لجريدة عمان:
2025-05-30@14:18:24 GMT

أرض التــطــرف

تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT

ما الذي يمكن استخلاصه من ظواهر المواجهات الدائرة، السياسية منها والعسكرية، في عالمنا اليوم؟ كل مواجهة تعني تناقضًا وتضادًا، وهذا التضاد لماذا يأخذ شكل المواجهة والمجابهة بدل الحلول الأخرى الطبيعية؟ لماذا التطرف في المواجهة لإخضاع الآخر والسيطرة عليه بالقوة والعنف؟ هل التطرف هو لغة العصر؟ كيف تحول العالم إلى مسرح مناسب لأنواع ودرجات من التطرف تغذي وتستثير بمجرد ظهورها كل تطرف مضاد؟ كيف نجد في عالمنا اليوم أشكالًا متعددة من خطاب التطرف نجحت، بل وأصبحت وصفة انتخابية معممة، تقود أصحابها إلى تولي زمام السلطة، كما حدث في مناطق مؤثرة من العالم؟ وكل هذا التطرف المعولم ألا يغذي بشكل رئيسي اتجاه العالم بأسره نحو العنف والحرب كنتيجة متوقعة؟

بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة النازية والفاشية في أوروبا لم يكن أحد يتخيل أن اليمين المتطرف سيعود إلى السلطة، بما في ذلك من تبقى من أعضائه، أو أن أحزاب اليمين المتطرفة يمكنها التفكير بالمنافسة في الانتخابات، أو أنها ستحظى بأي شعبية مستقبلية، لكن واقع الحال اليوم أن عددًا لا بأس به من الأحزاب الفائزة في الانتخابات تتبنى بشكل معلن خطاب التطرف، فكيف حدث ذلك؟

هل يمكننا القول إن الحروب الأمريكية العالمية المعلنة التي اتخذت ذريعة الحرب على الإرهاب في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قد دمغت بداية هذا القرن بآثار لا تمحى، لكنها أدت لنتائج عكسية، ليس أقلها صعود اليمين، وبتعبير آخر فإن الحرب الأمريكية على التطرف والإرهاب بدل أن تقضي على الإرهاب والتطرف قامت بتعميمه.

يبدو اليوم أن تلك الحرب المعلنة على الإرهاب والتطرف، القاعدة آنذاك، أدت إلى تفريخ وتعدد أشكال وجماعات التطرف والإرهاب، وأن أغلب ذلك التفريخ جرى في مناطق احتلتها أمريكا كالعراق مثلًا، حيث جرى تصدير التطرف لكل دول الجوار، وكان النتاج هو استقواء التطرف وتعاظمه، بل وجرى استخدام جماعاته لتدمير النظم السياسية المعارضة للهيمنة الأمريكية والتغوّل الإسرائيلي، كما حدث في سوريا، وفي الوقت نفسه صعد الخطاب المتطرف، وكراهية الأجانب، وصعدت الأحزاب والخطابات المعادية للآخر، خاصة وعلى التحديد الإسلام، وكان هذا الخطاب متوجهًا بالتحديد للتأثير على المراكز ويبدو أنه نجح بطريقة ما في إذكاء التطرف العام.

ما حدث في حرب الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب هو تهويل حوادث ١١ سبتمبر واتخاذها ذريعة للحرب والتدخل، وما فعلته تلك الحروب الأمريكية أنها دشنت عصر الإرهاب والتطرف، وهذا رأي نعوم تشومسكي في كتابه عن الحدث الصادر في ذلك العام نفسه ٢٠٠١، وهو يقول حرفيًا إن العالم مقبل على عصر الإرهاب، في استشراف دقيق كما هو واضح، لأن ذلك ما حدث في كل مكان، لقد جرت تغذية العصر بمتوالية من التفجيرات التي شملت غالبية المدن الغربية، وحتى العربية بطبيعة الحال، والتي عجّلت في إظهار نتائج الإرهاب وخطره الكامن في توليد التطرف، وإعطاء مشروعية للتطرف المضاد، ولكنه أصبح إرهاب دولة، وأدى لكوارث بشرية واستباحة حدود الدول وإسقاط الأنظمة وتسليمها من بعد للفوضى أو للنظام السابق نفسه كما في أفغانستان، وكأن الغاية لم تكن غير تغذية الإرهاب وزيادة التطرف.

