هبطة سرور .. بهجة العيد تمتد إلى عبق الماضي
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
مع نسائم الفجر الأولى تنبض الحياة في قلب بلدة "سرور" بولاية سمائل. هذه القرية رغم ضيق ممراتها، إلا أنك تجد المتسع والرحابة في قلوب أهلها وزوار هبطتها القادمين من مختلف الولايات، حيث يتجمع الأهالي كبارًا وصغارًا نحو ساحة الهبطة، أو حسب ما يسميها البعض "الحلقة"، في إشارة إلى الحلقة التي يتم فيها البيع والمناداة على المواشي التي تتوسط مزارع القرية، متلهفين لاستقبال العيد بطقوس متوارثة تُبهج الروح وتُعطر المكان.
الأطفال يتسابقون بين ممرات القرية متلهفين، أعينهم تلمع شوقًا، وأيديهم تمسك بالألعاب والحلوى، وكأن الهبطة فسحة عيدٍ تسبق أيامه.
يقول مرشد بن خلفان الريامي، وهو يُعد بسطته منذ ساعات الفجر الأولى: "هذه الهبطة جزء من ذاكرتنا، ننتظرها من عام إلى آخر، نُعد لها كأننا نستعد للعيد نفسه، بالإضافة إلى كونها مصدر رزق قبل العيد، حيث نقوم بالتجهيز لشراء البضائع ومستلزمات العيد من الأسواق التقليدية كسوق مطرح لنقوم ببيعها بين أركان الهبطة، حيث نستعرض مستلزمات العيد من بهارات ومكسرات، بالإضافة إلى الحلويات وألعاب الأطفال المختلفة".
وعلى الجانب الآخر من الهبطة، تُسمع أصوات المزايدة على الأغنام، حيث تجمع عدد من الرعاة والدلالين، وبدأت النداءات تتعالى لجذب انتباه الحضور، لكن الأعداد هذا العام بدت أقل من المعتاد. ويقول عبدالله بن ناصر السيابي، أحد مربي الماشية: "الإقبال هذا العام كان ضعيفًا نسبيًا، والأسعار تراوحت بين 140 إلى 250 ريالًا عمانيًا، مع تجاوز بعض السلالات المميزة حاجز 300 ريال عماني، إلا أن حركة البيع لم تكن بنفس الزخم المعتاد".
وأرجع السيابي هذا التراجع إلى عدة أسباب، أبرزها ضعف القدرة الشرائية لدى الكثير من الأسر، وتوفر الأغنام المستوردة بأسعار أقل، إضافة إلى تراجع الإقبال على شراء المواشي في عيد الفطر مقارنة بعيد الأضحى، حيث يُفضل كثير من الناس الانتظار لشراء الأضاحي في الموسم الأكبر.
في وسط الهبطة، يقف العم سليمان بن خلفان بن حمود الجلنداني، محاطًا بأبنائه ومجموعة من الأصدقاء والزوار، يتحدث عن ذكريات هبطات الزمن الجميل حيث قال: "كنا ننتظرها بلهفة، ونتحمل مشقة السير إليها لمسافات كبيرة حرصًا على استكمال مستلزمات العيد منها، وها نحن نُعلّم أبناءنا وأحفادنا أن الهبطة أكثر من سوق، إنها ذاكرة ولقاء ومحبة". وتابع: "رغم التغيّر، إلا أن روح الهبطة باقية، فهي عنوان للعيد وفرحة الجماعة".
أما الأطفال، فهم أبطال المشهد، يمرحون بين بائعي الألعاب والحلوى، ويتنقلون من بسطة لأخرى، معبرين عن سعادتهم بطريقتهم الخاصة. تقول الطفلة ديما، التي يصطحبها والدها إلى الهبطة: "أنا أشتري كل سنة من هبطة سرور، أحب أن أختار ألعاب العيد والبالونات والحلوى"، بينما قال الطفل حواري بن ربيع الدغيشي بابتسامة عريضة: "الهبطة أحلى من العيد، نلتقي فيها كلنا ونلعب ونشتري كل شيء".
ما يُميز هبطة "سرور" هو موقعها المفتوح وسط الخِصب والبيوت القديمة، تحفها أشجار النخيل، ويمر بجوارها فلج البلدة، في منظر تتمازج فيه البساطة بالجمال. هناك، يلتقي الأهالي، يتبادلون التهاني، ويتذكرون قصص العيد أيام زمان، في لحظات تُجدد الصلة بالأرض والناس والفرح.
