حيدر المكاشفي

أحيت منظمة الحارسات طقس (الرحمتات) أواخر شهر رمضان وتحديدا في اخر يوم جمعة من الشهر الفضيل (تعرف بالجمعة اليتيمة) بكمبالا عاصمة يوغندا، وذلك باقامة احتفال خصصته لأطفال اللاجئين السودانيين المقيمين هناك، ولكن قبل الدخول في تفاصيل هذا الطقس السوداني الرمضاني الذي كان شائعا وسائدا وأوشك أن يندثر ان لم يكن قد اندثر فعلا، يجدر بنا الوقوف قليلا عند منظمة حارسات صاحبة هذه اللفتة البارعة، فمبلغ علمي أنها منظمة نسوية سودانية تأسست عام 2018من مجموعة من الناشطات السودانيات بهدف توسيع مشاركة النساء في الحراك الثوري الذي بدأ يتبلور وقتها وبدأت طلائعه في البروز، وكانت لها بصمتها على طريق إرساء تيار نسوي سوداني ديمقراطي جديد، كما كان لها سهم وافر وحضور مميز في حراك ثورة ديسمبر منذ أول تظاهرة دعا لها تجمع المهنيين، وكانت عضوات الحارسات ملتزمات وحريصات بالمشاركة الدائمة والمستمرة في كل المواكب والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي تتالت الى لحظة اسقاط النظام، وسجلت بذلك المنظمة اسمها باستحقاق وجدارة ضمن قائمة أيقونات الثورة، وقبل ذلك كان لها وجود مميز في ساحة اعتصام القيادة العامة، ومشاركتها في جميع فعاليات وأنشطة الاعتصام ونظمن العديد من الانشطة الخاصة بالنساء، حتى وقعت مجزرة القيادة البشعة والقذرة، ومن بعد ذلك عملت المنظمة على تخفيف الآثار النفسية والجسدية للناجيات والناجين من المجزرة، وكان للمنظمة ومايزال موقف واضح ومطالبة قوية ومستمرة حول ضرورة إصلاح مؤسسات الأجهزة الأمنية والعسكرية، وتمسكها الصارم بقيم الحرية والسلام والعدالة وحقوق الانسان، وكان للمنظمة الكثير من المشاريع و البرامج التى ظلت تنظمها باستمرار مما يصعب الاحاطة بها في هذه العجالة حتى وقوع هذه الحرب اللعينة الفاجرة، ومنها هذه الفعالية التي نحن بصددها.

.فالتحية والتجلة والتقدير ل(الحارسات) على ما قدمن وظللن يقدمن حتى اليوم، وصمودهن وجسارتهن في تحمل ما واجهنه من أذى وعسف..

