعاون مع حلفاء أوروبيين، في الإطاحة بمعمر القذافي، لكنه حطم البلاد أيضا، ودفعها إلى دوامة عنف وحرب أهلية. وكان الضرر الجانبي الذي ألحقه بالدول المجاورة، مع انتشار الأسلحة الصغيرة بحرية في منطقة الساحل الأفريقي، مدمرا" بحسب المقال نفسه.
وأردف: "بعض أهم أسباب معارضة ما يبدو أنه انزلاق أمريكي نحو الحرب ضد إيران هي أسباب محلية بحتة. ما هو معروف عن عملية صنع القرار حتى الآن يكشف عن غرور الرئيس دونالد ترامب، وعدم جديته، وتقلب مزاجه. حتى أسبوع تقريبا، كان ترامب يراهن بسمعته في السياسة الخارجية على تجنب الصراع والسعي إلى السلام".
وأضاف: "بالطبع، كانت التناقضات في التنفيذ كبيرة، كما هو الحال في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتي لم يفعل ترامب الكثير لثنيها نظرا لتردده في إلقاء اللوم على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغزوه جاره أو انتقاده بأي شكل من الأشكال".
مع ذلك، استرسل المقال بالقول: "أظهر ترامب جدية في أمرين قد ينعكسان الآن مع الحرب على إيران. أحدهما هو التركيز على إنهاء النزاعات، كما ذُكر آنفا، والآخر هو رغبته في الحد من التدخل الأمريكي في مجموعة من القضايا المتعلقة بشؤون الدول الأخرى، من التنمية الاقتصادية إلى الحرب".
وأورد: "يتجلى غرور ترامب وارتجاله في الانزلاق الواضح نحو المواجهة المسلحة المباشرة مع طهران من خلال تصريحاته المتغيرة حول قرار إسرائيل ضرب إيران. كان البيت الأبيض قد حثّ إسرائيل سابقا على عدم شنّ هجوم على إيران بطرق تخشى أن تجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع، ويبدو أن هذا الحذر استند جزئيا إلى تقدير مخاطر الفشل والعواقب غير المقصودة العديدة التي قد تترتب على ذلك".
ومضى بالقول إنّه: "بعد بعض النجاحات المبكرة المبهرة التي حققتها إسرائيل، بما في ذلك الاغتيال المستهدف للعديد من القادة العسكريين وكبار العلماء النوويين الإيرانيين، بدا ترامب حريصا على أن يُنسب إليه الفضل، وبدأ فجأة في استخدام ضمير المتكلم "نحن" عند الإشارة إلى الهجوم الإسرائيلي المستمر".
وأبرز: "تتجلّى عدم جديته أيضا في تصريحات أخرى، مثل قوله "لا أحد يعلم" إن كان سيهاجم إيران أم لا، حتى مع وصفه مطلبه بـ"استسلام" طهران دون قيد أو شرط بأنه "إنذار نهائي". هذا ليس مدخلا للدخول في صراع كبير محفوف بالمخاطر على الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل والعالم. لكن ما يبدو أنه في الواقع هو تسليم صنع القرار بشأن الاستراتيجية الأمريكية وقرارات الأمن القومي لزعيم دولة أخرى، وتحديدا نتنياهو، الذي سيحقق هدفا راسخا، وهو مساعدة الولايات المتحدة لإسرائيل في شن حرب على إيران إذا التزم البيت الأبيض بالتدخل المباشر".
واستدرك بأنّ: "الولايات المتحدة ملتزمة بحق بالدفاع عن إسرائيل، لكنها عانت من تراجع تدريجي في قدرتها على التمييز بين مصالحها الوطنية ومصالح أهمّ حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط. وتجلى هذا بوضوح مؤخرا على مرّ إدارتين، في فشل واشنطن في الضغط على إسرائيل بفعالية لإنهاء مذبحتها المستمرة للفلسطينيين في غزة، وتعدياتها وانتهاكاتها الواسعة النطاق بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية".
"على المدى الأبعد، اتضح ذلك جليا في ضعف وتناقض جهود واشنطن في السعي لتحقيق ما يُسمى بحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما لم يحظ من العديد من الإدارات الأمريكية إلا بالكلام" وفقا للمقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".
