عبد السلام فاروق يكتب : رسائل «خان الخليلي»
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
لم تكن زيارةً عابرة، ولا مجرد بروتوكول دبلوماسي جاف. كانت مشهدًا يُختصر فيه معنى "الشرعية" الحقيقية، تلك التي لا تُمنَح بقرارات فوقية، ولا تُكتسب بخطابات منمقة، بل تولد من رحم الشارع، من نظرات البسطاء، من هتافات الباعة الذين يعرفون زبائنهم قبل أن يعرفوا ألقابهم.
"ماكرون" دخل خان الخليلي كرئيسٍ لفرنسا، لكنه خرج وهو يحمل أسئلةً عن سرّ ذلك الرجل الذي يمسك بزمام مصر، فيحوطه الناس كما يجتمع العسل بالنحل.
في تلك اللحظة، انهارت عشرات السرديات الزائفة. سقطت أكذوبة "الرئيس المنعزل عن شعبه"، وتبددت أوهام من ظنوا أن الغلاء وصعوبات المعيشة قادرة على أن تُحوّل المصريين ضد قيادتهم. فالشعب هنا ليس رقمًا في معادلة اقتصادية، ولا كائنًا يُقاس رد فعله بسعر الطماطم. المصريون يعرفون، كما عرف أجدادهم من قبل، أن هناك معارك لا تُدار بالبطاطس، وأزمات لا تُقاس بميزان السوق.
والمفارقة أن بعض "المحللين"، الذين يجلسون في مكاتب مكيّفة ويكتبون عن "غضب الشارع المصري" بينما أصابعهم تلهو ببقايا الفطور، هم أنفسهم من أصابتهم الصدمة حين رأوا الشارع يتحرك كالجسد الواحد يحمي رأسه. لم يفهموا أن العلاقة بين المصريين وقيادتهم أشبه بتلك التي بين الجندي وقائده في ساحة المعركة: قد تشتكي من الجوع أو التعب، لكنك لن تترك ظهره مكشوفًا للعدو.
الرسالة الأهم لم تكن لماكرون، بل لأولئك الذين ينتظرون سقوط مصر كما ينتظرون جثةً في الصحراء. المشهد قال لهم: انهضوا من أحلامكم، هذا الشعب ليس كما تتصورون. لن تجدوا هنا فرجةً للتدخل، ولا ثغرةً للاختراق. الرئيس الذي يمشي بين الناس بلا خوذة ولا حواجز، هو ذاته الذي يمشي في السياسة الدولية بلا مواربة. وهو نفس الرجل الذي يعرف أن قضية فلسطين ليست مجرد ملف على طاولة مفاوضات، بل هي خط أحمر في ضمير الأمة.
لن يفهموا طبعًا.. لأنهم يعيشون على وهم أن الشعوبَ دمى تحرّكها الأزمات. لكن التاريخ يعلّمنا أن الأمم العظيمة تولد من رحم التحديات، والمصريون تعلّموا من نيلهم أن أعظم التيارات لا تخاف من الصخور.
فليكتبوا ما يشاؤون، وليحلموا بما يريدون.. فطالما كان هناك رئيس يمشي في خان الخليلي، وشعب يصفّق من قلبه، ستظل مصر – كما كانت دائمًا – حصنًا يُحبط كل من يتربّص.
الرئيس والشعب..
لم يكن المشهد عابرًا.. كان درسًا في "فنّ صناعة الشرعية" التي لا تُشترى بالدعاية، ولا تُستورد ببضائع السياسة الرخيصة. الرئيس الذي يسير بين شعبه كواحدٍ منهم، هو ذاته الذي يمشي في المحافل الدولية كعملاق لا يُجارى. الفارق بين الزعيم الحقيقي والمُدّعي، أن الأول يجد حارسه في كل مواطن، بينما الثاني لا يجد إلا الحراس المسلّحين!
ماكرون.. شهد بعينيه ما لم تفهمه تقارير "المراكز البحثية" المأجورة: أن الشعب المصري لم يعد ذلك الكائن الذي يُخدع بوعود زائفة، أو يُستدرج بصراخ الممولين. لقد رأى كيف يتحول الحب إلى هتاف عفوي، وكيف تتحول الثقة إلى حماية لا تحتاج إلى أوامر. السيسي اختار أن يريه مصر كما هي، لا كما يريدها الإعلام المعادي أن تكون: شعبًا يرفض أن يكون رقمًا في معادلة الأعداء، وقيادة لا تتنازل عن ثوابتها، حتى لو هددها العالم.
وفي الزاوية الأخرى، كان هناك "المتربصون".. أولئك الذين ظنوا أن الأزمات الاقتصادية كفيلة بخلخلة الولاء، وأن الشعب الذي ينتظر في طابور الخبز، سينسى أن له كرامةً تُباع في السوق السوداء. لكنهم نسوا شيئًا واحدًا: أن المصريين تعلموا من تاريخهم أن المعارك المصيرية لا تُخاض بالخبز وحده، بل بالإرادة التي تصنع الخبز.. والسيادة التي تحميه.
