موقع 24:
2025-06-26@16:07:06 GMT

غيرة الأصدقاء

تاريخ النشر: 3rd, April 2025 GMT

غيرة الأصدقاء

في إحدى الجلسات التي جمعتني بأصدقاء أعتز بهم، كنا نتحدث في شتى المواضيع، إلى أن وصل بنا الحديث ـ على غير قصد ـ إلى غيرة وحسد الأصدقاء. وما إن طُرح الموضوع حتى بدا كأنه باب كان ينتظر أن يُفتح. 

جلسنا نضحك بداية، كلٌّ يروي قصة طريفة مرّ بها، عن صديق أبدى غيرة غير متقنة الإخفاء، أو عبّر عن إعجاب مشوب بالمرارة.

ثم بدأ الحديث يأخذ عمقاً مختلفاً، تحول الضحك إلى تأمل، والقصص الطريفة إلى اعترافات مضمخة بالحزن والخذلان.

المفاجئ ليس أن الحسد موجود بين الأصدقاء، بل أن وجوده بات مألوفاً إلى حدّ أننا لم نعد نشعر بخطورته. نراه، نبتسم له، ونسميه "طبيعي"، وكأن الغيرة غريزة لا علاج لها. نضحك منه مرة، ونتغاضى عنه مرات، ونحاول تبريره أحياناً. لكن الحقيقة أن الحاسد لا يحتاج إلى ظرف، يكفيه أن يرى غيره ناجحاً، متألقاً، سعيداً… حتى تبدأ نيران قلبه بالاشتعال، دون أن ينتبه أن الدخان وحده كفيل بخنق العلاقة.

أحد الأصدقاء تحدّث عن ترقية حصل عليها في عمله، فإذا بصديقه المقرب يعلّق بكل خفة دم: "أكيد واسطة"، قالها وضحك، وكأن الطعنة التي وجهها كانت طرفة. وآخرون ذكروا مواقف شبيهة، تهنئة باردة، نظرات مصقولة بالشك، تراجع مفاجئ في العلاقة عقب كل إنجاز، وكأن النجاح يُعدّ خيانة في عُرف بعض الناس.

المؤلم في حسد الأصدقاء ليس الغيرة ذاتها، بل السذاجة التي يُحاولون تغليفها بها. كلمات ناعمة، ملامح متماسكة، لكنك تشعر أن الروح ترتجف من الداخل، وأن القلب يقول ما لا تقوله الشفاه. 

الأسوأ من الحسد ذاته، هو غياب الوعي به. أن ترى من كان أقرب الناس إليك، يتحول إلى شخص لا يعرف كيف يُسيطر على مشاعره، لا يملك أدنى فكرة عن تهذيب نفسه أو وزن كلماته. لا يستوعب أن الغيرة شعور طبيعي، لكنها تصبح سامة حين تُترك بلا رادع، وتُترجم إلى تصرفات صبيانية تُفسد علاقات ناضجة.

أليست حسرة كبرى أن يخسر إنسان صديقاً عاش معه سنوات طويلة، فقط لأنه لم يتعلم كيف يُنظّف قلبه؟

أما الإنسان الواعي، فإنه حين يشعر بشيء من الغيرة، يتوقف، يتأمل، يراجع دوافعه. يسأل نفسه: "هل أنا منزعج لأنه أخطأ، أم لأن نجاحه يُشعرني بالنقص؟" يهدّئ من غليانه، يهذب لسانه، ويحفظ على نفسه نقاء علاقته. لأن العقل يُمسك بزمام القلب، فلا يدعه يتمادى، ولا يسمح له أن يقطع روابط سنوات بلحظة انفعال.

ومن يقرأ كثيراً، ويعيش مع الأفكار، يعرف أن المقارنة قاتلة، وأن الصداقة أثمن من أن تُذبح على مذبح الغيرة. القراءة تُهذّبك، لا لأنها تملأك معلومات، بل لأنها تجعلك ترى نفسك من بعيد، وتخجل حين تجد فيك ما كنت تنتقده في غيرك.

الصداقة الحقيقية لا تُختبر في الحزن، فالجميع يتعاطف مع الباكي، لكن الفرح هو الغربال الحقيقي. كم من صديق ربّت على كتفك حين سقطت، ثم اختفى حين وقفت! لأن الفرح يفضح، ويكشف من يراك نِدّاً لا حبيباً. الصديق الحقيقي هو من يفرح لك كأنك هو، ويصفّق لك دون أن يقارن، ويحتفل بك دون أن يشعر أن إنجازك خصمٌ من رصيده.

علينا أن نراجع أنفسنا، لا لنُحصي عدد الحاسدين في محيطنا، بل لنسأل: هل نحن نغار؟ وهل نكتم غيرتنا حتى لا تجرح؟ وهل نفرح للآخرين كما نحب أن يفرحوا لنا؟ لأن القلب الضيق لا يُنقذه اتساع الابتسامة، والعين الحاسدة لا يلمع فيها نور الحب، مهما تلألأت بالادّعاء.