العالم بالنسبة للتطرف هو ساحة معركة، وكل البشر في نظر التطرف هم إما «مع» يجب عليه النصرة، أو «ضد» يجب القضاء والسيطرة عليه، ولا ثالث لهما، عالم من الأبيض والأسود، يجب الانتصار فيه، وكالعادة تستخدم أوهى المبررات والمنطق المختلق لتكوين تلك العقيدة المتطرفة والتي ليست غير منطق الكراهية، لكنها في نظر المتطرف تبيح له القتل وسفك الدماء والنهب والتنكيل بكل من يجابهه، وبالمحصلة يجد التطرف إطارًا يعطيه كل الشرعية والحق لممارسة العنف الكامن داخله، وهو لا يخدم غير بعث التطرف والعنف المضاد، بل هو يقوم عبر استغلال أشباهه في الطرف الآخر، إما عبر استغلال أفعال مشابهة قاموا بها وتهويلها، أو عبر دفعهم للقيام بردات فعل تستدعى المواجهة والمجابهة، و(السحق والمحو)، بهذا الشكل يمنح التطرف نفسه الحق في تعميم الموت، بكافة أشكاله، وفي قهر الخصوم واستفزازهم ودفعهم دفعًا للانتقام، ذلك أن خطاب التطرف عدمي، مغرق في عدميته، وهو بشكله ذاك مهيأ للاستخدام والتلاعب به وجعله دمية في خدمة حتى ألد أعدائه المعلنين، ولا يخدم غاية أكبر غير الدمار.

لكن التطرف ليس دافع البشر والناس العاديين، بل دوافعه خاصة، هي دوافع الحكم والسيطرة والاستحواذ والهيمنة والنفوذ، وهي دوافع تفرضها الطبقات والأنظمة والجماعات المسيطرة فرضًا على الناس، أو تورطهم فيها، بحيث يجد الناس أنفسهم بين خيارين، إما قابيل أو هابيل، إما قاتلًا أو قتيلا.

في أثناء ذلك تخرب البلاد وينهار العمران وتتعطل كافة الأشكال الحضرية للحياة، وينهار السلم الطبيعي بين الناس، فالإنسان بطبيعته أميل للسلم منه للحرب، لكن التطرف يريد تغيير تلك الطبيعة بالقوة وتوجيهها للحرب، بحجة المغانم التي يكسبها، وهي ليست مغانم بقدر ما هي سرقة بالقوة والعنف لممتلكات وثروات الناس وبلدانهم وميراثهم الطبيعي، وهي بالمقاييس العادية حقارة، لكن التطرف بكل صفاقة يجعلها مشروعه وحقًا من حقوقه الطبيعية، بالحرب والعنف.

لا يوجد شيء يستثير التطرف مثل الحرب المشتعلة، لأن اندلاع الحرب يوقد نار العنف داخل الجميع، حتى لو كانوا معتدلين وغير متطرفين، إنها وسيلة التطرف القديمة والتقليدية في جر الجميع للحرب، شاءوا أم أبو، بحيث لا يجد الجميع أمامهم غير مسار القتال والقتل، أو الهزيمة والرضا بالذل، وقبول الاستفزاز والإهانة.

لا يدرك التطرف أنه تعصّب أعمى، لأن لا وقت لديه، ولأن تلك العلة المتأصلة فيه هي التي تجعله ألعوبة في يد من لديه الدهاء والقدرة على استغلاله، فالتطرف مشغول بذاته، وبمعركته، وبتصنيف الناس إلى مع وضد، وهو في اشتعال دائم لا يملك القدرة على أكثر من الاشتعال وإشعال الحرائق ومواصلة التفجيرات، وفي عالمنا اليوم يبدو أن هناك من أصبح بمقدوره الاستفادة والتحكم بهذا الثور الهائج، بل وأن يضع المحراث على ظهره ويقوده للمناطق التي يريد زراعتها بمزيد من التطرف، حتى أصبح التطرف في عصر التقنية وملاكها مصدر دخل ووسيلة تحكم متوفرة فعالة ومضمونة النتائج، يجري تعميمها فكريًا على الافراد عبر أجهزتهم الأثيرة.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الإرهاب ما حدث فی

إقرأ أيضاً:

تعليم قنا تحصد 5 مراكز فى المسابقة البحثية الكبرى لوزارة الأوقاف

حصدت مديرية التربية والتعليم بقنا، 5 جوائز في المسابقة البحثية الكبرى، التي نظمتها وزارة الأوقاف بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، للمرة السادسة على التوالي من أجل بناء الشخصية الوطنية ومواجهة التطرف الدينى وصناعة الحضارة بمشاركة  107284 مشاركا، وبجوائز مالية بلغت 1155000 جنيه مصري.

أعلن بيان وزارة الأوقاف، حصول يونس محمد يونس، الطالب بالمدرسة الرسمية لغات بإدارة نقادة التعليمية، على المركز الأول في منافسات المرحلة الابتدائية، وفوز الطالبة مريم سيد عبد الغني، بمدرسة حمودي الإعدادية بالشيخية التابعة لإدارة قفط التعليمية، على المركز العاشر بمنافسات المرحلة الإعدادية، كما تفوق الطالب يوسف رمضان علي، بمدرسة دشنا الثانوية الفندقية، بعد حصوله على المركز الثالث في منافسات المرحلة الثانوية الفنية.

محافظ قنا يتفقد مركز تدريب العاملين على إجراءات السلامة بشركة المياهمصوغات بـ20 مليون جنيه.. بدء التحقيق مع عصابة المصوغات الذهبية في قنامحافظ قنا يشارك في فعاليات مؤتمر تقنيات الري الحديث لمنظمة الفاونائب محافظ قنا يودع الفوج الأول من حجاج الجمعيات الأهلية| صور

كما أعلن بيان الوزارة، عن حصول أشرف حسن علي، موجه اللغة العربية بإدارة قفط التعليمية على المركز الرابع في منافسات المعلمين، وفوز حسن ابراهيم مغربي، بالمركز السادس في منافسات أولياء الأمور بالمسابقة وهو يشغل وظيفة موجه لغة عربية بإدارة الوقف التعليمية.

من جانبه أشاد هاني عنتر الصابر، وكيل وزارة التربية والتعليم بقنا، بما أنجزه سفراء مديرية قنا المشاركين من مختلف الفئات العمرية بين 74 فائزاً لتعزيز استراتيجية وزارة الأوقاف نحو محاور المسابقة الأربع، والتي تتضمن" مواجهة التطرف الديني، مواجهة التطرف اللاديني المتمثل في تراجع القيم والأخلاق، واستعادة وبناء الشخصية الوطنية، وصناعة الحضارة". 

كما أثنى الصابر، على دور توجيه عام اللغة العربية تحت إشراف الدكتور محمد مصطفى، الموجه العام في توعية المعلمين والطلاب وحثهم على المشاركة وتشجيع المتميز منهم، وتعريفه بأسس البحث العلمي ومد يد العون للوصول إلى بحث متميز ينافس على الصدارة في المسابقة.

وفى سياق آخر، فازت الطالبة تسنيم حسن محمد، بمدرسة الثانوية بنات التابعة لإدارة قنا التعليمية، بالمركز الخامس على مستوى الجمهورية في منافسات "قمي الإلقاء الشعرى" التي أعلنت الإدارة المركزية للأنشطة الطلابية بوزارة التربية والتعليم نتيجتها، للمرة الثانية هذا العام.

طباعة شارك قنا وزارة الأوقاف المسابقة البحثية الكبرى مواجهة التطرف الدينى وزارة التربية والتعليم

مقالات مشابهة

  • مجلة عبرية: القوات اليمنية أفشلت آلة الحرب الأمريكية والمبادرة لا تزال بيد صنعاء
  • مراحل عربات جدعون التي أقرها نتنياهو لتهجير سكان غزة
  • الفضاء الإلكتروني والتجسس السيبراني
  • السيد القائد عبدالملك: الله قدَّم لعباده الهداية الكاملة.. التي إن اتَّبعوها كانت النتيجة فلاحهم
  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • 600 يوم من الحرب.. نهش الجوع أجساد الناس في غزة
  • حول قضية الأسلحة الكيميائية والعقوبات الأمريكية
  • ندوة تناقش خطاب التطرف لدى تنظيم «الإخوان»
  • وكيلة وزارة المعادن: الوثائق الروسيه تحتوي على قاعدة بيانات قوية لاستعادة كل الوثائق والتقارير الجيولوجية التي فقدت في الحرب
  • تعليم قنا تحصد 5 مراكز فى المسابقة البحثية الكبرى لوزارة الأوقاف