وعودة الى طقس الرحمتات الشعبي التراحمي التكافلي الذي عملت الحارسات على احيائه، نقول هو طقس سوداني كانت العديد من الاسر السودانية تحرص على اقامته في اخر جمعة من كل رمضان، وربما تكون له نظائر بمسميات أخرى وطرائق مختلفة وتواقيت مختلفة في بعض الدول العربية، ووفقا لسرديات شعبية سودانية، يتكون مصطلح (الرحمتات) من مقطعين هما (الرحمة) و (تأتي) أو (أتت) وبدمج المقطعين يصبح المصطلح (الرحمة أتت) أو (الرحمة تأتي) والذي تحور شعبيا الى (الرحمتات)، كما أن هناك تسميات أخرى لطقس الرحمتات مثل (عشاء الميتين) حيث يعتبرونه موسما للتصدق على أرواح الموتى من الاهل والأقارب ويطلقون عليه ايضا (الجمعة اليتيمة)، ففي هذه الجمعة تنكب الاسر التي تحرص على اقامة الرحمتات في عمل مأدبة كبيرة يدعى إليها الأرحام والأصدقاء والجيران مع التركيز بشكل خاص على الأطفال لتناول طعام إفطار رمضان، وهذه باختصار هي (الرحمتات) التي يحتسبون أجرها لموتاهم، وغير المأدبة هناك من يتصدق بالمال على الفقراء والمحتاجين. أما بالنسبة لنوعية الطعام المعد للرحمتات والذي يحظى به الأطفال بوجه خاص باعتبارهم نجوم الطقس، فهو في الغالب الاعم يتكون من اللحم والخبز والأرز، فيما يعرف محليا ب(الفتة)، بالاضافة الى تجهيز منقوع التمر أو الحلومر مشروب السودانيين المفضل في رمضان، وفي الماضي كانت الذبائح تنحر لأجل هذا اليوم، لكن مع تعقد الحياة وصعوبة الحال وتدهور الأوضاع الاقتصادية التي أثّرت كثيراً على قدرات الناس على الإنفاق، اقتصر طقس الرحمتات على شراء بعض اللحوم من السوق لطبخها أو تقديمها لحوم صدقة لروح المتوفين من الأسرة. ولما كان الأطفال هم نجوم تلك الليلة فهم المعنيين أكثر بمائدة الرحمتات حيث يتنقلون من بيت إلى آخر قارعين الطبول ومرددين أهازيج تراثية منغمة وداعين بالرحمة للموتى وطول الحياة لصانعات الموائد من الأمهات والجدات، ومن أغاني الأطفال في ليلة الرحمتات: تات..تات الرحمتات أدونا تلات بلحات، تين تين…أدونا لحم ميتين، ومنها أيضا: الحارة ما مرقت ست الدوكة ما وقعت..قشاية قشاية ست الدوكة نساية..كبريتة كبريتة ست الدوكة عفريتة..ليمونة ليمونة ست الدوكة مجنونة..ويقصد بست الدوكة المرأة التي تقوم بتحضير الطعام. وعادة يقصد الأطفال المنازل التي سينعمون فيها بالطعام الوفير. وعند تأخر تقديم الوجبة للأطفال يصدحون بكل براءة: الحارة ما بردت..ست الدوكة ما فركت..صابونة صابونة ست الدوكة مجنونة..أدونا الحارة ولا نفوت ولا نكسر البيوت.. وبعد تلك هي الرحمتات التي أحيت طقسها منظمة الحارسات بعد ان كادت تندثر أو ربما تلاشت، فالكثير من الاجيال الصاعدة قد لا يعرفونها ولا يذكرونها بفعل الكثير من المتغيرات التي تسببت في تلاشي الكثير من الموروثات الثقافية والشعبية السودانية ومنها على سبيل المثال مؤسسة الحبوبة (الجدة) التي كانت تلعب دورا كبيرا ومؤثرا في تربية الاحفاد..وعموما ليس لنا الا ان نشكر منظمة الحارسات التي تشكل قضايا وهموم النساء محور اهتمامها على اللفتة والمبادرة الذكية واللماحة..

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسومحيدر المكاشفي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

“حدوتة مدينتين: إيطاليا والإسكندرية” – إعادة إحياء الحوار الثقافي على ضفّتي المتوسط

بعد النجاح الكبير الذي حققته النسخة الأولى من معرض “حدوتة مدينتين”، التي جمعت بين أثينا والإسكندرية، تعود مؤسسة آرت دي إيجيبت التابعة لـكالتشرفيتور هذا العام بنسخة جديدة من هذا المشروع الثقافي الرائد، تجمع بين إيطاليا والإسكندرية، وذلك استمرارًا لمسيرة إعادة إحياء الروابط الثقافية والتاريخية بين مصر ودول البحر المتوسط، وتعزيزًا للحوار الفني العابر للحدود.
النسخة السابقة من المعرض، التي أُقيمت في متحف الأكروبوليس في أثينا ومكتبة الإسكندرية في عام 2024، كانت بمثابة جسر بصري وإنساني بين حضارتي اليونان ومصر، حيث عرضت أعمالًا لفنانين من البلدين، وشهدت فعاليات ثقافية وفكرية واسعة النطاق، بالتعاون مع أرشيف كفافي، ومتحف بيناكي، ومكتبة أوناسيس، وحققت أصداء إيجابية على المستوى الدولي.

