عربي21:
2025-08-01@11:30:10 GMT

طوفان غزة ووهم الدولة الوطنية

تاريخ النشر: 28th, March 2025 GMT

عملية خلط الوقائع بالأماني مستمرة في أغلب مقالات الكتاب العرب بمختلف المواقع، فكثير من الأقلام تنوي الحديث فيما هو كائن فتكتب في ما ينبغي أن يكون، لذلك نقع جميعا في حالة من التحفز لوضع جديد مريح بينما نحن ماكثون في حفرة السوء العربية المسماة دولة وطنية. دولة الكيان لن تنهار غدا ونصر العرب بسورة الأحزاب ليس حقيقة علمية (وهذا موضوع غالب على أقلام كثيرة)، ولذلك فإن تأمل دروس غزة يصير أولوية منهجية نرتب بها أفكارنا للمستقبل وربما تساعدنا على حركة سلمية في الزمن القادم.



أضع في مقدمة دروس غزة أن الدولة العربية المسماة وطنية هي مخفر شرطة صهيوني؛ مهمته قمع المواطن العربي وإهدار كرامته وبدون مقابل لصالح قوى الهيمنة وفي مقدمتها الكيان الصهيوني. أما الدرس الثاني (الدرس الأول في الحقيقة) فهو أن إزالة الوهم مقدم على بناء الحقيقة.

مجاملة الفلسطيني للتخلص منه

كانت هذه سيرة الدولة العربية منذ انطلاق حركة التحرر الفلسطيني ومرورها بمراحل مختلفة؛ شعارات تضامن وأغان ثورية ومقعد في الصف الأول للقيادة وتسمية شوارع بأسماء أبطال أو مواقع مقدسة وبعض الدولارات لخبز المخيمات. لكن ذلك كان في عمقه تخلصا من الفلسطيني الذي لا يريد أن يستسلم ويغلق الملف، وكان من يذِّكر الساسة العرب بأن معركة تحرير فلسطين ليست فلسطينية بل عربية وإسلامية، وأن وجود الخازوق الصهيوني في تلك البقعة ليس موجها للفلسطيني وحده،النتيجة بعد سبعين سنة من الدولة الوطنية: شعوب عربية فقيرة بل جائعة وعارية ومقهورة وفلسطيني مشرد، وكيان/خازوق مهيمن برا وبحرا وجوا وعلى غرف نوم القيادة العربية. تنادي غزة الدول فلا تستجيب وتنادي الشعوب فتحول شرطة الدولة الوطنية بين الشعوب وغزة. ويبارك الكيان قدرة الأنظمة على حماية الكيان من الشعوب ويطلب المزيد؛ التهجير لإغلاق الملف بل لأمة وتاريخ وثقافة يُدْمَغُ بخطاب أولوية تنمية الداخل الوطني استعداد للمعركة الحاسمة التي تجمع العرب الأقوياء (بلغة دولة البعث السوري، تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو). لذلك يستوي في هذه الخطاب أنظمة قُطرية رجعية عميلة وأنظمة قومية ثورية صامدة ومتصدية.

النتيجة بعد سبعين سنة من الدولة الوطنية: شعوب عربية فقيرة بل جائعة وعارية ومقهورة وفلسطيني مشرد، وكيان/خازوق مهيمن برا وبحرا وجوا وعلى غرف نوم القيادة العربية. تنادي غزة الدول فلا تستجيب وتنادي الشعوب فتحول شرطة الدولة الوطنية بين الشعوب وغزة. ويبارك الكيان قدرة الأنظمة على حماية الكيان من الشعوب ويطلب المزيد؛ التهجير لإغلاق الملف. وتناور الدولة العربية لتمرير البرشام المر لشعوبها في الأخير: "الفلسطيني أخونا ومرحبا به ولنغلق الملف".

لم تطور الدولة العربية شعبها ولم تحرر فلسطين لكنها تطورت حتى صارت هي نقطة الحراسة المتقدمة للكيان. نحن هنا وهذه حقيقة صقلتها معركة طوفان الأقصى، نحن ممنوعون حتى من التضامن اللفظي في السوشيال ميديا مع غزة ومعركتها الشريفة.

هل ننسف المكاسب القُطرية؟

السؤال الصواب هنا والآن: كم كانت كلفة الكيان الصهيوني على تاريخ العرب الحديث وكم ستكون كلفته على مستقبلهم المنظور؟ ما نثمنه كمكاسب قُطرية نسميها تنمية اقتصادية واجتماعية ونسميها سيادة وطنية ومقعد بين الأمم (الخ)، هي قليل من كثير لم يتحقق لأن الكيان "يخوزق" الأمة منذ قرن. بإمكان المرء أن يحسب مقدار الخسارات قياسا إلى الإمكانات المتاحة (نظريا)، فالتقييم الحقيقي هو كم خسرنا مما كان متاحا لنا أن نكسب؟ فما كسبناه قليل قياسا إلى عمر الدولة العربية وأعمار شعوبها وإمكاناتها البشرية والطبيعية المتاحة.

نقول في الإمكانيات المهدرة لقد كان بالإمكان تحرير فلسطين باستعمال قناة السويس كورقة سياسية دون الإنفاق على قطعة سلاح واحدة، لكنني أسمع اللحظة تهمة المثاليات الرومانسية. ليكن الوجه الآخر لدرس غزة وكنا نعرفه ونغض الطرف حتى لا تنفجر مراراتنا، الدولة العربية تحتاج وجود الكيان لتعيش من وهم مقاومته.

نحن لا نستطيع السير في الشوارع متضامنين مجرد تضامن لفظي مع غزة لأن حكومتنا تمنعنا، وهي تفعل ذلك بمقابل من الصهاينة وداعميهم "اقمعوا شعوبكم لصالحنا سنحميكم من شعوبكم"، هكذا بمثل هذا التبسيط. أين الدولة الوطنية إذن؟ أين مكاسبها؟ وأين كرامة شعوبها؟ تتضح الصورة أكثر، تلازم التحرير مع بناء الديمقراطية في الأقطار.

لا مهرب لنا
توجد حقيقة بحجم التاريخ نفسه، هي ما كشف الطوفان خلال عشرين شهرا؛ الكيانات السياسية العربية التي نراها ونسميها دولا وطنية تعيش آخر أيامها، وهي تستشعر أن من يستخدمها يعرّيها أمام شعوبها وكل خطوة تهز أسسها المزيفة. تلك الجلسة الذليلة أمام مدفأة ترامب هي حقيقة الدولة العربية
نحن أيضا، أعني الشعوب الثرثارة، نحتاج الكيان ليقمع الفلسطيني فنثرثر بالتضامن، خاصة بعد أن مُنحنا وسائله الرخيصة فنحرر القدس في إكس وفيسبوك وأخواتهما. لكن فينا أمل أو نظنه، نحن ننظر إلى الدولة العربية (الوطنية) بوعي ما بعد الطوفان. ونجزم بأن أسباب بقائها قد انتهت، لقد انكشف الوهم فلا تنمية ولا تحرير ولا ديمقراطية. غير أن هذا الوعي لا يتحول حتى اللحظة إلى مشروع طوفان لأن هناك معركة أخرى محلية تقف دونه، هي المعركة ضد النخب التي وقف وعيها عند الدفاع عن الإدارة التي تمنحها رواتبها كل شهر.

النخب العربية أو نخب الرواتب هي التي ما زالت تبيع وهم الدولة الوطنية بعد حرب الطوفان، وقد عاينت في أكثر من مرة أنها ممنوعة حتى من مظاهرة رفع عتب في شارع ضيق. هناك أولوية تاريخية، خوض المعركة المحلية للتحرر من النخب الوطنية والتي ليست إلا أبواقا للأجهزة الأمنية المسماة دولة وطنية، وهي في حقيقتها مخفر شرطة صهيوني.

يوجد شيء من الأحلام العاجزة في ما نقول هنا، فهل يمكن إعادة تأسيس الدول؟ لكن توجد حقيقة بحجم التاريخ نفسه، هي ما كشف الطوفان خلال عشرين شهرا؛ الكيانات السياسية العربية التي نراها ونسميها دولا وطنية تعيش آخر أيامها، وهي تستشعر أن من يستخدمها يعرّيها أمام شعوبها وكل خطوة تهز أسسها المزيفة. تلك الجلسة الذليلة أمام مدفأة ترامب هي حقيقة الدولة العربية.

لحظة الانفلات الشعبي ضد مخافر الشرطة الصهيونية تلوح في الأفق، وعسى أن تبدأ بكنس النخب التي تحرص على إيهام الشعوب بوجود دول وطنية لتضمن رواتبها. هل خلطت الأماني بالوقائع؟ نعم، لكن الأمل في وصول الطوفان إلى أبعد من حدود غزة لم يفارقنا منذ الرصاصات الأولى، فلم نر الطوفان معركة غزاوية بل معركة إنسانية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العرب غزة تضامن طوفان غزة تضامن عرب طوفان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة العربیة الدولة الوطنیة

إقرأ أيضاً:

عاصم الجزار: تنوّع الكوادر داخل الحزب مصدر ثراء.. و”الجبهة الوطنية” برامجي معاصر

قال الدكتور عاصم الجزار، رئيس حزب الجبهة الوطنية، إن الحزب يركز في برنامجه على عدد من القضايا التنموية الكبرى التي تمتلك فيها الدولة المصرية ميزات نسبية واضحة، مثل السياحة، والصناعة الموجهة للتصدير، والطاقة، والتعليم، موضحًا أن الحزب يعمل على تحليل هذه الملفات من منظور علمي وعملي، بما يؤهله للقيام بدور “بيت خبرة” يُساند الدولة في وضع حلول حقيقية وفعالة.

