عربي21:
2025-10-16@03:35:15 GMT

طوفان غزة ووهم الدولة الوطنية

تاريخ النشر: 28th, March 2025 GMT

عملية خلط الوقائع بالأماني مستمرة في أغلب مقالات الكتاب العرب بمختلف المواقع، فكثير من الأقلام تنوي الحديث فيما هو كائن فتكتب في ما ينبغي أن يكون، لذلك نقع جميعا في حالة من التحفز لوضع جديد مريح بينما نحن ماكثون في حفرة السوء العربية المسماة دولة وطنية. دولة الكيان لن تنهار غدا ونصر العرب بسورة الأحزاب ليس حقيقة علمية (وهذا موضوع غالب على أقلام كثيرة)، ولذلك فإن تأمل دروس غزة يصير أولوية منهجية نرتب بها أفكارنا للمستقبل وربما تساعدنا على حركة سلمية في الزمن القادم.



أضع في مقدمة دروس غزة أن الدولة العربية المسماة وطنية هي مخفر شرطة صهيوني؛ مهمته قمع المواطن العربي وإهدار كرامته وبدون مقابل لصالح قوى الهيمنة وفي مقدمتها الكيان الصهيوني. أما الدرس الثاني (الدرس الأول في الحقيقة) فهو أن إزالة الوهم مقدم على بناء الحقيقة.

مجاملة الفلسطيني للتخلص منه

كانت هذه سيرة الدولة العربية منذ انطلاق حركة التحرر الفلسطيني ومرورها بمراحل مختلفة؛ شعارات تضامن وأغان ثورية ومقعد في الصف الأول للقيادة وتسمية شوارع بأسماء أبطال أو مواقع مقدسة وبعض الدولارات لخبز المخيمات. لكن ذلك كان في عمقه تخلصا من الفلسطيني الذي لا يريد أن يستسلم ويغلق الملف، وكان من يذِّكر الساسة العرب بأن معركة تحرير فلسطين ليست فلسطينية بل عربية وإسلامية، وأن وجود الخازوق الصهيوني في تلك البقعة ليس موجها للفلسطيني وحده،النتيجة بعد سبعين سنة من الدولة الوطنية: شعوب عربية فقيرة بل جائعة وعارية ومقهورة وفلسطيني مشرد، وكيان/خازوق مهيمن برا وبحرا وجوا وعلى غرف نوم القيادة العربية. تنادي غزة الدول فلا تستجيب وتنادي الشعوب فتحول شرطة الدولة الوطنية بين الشعوب وغزة. ويبارك الكيان قدرة الأنظمة على حماية الكيان من الشعوب ويطلب المزيد؛ التهجير لإغلاق الملف بل لأمة وتاريخ وثقافة يُدْمَغُ بخطاب أولوية تنمية الداخل الوطني استعداد للمعركة الحاسمة التي تجمع العرب الأقوياء (بلغة دولة البعث السوري، تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو). لذلك يستوي في هذه الخطاب أنظمة قُطرية رجعية عميلة وأنظمة قومية ثورية صامدة ومتصدية.

النتيجة بعد سبعين سنة من الدولة الوطنية: شعوب عربية فقيرة بل جائعة وعارية ومقهورة وفلسطيني مشرد، وكيان/خازوق مهيمن برا وبحرا وجوا وعلى غرف نوم القيادة العربية. تنادي غزة الدول فلا تستجيب وتنادي الشعوب فتحول شرطة الدولة الوطنية بين الشعوب وغزة. ويبارك الكيان قدرة الأنظمة على حماية الكيان من الشعوب ويطلب المزيد؛ التهجير لإغلاق الملف. وتناور الدولة العربية لتمرير البرشام المر لشعوبها في الأخير: "الفلسطيني أخونا ومرحبا به ولنغلق الملف".

لم تطور الدولة العربية شعبها ولم تحرر فلسطين لكنها تطورت حتى صارت هي نقطة الحراسة المتقدمة للكيان. نحن هنا وهذه حقيقة صقلتها معركة طوفان الأقصى، نحن ممنوعون حتى من التضامن اللفظي في السوشيال ميديا مع غزة ومعركتها الشريفة.