وأردف: "يمكن للمرء أن يسرد قائمة بأسباب أخرى تدفع الولايات المتحدة إلى الحذر من الانخراط المباشر في الحرب. بعض من أهمّ هذه الأسباب ينبع من منطق "حتى لو". فحتى لو استطاعت واشنطن تدمير البنية التحتية للأسلحة النووية الإيرانية، فلن يُلغي ذلك بالضرورة الخبرة الإيرانية وروح المبادرة اللازمة لإعادة بناء البرنامج. المعرفة يصعب تدميرها بالقنابل، ويبدو من المحتم أن يشعر بعض، وربما كثيرون، من الإيرانيين بمبرر أكبر من أي وقت مضى في السعي وراء هذه التكنولوجيا".
وتابع: "في هذه الأثناء، إذا فشلت الولايات المتحدة وإسرائيل في تحقيق هدفهما المتمثل في القضاء العسكري، فقد يتحول دافع طهران للإسراع في تطوير الأسلحة النووية بالكامل، وهو أمر تقول كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب إنها تجنبته حتى الآن. عندما سُئل ترامب مؤخرا عن تقييم مديرة استخباراته الذي يشير إلى أن إيران لا تصنع سلاحا نوويا، قال إنه لا يكترث، ولديه قناعاته الخاصة التي يجب أن يتبعها".
واستطرد: "هذا يُذكّر بالفرضية الخاطئة للغزو الأمريكي للعراق - الادعاء بأن ذلك البلد يمتلك أسلحة دمار شامل"، مردفا: "حتّى لو تمكن ترامب ونتنياهو من القضاء على القيادة الإسلامية الإيرانية، فلا توجد طريقة لضمان تجنب نتيجة سياسية أكثر إشكالية. قد تصبح إيران ديكتاتورية عسكرية متشددة بنفس القدر، لكنها أكثر كفاءة، أو، للتكهن بالاتجاه المعاكس، ولكن المقلق بنفس القدر، قد تذوب هذه الدولة الكبيرة والمعقدة عرقيا في حالة من الفوضى والعنف والهجرة الجماعية".
وأكّد: "هذه هي الاحتمالات التي تبدو العديد من الدول العربية المجاورة لإيران قلقة للغاية بشأنها"، متابعا: "في الوقت نفسه، ثمّة مخاطر تهدد مكانة أمريكا في عالم سئم من سلوك واشنطن المتهور، والذي غالبا ما يكون إمبرياليا أحادي الجانب. قد يبتهج بعض الأمريكيين لشعورهم بأن بلادهم لا تزال "الأولى" عالميا، وبالتالي يمكنها فرض إرادتها على الآخرين متى شاءت".
وأبرز: "لا أتفق كثيرا مع سياسة ترامب "أمريكا أولا"، لكن ميوله المناهضة للتدخل تستحق الإشادة. إن النهج المغامر في الحرب على إيران هو ترف لا تستطيع الولايات المتحدة - التي فقدت نفوذها مقارنة ببقية العالم، حتى مع بقائها بعيدة كل البعد عن التراجع كقوة بالقيمة المطلقة، تحمّله".
واختتم المقال بالقول: "إنّ السبب المحلي الأهم للحذر من مهاجمة إيران. لاحظ العديد من المراقبين ولع ترامب الظاهر بمفهوم ملكي للرئاسة، أو على الأقل رئاسته المُذهّبة. في نهاية الأسبوع الماضي فقط، دفع هذا ملايين المواطنين الأمريكيين إلى النزول إلى الشوارع في ما سُمّيَ بمسيرات: لا ملوك"، مستدركا: "لا شيء يُجسّد الطابع الإمبراطوري أكثر من رئيس يتبع حدسه أو نزواته في اتخاذ قرار الحرب. لم تُصمّم الرئاسة الأمريكية على هذا النحو قط".
وأبرز: "الدستور يُقيّد صلاحياتها بوضوح في هذا المجال، ويُلزم السلطة التنفيذية المُنتخبة في البلاد بالحصول على تفويض من الكونغرس قبل خوض أي صراع خارجي. سيكون ترامب أحدثَ رئيسي أمريكي تجاهل هذا الشرط، إذا خاض حربا مع إيران. ومهما كان شعور المرء تجاه إسرائيل وإيران والشرق الأوسط، فإنّ السماح له بفعل ذلك سيُؤكّد بقوة شعور ترامب بالأبعاد الملكية لسلطته، وسيُضعف الديمقراطية في الولايات المتحدة والمُثُل التي ألهمت تأسيسها".