وأضاف الجزار خلال لقائه مع الإعلامي نشأت الديهي في برنامج “الورقة والقلم” على قناة TEN أن التحضر يُعد من القضايا المهمة أيضًا، نظرًا لارتباطه الوثيق بتحقيق التنمية وجذب الاستثمارات، مشيرًا إلى أهمية السعي لزيادة نسبة التحضر وربط المواطن بأنشطة ذات عائد اقتصادي. ولفت إلى أن بناء المدن الجديدة ليس هدفًا عمرانيًا فقط، بل هو مشروع تنموي متكامل يهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطن، ودفع عجلة الاقتصاد الوطني من خلال التوزيع السكاني العادل وتعظيم فرص النمو.

الجبهة الوطنية: الدول التي تسقط لا تنهض مجددا وتجربة مصر العمرانية هي الأنجححاتم باشات: الجبهة الوطنية دفع بكفاءات في انتخابات الشيوخ قادرة على التعبير عن تطلعات المواطنالسيد القصير: مرشحو الجبهة الوطنية للشيوخ يتمتعون بالكفاءة والجدارةموجز اخبار جنوب سيناء.. مبارك بتفقد محطة معالجة دهب.. والجبهة الوطنية يحث الناخبين على المشاركة

وأوضح رئيس الحزب أن الجبهة الوطنية تضم كوادر من مختلف التوجهات الفكرية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، معتبرًا أن هذا التنوع يُعد مصدر ثراء، لا خلاف، وأن ما يجمع بين الجميع هو السعي لتحقيق رفعة الوطن والمواطن، عبر النقاش والتوافق على أفضل السبل لتحقيق أهداف الدولة الاستراتيجية.
وقال:

“إذا كنت أنتمي إلى تيار فكري واحد فقط، فسأبقى دائمًا حبيس هذا الفكر، غير منفتح على أفكار أخرى، قد يؤدي دمجها مع غيرها إلى تحقيق دفعة قوية للأمام.”

وأكد الدكتور عاصم الجزار أن الحزب يضع منظومة القيم المصرية في صدارة أولوياته، وعلى رأسها العدالة، باعتبارها أساس استقرار المجتمع والدولة، إلى جانب الانحياز للعلم والمعرفة كمدخل لتأهيل الطاقات البشرية وتحقيق التنمية الشاملة.

وأضاف أن الحزب يتبنى نهجًا قائمًا على الإبداع والتميّز والعمل الجماعي، باعتبارها ركائز أساسية لتعظيم الإنجاز، وبناء وعي سياسي يُعزز مشاركة المواطن في صياغة مستقبل الجمهورية الجديدة.

وأوضح الجزار أن برنامج الحزب ينطلق من هذه القيم المحورية، في إطار رؤية شاملة لحزب سياسي برامجي معاصر، يدعم الحياة السياسية من خلال خبرات عملية وعلمية متطورة، تهدف إلى توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وتحفيز المواطنين على الانخراط الإيجابي في هذا الشأن، بما يعزز من قدرة مؤسسات الدولة على أن تكون شاملة، وقادرة على التعبير الحقيقي عن متطلبات المجتمع وتطلعاته.

واختتم بالتأكيد على أن الحزب يولي اهتمامًا خاصًا بالهوية الوطنية، والقيم المصرية الراسخة في ضمير هذا الشعب العريق.

طباعة شارك الدكتور عاصم الجزار حزب الجبهة الوطنية القضايا التنموية الكبرى التعليم الطاقة السياحة

مقالات مشابهة

  • قبلان: لا يملك أحد شرعية نزع القوة الدفاعية التي تحمي لبنان
  • الكعكي: الجيش ضمانة وحدة لبنان وحصر السلاح بيده ضرورة وطنية
  • نجوم الطرب الأردني يضيئون مسرح أرتميس في جرش اللجنة الإعلامية لمهرجان جرش ضمن فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون 2025، تألق عدد من الفنانين الأردنيين مساء الأربعاء 30 تموز، في أمسية فنية على مسرح أرتميس، قدّموا خلالها باقة من الأغاني التي تنوعت بين الوطني
  • بعد أزمة الجيزة.. متحدث الحكومة يكشف حقيقة العودة لتخفيف الأحمال من جديد
  • بَللو: الديناميكية التي يشهدها قطاع السينما تعكس التزام الدولة إلى بعث الصناعات الإبداعية
  • عاصم الجزار: الجبهة الوطنية صوت الحكمة
  • رئيس حزب الجبهة الوطنية: المشروع الوطني مفتاح استعادة عافية الدولة
  • عاصم الجزار: تنوّع الكوادر داخل الحزب مصدر ثراء.. و”الجبهة الوطنية” برامجي معاصر
  • الجبهة الوطنية: الدول التي تسقط لا تنهض مجددا وتجربة مصر العمرانية هي الأنجح
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي