نحو معالجة فكرية للموروث في الشرق والغرب
تاريخ النشر: 4th, April 2025 GMT
عوامل فاعلة:
عوامل نتحدث من زاويتها حول انحدار أو سقوط الأمم بعد ارتقاء، وهي الفكر والزمان، والقدرة على التجدد ومعالجة التحديات، أما الفكر المتجدد فهو ما يحوي آليات تجديده أو يتقبل الاستنباط وفق قراءة أو استقراء الواقع، وأحيانا الاستقراء الخطأ يقود إلى اختراع أو ابتكار آليات تبدو كعنصر قوة وتجديد؛ لكنها تشكل خللا بنيويا في الأمة يؤدي إلى انهيارها الحضاري الفكري أو تقطع وسائلها المبنية على تفاصيل بديهية نسيت مع الزمن فتصبح بلا صيانة.
الأمم تعني الانسجام وقواعد الحياة:
قواعد الحياة قد يعبر عنها بنمط الحياة عندما تبنى الأمور على صيغ علمية وقانونية بحته ومعالجات لحاجات الناس وفق نمط معين من المسارات الاقتصادية والإدارية، مثل النظام الرأسمالي الغربي بأشكال متعددة وبمستويات متعددة من التطور وفق قدرات البلاد وتطورها الإداري المحكم.
ظهرت المذاهب المتعددة على أمور بسيطة أو من منطلق سياسي كالذي أحدثته صِفّين والطف، وأراد أن يدعم نفسه كتوجه بالفقه والتأصيل ليكون مذهبا ثم طائفة
النظام الرأسمالي بني على التجانس ولم يُصغ صياغة متينة للمختلف بأعداد مؤثرة قابلة لإحداث تغيير بوجود بارز؛ والناس يتعاملون مع القانون في تشكيل نمط الحياة، والقانون يفترض أن المختلف أمر طبيعي، لكن مع ازياد الأعداد ظهرت الفجوة التي تتوسع لتصل إلى رأس الحكم والحكومات، فهم بحاجة إلى وضع آليات جديدة لاحتواء هذا لكن لا يوجد فكر قابل للتوسع وقبول المعالجات. والنفعية تجسم الخطر خصوصا عندما يكون الدين فاعلا في رفض الآخر من كل الأطراف، فإما أن تحل هذه أو سيتفكك نمط الحياة والاستقرار الذي يمنحه هذا النمط، وبالتالي ستتخلف المدنية والحياة وقد يظهر نوع من الدكتاتوريات المستبدة لتمزق المجتمع، خصوصا مع فشل الرأسمالية والانهيارات الاقتصادية التي طلت في فترات متعددة وآخرها ما زال مستمرا منذ 2008.
المنطقة الإسلامية:
الأمة منهارة فعلا لفقدان أواصر الارتباط العقلية وانهارت تدريجيا بزرع عوامل الفرقة والاختلاف مع ارتفاع أدائها المدني والحكم والانتشار الذي لم يرافقه تغيير في الأساليب، لأن الطابعة لم تك موجودة والنسخ لا يوفر الكتاب الأساس في الإسلام (القرآن) ولا الحديث والسنة، فظهرت المذاهب المتعددة على أمور بسيطة أو من منطلق سياسي كالذي أحدثته صِفّين والطف، وأراد أن يدعم نفسه كتوجه بالفقه والتأصيل ليكون مذهبا ثم طائفة، أما المعتزلة والأشعرية والسلفية وغيرها والتي نشأت في تلك الفترة فنقلت معتقداتها ومشاكلها واجتهاداتها أيضا بالتقليد وضعف التفكر وفق المعطيات المستجدة أو التي اتضحت مع التطور بكفة المجالات، وعندما يزداد الاختلاف يتولد التعصب ثم التعصب الأعمى إلى أن أصبح الإسلام دينا بعيدا عن واقع الحياة.
أمتنا المنقسمة والمتنوعة في نفس الوقت بحاجة إلى إصلاح يوقف ذهابها في طريق يريد إحياء أنماط ميتة، وأن تتوقف عن استجلاب الماضي بخلافاته وإحيائها في واقع لا صلة له بها وليس طرفا فيها وبأسوأ ما فيها من تفاصيل، بل على المسلمين واجب وجهد لاستقراء الواقع واستنباط ما يناسبه من أناس متفتحين
وما زال الاختلاف بين الفرق الأشعرية والصوفية والسلفية بأنواع فهم السلفية ما بين الخضوع والتمرد، وكلها متطرفة في هذا وذاك إلى أن أصبحت الأمة لا تعرف الطريق وهي أصلا انهارت منذ زمن لتكون جاهزة للاستعمار والاحتلال، وتخلفت عندما تركت فهم العلم وأنكرت أي تجديد أو تحديث واعتبرته بدعة وضلالة ومن يقولها فهو في النار، وهذا متفق عليه عند المختلفين بكل شيء.