هل ننسف المكاسب القُطرية؟

السؤال الصواب هنا والآن: كم كانت كلفة الكيان الصهيوني على تاريخ العرب الحديث وكم ستكون كلفته على مستقبلهم المنظور؟ ما نثمنه كمكاسب قُطرية نسميها تنمية اقتصادية واجتماعية ونسميها سيادة وطنية ومقعد بين الأمم (الخ)، هي قليل من كثير لم يتحقق لأن الكيان "يخوزق" الأمة منذ قرن. بإمكان المرء أن يحسب مقدار الخسارات قياسا إلى الإمكانات المتاحة (نظريا)، فالتقييم الحقيقي هو كم خسرنا مما كان متاحا لنا أن نكسب؟ فما كسبناه قليل قياسا إلى عمر الدولة العربية وأعمار شعوبها وإمكاناتها البشرية والطبيعية المتاحة.

نقول في الإمكانيات المهدرة لقد كان بالإمكان تحرير فلسطين باستعمال قناة السويس كورقة سياسية دون الإنفاق على قطعة سلاح واحدة، لكنني أسمع اللحظة تهمة المثاليات الرومانسية. ليكن الوجه الآخر لدرس غزة وكنا نعرفه ونغض الطرف حتى لا تنفجر مراراتنا، الدولة العربية تحتاج وجود الكيان لتعيش من وهم مقاومته.

نحن لا نستطيع السير في الشوارع متضامنين مجرد تضامن لفظي مع غزة لأن حكومتنا تمنعنا، وهي تفعل ذلك بمقابل من الصهاينة وداعميهم "اقمعوا شعوبكم لصالحنا سنحميكم من شعوبكم"، هكذا بمثل هذا التبسيط. أين الدولة الوطنية إذن؟ أين مكاسبها؟ وأين كرامة شعوبها؟ تتضح الصورة أكثر، تلازم التحرير مع بناء الديمقراطية في الأقطار.

لا مهرب لنا
توجد حقيقة بحجم التاريخ نفسه، هي ما كشف الطوفان خلال عشرين شهرا؛ الكيانات السياسية العربية التي نراها ونسميها دولا وطنية تعيش آخر أيامها، وهي تستشعر أن من يستخدمها يعرّيها أمام شعوبها وكل خطوة تهز أسسها المزيفة. تلك الجلسة الذليلة أمام مدفأة ترامب هي حقيقة الدولة العربية
نحن أيضا، أعني الشعوب الثرثارة، نحتاج الكيان ليقمع الفلسطيني فنثرثر بالتضامن، خاصة بعد أن مُنحنا وسائله الرخيصة فنحرر القدس في إكس وفيسبوك وأخواتهما. لكن فينا أمل أو نظنه، نحن ننظر إلى الدولة العربية (الوطنية) بوعي ما بعد الطوفان. ونجزم بأن أسباب بقائها قد انتهت، لقد انكشف الوهم فلا تنمية ولا تحرير ولا ديمقراطية. غير أن هذا الوعي لا يتحول حتى اللحظة إلى مشروع طوفان لأن هناك معركة أخرى محلية تقف دونه، هي المعركة ضد النخب التي وقف وعيها عند الدفاع عن الإدارة التي تمنحها رواتبها كل شهر.

النخب العربية أو نخب الرواتب هي التي ما زالت تبيع وهم الدولة الوطنية بعد حرب الطوفان، وقد عاينت في أكثر من مرة أنها ممنوعة حتى من مظاهرة رفع عتب في شارع ضيق. هناك أولوية تاريخية، خوض المعركة المحلية للتحرر من النخب الوطنية والتي ليست إلا أبواقا للأجهزة الأمنية المسماة دولة وطنية، وهي في حقيقتها مخفر شرطة صهيوني.

يوجد شيء من الأحلام العاجزة في ما نقول هنا، فهل يمكن إعادة تأسيس الدول؟ لكن توجد حقيقة بحجم التاريخ نفسه، هي ما كشف الطوفان خلال عشرين شهرا؛ الكيانات السياسية العربية التي نراها ونسميها دولا وطنية تعيش آخر أيامها، وهي تستشعر أن من يستخدمها يعرّيها أمام شعوبها وكل خطوة تهز أسسها المزيفة. تلك الجلسة الذليلة أمام مدفأة ترامب هي حقيقة الدولة العربية.