تختتم الهبطة فعالياتها قرابة الظهر، لكن أثرها يبقى، فكل زائر يحمل معه ذكرى وصورة ومذاقًا من أيام العيد. هبطة سرور، كما قال أحد الحضور، هي بداية العيد، وعبق لا يمكن نسيانه.
وسط هذا المشهد التراثي العابق برائحة العيد، تمتزج أصوات الباعة بنداءات الأطفال وضحكاتهم، وكأن الزمن يعود إلى الوراء ليحفظ لهذا التقليد بهاءه وأصالته، الهبطة بالنسبة للأهالي ليست مجرد سوق، بل هي لقاء القلوب قبل العيد، ومساحة تجتمع فيها العائلات، يتبادلون فيها الأحاديث والابتسامات، ويرسمون لحظات تبقى محفورة في الذاكرة.
في أحد الأركان، يجلس العم راشد بن حمد الرواحي،
ولأن العيد لا يكتمل إلا بالفرحة التي تتراقص في عيون الصغار، تتهافت الأمهات لشراء الملابس الجديدة والهدايا لأطفالهن، بينما يتفنن الباعة في جذب الزبائن بعروضهم وحكاياتهم الممتعة عن جودة بضائعهم.
عندما تقترب الشمس من كبد السماء، وتبدأ خيوط الضوء بالتسلل بين نخيل البلدة، يودّع الناس الهبطة محملين بأكياسهم، ولكن الأهم من ذلك، محملين بروح العيد ودفء اللقاء.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الهوية الوطنية ركيزة تداخلت فيها عناصر الجغرافيا والإنسان والبحر والحضارة، فأنتجت تاريخًا ثريًّا ومتفردًا
"العمانية: يشكّل التاريخ لكل أمة ذاكرتها وهويتها، فهو المرآة التي تعكس التطورات والصراعات والتحولات الكبرى للأمم، وفي سلطنة عُمان تتشابك الحضارة مع البحر، والتاريخ مع الجغرافيا والإنسان، فيبرز عدد من الباحثين الذين كرّسوا جهودهم لفك رموز هذا التاريخ الثري، وتقديمه بصورة علمية موثقة للأجيال الحاضرة والقادمة، مستندين في ذلك على الوثائق والمصادر ومتتبعين لخيوط السرد من زواياه المختلفة سواء في العلاقات الدولية عبر العصور أو التاريخ البحري أو الحياة الاجتماعية والثقافية، فأسهمت بذلك دراساتهم ومؤلفاتهم ومشاركاتهم الأكاديمية في بناء فهم أعمق لمكانة سلطنة عُمان التاريخية في الإقليم والعالم.
يقول الدكتور محمد بن حمد الشعيلي، باحث في التاريخ العُماني عن كتابه الذي صدر مؤخرًا "عُمان في ذاكرة الخريطة"، إن فكرة الكتاب في الأساس تعود إلى معرض (عُمان في الخرائط التاريخية والعالمية)، الذي أقيم في ديسمبر 2018م في محافظة مسقط، والذي ضم أكثر من 90 خريطة متنوعة، تنتمي في أصلها إلى دول عدّة، وتحكي في تفاصيلها جزءًا كبيرًا من تاريخ وحضارة عُمان عبر الفترات الزمنية المختلفة، والذي حقق بدوره نجاحًا كبيرًا كونه يقام لأول مرة في سلطنة عُمان، الأمر الذي ولد لديه فكرة إعداد وتقديم برنامج تلفزيوني حمل اسم (بوصلة)، وعرض في 30 حلقة في شهر رمضان المبارك من سنة (1441هـ/ 2020م)، استعرض من خلاله جوانب مختلفة من التاريخ والموروث الحضاري لسلطنة عُمان، وما كُتب عنها، وذلك بتسليط الضوء على مجموعة من الخرائط التي ورد فيها اسم (عُمان)، وربطها بالأحداث التاريخية وبالمعلومات المختلفة المصاحبة لها، في ضوء الفترة الزمنية التي تمثلها الخرائط.
وأضاف أنه بعد نهاية عرض البرنامج بدأ في إخراج المادة العلمية الخاصة بحلقات البرنامج مع الخرائط، في صورة كتاب بعنوان (عُمان في ذاكرة الخريطة)، لتوثيق المعلومات التي ذكرت، والخرائط التي عرضت، وذلك حتى يستفيد القارئ من المعلومات الواردة في تعزيز ثقافته عن الدور التاريخي والحضاري لسلطنة عُمان، ولكن مع توسع كبير وإضافاتٍ كثيرة لم يتم التطرق إليها في البرنامج (بوصلة)، مشيرًا إلى أن العمل بذلك مرّ على ثلاث مراحل، أولها معرض عُمان في الخرائط التاريخية والعالمية، وثانيها البرنامج التلفزيوني (بوصلة)، وثالثها مرحلة التوسع في المعلومات وتوثيقها، وإصدار كتاب (عُمان في ذاكرة الخريطة).