فهم الإسلام المتقوقع هذا وأنه قوالب جاهزة لا يمكن أن تتسع لهذا العصر وتطلب من الناس أن يكونوا بحجم تلك القوالب هو أمر ليس ممكنا، فالعالم فيه مشاكل تحتاج حلولا من أجل الاستمرار في الحياة وفيه أسئلة لا تجيب عليها المذاهب والفرق، ونحتاج إلى اختصار التوسع في مسألة كتبت بها كتب لتكون بصفحة واحدة، فالعبادة ليست باتباع رأي الفقهاء وقسم من الاجتهادات أصلا لا يعقل ولا يمكن أن يُقبل وكان نوعا من الهروب الفكري بعيدا عن السياسة، بل العبادة في ما يوضح ويعين الآدمية على فعل ما خلقت له وإعادتها إلى رشدها بدل ما نرى مما وصفته الملائكة لربها.
لا بد من التغيير.. تلك السنة الكونية المهملة
إن أمم الغرب لا بد أن تعدل من قواعد تأسيس الدولة الحديثة التي لا ترتكز على قيم أخلاقية بل النفعية في القرار والتعاملات والسلوك، وهي أيضا باتت تقليدية ومنكمشة لفقدان آليات التحديث لما لم يحسب له حساب.
أمتنا المنقسمة والمتنوعة في نفس الوقت بحاجة إلى إصلاح يوقف ذهابها في طريق يريد إحياء أنماط ميتة، وأن تتوقف عن استجلاب الماضي بخلافاته وإحيائها في واقع لا صلة له بها وليس طرفا فيها وبأسوأ ما فيها من تفاصيل، بل على المسلمين واجب وجهد لاستقراء الواقع واستنباط ما يناسبه من أناس متفتحين. الأمة غارقة بعقليات مغلقة، صوتها عال ومرتفع، تُسكت وتشوش وتشوه أفكارا تتلمس الطريق نحو يقظة فكرية تجمع الأمة على ما يكون هو الحل لمشاكلنا ومشاكل الأمم، بدل ما نرى من فساد وسفك للدماء وتخلف فكري في الغرب، مع تخلف فكري ومدني في بلداننا التي لن تتقدم إلا أن أعملت التفكير ونزعت جلابيب الماضي واتخذت مسار القرآن والسنة والسيرة وتحقيقها، ثم بناء ما يناسب الحياة وصناعتها من خلال استنباط يتبع استقراء الواقع.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الفكر تغيير اسلام انساني فكر تغيير مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
السيناريوهات المقبلة في ضوء الخلفية التاريخية ومعطيات الواقع
مسعود أحمد بيت سعيد
masoudahmed58@gmail.com
بادئ ذي بدء، لا يُمكن فَهم الحرب الإسرائيلية على إيران وتحليل دوافعها بشكل موضوعي ومنهجي، ولا التنبؤ بمآلاتها، بمعزلٍ عن سياقاتها التاريخية والسياسية الممتدة؛ فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، دخل العالم مرحلة الحرب الباردة، وانقسم إلى معسكرين: اشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي، ورأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي هذا الإطار، برزت حركات التحرُّر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية كرد فعل طبيعي على واقع الاستعمار، مدعومةً إلى حد كبير من المعسكر الاشتراكي، الذي وفَّر لها دعمًا سياسيًا واقتصاديًا. وأدى هذا الواقع إلى قدر من التوازن النسبي في النظام العالمي، مكَّن العديد من دول العالم الثالث، التي كانت ترزح تحت أشكال متعددة من السيطرة الاستعمارية، من نيل استقلالها السياسي. غير أن هذه المرحلة لم تبلغ مداها؛ إذ شهدت مسارات متأرجحة بين التقدم والتراجع، بفعل عوامل موضوعية مُتراكمة، انتهت بانهيار المنظومة الاشتراكية، وعلى ضوئه تبدَّلت خريطة الصراعات والتحالفات السياسية. وفي خضم هذه التحولات، شكَّلت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 نقطة مفصلية في تاريخ المنطقة؛ فقد أطاحت بنظام الشاه، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، والذي كان يُعرف بـ"شرطي الخليج"؛ نظرًا لدوره في حماية المصالح الغربية، وفي مقدمتها المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
كانت إيران في عهد الشاه تُقيم علاقات رسمية مع الكيان الصهيوني، وكان العلم الإسرائيلي يرفرف في سماء طهران، في مشهدٍ يُعبِّر بوضوح عن ارتهان النظام السابق للمحور الغربي. غير أن قيام الجمهورية الإسلامية غيَّر موازين القوى في المنطقة؛ إذ تبنَّت موقفًا مُعاديًا للهيمنة الإمبريالية والصهيونية، وهو ما منحها تأييدًا شعبيًا واسعًا في العالم العربي. هذا التحوُّل جعل إيران هدفًا مباشرًا لتحالف إمبريالي-صهيوني- رجعي، رأى في سقوط نظام الشاه تهديدًا مباشرًا لأحد أهم أركان المشروع الغربي في منطقة النفوذ التقليدي للغرب. وقد عُدَّ ذلك انتصارًا استراتيجيًا لكل القوى المُناهِضة للوجود الاستعماري. لكنَّ التطورات العالمية، وعلى رأسها انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط المنظومة الاشتراكية، منحت الولايات المتحدة فرصة التفرد بقيادة النظام العالمي وفرض هيمنتها على مناطق نفوذ المعسكر المُنهار، لا سيما في الشرق الأوسط. وسعت واشنطن إلى تفكيك ما تبقى من قوى المقاومة؛ سواء عبر الحروب المباشرة أو من خلال دعم قوى سياسية موالية لها.
وباستثناء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نجحت الولايات المتحدة إلى حدٍ كبيرٍ في تدمير معظم قوى المُمانَعة العربية الرسمية. وانطلاقًا من هذا الواقع، يُمكن فَهم الحرب الإسرائيلية الأخيرة؛ باعتبارها حلقة ضمن مشروع استراتيجي طويل الأمد، يسعى إلى فرض السيطرة الكاملة على شعوب المنطقة، وتصفية ما تبقى من قوى مُقاوِمة للمشروع الصهيوني- الأمريكي، باتت إيران تمثل الهدف الأبرز للمخططات الإمبريالية- الصهيونية. وهنا تتجلى أبعاد الحرب باعتبارها فصلًا جديدًا في صراع شامل، تتداخل فيه العوامل الجيوسياسية مع الرهانات العقائدية والاقتصادية.
وبناءً على هذا التحليل العام، يتضح أن المنطقة لا تتحرك في فراغ؛ بل تخضع لتوازنات وتحولات كبرى، ما تزال تؤثر في طبيعة الصراع، وإن تغيَّرت أشكال المواجهة وعناوينها السياسية. ويبقى السؤال الجوهري قائمًا: هل النصر حتمي للمشروع الإمبريالي- الصهيوني؟ الجواب، بموضوعية: لا؛ فهناك عوامل رئيسية تُضعِف هذا الاحتمال؛ أهمها: إرادة الصمود والمواجهة طويلة النفس، التي أثبتت حضورها في أكثر من ساحة، ومنها الفلسطينية رغم الكلفة الباهظة، والتي تُشكِّل نقيضًا واضحًا لمنطق الهيمنة الصهيونية- الأمريكية. وكذلك البُعد القِيَمِي والوجداني للصراع، القائم على مفاهيم الكرامة والهوية والقضية العادلة، وهي مُرتكزات لا يُمكن تقويضها أو استيرادها من مصانع الإمبريالية.
وعليه.. لا يُمكن فصل العدوان الإسرائيلي على إيران عن المسار التاريخي للصراع بين قوى الاستعمار والهيمنة من جهة، وقوى التحرُّر والاستقلال من جهة أخرى. وفي ظل المعطيات السياسية والعسكرية الراهنة، يُمكن توقُّع عدد من السيناريوهات المُقبلة. لكن قبل ذلك لا بُد من التوقُّف عند الضربة الأمريكية التي باتت حتمية في الأيام القليلة الماضية؛ وذلك استنادًا إلى 4 اعتبارات رئيسية؛ الاعتبار الأول: مؤشرات جِدَّية تفيد بأنَّ الكيان الصهيوني يمُر بأزمة وجودية عميقة. الاعتبار الثاني: تأكيد أمريكي على الالتزام بحماية الكيان الصهيوني. الاعتبار الثالث: توجيه الرأي العام نحو السردية التي فقدت مصداقيتها حول سعي إيران لامتلاك السلاح النووي. الاعتبار الرابع: تقدير أمريكي خاص بأن الضربة العسكرية قد تُشكِّل مدخلًا يفتح أفقًا للحوار السياسي. وهذه الاعتبارات وغيرها ستتضح من خلال الرد الإيراني.
أما السيناريوهات المقبلة، فتندرج ضمن مسارين بارزين؛ الأول: توسيع دائرة الصراع ودخول قوى جديدة على خط المواجهة. الثاني: استمرار حرب الاستنزاف الحالية أطول مدة مُمكنة، وإذا ما أُخضِع هذان السيناريوهان لقانون التناقض وصراع الأضداد، يمكن استخلاص سيناريو ثالث، وهو وقف مؤقت للحرب وقبول الطرفين بصيغة توازن مرحلي.
وبغض النظر عن تفوق القوة العسكرية والنتائج الآنية وكل التطورات اللاحقة، فإن معركة الإرادات ما تزال مفتوحة، ومشروعية الدفاع عن الكرامة الوطنية تبقى قائمة، وستُواصِل قوى التحرُّر والتقدُّم، التشكُّل بصور متعددة، ولن تتمكَّن قوى الظلم والعدوان من القضاء على إرادة الشعوب وحقها في الحرية والسيادة الوطنية.
رابط مختصر