لحظة الانفلات الشعبي ضد مخافر الشرطة الصهيونية تلوح في الأفق، وعسى أن تبدأ بكنس النخب التي تحرص على إيهام الشعوب بوجود دول وطنية لتضمن رواتبها. هل خلطت الأماني بالوقائع؟ نعم، لكن الأمل في وصول الطوفان إلى أبعد من حدود غزة لم يفارقنا منذ الرصاصات الأولى، فلم نر الطوفان معركة غزاوية بل معركة إنسانية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العرب غزة تضامن طوفان غزة تضامن عرب طوفان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة العربیة الدولة الوطنیة

إقرأ أيضاً:

رئيس مجلس القيادة يؤكد الالتزام بالشراكة الوطنية والثقة الكاملة بتحقيق النصر في معركة الخلاص الوطني

عدن (الجمهورية اليمنية) -  أكد الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ، التزام المجلس والحكومة بمبدأ الشراكة الوطنية كخيار ثابت لتحقيق أهداف وتطلعات الشعب اليمني، وفي المقدمة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب المليشيات الحوثية الارهابية المدعومة من النظام الايراني، وإرساء أسس العدل والمواطنة المتساوية، وفقا لـ(سبأ) الشرعية.

وقال الرئيس العليمي في كلمة وجّهها إلى الشعب اليمني في الداخل والخارج، عشية الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، إنّ إرث أكتوبر العظيم سيظل شريانا متدفقا في وعي الأجيال اليمنية، يجسّد روح الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، ويؤكد مكانة عدن كعاصمة للدولة ومعقل للتنوير، ومقاومة الاستبداد.

اضاف: إن ثورة الرابع عشر من أكتوبر لم تكن مجرد حدث عابر في التاريخ، بل ولادة جديدة لشعبنا الابي، وصيحة عز في وجه القهر، وتتويج ملهم لتجارب الكفاح المخلص ضد الاستبداد، والاستعمار في شمال الوطن وجنوبه.

وشدّد فخامته على مركزية القضية الجنوبية في أيّ حل سياسي شامل، مؤكدًا أنّ العدالة والمواطنة المتساوية، والشفافية والوضوح هي الطريق الأمثل لتعزيز فرص الصمود، وصون سيادة الدولة، واستقرارها، وتحقيق تطلعات الشعب اليمني في الامن والسلام والتنمية.


ونوه الرئيس بتجربة الجنوب الفريدة بعد الاستقلال، في بناء الدولة المدنية الحديثة، من خلال منظومة قانونية واجتماعية متقدمة، وما مثّلته من خطوات رائدة في تمكين المرأة، فضلا عن إطلاق أول منبر تلفزيوني وأول ناد رياضي كصوت للمعرفة، والمشاركة الشبابية الخلاقة.

واكد فخامته المضي مع الحكومة والبنك المركزي في برنامج الاصلاحات الشاملة التي قادت الى تحسن ملحوظ في سعر العملة الوطنية، والسلع الأساسية، والبدء بصرف مرتبات الموظفين في القطاعين المدني والعسكري، وجدولة المتأخرة منها، ليشمل ذلك بإذن الله تعالى مستحقات البعثات الدبلوماسية، والطلاب الدارسين في الخارج.

وعبّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني  باسمه واعضاء المجلس عن بالغ تقديره للأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على مواقفهما الاخوية الصادقة إلى جانب الشعب اليمني، ودعمهما السخي في مختلف المجالات، فضلًا عن جهودهما المشهودة في تعزيز فرص السلام في اليمن، والمنطقة.

كما هنّأ فخامة الرئيس الشعب الفلسطيني الشقيق باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، مثمنًا الجهود التي بذلتها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة قطر، إلى جانب الأشقاء العرب والشركاء الدوليين وفي المقدمة الرئيس دونالد ترمب، للتوصل إلى هذا الإنجاز التاريخي على طريق السلام العادل، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل ترابها الوطني، وعاصمتها القدس الشرقية.

وأكّد فخامته ثقته المطلقة بالقوات المسلحة والأمن، وكافة التشكيلات العسكرية في مواصلة مهامها الوطنية المقدسة، وبقدرة شباب ونساء اليمن على حمل مشعل التغيير وبناء اليمن الذي يستحقه جميع ابنائه.

وفيما يلي نص كلمة فخامة الرئيس:

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أبناء شعبنا اليمني العظيم، في الداخل والخارج،،
يا ابطال قواتنا المسلحة والامن في مختلف ميادين البطولة والفداء،،
سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته.
أحييكم باسمي واخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي بتحية الحرية والكرامة، مع التهاني المخلصة بهذا اليوم المجيد الرابع عشر من أكتوبر، الذي جاء تتويجاً لمسيرة نضالية عظيمة، جسدت واحدية الثورة اليمنية، ومصيرها المشترك.