وأكد على أن الخرائط التاريخية تعكس مكانة سلطنة عُمان الاستراتيجية والحضارية عبر العصور فأهميتها لا تتوقف عند كونها مجرد وسائط جغرافية وعلمية مساندة، وإنما تتجاوز حدود ذلك، وبالنسبة لسلطنة عُمان، فإن الخرائط تعد من الوسائل المهمة التي تعكس الاهتمام بها من قبل المؤرخين والجغرافيين والرحّالة بمختلف انتماءاتهم، وتحكي في تفاصيلها جزءًا كبيرًا من تاريخها وحضارتها عبر الفترات الزمنية المختلفة، وحدودها الجغرافية وامتداد نفوذها، خاصة وأن الكثير ممن وضع خرائط خاصة بعمان أو أوردها ضمن خرائط المنطقة، ألحقوا ذلك بمادة علمية يستفاد منها الكثير في معرفة الأوضاع المختلفة التي سادت سلطنة عُمان في مراحل كثيرة من تاريخها، الأمر الذي عكس مكانتها وأهميتها الاستراتيجية في عصور متفرقة.
ووضح أن التاريخ العُماني يشكل مكونًا أساسيًّا ووسيلة مهمة نحو بناء مجتمع وطني معتز بهويته ومنفتح على العالم، فهذا التاريخ الحافل بالكثير من الإنجازات يمكن استثماره في رفع مشاعر الانتماء والولاء تجاه الوطن وما تحقق له عبر الفترات الزمنية المختلفة من تاريخه، والعمل على الاستفادة من سير وعطاء رموزه التاريخية المختلفة التي قدمت الكثير لصالح هذا الوطن في استحضار الهمم العالية وشحذها من أجل خدمته بشكل أكبر، وهنا يصبح للمناهج التعليمية دور كبير في تحقيق ذلك، باعتبارها من أكثر الوسائل فعالية في تعزيز الهوية العُمانية من خلال ما تحتويه من مادة علمية يمكن لها أن تجعل الطالب معتزًا أكثر بالهوية وبالقيم الوطنية التي عرفت بها الشخصية العُمانية ولا تزال تعرف بها حتى اليوم.
وكون سلطنة عُمان تتمتع بتاريخ طويل ومعقد من التنوع الثقافي، يقول الدكتور إنه على الصعيد الداخلي تحظى سلطنة عُمان بطابع ثقافي مميز سببه تنوع العادات والتقاليد والموروثات الخاصة بمحافظاتها ومناطقها الجغرافية المختلفة، أما على الصعيد الخارجي فقد تمكنت سلطنة عُمان من بناء علاقات حضارية مع مختلف الحضارات والأمم والشعوب، المجاورة منها والبعيدة، بوسائل عدة، من أبرزها التجارة عندما استثمر العُمانيون موقع بلادهم المميز ونشاطهم الاقتصادي الذي عرفوا به في بناء علاقات مع غيرهم من الشعوب، وكذلك مساهمتهم في نشر الإسلام وخدمة الدولة الإسلامية في مواقع كثيرة.
وأضاف أن هذه العلاقات أسهمت أيضًا في تعزيز النفوذ السياسي لها في بعض الفترات الزمنية عندما ضمت الإمبراطورية العُمانية قوميات وعرقيات مختلفة في ممتلكاتها الآسيوية والأفريقية والهجرات المتبادلة من وإلى سلطنة عُمان، مؤكدًا أن كل ذلك التداخل المحلي والخارجي أسهم في وجود تنوع واضح ونسيج حضاري مميز، أصبح ملاحظًا في اللغات واللهجات المختلفة، وفي الفنون الشعبية التقليدية التي أصبحت سمة بارزة للتنوع الثقافي، وأيضًا في الجوانب الاجتماعية المرتبطة بالعادات والتقاليد واللباس والأكلات المختلفة، علاوة على الجوانب العمرانية بتأثيراتها المختلفة المحلية منها والخارجية، وغيرها من الجوانب الأخرى التي يمكن من خلالها أن نلحظ وجود تنوع كبير في مكونات المجتمع العُماني.