هذا العام، ينطلق المعرض من مدينة ميلانو في إيطاليا، حيث يُقام في غاليري فوماجالي من ٣٠ يونيو حتى ٣١ يوليو ٢٠٢٥، وتتخلله فعاليات يومي ١ و٢ يوليو بالشراكة مع متحف MA*GA، أحد أبرز المتاحف المعنية بالفن المعاصر في شمال إيطاليا.
يشارك في المعرض مجموعة مختارة من الفنانين المصريين والإيطاليين، سيتم الإعلان عن أسمائهم قريبًا، ضمن رؤية فنية تعكس التنوع والتقاطع الحضاري والثقافي بين ضفتي المتوسط.

كما تُنظم النسخة الثانية من المعرض أيضًا في مدينة الإسكندرية خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2025، في عدد من المواقع الثقافية البارزة، لتعميق التبادل الفني وتعزيز الحوار الإبداعي بين البلدين.

مقالات ذات صلة جمعية بيت الحكمة لمرضى السرطان تكرم المهندس علي أبو نقطة . 2025/06/21

وفي تعليقها على المعرض، قالت نادين عبد الغفار، مؤسسة آرت دي إيجيبت التابعة لكالتشرفيتور:
“أنا فخورة بإطلاق النسخة الثانية من ‘حدوتة مدينتين’ في ميلانو، المدينة التي لطالما شكّلت مركزًا للفن والحوار الحضاري. هذا المشروع هو امتداد لرؤيتنا في إعادة ربط المدن المتوسطية من خلال الفن والثقافة، وتقديم منصات تعكس التنوع والإبداع المشترك بين شعوب المنطقة. نؤمن بأن الفن قادر على تجاوز الحدود، وأن الإسكندرية ستظل دائمًا رمزًا لهذا التلاقي الحضاري. ونسعى لأن يتحول هذا المشروع إلى مبادرة سنوية، نعقد من خلالها شراكات ثقافية جديدة كل عام مع دولة متوسطية ساحلية مختلفة.”

“حدوتة مدينتين” هو أكثر من مجرد معرض فني؛ إنه مبادرة ثقافية مستدامة تسعى إلى إعادة ربط المدن المتوسطية ببعضها البعض من خلال الفن، والتاريخ، والحوار الإنساني. ويؤكد هذا المشروع على دور الإسكندرية كجسر حضاري ومدينة تحتفي بالانفتاح الثقافي منذ نشأتها وحتى اليوم.

مقالات مشابهة

  • “حدوتة مدينتين: إيطاليا والإسكندرية” – إعادة إحياء الحوار الثقافي على ضفّتي المتوسط
  • شوبير: شكراً جمهور الأهلي الكبير كانت ملحمة في كل المباريات
  • عراقجي يؤكد وقف إطلاق النار: شكراً لقواتنا التي استمرت بمعاقبة إسرائيل
  • «ترامب»: شكرا لدولة إيران لإبلاغنا بردها الضعيف على تدميرنا منشآتها النووية
  • ملك الصبا.. إحياء ذكرى رحيل القارئ أبو العينين شعيشع بكفر الشيخ | صور
  • محمد بن راشد: شكراً لموظفي الحكومة في بلادنا.. وشكراً لمن جعل خدمة البشر قضيته الرئيسية
  • فعالية خطابية للمكاتب الحكومية بتعز إحياءً لذكرى يوم الولاية
  • "حدوتة مدينتين: إيطاليا والإسكندرية".. إعادة إحياء الحوار الثقافي على ضفّتي المتوسط
  • فعالية خطابية لإدارة أمن السدة بإب إحياءً لذكرى يوم الولاية
  • بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال …جلسات تعليمية وترفيهية بدرعا