في مثل هذا اليوم المجيد من عام 1963، انطلقت من جبال ردفان الشامخة شرارة الحرية بقيادة الشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة، ورفاقه الاحرار، لتكمل ما بدأه قادة سبتمبر في صنعاء على طريق طويل، ومكلف من اجل تحقيق الحلم: حلم دولة المواطنة، والعدالة، وسيادة القانون، التي امضى قادة الحركة الوطنية قرونا في النضال من اجل تحقيقها.

إن ثورة الرابع عشر من أكتوبر لم تكن مجرد حدث عابر في التاريخ، بل ولادة جديدة لشعبنا الابي، وصيحة عز في وجه القهر، وتتويج ملهم لتجارب الكفاح المخلص ضد الاستبداد، والاستعمار في شمال الوطن وجنوبه.
ومن رحم تلك الثورة العظيمة، ولدت نواة الدولة اليمنية الحديثة، لتستمر عدن رمزا للكرامة، ومعقلا للتنوير، وذاكرة حيّة لكل من آمن بأن اليمن لا يقاد إلا بإرادة أبنائه، وتصالحهم مع الداخل، والخارج.

ايتها الاخوات المواطنات،،
أيها الاخوة المواطنون،،
نحتفل اليوم بهذه الذكرى الخالدة بتجديد العهد مع شعبنا بأن العاصمة عدن، وكافة مدن الجنوب، الذي تم توحيده بفضل الله، وارادة أكتوبر العظيم، ستبقى قلب دولتنا النابض، وموانئها العالمية المفتوحة، ورايتها العالية في وجه الانقلاب، والإرهاب ومشاريع التمزيق، والاقصاء والتهميش.

لقد كانت عدن، وحضرموت وباقي مدن الجنوب عبر التاريخ جسر التقاء، لا انقسام، وواحة تعدد لا إقصاء، ومصدر الهام متجدد لبناء وطن يتسع لكل أبنائه دون استثناء.

أيها المواطنون، ايتها المواطنات،،
لقد كان الجنوب، وما يزال، شريكا أصيلا في صناعة اليمن الجمهوري، بتجاربه الرائدة في التعليم، وتمكين المرأة، والعمل النقابي، وبقيمه المدنية الراسخة.

ومن الإنصاف أن نقول اليوم إن القضية الجنوبية باتت حجر الزاوية لأي حل سياسي شامل، وإن عدالة هذه القضية، لا يمكن تجاوزها بأي شكل من الاشكال، في إطار دولة وطنية عادلة، تحتكم الى الإرادة الشعبية، وتساوي بين جميع أبنائها في الحقوق، والواجبات.

لقد آن الأوان لإغلاق أبواب الشقاق، وان نفتح صفحة العمل المشترك من أجل المستقبل.. المستقبل الذي يبدأ بإسقاط الانقلاب، واستعادة مؤسسات الدولة، وإعادة الاعتبار لخيارات الشعب، وتطلعاته المشروعة في الحرية والسلام، والتنمية.

وقد كان أكتوبر المجيد لحظة فارقة على طريق تأسيس دولة مدنية حديثة خرجت من صلب الحركة الوطنية لتعيد صياغة المجتمع على أسسٍ جديدة من العدالة والمواطنة المتساوية.

فمن رحم ملحمة الاستقلال، انبثقت منظومة قانونية واجتماعية متقدمة، كان في طليعتها قانون الأسرة الذي حدّد سنّ الزواج، وصان كرامة المرأة، ومنحها حقوقًا واسعة في خطوة سبقت بها الزمان والمكان.

ولم يقف التغيير عند النصوص، بل شمل الحياة العامة بمؤسساتها الاقتصادية والثقافية؛ فكانت المصانع، والموانئ التجارية، والمسرح الوطني، كما كان اول منبرٍ تلفزيوني، وأول ناد رياضي انطلقا من عدن، صوتًا للتنوير، ورمزًا للمشاركة الشبابية، والانفتاح الخلاق.

وهكذا ظل إرث أكتوبر شريانًا حيًّا يتدفق في وعينا كلما حاول الركود أن يغلبنا، ويذكّرنا ان مشروع الدولة العادلة لم يكتمل بعد، وأن من واجبنا أن نكمل ما بدأه الرواد، متمسكين بقيم الحرية، والمواطنة، والمساواة، وسيادة القانون، التي كانت جوهر التجربة، ورحلتها نحو المستقبل، معززين في ذلك إيجابيات المرحلة، والتعلم من اخفاقاتها.