وفي الحديث عن إمكانية أن يكون للثقافة العُمانية التقليدية، بمختلف أشكالها مثل الفلكلور والموسيقى والرقصات الشعبية، جسرًا للتواصل الثقافي بين سلطنة عُمان وبقية العالم، بيّن أن لغة الموسيقى تعرف بأنها لغة عالمية تتجاوز الحدود الثقافية واللغوية بين الشعوب، وهو ما ينطبق أيضًا على الموروثات الشعبية المرتبطة بها مثل الفلكلور والفنون التقليدية، وتعد سلطنة عُمان من الدول التي تتميز بفنونها الشعبية متوزعة بين محافظاتها المختلفة، وهي تشكل أداة مهمة للتعريف بالثقافة العُمانية من خلال المشاركة في المناشط والفعاليات سواء المحلية منها التي يمكن لها أن تثير فضول وإعجاب السائح بهذا التنوع الذي تحظى به، أو من خلال المشاركة في المناشط والفعاليات والمهرجانات العالمية، ويمكن لها بالتالي التعريف بما تتميز به سلطنة عُمان من تنوع وثراء في موروثاتها الثقافية المختلفة، والتي يمكن استغلالها في الترويج الخارجي للسياحة، وحتى في إنتاج مشروعات ثقافية وإعلامية كثيرة.
أما عن تأثير العولمة على الثقافة العُمانية، ومع تزايد الانفتاح على العالم، فقال إنه لا يمكن إغفال تأثيرات العولمة على ثقافة الدول ومورثاتها المكتسبة، فنحن نعيش في عالم أصبح فيه الانفتاح كبيرًا بشتى أنواعه، لذلك فنحن على أعتاب مسؤولية كبيرة في الحد من تأثيرات العولمة والانفتاح على ثقافتها وهويتها، حيث إن سلطنة عُمان ليست بمعزل عن العالم الذي تؤثر فيه وتتأثر به، خاصة في ظل التسارع الحاصل في استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة وتأثيرات الوسائل الإعلامية ومواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي وما قد يترتب عليها من التأثر بأفكار تنعكس على الثقافة العُمانية.
وفي السياق ذاته أكد على أن سلطنة عُمان تعرضت عبر تاريخها الطويل للكثير من القوى الخارجية التي حرصت على السيطرة عليها أو على أجزاء منها عبر فترات متفرّقة من تاريخها، في الوقت الذي اتسع فيه النفوذ العُماني في الخارج وضم العديد من المناطق في الخليج والمحيط الهندي إلى الدولة العُمانية، بالإضافة إلى التواصل الحضاري مع العديد من الشعوب والأمم، هذا الأمر أوجد بيئة خصبة لعملية التأثير والتأثر بين العُمانيين والشعوب الأخرى، وهذه التأثيرات بما فيها الفارسية والهندية والبرتغالية أصبحت ملاحظة في جوانب عدة، مثل اللباس والعمارة والمطبخ غيرها، أو في جوانب اقتصادية مرتبطة بأساليب التجارة، بالإضافة إلى التأثيرات المرتبطة باللغة، التي خالطتها مفردات خارجية لا زال بعضها مستخدمًا لغاية يومنا هذا.
وإذ أسهمت العلاقات التجارية البحرية بين عُمان ودول شرق أفريقيا وآسيا في تبادل الثقافة والفنون، فقد أكد الدكتور محمد الشعيلي على أن الموقع الجغرافي المميز لسلطنة عُمان أسهم في تطوير علاقاتها الحضارية بوسائل مختلفة من أبرزها التجارة التي ساعدت بشكل فعال في أن يصبح الإنسان العُماني متقاربًا بثقافته مع بقية الثقافات من حوله وفي المناطق التي ارتادها، مما أدى ليس فقط إلى حدوث تبادل في جوانب الثقافة والفن بينه وبين سكان تلك البلاد، وإنما تجاوز ذلك إلى إثراء الحضارة الإنسانية في جوانب كثيرة، وعندما تنقل الإنسان العُماني إلى موانئ ومدن شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا والشرق الأفريقي حمل معه الكثير من الجوانب المتعلقة باللغة واللباس والأكل والفنون والموسيقى، بالإضافة إلى عادات وتقاليد اجتماعية مثل الاحتفالات بالمناسبات الدينية، ونظرًا لطول مكوثه في تلك المناطق وتكرر زياراته لها فمن الطبيعي أن يتأثر به سكانها، وهو الذي لا نزال نلاحظه إلى اليوم خاصة في الشرق الأفريقي.