فما أجمل أن نكون ممن يفرحون لغيرهم، لا لأننا نملك أكثر، بل لأننا نملك قلوباً نظيفة لا تعرف السواد. وما أصفى الصداقات التي تُبنى على الفرح الصادق، لا على المقارنة الخفية، ولا على الحذر من أن يكون لصديقنا جناحٌ أطول.

كما قال ميخائيل نعيمة: «الصديق الحقيقي هو الذي تتضخّم في عينه محاسنك وتتقلّص معايبك، والذي لا يحسدك إذا كنت أغنى منه في أي ناحية من النواحي، بل يتمنى لك المزيد، ولا يكبر عليك إذا كان أغنى منك، بل يجعلك تشعر كما لو كنت أنت الغني وكان هو الفقير».

أما أولئك الذين يغارون منا في الخفاء، ويهنّئوننا بأصوات مرتجفة، ثم ينسحبون فجأة وكأنهم لم يكونوا… فنسأل الله أن يهديهم إلى نفوس أنقى، أو يهدينا إلى نسيانهم.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: حرب ترامب التجارية وقف الأب عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية مقالات

إقرأ أيضاً:

دعاء أوصى به الرسول.. أهم الأدعية التي كان يرددها النبي

عن الدعاء الذي أوصى به الرسول، فقد روي عن العباس رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله، فقلت: يا رسول الله؛ علمني شيئا أدعو به، فقال: «سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ» ثم أتيته مرة أخرى، فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أدعو به، قال: فقال« يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللهِ؛ سَلِ اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». [أخرجه أحمد].

دعاء النبي للتخلص من الأرق .. يجلب لك نوماً هادئاًدعاء النبي يوم عرفة .. 40 كلمة جامعة للخيرات رددها الرسول لا تتركها حتى المغربدعاء أوصى به الرسول

كما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها، عَنْ دُعَاءٍ كَانَ يَدْعُو بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ، وَشَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ». صحيح مسلم.

وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: « كان أكثرَ دعاءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "اللهم ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخِرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ» (البخاري:6389).

عَنْ عَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، اللهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ»، وَإِذَا رَكَعَ قَالَ: «اللهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي»، وَإِذَا رَفَعَ قَالَ: «اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ»، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «اللهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» أخرجه مسلم في "صحيحه".

دعاء النبي في الصلاة

وكان النبي المصطفى محمد -صلى الله عليه وسلم- يردد دعاء في الصلاة كثيرا، فعَنْ عُرْوَةَ رضي الله عنه، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ»، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَ المَغْرَمِ؟ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ». متفق عليه.

وعن دعاء النبي والكلمات التي كان يكثر من الدعاء بها إلى الله، فكان من دعاء النبي الكريم أنه قال: «اللهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَمِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ نُورًا، وَمِنْ خَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا». [أخرجه مسلم].

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم والمغرم، موضحًا أن مأثم ومغرم تقع في الميزان الصرفي على وزن مفعل، مثل مكتب ومضرب، وجميعها آلات وأدوات.
 

طباعة شارك دعاء أوصى به الرسول الأدعية التي كان يرددها النبي دعاء النبي في الصلاة دعاء النبي دعاء كان يدعو به الرسول كل يوم دعاء الرسول المستجاب أكثر دعاء كان يردده الرسول

مقالات مشابهة

  • سليمان: النصر الحقيقي لمن يوقف الحرب ويقترح السلام
  • مصر تمنح المستثمرين إعفاءات جمركية وضريبية.. أبو العينين: الشرق الأوسط منبع الاستثمار الحقيقي
  • مدفيديف: الاتحاد الأوروبي أضحى العدو الحقيقي لروسيا وتهديده لا يقل خطورة عن “الناتو”
  • المخابرات الأمريكية تكشف حجم الدمار الحقيقي في برنامج إيران النووي
  • بعد 12 يوما من الحرب.. من الخاسر الحقيقي في المواجهة بين إيران وإسرائيل؟|خبراء يجيبون
  • رئيس إيران لمحمد بن سلمان: نرحب بـأي مساعدة من الأصدقاء لحل الخلافات مع أمريكا
  • ليس كما يبدو.. الأرصاد توضح السبب الحقيقي لشعورنا بارتفاع الحرارة اليوم الثلاثاء
  • عراقجي يؤكد وقف إطلاق النار: شكراً لقواتنا التي استمرت بمعاقبة إسرائيل
  • دعاء أوصى به الرسول.. أهم الأدعية التي كان يرددها النبي
  • العدالة والتنمية التركي يكشف عن الخطر الحقيقي الذي يستهدف المنطقة