أيها الشعب اليمني العظيم،،
يؤكد مجلس القيادة الرئاسي على الدوام التزامه الصادق بمبدأ الشراكة، وإدارة علاقاته الداخلية والخارجية بروح المسؤولية، التي تجسدت مجددا في اجتماعاته الأخيرة، واضعا في ذلك مصالح شعبنا فوق كل اعتبار.

وهنا أؤكد لكم أن هذا التوافق لم يكن مناورة سياسية، بل خطوة مصيرية لترسيخ وحدة الصف، وإظهار الدور البناء للهيئات المساندة لمجلس القيادة الرئاسي، وتوجيه كل الطاقات نحو الهدف الأعظم: استعادة مؤسسات الدولة واسقاط الانقلاب البغيض المدعوم من النظام الايراني، وانهاء هذه المعاناة التي طال امدها.

لقد علمتنا التجارب، أن الاوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بالمسؤوليات المشتركة، وأن التباينات هي حالة طبيعية لتعددية المكونات والقوى الوطنية، طالما كان ذلك تحت سقف الدولة، وسيادة القانون، وعدم المساس بالثوابت، والمصالح العليا للبلاد.

يا أبناء شعبنا الأبي،،
على مدى أكثر من ثلاث سنوات، واجهنا في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، أزمة تمويلية غير مسبوقة في تاريخ الدولة، ومعها حملات تشكيك وتهويل، لكننا اخترنا العمل بصمت، وتحويل التحديات إلى أمل، والأزمات إلى فرص واعدة بعونه تعالى.

وبروح الفريق الواحد، شرع مجلس القيادة والحكومة، والبنك المركزي، في مسار جديد للإصلاحات المالية والإدارية، أثمر عن تجديد الدعم من اشقائنا الاوفياء في المملكة العربية السعودية بمنحة اضافية للموازنة العامة للدولة، وتعزيز الثقة مع مجتمع المانحين، التي تكللت مؤخرا باستئناف صندوق النقد الدولي لأنشطته في اليمن بعد أحد عشر عامًا من التوقف.

وقد قادت هذه الإصلاحات، الى تحسن ملحوظ في سعر العملة الوطنية، والسلع الأساسية، والبدء بصرف مرتبات الموظفين في القطاعين المدني والعسكري، وجدولة المتأخرة منها، ليشمل ذلك بإذن الله تعالى مستحقات البعثات الدبلوماسية، والطلاب الدارسين في الخارج.

كما وجهنا الحكومة باستكمال مصفوفة الإصلاحات بموجب قرارات وتوصيات مجلس القيادة الرئاسي، وبما يضمن استدامة هذه المكاسب، وتجنب أي اثار جانبية على الفئات الضعيفة من المواطنين.

لقد أثبتت التجربة أن الشفافية والوضوح، والانسجام في العمل بين مؤسسات الدولة، والاعتراف بالقصور، والاخطاء، وعدم التنصل من المسؤوليات، هي السبيل الامثل لتعزيز فرص الصمود، وتعظيم المكاسب على المستويات كافة.

وقد أكدنا في خطاب سبتمبر ان هذا هو الفرق بين الدولة والمليشيا: الدولة التي تعمل وفقا للحقائق، وظروف الواقع، وتوظيفها في خدمة مواطنيها، وتخفيف معاناتهم، والمليشيا التي تبيع الوهم، وتصادر السلطة، والثروة لصالح قادتها الارهابيين.. الدولة التي تواجه الكوارث بالأمل، ومد يد العون، والمليشيا التي تواجه اللقاحات بالخرافة، والتنمية بالكراهية، ومطالب صرف المرتبات، بالقمع، والاختطاف، والتنكيل.

أيتها المواطنات، أيها المواطنون،،

نتابع واخواني أعضاء المجلس، بكل مسؤولية، المطالب الشعبية المحقة من اجل العدالة، وتعزيز سيادة القانون، حيث وجهنا في هذا الجانب، السلطات المعنية باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بإنصاف المظلومين، وردع المجرمين، وضمان عدم افلاتهم من العقاب، ذلك ان العدالة هي جوهر الدولة، ومعيار قوتها الأخلاقية.

وهنا يجدر التذكير بالتحسن المستمر في أداء السلطة القضائية خلال الفترة الماضية، حيث تم المصادقة على عشرات الاحكام الباتة في قضايا جنائية جسيمة، بعد سنوات من التوقف عن إمضاء هذا النوع من العقوبات الرادعة.

وفي هذه المناسبة نؤكد ان سقف الحريات مكفول بالقانون، والاحتجاج حقٌ مشروع، لكنه يجب أن يمثل رسالة مشرقة على حرية التعبير، والتعدد، والتعايش، وإصلاح مؤسسات انفاذ القانون، لا اضعافها، او تأزيم الأوضاع، وتحويلها الى مبرر للعزلة، وبيئة طاردة للشراكات، والتدخلات الإنمائية والانسانية التي تشتد اليها حاجة الملايين من مواطنينا.

أيها الإخوة والأخوات،،
عشية هذا اليوم المبارك، نهنئ الشعب الفلسطيني الشقيق بما تحقق من اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في غزة، بعد معاناةٍ مروّعة عاشها الأبرياء على مدى شهورٍ من القتل والتدمير، والحصار الإسرائيلي المميت.

إننا نُحيي صمود الشعب الفلسطيني، ونُشيد بالجهود المخلصة التي بذلتها المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، ودولة قطر، والأشقاء العرب كافة، والشركاء الدوليون، وفي المقدمة جهود الرئيس دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، الذين أسهموا جميعا في التوصل إلى هذا الإنجاز التاريخي، على طريق السلام العادل، واستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في إقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي هذا السياق، لا يفوتنا الاعراب عن تقديرنا العميق للأشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، على مواقفهم التاريخية في دعم واغاثة الشعبين اليمني، والفلسطيني على حدٍّ سواء، وعلى جهودهم المتواصلة من اجل تعزيز فرص السلام في المنطقة، والامن والاستقرار العالمي.

لقد كانت مواقفهم ركيزةً أساسية لصمود دولتنا، ومثالًا يحتذى في الشراكة الصادقة والتضامن العربي الأصيل، تجسيدا لمشروع السلام والتنمية، في مقابل مشاريع التخريب والدمار.

وإذ نحتفي بهذا الاتفاق، فإننا نوجّه رسالةً صريحةً إلى المليشيات الحوثية: أن تتعلّم الدرس، وأن تغتنم الفرصة لالقاء السلاح، والانصياع لإرادة الشعب اليمني وقرارات الشرعية الدولية، وعدم الارتهان لمشاريع الفوضى، والوصاية الإيرانية التي دمرت حاضر اليمن، وتهدد بمصادرة مستقبل ابنائه.

يا أبناء شعبنا اليمني العظيم.. يا أبطال قواتنا المسلحة والأمن.. يا شباب ونساء اليمن الأحرار،،
لقد أثبتم للعالم أنكم الدرع الحصين للجمهورية، والركيزة الأولى في معركة الخلاص الوطني.

فبفضل عزيمتكم، تعزّزت عوامل الصمود، والثقة باستعادة السيادة، والاستقرار والسلام، لكننا ندرك أن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا بتفكيك كامل للبنية الطائفية العنصرية، وتجريم فكرة الولاية الامامية في الدستور والقانون.

وبفضلكم نحن نقترب من الخلاص، لا بالشعارات، بل بعملٍ منظم وإيمان راسخ وعدالة شاملة لا تعرف الانكسار.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار،
الشفاء العاجل لجرحانا الأبطال،
الحرية للمعتقلين،
عاشت جمهوريتنا حرةً أبية،
أكتوبر مجيد،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات مشابهة

  • رئيس مجلس القيادة يؤكد الالتزام بالشراكة الوطنية والثقة الكاملة بتحقيق النصر في معركة الخلاص الوطني
  • رسالة طلابية روسية لمصر ودول الخليج باللغة العربية
  • جامعة إقليم سبأ تحيي ذكرى ثورة 14 أكتوبر بندوة وطنية حول مسارات الثورة اليمنية وتحدياتها
  • إنشاء مركز الإعلام الرقمي.. مهمة وطنية في زمن الفضاء المفتوح
  • "الوطنية للانتخابات" تؤكد: مشاركتك الإيجابية بانتخابات النواب 2025 ضمان لاستقرار الدولة
  • في ذكرى انتصارات أكتوبر.. جامعة المنيا تُنظِّم ندوة وطنية بعنوان الانتماء والمواطنة والهوية الوطنية
  • ترامب: ممتن للدول العربية والإسلامية التي ساهمت في اتفاق السلام لإنهاء الأزمة في غزة
  • ترامب: سنفعل شيئًا لا يُصدق.. وأشيد بالدول العربية التي تعهدت بإعادة إعمار غزة
  • الشباب قوة وطنية وركيزة تنموية.. ندوة بإعلام دمياط
  • ائتلاف المالكي: حضور الكيان لا يمنع مشاركة العراق في قمة شرم الشيخ