وأضاف أنه في المقابل تأثر العُمانيون أيضًا بما شاهدوه في تلك المناطق، وفيما يتعلق بالثقافة والفنون فقد وجدت مفردات لغوية خاصة بلغة سكان تلك المناطق لا زال بعضها مستخدمًا في سلطنة عُمان، أما في الجانب المرتبط بالموسيقى فقد أدى ذلك إلى ظهور أساليب وأشكال موسيقية جديدة، وإلى استخدام آلات موسيقية ذات جذور أفريقية وآسيوية، وأنماط احتفالية ترتبط بها، وهذا كله يخلص إلى أن العلاقات التجارية لم يتوقف تأثيرها عند العامل الاقتصادي فقط، بل شمل أيضًا وجود تأثيرات ثقافية واجتماعية مختلفة.
أما عن الأدب العُماني، وكون سلطنة عُمان تمتلك تراثًا أدبيًّا غنيًّا، ودوره في نقل الثقافة والتاريخ العُماني للأجيال القادمة، فقال إنه لا يمكن إغفال تأثير الأدب العُماني كمعبر مهم في تناقل الثقافة والتاريخ العُماني بين الأجيال وفي تصدير ذلك حتى للخارج، وفي تقديم صورة مميزة حول واقع الأدب العُماني وتطوره، وفي الجانب التاريخي تعددت أنواع الأدب وأشكاله في الاهتمام باستثمار التاريخ العُماني في إخراج أعمال أدبية يمكن وصفها بالمتميزة، فأصبحت لدينا روايات أدبية ذات طابع تاريخي، نجحت في تسليط الضوء على جوانب ومراحل مهمة في التاريخ العُماني، وفاز بعضها بجوائز إقليمية وعربية، الأمر الذي يوحي إلى ثراء هذه الروايات.
كما وجدت العديد من القصائد الشعرية التي تتضمن في أبياتها الكثير مما يمكن الاستفادة منه في معرفة أمور مرتبطة بجوانب كثيرة في تاريخ سلطنة عُمان، وأدرج بعضها في المناهج التعليمية في مؤسسات التعليم العام والعالي؛ نظرا لقيمتها الأدبية والعلمية، بخلاف فروع الأدب الأخرى من القصص القصيرة والمقالات والمسرحيات وغيرها.
وفي الحديث عن العادات والتقاليد وما شهدته من تطورات وتحولات، أكد على أن المجتمع العُماني بطبيعته محافظ على قيمه وعاداته وتقاليده، ويعمل على حمايتها أمام متغيرات كل فترة زمنية، ويمكن اعتبار دخول أهل عُمان في الإسلام هو بداية التحول في هذا الموضوع، فخصوصية الدين الإسلامي فرضت على العُمانيين قيمًا وعادات وتقاليد مرتبطة بعقيدتهم الدينية.
ومع ضرورة تعزيز الوعي بالتاريخ العُماني أشار إلى أن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها لها دور كبير في إبراز التاريخ ونشر ثقافته، وتعزيز حضوره بين فئات المجتمع المختلفة، وتعريف المشاهد والمستمع بتفاصيل وأحداث كثيرة تتعلق بالتاريخ العُماني، والتوعية به، والإسهام في تعزيز الانتماء الوطني من خلال الاعتزاز بهذا التاريخ، وأيضًا في تقديم صورة مميزة عن التاريخ العُماني للمتلقي الخارجي.
واختتم الدكتور محمد بن حمد الشعيلي حديثه حول الجهود المبذولة لتوثيق التاريخ الشفوي العُماني، مؤكدًا على أنه لا يقل أهمية عن التاريخ المدّون والمكتوب، وأنه في دولة بحجم سلطنة عُمان في تاريخها وحضارتها، فإن الاهتمام بهذا الجانب أصبح كبيرًا سواء على الصعيد المؤسسي من خلال المؤسسات الرسمية، أو على الصعيدين الشخصي والمجتمعي من قبل المهتمين والباحثين والمؤسسات المجتمعية والأهلية، ما يؤكد وجود تفاصيل كثيرة ومهمة في التاريخ العُماني لم تتطرق إليها المؤلفات بمختلف أنواعها، وتم الاستدلال عليها من خلال التاريخ الشفوي والمروي، فأصبحت تشكل مادة علمية موثوقة يعتمد عليها في الدراسات والبحوث والمناشط المختلفة.
وأشار إلى أن بعض المؤسسات الأكاديمية العُمانية أسهمت في حفظ هذا التاريخ من خلال إطلاق مشروعات علمية وأكاديمية تستهدف تحقيق ذلك، وفي إصدار مؤلفات علمية وتنفيذ مشروعات ثقافية استندت فيها المادة العلمية إلى التاريخ الشفوي، منها على سبيل المثال لا الحصر، المشروع البحثي المرتبط بالتاريخ الشفوي الذي تقوم به جامعة صحار حاليًّا بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.