الدرس الأكبر لم يكن في الحشود المحيطة بالرئيس، بل في الصمت المُطبق على ألسنة المغرضين بعد المشهد. لقد اكتشفوا فجأةً أن "الشعب الغاضب" الذي يصورونه في تقاريرهم الوهمية، هو في الحقيقة شعبٌ يعرف عدوّه الحقيقي، ويعرف قائده الحقيقي. اكتشفوا أن "الغضب الموجَّه" الذي يحاولون تصديره إلى الشوارع، يتبدد مثل دخان في مهبّ الريح حين يُقابَل بحقيقة العلاقة بين القيادة والجماهير.
وإذا كان بعض "المغرضين"، حملة مباخر حقوق الإنسان، لا يزالون يتساءلون: "كيف يقف الشعب مع رئيسه رغم الصعوبات؟"، فالجواب بسيط: لأن المصريين لا يقيسون ولاءهم بسعر الدولار، بل بثمن الكرامة. ولأنهم يعرفون أن المعركة الحقيقية ليست بين الشعب وحكومته، بل بين مصر وأعدائها.. والرئيس السيسي، في النهاية، هو جندي في صفّ مصر، وليس تاجرًا في سوق السياسة.
الخاتمة المذهلة في هذه القصة، أن المشهد لم يكن موجهًا للداخل المصري فقط، بل كان رسالةً للخارج أيضًا:
للغرب الذي يعتقد أن الشعوب العربية تُباع وتُشترى.. هذه مصر تعلّمكم معنى "الشرعية الشعبية".
للمتربصين الذين يحلمون بفوضى تُنهي استقرار مصر.. هؤلاء المصريون يذكرونكم أن أحلامكم ستتحطم على صخرة إرادتهم.
وللعالم الذي يتساءل عن سرّ بقاء مصر صامدة رغم العواصف.. الجواب في خان الخليلي: شعبٌ يختزل قوته في قيادته، وقيادة تستمد شرعيتها من شعبها.
فليستمر الضجيج.. وليكتب المغرضون ما يشاؤون.. فالتاريخ سيسجل أن مصر، في لحظاتها المصيرية، كانت دائمًا أقوى من كل المؤامرات.. لأن شعبها يعرف – كما يعرف النيل طريقه إلى البحر – أن المعارك الكبرى لا تُدار بالكلمات الجوفاء فحسب، بل بالقلوب العامرة بالإيمان.. والعقول المدركة أن المعركة الحقيقية هي معركة وجود، لا سعر سلعة!
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ماكرون خان الخليلي الرئيس السيسي خان الخلیلی الذی ی
إقرأ أيضاً:
الرئيس الإيراني: الكيان الصهيوني سيندم على أفعاله اليوم
أعلن الرئيس الايراني “مسعود بزشكيان”، عن اجتماع خاص لمجلس الحكومة، مؤكدا أن الكيان الصهيوني سوف يندم على أفعاله اليوم.
وفي أعقاب الهجوم الإرهابي الذي شنه الكيان الصهيوني، فجر اليوم الجمعة على ايران، والذي اسفر عن استشهاد كوكبة من القادة العسكريين والعلماء النوويين والمدنيين، كتب الرئيس الإيراني منشورا على الصفحة الشخصية له عبر شبكة التواصل الاجتماعي “ايكس”.
وجاء في هذا المنشور: “بمجرد وقوع الهجوم الإجرامي للكيان الصهيوني، تولى فريق الحكومة إدارة الاحداث ومتابعتها. وتم عقد اجتماع خاص لمجلس الحكومة في هذا الصدد. إن شاء الله سوف يندم الكيان الصهيوني على أفعاله اليوم”.
كما أكد الرئيس “مسعود بزشكيان”، في كلمة أدلى بها للشعب الإيراني، على ضرورة انتباه الشعب إلى حرب العدو النفسية. وضرورة التضامن والثقة بالمسؤولين.
وقال الرئيس الإيراني: “لن يصمت الشعب الإيراني ومسؤولو البلاد على هذه الجريمة. وسيجعل الرد المشروع والقوي العدو يندم على عمله الأحمق”.
وأضاف الرئيس بزشكيان: “إن الشعب الإيراني بحاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى. إلى التلاحم والثقة والتآزر والوحدة والوفاق. وبمساعدة الله العزيز، بهذه الروح القيمة، سيرد الشعب بقوة وحكمة وصلابة على جريمة الكيان المحتل”.
يذكر أن الكيان الصهيوني شن فجر اليوم الجمعة، هجمات على مناطق بطهران، وتعرضت عدة مبان سكنية للقصف في هذه الهجمات.
وفي هذه الهجمات، استشهد القائد العام للحرس الثوري الإسلامي اللواء “حسين سلامي”، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الايرانية اللواء “محمد باقري”. وقائد القوة الجوفضائية التابعة للحرس الثوري العميد “أمير علي حاجي زادة” وعضو البرلمان والرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية “فريدون عباسي”. واللواء “غلام علي رشيد”، والعالم النووي ورئيس الجامعة الحرة الدكتور “محمد مهدي طهرانجي”.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور